"لأني حصلتُ على أفضل منها بِكثير من الطاوِلات الأخرى، وإحداها ستجعَل الجميع يختنِقون من الحسد"

انتهى شوفين من اختيار أكثر من ثلاثين محارة بسرعة كبيرة، لكنه عزل منها ثلاثين فقط حتى لا يتضاعَف مبلغ الرهان كثيراً، ذهب إلى المنصة وسجل الثلاثين محارة ثم ضمِن المدير سميتو مبلغ الرهان والذي كان فوق الثلاثة آلاف حجر بُنّي، وكان شوفين أوّل من قدّم رهانَه بينما لا يزال الآخرون يختارون المحار بِعناية، وكثيرٌ منهم كانوا يتخاصَمون أو يُزايِدون على بعضِها حتى يحصلوا عليها أولاً.

كان راصان هو ثاني مَن انتهى من الاختيار بعد نصف ساعةٍ من انتهاء شوفين، وقدّم ثلاثين محارةً أيضاً مثله، وبعدَه.. أتى شرمان وقدّم خمسةً وعشرين محارة فقط، ثم بدأت تتوالى الرهانات حتى صار عدد المراهنين أكثر من ألف مُراهِن وعدّة آلاف من المحار.

بدأ الحِرفيون بالعمل مُباشرة على فتح المحارات التي قدّمها أصحاب الطلبات الأصغر، وبعد فتح بِضع مئاتٍ من المحارات الفارغة.. صاح أحدُهم بِفرح

"سلاحٌ عُلوي مُرتفِع ... أنا غني ... أنا غني"

اجتمَع عليه الفُقراء وأبدوا حسَدهُم له قبل أن يُذكّروه بِأنه لنَ يربَح الرهان بِمجرد سلاحٍ عُلوي، ما يعني بِأنه سيخسَر السلاح أيضاً لِأن كل شيءٍ سيأخُذُه الفائز، حينها فقط بدأت الضجة بِالهدوء وعاد الحِرفيون إلى أعمالِهم.

استمرّ فتح المحارات حتى لم يتبقَ سوى كِبار الشخصيات، وكانَت حصيلة الموجودات جيدة رغم أنها ليسَت كبيرة جداً، ومع ذلك.. كان بين الفُقراء بعض المحظوظين مِمّن حصل على بعض الأدوات المُنافِسة مثل حبّةٍ طبية مُرتفِعة وجوهرةٍ تحتوي تقنية قتالية عالية وأداةٍ للاستكشاف بعيد المدى..، لكن الشخصيات الكبيرة لا زالَت مُرتاحةً لأنها واثِقةٌ في اختياراتِها.

بعد ساعةٍ أخرى.. بدأت تتّضِح الصورة أكثر حيث حصل بعض كبار الشخصيات على أدواتٍ نافِعة مثل سلاحٍ ملكي غير مُصنّف وأشياء أخرى، لكن هؤلاء كانوا عابسين عندما تذكروا خِبرة السيد شِرمان، بل وأدهَى مِن ذلك أن السيد راصان قال بِأنه قد هزم السيد شرمان في اختيار المحار، وبِوجود هذين الخبيرَين.. ستكون المعركة حاسمة جداً ولا يُمكِنهم التفاؤل الآن.

في الأخير.. بقِي الثلاثة الذين قدّموا أكبر الرهانات، حيث دفع شِرمان ستمائة وخمسة وعشرين حجراً بُنّياً مُقابِل خمسة وعشرين محارة، بينما دفع كلٌّ من راصان وشوفين ثلاثة آلاف ومائة وخمسة وعشرين حجراً بُنّياً مُقابِل ثلاثين محارة، وهذا يُبيّن الفارِق الكبير الذي دفعَه الاثنان مُقابِل خمس محارات إضافية، ما جعل السيد شِرمان في موقِفٍ ضعيف نوعاً ما.

تقدّم السيد شِرمان وقال

"سأفتح محاراتي بِنفسي"

تراجع الخُبراء واقترَب شِرمان من الطاوِلة ثم رفع أوّل محارةٍ مِن التي اختارَها، لم يستخدِم سكيناً أو أي أداةٍ حادّة وإنما استخدَم طاقتَه وبدأ يُقشّر المحارة، فتح الجميعُ أعيُنَهم وهُم ينظرون إليه لِأن العملية تحتاج إلى خِبرةٍ كبيرة والتي لن تجِدَها حتى عِند المُقاتلين العاديّين، لأن الحِرفيّين يسلُكون مسار تدريبٍ مُختلِف ولا يهتمّون بِالقوة القتالية كثيراً.

فتح السيد شِرمان مَحارتَه الأولى قبل أن يرميها أرضاً مع وجهٍ عابِس لأنها كانت فارِغة، أخذ الثانية والثالثة حتى وصل إلى العاشِرة وكلها كانت فارِغة، ضحِك عليه راصان وسخِر منه

"يبدو أن موهِبتَك قد صارَت أسوأ من السابق يا شرمان"

لم يُجِبه شرمان وإنما واصل فتح المحارات تحت أنظار الجميع، وأخيراً.. وجد محارة مليئة في آخر عشر محارات مُتبقّية، وكان بِداخِلها سكينٌ صغيرة عبارة عن سلاحٍ ملكي مُتوسّط، رماه على الطاوِلة ثم واصل الفتح بِوجهٍ عابِس لأنه ليس شيئاً يجعلُه يفوز في الرهان، ويبدو بِأن آخر عشر محاراتٍ قد كانت الأفضل حيث وجد ثلاثة أغراضٍ أخرى، وأخيراً.. بقِيَت معه محارة واحدة فضحِك عليه راصان وقال

"شِرمان.. هذه خسارتُك، هل تعتقِد بأن هذه المحارة الوحيدة ستقلِب النتيجة المحتومة ؟"

ابتسم شِرمان وهو يفتحُها ويقول

"المحارات السابقة كلها مُجرّد إضافات، هذه هي المحارة الوحيدة التي استخدمتُ كل مهاراتي أثناء اختيارِها"

وفجأة.. أحسّ الجميع بِهالة قوية صادِرة من المحارة الأخيرة، وقَف الجميع وتغيّرت ملامِح راصان بينما ضحِك شِرمان وقال

"سلاحٌ بشري مُصنّف من المستوى المُرتفع، إنه أعلى غرضٍ أحصُل عليه منذ عِدة سنين"

تنقسِم الأسلحة المصنّفة إلى 'بشري - أرضي - سماوي'، وكل مستوى لديه أربعة مراحل وهي 'نصف - منخفض - متوسط - مرتفع'، والسلاح الذي حصل عليه السيد شِرمان هو أعلى فئة من المستوى البشري، ولن يهزِمه أحدٌ ما لم يحصُل على سلاحٍ نصف أرضي على الأقل.

ابتهج الشاب الجميل لِأن فوز السيد شِرمان مِثل فوزِه هو رغم أنه لن يستفيد من أي شيء، أما الآخرون فقد قرّروا عرض مبالِغ طائلة على السيد شِرمان مُقابل السلاح لأنه مُهمٌّ كثيراً لِعشائِرهم، لكن الوقت لم يحِن بعد للتجارة لِأن السلاح ربما قد لا يبقى في يد السيد شِرمان إذا فاز عليه راصان مِن عبيد الذهب السائل.

حمحم راصان ونظر نحو شوفين ثم قال

"هل ستفتح محاراتِك يا سيد شوفين ؟"

ابتسم شوفين وقال

"أنا لستُ واثقاً من الفوز بعد ظهور سلاحٍ بشري مُرتفع، لذلك سأبقى إلى النهاية"

ضحِك راصان ثم تقدّم إلى مجموعتِه التي وُضِعَت بِالقرب من مجموعة شوفين والسيد شِرمان، بدأ يفتح محاراتِه هو أيضاً ولم يستعِن بِالخبراء، وعند فتح المحارة الثالثة.. تغيّرَت وُجوه الجميع وضحِك راصان عالياً لِأنه كان قد حصل على قُفازٍ ذهبي عبارة عن سلاحٍ نصف أرضي، عبس الجميع وخاصةً شِرمان والحاكِم، وذلك لِأن شِرمان قد خسِر الرهان رسمياً، أما الحاكِم فقد نَدِم على بيع المحار على أرضِه وعدم الاستفادة من مثل هذه الأغراض الغالية.

اتّسعَت ابتسامة راصان وبدأ يفتح المحارات الأخرى، ومع أن كثيراً مِنها قد كانت فارِغة إلا أنه حصل على العديد من الأغراض وهزم شِرمان من ناحية العدَد كما هزمَه من ناحية الجودة، لذلك بدأت عينا راصان تلمَعان لِأن هذه كانت خطّتَه الأساسية، فهو الذي اقترَح هذا النوع من الرهان حتى يفوز بِكل شيء، ولم يعتقِد بِأن شاباً مثل شوفين ستكون لديه الخِبرة اللازِمة لِهزيمتِه في تخصُّصِه.

انتهى راصان ثم نظر نحو شوفين وقال له

"أنت الأخير سيد شوفين، ربما قد تكون محظوظاً أكثر منّي وتفوز بِكلّ شيء"

أومأ شوفين واقترَب من الطاوِلة بينما ابتعد راصان، وقف شوفين أمام مجموعة المحار الخاصة به فاقتربَت مجموعةٌ من الحِرفيّين وبدؤوا يطلبون منه استئجارهُم لِفتحِها، إلا أنه ابتسم نحو الجميع وقال

"أنا أيضاً لدي بعض الخِبرة في فتح المحار"

وفي هذه اللحظة.. ارتفعَت المحارات الثلاثين في الهواء وبدأَت قشورُها تتآكل، وقف الجميع وعبسوا لِأنهم لا يستطيعون رؤية ما يحدُث أمامَهم، وذلك لِأن شوفين كان يُقشّر المحارات بِاستخدام طاقة النور التي لا يستطيع أمثالُهم استشعارها، واصل شوفين ابتسامتَه وهو يُقشّر المحارات كلّها في وقتٍ واحِد، بدأت جِباه الخُبراء والحِرفيّين تتصبّب عرقاً لِأن مثل هذه الدقّة لا يرَونها كل يوم، خاصةً أنه كان يتعامل مع كل محارةٍ بِطريقة مُختلِفة حيث بعضُها يحتاج إلى الدّقة واللين بينما تحتاج أخرى إلى القوّة والخشونة.

قبل أن يفهم الجميع ما يحدُث أمامَهم.. كان شوفين قد فتح المحارة الأولى وسقط مِنها سِوار تخزينٍ مُخصّص للإناث، فتح الجميع أفواهَهم لأن أدوات التخزين هي الأغراض الأكثر قيمةً بِسبب احتِوائها على أغراضَ مجهولة والتي قد تكون قيمتُها كبيرة جداً، إلا أن شوفين قال

"للأسف.. لقد فقَد هذا السوار فراغَه الخاص، لذلك ليسَت لديه أية قيمة"

رماهُ جانِباً ثم واصل التقشير، فُتِحَت المحارة الثانية فظهَر منها قرصٌ مِن العظم، وعلَيه مصفوفةٌ غريبةٌ بعض الشيء، صاح السيد شِرمان من الجانِب

"أليس هذا مِن آثار تيرامورا المفقودة ؟"

اقتربَ أحد شيوخ العشائر وقال بِحماسٍ وقد احمرّت عيناه

"بِعه لي يا سيد شوفين، هذا الأثر تربِطُه علاقةٌ بِعشيرتي"

صاح شيخٌ آخر بينما ترتفِع هالتُه

"هذا يعود لنا نحن أيها العجوزٌ الخرِف، هل تُريدُ سرِقتَه مِنّا ؟"

رفَع الحاكِم هالتَه وقال بِصوتٍ وقور

"أتمنى تأجيل خِلافاتِكم حتى تخرجوا من المدينة"

قام شوفين بِتخزين القرص ثم واصل التقشير حتى ظهرَت أداةٌ ثالثة ورابعة وخامسة، وفي كل مرّة يُقشّر محارة تظهر أداة جديدة، وكلّها أدواتٌ لديها قيمةٌ جيدة، حينها.. بدأ راصان يشعُر بِالتهديد من شوفين، بينما بدأت الضجّة تسود الأجواء لِأن جميع محارات شوفين كانت مليئة وليس فيها أي محارةٍ فارِغة، بدأ الجميع يتعرّقون عرقاً بارداً من المشهد، خاصة أولئك الذين يعرِفون شوفين مِن قبل مثل الشاب العشريني والخبير الذي معه، وذلك الخمسيني الذي قلّل مِن شأن شوفين عند بوابة المدينة، ناهيك عن الشيخ الأكبر مِن متجر أعلى جبل.

نظر الحاكِم نحو المدير سميتو وكأنه يُريد قول شيءٍ ما، فهِم سميتو ما أراد قولَه فاقترَب منه وقال بِصوتٍ لا يسمعُه غيرُهما

"لا أنصحُك بالتفكير في أي شيءٍ ضد السيد شوفين، فهو شخصٌ خطير ولن تستحمِل عداوتَه"

عبس الحاكِم وبدأ يطرُد أي فِكرةٍ سيئة مِن ذِهنِه لأن متجر الجواهر الثلاث يعلم خلفِية شوفين ومن الأفضل الأخذ بِنصيحة المدير سميتو، لكن هذا لم يكُن حال الأقوياء الآخرين حيث بدأَت كلّ مجموعةٍ تُخطّط لِأفضل طريقة للإطاحة بِشوفين إذا كان الفائز في هذه المسابقة، لكنهم لا يستطيعون الإساءة إلى حاكِم المدينة بِالقتال داخِل مدينتِه، لذلك سينتظرون خروج شوفين أولاً.

استمرّ شوفين بإخراج الأغراض من المحار حتى بقِيت ثلاث محارات، ابتسم نحو راصان وسأله

"مع أني حصلتُ على الكثير من الأغراض إلا أنك لا تزال في الصدارة، وخسارَتي أو خسارتُك سيتمّ تحديدُها بعد فتح هذه المحارات الثلاث، لذلك.. ما رأيُك أن نتوقّف هنا ونقتسِم الأرباح ؟"

قطّب الجميع جِباههُم عندما اقترَح شوفين هذا، وكان اقتِراحُه مُخادِعاً بِالتأكيد، لكن.. لا أحد منهم يعلم أين هي الخُدعة بالضبط، فهل يعلم شوفين بأنه لن يستطيع هزيمة راصان لذلك يُريد الاستفادة من نصف الأرباح ؟
أم أنه مُتأكِّد من هزيمة راصان ويُريد جعلَه يندَم على قرارِه إذا اختار عدم اقتِسام الأرباح معه ؟

بعد صمتٍ طويل.. قال راصان

"أنت خبيث يا سيد شوفين، لكن جميع محاراتِك كانت مليئة، ما يعني بأنك بِطريقة ما.. تستطيع معرِفة مُحتويات محاراتِك الثلاث، ولو أنك تستطيع هزيمَتي لما اقترَحت عليّ اقتسام الأرباح معك، لذلك سأرفُض اقتِراحك لأنك مُتأكّد مِن أن المحارات الثلاث لا تُساوي الكثير"

ضحِك شوفين قليلاً ثم قال

"ماذا إن أخبرتُك بِأن إحدى هذه المحارات الثلاث تحتوي على غرضٍ قيمتُه أكبر من الأسلحة المُصنّفة ؟"

قطّب راصان حاجِبَيه ولم يعلَم لماذا يُخبِره شوفين بِهذا، ابتسم شوفين ووَضع المحارات الثلاثة على الطاوِلة ثم قال

"سأبيع إحدى هذه المحارات الثلاث لِمن يدفع أكثر، بِضمان أن إحدى هذه المحارات ستضمَن لِصاحبِها رِبح المُسابقة، وإذا كان ما أقولُه غير صحيحٍ فلَن آخُذ أموالَه"

ضجّت الساحة وبدأ الأغنياء يُناقِشون عرض شوفين قبل أن يسمعوه يقول

"نبدأ المزاد من ألف حجر بُنّي"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. هل يُقامِر شوفين أم لديه خطّة ما ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/01 · 541 مشاهدة · 1569 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024