في عالم شوفين.. اندمجَت النسخة الروحية التي تركَتها أجريس مع شُعلتِه الروحية فتغيّر لونُها على الفور حتى صارَت قِواه الروحية باللون الأصفر، وهذا ربما لن يوجد في مثل هذا العالم المُتدنّى، ما جعل شوفين ينتقِل مُباشرة إلى الطبقة العُليا التي تتربّع على العالم، لكنّه سيحتاج إلى بعض الوقت لِصقل قِوى أجريس وجعلِها تندمِج كلياً مع قِواه الروحية الخاصة.

ابتسَم طويلاً قبل أن يلتفِت إلى العُلبة البيضاوية التي كانَت داخِل الصخرة العملاقة، داخلَها.. كانت توجد زجاجة صغيرة مليئة بِسائلٍ أخضر، رفعَها شوفين بِجهدٍ كبير لأن وزنها كان أثقل بِكثيرٍ ممّا تبدو عليه، نظر إليها طويلاً قبل أن يتنهّد ويقول

"الزئبق الأخضر، بحثتُ عنك طويلاً في الماضي، لكني لن أستخدِمك في تقوية سِلاحي كما كُنت أخطّط حينها"

نظر إلى العُلبة وكان فيها ثلاثة أغراض أخرى، رفع شوفين الغرض الأول وكانت عُلبة مُغلقةً بإحكام، فتحَها بعد إلغاء ختمِها فانطلَقت هالة طبّية رائعة تزرع الهدوء في النفس، ابتسم شوفين وابتلَع الحبّة مُباشرة وهو يقول

"حبّة الحياة السعيدة، أحد الكنوز النادرة في جميع العوالِم، تمنَح الجسد مناعةً ضد جميع أنواع الأمراض والطفيليات والسموم، وتُساعِد على شِفاء الجروح القديمة والجديدة، وتزيد لِياقة الجسد وتزيد فُرصة تحوُّلِه إلى جسدٍ روحي، مع أني لا أستطيع امتصاصَها الآن إلا أنها ستكون عوناً كبيراً في المستقبل"

رفع الغرض الثاني وكان حجراً صغيراً لن تلتفِت إليه إذا رأيتَه على الأرض، أمسكَه بِحماس وقال

"حجر الطاقة المختومة، يُعادِل مليون حجر بنَفسجي، حتى أنا كنتُ أملِك أقل مِن عشرة أحجار من هذا النوع، يبدو بأنكِ تحتاجين إليّ حقاً يا أجريس"

أجابَته أجريس مِن النسخة التي لا تزال في وعيِها ولم تندمِج بعد مع شُعلتِه

"للأسف.. أنت لن تُفيدني بِقوّتك الحالية، لكني أتمنى أن تبحث عنّي وتردّ لي هذا الدّين"

قالَت هذا ثم انطفأت أخيراً ولم يعُد شوفين يشعُر بِوجودِها، عبس وهو ينظُر إلى الغرض الثالِث وكان عبارة عن دبّوس ثيابٍ نِسوي بِاللون الوردي، رفعَه شوفين وشمّ رائحتَه العطِرة ثم ابتسَم وقال

"ربما قد أبحث عنكِ يوماً ما إذا كانت لدي الرغبة في ذلك، لكنّي سأنزع إشارة التتبّع من هذا الدبّوس، ليس وكأنّي مدينٌ لك إلى درجة المُغامرة بِحياتي لأجلِك"

كان يتحدّث رغم عِلمِه بأن النسخة الروحية الخاصة بِها قد فقدَت الإدراك ولم تعُد موجودة، نظر إلى الدبّوس ثم ركّز قِواه الروحية علَيه ونزَع مِنه إشارة التتبّع التي تستطيع أجريس تتبُّع مكانِه عبرَها، لكنّه يستطيع الشعور بِمكانِها عندما يكون قريباً منها، ما يُعطيه الأفضلية ضدّها لأنه لا يُريد التصادُم معها وهو لا يزال ضعيفاً جداً.

رمى حجر الطاقة المختومة داخِل وريدِه الرّوحي فبدأ يتغيّر لونُه أيضاً بِسرعة كبيرة، ابتسم وقال

"أجريس يا أجريس، لا أعلم ما الذي تطبُخينَه لِأجلي هذه المرة أو إن كُنتِ بِحاجةٍ إلي حقاً أم لا، لكني سعيدٌ لِحصولي على هذه الهدايا الرائعة، لم أعتقِد بأني سأُطوّر قِواي الروحية وطاقة عالمي الفراغي إلى هذه الدرجة في مِثل هذا العالم المُتدنّي"

قام شوفين بِتخزين العديد من الأسلحة والأدوات المُفيدة في القارة العظمى، لكنّها لم تكُن جميع كنوزِه وإنما كانت تِلك التي استطاع إخفاءَها بعد نَهب وتدمير عالمِه الفراغي، لذلك لم يكُن بين أغراضِه أي أدوات مُفيدة لِرفع تدريبِه، وإنما كان لديه جسدٌ إضافي كان قد تركَه للاحتياط ريثما تتعافى إصاباتُه الروحية، وكان مُستوى تدريبِه مُرتفِعاً جداً لِدرجة أنه كان يستطيع مُغادرة هذا العالم بِمجرّد الحصول عليه، لكنّه الآن مفقود ولا يعلَم أين يُمكِن أن يجِدَه.

بدأ حجر الطاقة المختومة يذوب بِهدوء في الوريد الروحي، وبدأ لون الوريد يتحوّل أيضاً إلى البرتقالي، وحسب تقدير شوفين فربما قد يتحوّل في النهاية إلى البُنّي أو حتى الأصفر، وهذا سيدعم عالمَه الفراغي كثيراً، ما يعني بأن هدايا أجريس قد سرّعَت خُطّته الأساسية والمُتمثّلة في مُغادرة هذا العالم، لكن الهدية الرئيسية كانت ذلك السائل الأخضر الغريب، رفع شوفين زجاجة الزِئبق الأخضر ونظر إليها طويلاً قبل أن يقول

"ستكون لي عوناً أسطورياً، لكن هذا يعني بِأني لن أتخلّى عن هذا الجسد أبداً، ربما يجِب عليّ التفكير جدّياً في طريقة أخرى لِمُساعدة ريكو"

كان شوفين يبحث في الماضي عن الزئبق الأخضر لِتقوِية سلاحِه، لكنّه الآن ضعيفٌ جداً ويحتاج إلى رفع تدريبِه، ومع أن الزئبق الأخضر عبارةٌ عن نوعٍ من المعادِن إلا أنه يُمكِن استخدامُه على الجسد أيضاً، وتختلِف طريقة استِخدامِه حيث يُمكِن تطويعُه للكثير من الأغراض، فمثلاً.. تم استِخدامُه على أجريس وهي رضيعة حيث اندمج مع جِلدِها وأعطاها بشَرة غير قابِلة للخَدش، لذلك كان جِلدُها يلمَع وكأنها دُمية، وتأثّر بِه شعرُها أيضاً وصار رمادياً يميل إلى الخُضرة مع نفس خصائص جِلدها، لكن شوفين يملِك الجسد الخالِد الآن ولا يُريد إضافة أي مُعزّزات أخرى، خاصة أنه كان قد قرّر فيما سيتمّ استِخدام الزئبق الأخضر مباشرة بعد حصولِه عليه قبل فترة.

خرج مِن عالمِه الفراغي وكانت سويكا تُغنّي وترقُص مع فساتينِها الجديدة التي اشترَتها من السوق، استحمّ شوفين وتخلّص من الشوائب القذِرة التي طردَها جسدُه ثم لبِس ثيابه وخرج إلى سويكا، وكان قد بقِي أقل من ثلاثة أيام على مُسابقة محار الحظ الناري، جلس مع سويكاً لِأكثر مِن ساعةٍ ثم قال لها

"سأدخُل في عُزلةٍ جديدة لِيومٍ أو أكثر بِقليل، يُمكِنك البقاء هنا أو الذهاب للتجوّل ريثما تبدأ المُسابقة، يُمكِنك التواصُل معي عبر التخاطُر إذا احتجتِ إلى أي شيء"

كانت قواه الروحية الآن أقوى بِكثير من السابق، لذلك يستطيع الشعور بِجميع عبيدِه وجواريه، حتى راموليا وريكو كان قد بدأ يستشعِر مكانهما، وعندما تكتمِل عملية صقل قِوى أجريس فسيتمكّن حتى من التواصُل معهما عبر التخاطُر.

عاد إلى العُزلة في غُرفةٍ مُغلقة ثم أخرج الزئبق الأخضر ونظر إليه بِبعض القلق، وذلك لِأنه مادةٌ خطيرة ويُمكِن أن تكون آثارُها سلبية عندما يتمّ تطبيقُها على الجسد، لكنّه لا يُريد التراجُع عن خُطّتِه لأنها ستجعل مُستقبل تدريبِه أفضل حتى مِمّا كان عليه في الماضي، لذلك.. فتح الزجاجة وأخرَج السائل الأخضر ثم أحاطَه بِشُعلة النار الصفراء وبدأ يصقُله، لكن عملية صقلِه ليسَت مثل أي معدنٍ آخر لِأنه كان معدناً سائلاً على غير العادة، ومع ذلك.. لم يكُن شوفين يُريد إذابَته أو تصليبَه وإنما كان يحتاج إلى إدخالِه إلى جسدِه تدريجياً قبل بدء عملية دمجِه مع بعض أعضائِه.

استمرّت عملية الامتصاص لِأكثر من نصف يوم، وأخيراً.. صار الزئبق الأخضر داخِل وِعائِه، ابتلَع شوفين ريقَه ثم قال

"كل شيء أو لا شيء"

حزم أمرَه وجعل الزِئبق الأخضر يندمِج مع وِعائه وخطوطِه الزوالية، وفي نفس الوقت كان يقوم بِتوسيعها بِطريقة تحمِل الكثير من الأخطار، وكانت العملية مُؤلمة جداً لِشوفين، لكنّه شخصٌ سبق له تجرِبة جميع أنواع الآلام، لذلك كان ثابثاً في عملية الدمج رغم أن وجهَه كان يزداد شحوباً مع مرور الوقت.

يعلم شوفين بِأن أي خطأ سيُكلّفه تدريبَه لأنه سيفقِد وِعاءَه وخطوطَه الزوالية، لكنه يعلم أيضاً بِأن نجاح هذه العملية ستجعل تعامُله مع الطاقة الداخلية أسطورياً ولن تكون لديه أيّة حدود أو ضغوط عندما يُحاوِل استخدام كمياتٍ كبيرة من الطاقة، خاصة عندما يعتمِد على طاقة عالمِه الفراغي حيث كانَت لديه الكثير من الحدود في السابق كَي لا يتأذى وِعاؤه أو خطوطه الزوالية.

استمرّت عملية الدمج لِأكثر من يومٍ وليلة، وكانت تسير بِشكلٍ جيد رغم أنها كانت أبطأ من المتوقّع، ما يعني بِأنه ربما لن يستطيع المُشاركة في مسابقة محار الحظ الناري، لكن هذا لم يهتَم به شوفين لأن عملية دمج الزئبق الأخضر أكثر أهمّة من أي شيءٍ آخر في الوقت الحالي.

في يوم المسابقة.. تواصل شوفين مع سويكا عبر التخاطُر

"لا أدري إن كنتُ سأَنتهي من تدريبي اليوم أم لا، يُمكِنكِ الذهاب والتنزّه، جرّبي شراء بعض المحار إذا أردتِ ذلك"

...

بعد ثلاث ساعات.. بدأت مُسابقة اختيار المحار في ساحة واسعة، وكانت الساحة مليئة بِالطاوِلات المُختلِفة وعليها العديد من أنواع وأشكال المحار وكأنها أحجارٌ مُختلفة الأحجام والألوان، وكانَت الصفوف الخارجية حيث يوجد المحار الأرخَص، أما الصفوف الداخلية فيوجد فيها محارٌ مُختار مِن طرف المُقيّمين التابعين لِمتجر الجواهر الثلاث، وسِعرُه أكبر بِكثير من المحار العادي لِأن فُرَص إيجاد الأغراض داخِلها يكون مُرتفِعاً في العادة، لكن.. توجد طاولة في الوسط وهي الأكثر تميّزاً، وعليها أقل من ألف محارة، وجميعُها غالية جداً لأنها تصفيةٌ من عدّة تصفيات، وكان يقصِدها الأغنياء فقط ولا يُمكِن للفقراء حتى الاقتراب منها.

بين هذا وذاك.. كانت توجد مجموعاتٌ من المُقامِرين حول مَن سيحصُل على أفضل غرض، وهذه الرهانات كان يُشرِف عليها فريقٌ خاص مُقابل مبلغ مُعيّن، وتتراوَح هذه الرهانات بين المال والكنوز وغير ذلك، بل وقد تصِل إلى الأذى الجسدي أو الخدمة والاستعباد، لذلك كان الجميع قادرين على المُشاركة.

بعيداً.. في منطقة فارغة، توجد طاولة مستطيلة يجلِس عليها أكثر من مائة حِرفي مُهمّتهم هي فتح المحار دون إيذاء ما يوجد في داخِله، حيث تكون بِداخلِه أحياناً بعض المواد القابِلة للتّلف، لذلك يحتاج فتح المحار إلى خِبرة واسعة، يتّجِه أغلب مَن يشتري المحار إلى هذه الطاوِلة لِدفعٍ مُقابلٍ مادي للحِرفيّين مُقابِل فتحِها، وتختلِف الأسعار حسب خِبرة الحِرفي ونوع المحار وأمور أخرى، ويقوم كل شخصٍ بالاختيار اعتماداً على قُدراتِه الشرائية.

في مكانٍ مُرتفِع يُطلّ على الساحة بأكملِها.. كان يجلِس الحاكِم والعديد من الشخصيات الهامة من العشائر المُجاوِرة على كراسيٍّ فخمة، وكان يوجد أيضاً بعض اليافعين معهم يتفاخرون بِأمجادِهم وإمكانياتِهم، وعلى رأسِهم ثلاثة شبابً بارزين يُحيط بهِم باقي الشباب الآخرين، قال أحدُهم وكان عشرينياً قصيراً يلبِس الأبيض

"لقد جلبتُ معي خمسين حجر بنّي هذه المرة، سأشتري العديد من المحار المُميّز"

عقّب عليه آخر من الجانب بِنبرة فيها بعض السخرية، وكان ثلاثينياً يلبِس الأخضر

"خمسون فقط ؟"

ضحك ثالثُهم وكان شاباً جميلاً وكأنه فتاة

"الخِبرة هي الأكثر أهمية هنا وليس المال، وأنا معي خبيرٌ لا يُشق له غُبار"

انزعَج الاثنان واستدارا نحو خمسينيٍّ يجلِس بِهدوء بِالقرب من الحاكِم، وكان هذا هو السيد شِرمان الذي يملِك خِبرةً لا مثيل لها في اكتشاف المحار المليء بِالأدوات المُميّزة، وكان الحصول على إرشاداتِه مثل الحصول على الكنوز المؤكّدة، ويبدو بِأن الشاب الجميل قد حصل على وعدٍ منه لِيختار له ثلاث محارات.

واصل الثلاثة جِدالَهم حتى اتّسعَت عينا أحدِهم وبدأ يُحدّق نحو مكانٍ مُعيّن، لاحَظ الاثنان الآخران حركاتِه فنظرا أيضاً، وهناك.. كانت فتاةٌ جميلة تلبس فستاناً أرجوانياً وتسير بِهدوءٍ بين الطاوِلات مثل جنّية تائِهة، وقفَت عِند طاوِلة مُعيّنة وبدأت تختار المحارات حسَب شكلِها وجمالِيتِها، ابتسَم الثلاثة وثارَت نفوسُهم قبل أن يقفِز الشاب بِاللباس الأبيض ويقترِب منها ويقول

"هل تحتاجين إلى بعض المساعدة أيتها الجميلة ؟"

نظرَت إليه سويكا قليلاً ثم أكملَت فحصَها للمحار وكأنه غير موجود، عبَس الشاب بِالأبيض قليلاً قبل أن يسمَع ضِحكة من الخلف

"أنت سيء جداً مع الفتيات، دعني أُريك كيف أجعلها مُهتمّة بي"

كان هذا هو الشاب الجميل، اقترَب مِن سويكا بِحركةٍ جذّابة وقال بِتغزّل

"ما رأيُك أن نترُك هذا المكان ونُناقش مشاكِل الحياة في مكانٍ هادئ ؟"

نظرَت إليه سويكا باستهجانٍ ثم سخِرت منه

"لدي رجلٌ حقيقي أحكي معه عن مشاكل الحياة، لستُ بِحاجةٍ للنقاش مع شخصٍ يُشبِه النساء"

احمرّ وجه الشاب الجميل وضحِك عليه رفيقاه من الخلف، تقدّم الثالث وقال

"اسمحيلي بِتعريفك عن نفسي، أنا.."

قاطعَته قبل أن يُكمِل

"كما قُلت.. أنا أملِك رجلاً حقيقياً، لا داعي لإزعاجي مِن بعض الصّبيان"

تغيّرَت تعابير الثلاثة معاً لأنها لم تُعطِهم أي وجهٍ بينما في العادة تتسابق الإناث إليهِم ويرقُصنَ فرحاً ﻷجلِهم، عبس الشاب بالأبيض وقال بِنبرة مُنحرِفة

"لا أعتقِد بأن رفيقَكِ سيكون أفضل منّي، لذلك.. لماذا لا نلعب لُعبةً وكأني قد قُمتُ بِخطفِك ثم نرى كيف سيقوم بِتحريرِك ؟"

توقّفَت واستدارَت نحوَه ثم ضحِكَت بِأعلى صوتِها وتغيّرَت شخصيّتُها الهادِئة إلى شخصية الفتاة المُتمرّدة، نظرَت إلى الثلاثة باستِحقار ثم صرخَت عليهِم

"أنا أكثر مِن كافِية لِجعلِكم تأكلون التراب، أما رجُلي فسيَتطيع مَسح هذه المدينة عن بُكرة أبيها"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. هل ستحدُث معركة بين سويكا والشباب الثلاثة ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/01/31 · 487 مشاهدة · 1764 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024