"ما هو محار الحظ الناري ؟
وكيف يحتوي على كنوزٍ من صُنعٍ بشري ؟"

نظر شوفين إلى سويكا عندما سألَته، جلس على إحدى الأرائِك وشرح لها

"هو ليس محاراً وإنما نوعٌ من الفِطر الحجري الذي ينبُت في الأماكِن التي تُسفَك فيها الدماء، لذلك يوجد في ساحات الحروب وأراضي العشائر التي تمّ تدميرها، لكنّه يحتاج إلى وقتٍ طويل حتى يتكوّن، ولِسببٍ ما.. فهو ينجذِب إلى الأشياء التي تُطلِق بعض الهالة ويقوم بابتِلاعها بِبطء"

تساءلَت باستغراب

"ولماذا يبيعونه إذا كانت فيه أشياء جيدة ؟"

هزّ رأسه ثم شرح

"لأن مُحتوياتِه تكون عادة مجرّد أحجار أو نباتات ميتة، ونادراً ما تكون داخِله أشياء جيدة، لذلك يُقيمون مُسابقات المُقامرة لِبيعِه بدل فتحِه تجنّباً للخسارة"

أومأت بِرأسِها بعد اتّضاح الأمور لها ثم قالَت

"هل ستُقامِر أيضاً ؟"

ضحِك وقال

"أنا لا أقامر، سأُشارِك فقط"

...

بعد أقل من ساعة.. أتى موظفٌ من الجواهر الثلاث وأعطى شوفين بعض الأعشاب التي كان قد طلبها من المدير، سحب شوفين بعض الأعشاء الأخرى ورمى الجميع في النار الروحية الحمراء، وبعد ساعةٍ من الصقل.. حصل على حبّةٍ طبية تُطلِق هالة لاذعة، ابتسم وقال لِسويكا

"هذه الحبّة لِتنظيف جسدي من بقايا الطاقة الشيطانية، سيأخُذ الأمر مني بعض الوقت للانتهاء، وأنتِ.. ماذا ستفعلين ؟"

تصنّعت سويكا ملامِح طفولية وقالَت بِتدلّل

"أعطِني بعض المال، أريد شراء ملابس جديدة"

ضحِك شوفين على مهاراتِها التمثيلية ثم أخرج العديد من الأحجار الحمراء والبنّية ورماها على الطاوِلة، ثم وضع عليها رمز الشخصيات الهامة الخاص بِمتجر الجواهِر الثلاث وقال لها

"بِهذا.. تستطيعين شِراء ما تُريدين، فقط لا تسرِقي أحداً لأننا لم نعُد نسرِق الآن"

هزّت رأسَها بِطاعة ثم أخذَت كل شيءٍ وغادرَت بِسرعة مثل طِفلة حصلَت على لعبة جميلة، قام شوفين ودخل إلى الحمام ثم أكل الحبة الطبية، وبعد لحظاتٍ قليلة.. بدأت تخرُج من جسدِه مادة لزِجة كريهة الرائحة، قفز في حوض الاستحمام ثم بدأ عملية التنظيف بينما يصب الماء على جسدِه، وهذه العملية ستأخُذ يومَين أو ثلاثة على الأقل.

داخِل عالمِه الفراغي.. كان سِلاحُه لا يزال يُفتّت ويُذيب الصخرة العِملاقة، ولأنها من معدن الصبّ النهائي فقد كانت العملية صعبة نوعاً ما، لكنها قد وصلَت إلى نِهايتِها لِأن السلاح صار الآن يعمل عليها بِكامِل قوتِه وليس مثل السابق عندما كان يستخدِمه شوفين في الخارِج ولا يُرسِل منه سوى جزءٍ صغير.

وقف شوفين أمام النسخة وقال بابتسامة عريضة

"أنتِ سخيّة جداً يا أجريس، آخر مرّة أردتُ الحصول على مِثل هذا.. كاد قومُك يفتِكون بي، لكن.. لِماذا تركتِ لي جزءً من أقدَس كنوزِك القومية ؟"

بدأ بالتفكير في السبب الذي جعل أجريس تتخلّى عن كنزِها الرائع في هذا العالم المُتدنّي، وكان شوفين استشعَر الغرض الموجود داخِل الصخرة منذ اقترَب من الجزيرة، لكنّه اعتقَد في البداية بِأنه مجرّد تخيُّل، وعندما دخل إلى المنجم تحت الأرض.. اتّضح الشعور أكثر فافترَق مع سويكا وذهب إلى هذه الصخرة، ولابد بأن أجريس لم تعتقِد بِأن قوى شوفين الروحية ستكون ضعيفة جداً حتى لا يستشعِره من مكانٍ بعيد، ولو كان في قوّتِه القديمة لاستشعرَه من جُزر سمهريا، خاصة أنه عبارة عن مادة فريدة لا توجد إلا في عالم البِلّور، وسيعلَم شوفين عنها بِمجرّد استِشعارِها.

وقف شوفين أمام الصخرة لِأكثر مِن يومَين، وفي هذه اللحظة كان جسدُه قد تخلّص مِن أغلب الشوائب الشيطانية ودخل في حالة تأمُّل، وأخيراً.. بدأ لُبّ الصخرة يتكشّف وظهرَت عُلبة معدنية مثل بيضةٍ فضّية، اهتزّ السلاح بِالفرح وكاد يطغى عليها، إلا أن شوفين قال

"تراجَع، هذا الشيء لي"

اقترَب من البيضة الفضّية ولمَسها بِبعض العواطِف، وفجأة.. ظهرَت صورةٌ ضبابية لِفتاة في العشرين، كانت طويلة ونحيفة وتلبِس ثياباً ملكية مُخصّصة للمعارِك، ولها شعرٌ فضّي قصير يميل إلى الخُضرة وينعكِس على بياض جِلدِها، كانت الفتاة مُغلقة العينَين لِبعض الوقت، وبعد لحظات.. فتحَت عينَيها ونظرَت إلى شوفين طويلاً قبل أن ترفَع عينَيها وتنظُر إلى الأعلى، ابتسمَت وقالت بِصوتٍ ملكي هادئ

"عرّاب الخراب، لقد تغيّر شكلُك، لكن دهاءَك لا يزال كما هو، فتحتَ رسالتي داخِل عالمِك الخاص حتى تتحكم في أي مُفاجأة غير سارة أو أُرسِل رسالةً إلى نفسي بِأنك قد عُدت، حسناً.. لا تقلق، أنا لن أفعل أي شيء مُفاجئ"

ابتسم شوفين وقال بِبعض العواطِف

"أجريس، أنتِ جميلة كالعادة كما يليق بِـجنّية القمر"

لوَت فمَها وعاتبَته

"لا تسخر منّي، فهذه الرسالة قد مرّ عليها.."

بدأت تُركّز وكأنها تحسُب شيئاً ما، عبسَت فجأة وقالَت بِصدمة

"سبعة وأربعون ألف سنة ؟
تباً.. هذا سيء"

قطّب شوفين جبينَه وسألها

"ما هو السيء ؟"

قالت

"بعد معركتِك العظيمة.. تتبّعتُ آثارك حتى وصلتُ إلى هذا العالم، لكني هذه المرة لم أتبَعك لإشباع نزواتي وإنما لأجل عالم البلّور، لكن الوقت قد فات كما يبدو"

رفع شوفين رأسه وسألها بِجدّية

"ما الذي حدث لِعالم البِلّور حتى تترُكي فخر عالم النساء وتبحثي عن رجلٍ للمساعدة ؟"

صمتَت طويلاً قبل أن تنظُر إلى الشعلة الروحية الحمراء فوق المنصّة، عبسَت وقالت

"العالم قد تغيّر كثيراً بعد رحيلِك، وأنتَ ضعيفٌ جداً الآن، اِبحث عنّي عندما تستعيد قِواك"

قالَت هذا ثم بدأت الصورة تتحلّل وتتناثر، صرخ عليها

"أنا لن أبحث عن شخصٍ مُزعجٍ مثلِك يا أجريس"

قالَت وهي تتناثر

"بل ستبحث عنّي، أنا مُتأكّدة"

قالت هذا ثم ابتعدَت نحو المنصّة وهي تقول

"بدل إضاعة قِواي الروحية.. سأمنحُها لك"

كانت هذه الصورة عبارة عن نُسخة روحية من أجريس، وكانت تستطيع البقاء مع شوفين والحديث معه لِوقتٍ طويل، لكن.. يبدو بأن أجريس التي تبِعَته إلى هذا العالم ليسَت نفسَها أجريس اللعوب التي لا همّ لها سوى إزعاج شوفين واللحاق بِه أينما ذهب، فما الذي حدث حقاً في عالم البِلّور حتى تتغيّر شخصية أجريس بِهذه الطريقة ؟

كانَت أجريس شخصيةً فخورة بِنفسِها وعالمِها، ومع أنها عالمها يستخدِم فنون الإثارة الجنسية للتأثير على الرجال إلا أنها لم تكُن تستخدِم هذه الفنون لأنها كانت مُقاتِلة فذّة تعتمِد على مهاراتِها الحقيقية، ما جعل الوصول إليها صعباً جداً لأنها تقتُل أي شخصٍ يُحاوِل إهانة أنوثتِها أو الظفر بِجسدِها، لكنها تغيّرَت عندما التقَت مع عرّاب الخراب أول مرّة وصارَت تُلاحِقُه مثل طِفلة صغيرة، وهذا التحوّل في شخصيّتِها لم يُعجِب كبيرات عالمِها فتركَت لهنّ الحُكم وخرجَت خلف شوفين القديم، ومِن يومِها وهي تتصرّف بِطريقةٍ مليئة بالدّلال، إلا أن نُسختَها الروحية قد عادَت إلى شخصيّتِها الحقيقية كما يبدو، ما يعني بِأن أوضاع عالمِها لا تَسمح لها باللعِب في الأرجاء.

طارَت النسخة الروحية وسقطَت فوق الشعلة الروحية الحمراء، وفجأة.. بدأت الشعلة تتأجّج وتكبُر حتى صارَت مثل الحريق الضخم، جلس شوفين مُباشرة وبدأ يُركّز على صقلِها حتى تندمِج مع قِواه الروحية الخاصة، وبعد لحظاتٍ قليلة.. بدأ لون الشعلة يتغيّر إلى البرتقالي.. البُنّي.. ثم الأصفر، وهذه وحدَها كانَت هدية رائعة لِشوفين وستجعَل يوم مُغادرتِه من هذا العالم أقرَب بِكثير من السابق.

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. لماذا أجريس مُتأكّدة من أن شوفين سيبحث عنها ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/01/30 · 527 مشاهدة · 1031 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024