"اِفتحي عينَيك جيداً يا سويكا، اليوم.. سوف ترَين كيف يبدو السفّاح"

عبسَت القوات التي تقوم بِمُحاصرة شوفين عِندَما رأَت هالةً مشؤومة تنبعِث منه، وقبل أن يُدرِكوا.. كان شوفين قد اختفى مِن مكانِه وظهر على إحدى العربات التي كان يقِف عليها ثلاثة مُقاتلين في قمة المجال، شعر المُقاتلون الثلاثة بِالخطر يقترِب منهم وأرادوا الابتعاد، إلا أن هجمةً روحية قوية قد اكتسحَت أرواحهُم في لمحة عينٍ وجعلتهُم يتجمّدون في أماكِنهم، وما هو إلا جزءٌ من الثانية.. حتى كان شوفين قد قفز من العربة نحو عربةٍ أخرى وترك خلفَه ثلاث جُثثٍ ساكِنة في مكانِها، وقبل أن يصِل إلى العربة الثانية.. انهارَت الجُثث الثلاثة وتحوّلَت إلى مجموعةٍ من الأجزاء المقطوعة وكأنها مصنوعة من الجُبنة.

تغيّرَت وجوه الجميع وتعالَت هالاتُهم قبل أن يُقرّروا الهجوم عليه من كل جانِب، إلا أنه واصل ضحِكَه مثل المجنون وهو يتقدّم نحو العربة الثانية التي كان عليها أربعة مُقاتلين، وصل إليهِم وتلقى مِنهُم ضرباتٍ قوية جداً، إلا أن جميع ضرباتِهم لم تُفلِح في إيقافِه حيث صدّ جسدُه بعضها وسمح للأخرى بِالمرور عبرَه، وكانت هذه خاصية الجسد الخالد التي كان يُدرِّبها منذ فترة طويلة، لكنها كانت هذه المرة أكثر غرابة من السابق بِسبب اندِماجها مع تقنية النور المظلِم، وهذا ما كان لِيحدُث لولا دمج الزئبق الأخضر مع وِعائه وخطوطِه الزوالية حتى صارت الطاقات التي تُنشِؤها تقنياتُه القِتالية الثلاث مُندمِجةً مع بعضِها البعض.

تقوم التقنيات القتالية بِصقل الطاقة العادية وتحويلها إلى نوع الطاقة الذي تحتاج إليه حتى تعمل، فالطاقة التي تُنتِجها تقنية النور المُظلِم ليست نفسَها التي تُنتِجها تقنية الألف ظل، ونفس الشيء لتِقنية الجسد الخالِد، لكن شوفين كان قد فكّر في دمج هذه التقنيات الثلاثة عندما اختارها أول مرة بِسبب تقارُبِها، فالجسد الخالِد يعتمِد على طاقةٍ قريبة من النور، والألف ظل يعتمِد على طاقةٍ أقرب إلى الظلام، لكن شوفين لم يكُن يُخطّط للتعجيل في مسألة دمج التقنيات الثلاثة بِسبب ضُعف تدريبه، لكنه بدأ يدمِجها بعد حصولِه على الزئبق الأخضر والذي جعل وِعاءَه غير قابلٍ للانفجار مهما كانت قوّة التفاعُلات التي تجري بِداخِله.

يخشى المُتدربون في العادة مثل هذه الأمور حيث لا يجرؤ أحدٌ على خلط طاقة النار مع طاقة الجليد إلا بالاعتماد على تقنيةٍ قوية مثل التقنية التي أعطاها شوفين لِـ راموليا، لكن شوفين الحالي يستطيع دمج العديد من الأنواع دون خوفٍ من تضرّر وِعائِه أو خطوطِه الزوالية، ومع ذلك فهو لا يُفكّر في إضافة طاقاتٍ جديدة مثل النار والجليد إلى وِعائه في الوقت الحالي، وإنما سيُركّز على أنواع الطاقات القريبة من النور والظلام، وبِهذا سيجعل تِقنياتِه الثلاثة الرئيسية تتطوّر وتصير وكأنها تقنياتٌ جديدة.

في هجمة شوفين السريعة.. استخدَم تقنية النور المظلم كسِلاح، وتقنية الجسد الخالد كدِرعٍ دفاعي، وتقنية الألف ظل كتقنية للسرعة، لذلك كان جسدُه يبدو مثل الشبح الذي لا يُهزم، خاصة بعد انتِهائه من العربة الثانية وانتِقالِه نحو العربة الثالثة مُتجاهِلاً جماعة المُقاتلين الذين كانوا يُحاصِرونه بِهالاتِهم، واصل ضحِكه قبل أن يُغيّر اتّجاهَه نحو المُحاصِرين بِحركة سريعة وفتَك بِمجموعة منهم في لمحة عين

صرخ بعضُهم بِيأس

"اللعنة على هذا ... لماذا لا تُؤذيه ضرباتُنا ؟"

"وكأن جسدَه مُجرّد سراب، لماذا تمرّ ضرباتُنا مِن خِلالِه ؟"

"أحيطوه بِالهجمات البعيدة ولا تسمحوا له بالاقتراب مِنكم"

صرخ آخر على جماعتِه

"تجهّزوا لاستخدام مصفوفة المجال الخاصة بِعشيرتِنا"

بدأ أكثر من عشرة مُقاتلين باستخدام مجالاتِهم مع مصفوفةٍ تُؤثّر على سُرعة الخصم، شعر شوفين بِبعض الضغط من المصفوفة وبدأت الهجمات تأتي مِن كل مكان، ضحِك مرّة أخرى وصرخ على الجميع بِطريقة مجنونة

"تستخدمون مصفوفةً عليّ أنا ؟"

سحب طاقة الظلام واستبدلَها بِطاقة النور وركّز على طاقة تقنية الصف الراقص، استخدم طاقة النور على المصفوفة وقام بِحلّها بِقطعِ صفوفِها، وهذا تسبّب بِردّة فعلٍ على مُستخدميها حيث يجِب على المُتحكّم في المصفوفة ألا يتمّ إزعاجُه، أما حلّ المصفوفة رغماً عنه فسيجعلُه يُصاب داخلياً، وهذا ما حدث للمجموعة حيث بدؤوا يتراجعون تلقائياً مع تعابير الألم على وجوهِهم، لكن شوفين كان أسرع منهم وانقضّ عليهِم بعد سحب طاقة النور واستبدالِها بِطاقة الظلام مرة أخرى.

كانت أكبر نقطة ضُعف لِخصوم شوفين هي أنهم لا يستطيعون الطيران بِحرّية، والقلة القليلة منهم كانوا يملكون أدواتٍ للطيران، لذلك كانوا يقفزون فوق العربات الطائرة مثل القرود، أما شوفين فقد كان يملِك الحرية الكامِلة للتنقّل هنا وهناك، وعِندما ظهر بعض مُستخدمي أدوات الطيران.. قرّر شوفين بأن يقضي عليهِم أولاً، لذلك أطلق مجالَه وحدَّ مِن حركتِهم باستخدام أذرُع النور قبل أن يصِل إليهِم ويفتِك بهِم.

كان بين المُقاتلين خُبراء في القِتال ويملِكون تقنياتٍ قوية وأسلِحة فتاكة، لكن حركات شوفين السريعة ومناعَته ضِد هجماتِهم قد جعلَتهم يشعرون بالعجز بعد أقل من خمس دقائق من بدء القِتال، وكيف لا يشعرون بالعجز والخوف وقد قضى شوفين على أكثر من خمسين مُقاتل في خمس دقائق ؟

نظر بعض المُقاتِلين في بعضهِم البعض قبل أن يتراجعوا نحو سويكا ويُحيطوا بِها، صرخ أحدُهم بِقوّة

"توقّف ... توقّف وإلا هاجمنا رفيقتَك"

توقّف شوفين قليلاً ثم ضحِك وقال بِسخرية

"إذا استطعتُم إمساكَها فهي لا تستحق أن تكون رفيقتي"

قال هذا ثم واصل هجومَه على الآخرين وترك سويكا في مكانِها، ابتسمَت أمامهم ولم تتحرّك مِن مكانِها، عبس أحدُهم وانقضّ عليها إلا أن مصفوفةً تمّ تفعيلُها تحت قدمَيها وصنعَت دِرع حِمايةٍ قوي، عبس المُهاجِم وزاد قوّتَه، إلا أن ضربتَه قد ارتدّت عليه وقذفَته بعيداً، عبس وقال لأصحابِه

"مصفوفتُها قوية، لكننا نستطيع كسرَها إذا هاجمناها معاً"

قال آخر

"وهل سيتركنا هذا الوحش حتى ننتهي من كسر المصفوفة ؟
تباً لكل هذا، أنا مُغادِر"

وقبل أن يُنهي كلامه..

.:: سلاسل الطمر ::.

.:: الحِمم المُباركة ::.

قالت سويكا وهي تُفعِّل مصفوفتَين إضافِيتَين

"تُريدون المُغادرة بِهذه البساطة ؟"

فجأة.. خرجَت العديد من السلاسل من إحدى المصفوفتَين في الوقت الذي بدأت الأرض تتحوّل فيه إلى حِممٍ بُركانية بفِعل مصفوفة أخرى، صرخ الجميع وبدؤوا يُعمّمون طاقتَهم ويستخدِمون دروعَهم استعداداً للهجوم على مصفوفة الحِماية الخاصة بِـ سويكا، نظر إليهم شوفين من الجانِب قبل أن ينصرِف لإكمال هجومِه على الآخرين، وبعد أقل مِن دقيقة.. بدأ المُقاتِلون يُحسّون بأن اعتِراضهُم لِشوفين كان أكبر خطأٍ يقومون بِه، لذلك بدؤوا يتراجعون تدريجياً استعداداً للهروب.

شعر شوفين بأنهم يرغبون بالهروب فتوقّف عن الهجوم ونظر إليهِم قليلاً وكان جسدُه ووَجهُه مليئَين بِدماء ضحاياه، ورغم أن ملابِسَه كانت مُقطّعة وبالكاد تُخفي وسطَه إلا أن جسدَه كان سليماً لا يُعاني مِن أية جروح، وهذا جعل شوفين راضٍ عن أداء الجسد الخالِد، لكنّه يعلَم جيداً بِأن السبب هو ضُعف خصومِه لأنهم لا يملِكون القوة والسرعة التي تسبِق تفعيل الجسد المعدني أو الجسد الهلامي، ولو أصابهُ أحدُهم بِهجومٍ أسرَع من الجسد المعدني فهذا يعني بأن جسدَه الحقيقي هو الذي سيتلقّى الضربة، ونفس الشيء بالنسبة للجسد الهُلامي حيث سيكون الضرر أكبر بِكثيرٍ إذا انكسر الجسد المعدني ولم يتفعّل الجسد الهلامي الذي يُعتبر الأمل الدفاعي الأخير لِشوفين.

على أي حال.. كان شوفين سعيداً لِأن أقوياء هذا العالم ليسوا خصوماً له، ورغم عِلمِه بأن هُناك بالتأكيد بعض الأقوياء في العشائر الخمس العُظمى إلا أنه لم يكُن قلِقاً بِشأنِهم، لأنه لا يزال يملِك الكثير من التقنيات الأخرى والأكثر قوةً من القتال الجسدي الذي جعلَه يهزِم مجموعةً كبيرة منهم.

نظَر نحو سويكا وقال بابتسامةٍ شريرة

"هل رأيتِ الآن كيف يكون السفّاح ؟"

ابتلعَت ريقَها وأومأت بِرأسِها فقال

"حسناً، يكفينا الآن"

فجأة.. انطلقَت موجةٌ من القوى الروحية الصفراء وعمّت مِنطقةً واسعة شملَت جميع الحاضرين، تغيّرت ألوان الجميع عِندما أحسوا بالقوة الروحية الصفراء التي بدأت تغزوا أرواحهُم، صرخ أحدُهم

"أنت ... لقد كان أنت"

ابتسم شوفين وقال

"نعم، لقد كان أنا الذي أطلق تِلك الطاقة الروحية الصفراء قبل أيام، والآن.. سيكون لكُم الشرف لِتجرِبتها"

بدأ الجميع يشعرون بالضُعف فأطلق شوفين مجالَه وأخرَج عدداً لا يُحصى من الخيوط وقام بِتقييد الجميع، بعدها..

.:: عالم الألف وهم ::.

أطلق موجةً من الأوهام وكانت أحداثُها سريعةً جداً بالنسبة للواقعين في تأثيرِها، ما يعني بأن كل ثانيةٍ من الوقوع تحت تأثير هذه التقنية يُساوي ساعة واحدة بالنسبة لهم، وهذه التقنية مُستنسَخة من مصفوفة الألف وهم التي استخدمَتها سويكا سابقاً وأطلقَت عليها اسم مدينة الأشباح، لكن شوفين لم يستخدِم فيها طاقة النور لأنه ليس فعّاللاً جداً، وأفضل طاقةٍ لِصُنع الأوهام هي الطاقة الشيطانية، لذلك بدأت الأشباح تخترِق عقول المُقاتلين الواحِد تِلو الآخر بِسبب تعارُض الطاقة الشيطانية مع أغلب الطاقات الأخرى، وبعد دقيقةٍ واحِدة.. كان الجميع يصرخون مِن الألم ويتصارع كل واحدٍ منهم مع أشباحِه التي تُطارِده، حتى وصل بعضُهم إلى خدش صدرِه أو عض يدِه لإيقاف هذا العذاب.

نظر شوفين نحو سويكا وقال لها

"هل رأيتِ الآن كيف يكون السفّاح ؟"

ابتلعَت ريقَها وأومأت بِرأسِها فضحِك عليها وقال

"أنتِ لم ترَي أي شيء بعد، هذه مجرّد معركةٍ صغيرةٍ ولا ترقى لِأن أُسمّى سفّاحاً بِسببِها"

قال هذا ثم أخرِج عدّة زُجاجاتٍ تحتوي على سائلٍ شفاف، اقتربَ من أحدِهم وجعلَه يشرِب بعضاً من السائل رغماً عنه، وكانت العملية سهلة عليه بِسبب انشغالِه بمُصارعة الأوهام، واصل شوفين إرغام الآخرين على شُرب ذلك السائل الغريب حتى انتهى مِنهم جميعاً، استدار نحو سويكا بابتسامة واسعة وكأنه شيطانٌ مُغطىً بالدماء.

سألته سويكا باستغراب

"ما الذي جعلتهُم يشربونه ؟"

ابتسم وقال بِدون مُبالاة

"هذا شيءٌ كُنت قد جهّزتُه منذ مدّةٍ لِيكون هدية وداعي لِسكّان هذا العالم، لا تشغلي بالَك كثيراً"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. ما هي هدية شوفين لهذا العالم المُتدنّي ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine/posts

2020/02/04 · 504 مشاهدة · 1409 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024