"هذا شيءٌ كُنت قد جهّزتُه منذ مدّةٍ لِيكون هدية وداعي لِسكّان هذا العالم، لا تشغلي بالَك كثيراً"

استغربَت سويكا من غموض شوفين، لكنها لم تسأله أكثر مِن ذلك، خاصة عندما رأتهُ يُحلّق بعيداً، حلّقَت وراءَه وتركَت الجميع بين قتيلٍ ومُنهَك، ومع أن شوفين قد سحَب قوّته الروحية إلا أنهم لا زالوا في حالةٍ من الجنون، ولن يتعافوا إلا بعد فترة من الزمن.

طار الاثنان لِأكثر من خمس ساعاتٍ حتى دخل الليل فقرّر شوفين أخذَ استراحةٍ فوق إحدى القِمم، ارتاح الاثنان وأشعلا النار تحت ضوء القمر، وكانَت هذه مِن أسعد اللحظات لِسويكا رغم أن شوفين كان بارداً لا يهتم بِالتفاصيل العاطفية، أخرَج شوفين حبّةً طبّية ورماها على سويكا ثم قال

"كُلي هذه"

ابتلعَتها سويكا دون سؤال بينما كان شوفين يبتلِع حبّة طبّية أخرى، وفجأة.. عبس شوفين وأغلَق عينَيه وهو يُهمهِم

"هذا.."

سألتهُ سويكا باستغراب

"ما الذي يحدُث ؟"

إلا أن شوفين لم يُجِبها وإنما بدأ يُركّز قِواه الروحية نحو اتّجاهٍ مُعيّن

...

في قاعةٍ كبيرة داخل أراضي عشيرة القبضة الحمراء، كان خمسة أشخاصٍ مُنبطحين على الأرض وأجسادُهم مليئة بالجروح، وكان أقواهُم هو الأكثر تعاسةً لِأنه كان يُحاوِل حِماية الآخرين طيلة الأيام الماضية، ورغم أن الخمسة قد نجحوا في الهروب لِعدّة أيامٍ وقطعوا مسافاتٍ طويلة خلال البراري والقفار.. إلا أن حضور ثلاثة شيوخٍ قد جعل الإمساك بهِم وإعادتهم إلى أراضي العشيرة أمراً سهلاً جداً، خاصةً أن أقوى الخمسة لا يزال في مُنتصف مرحلة المجال بينما كان الشيوخ الثلاثة في قمّة المرحلة.

تمّ سَجنُ الخمسة ريثما يجتمِع الشيوخ وبدء المُحاكمة، واليوم.. تم جلبُهم إلى القاعة للحُكم عليهِم بالخيانة العُظمى بِسبب علاقتِهم بِذلك الشخص الغامِض الذي تسبّب بالكوارِث في العديد من العشائر قبل أن يحصُل مؤخراً على تميمة النجاة وجُزءٍ من المفاتيح السبعة لآثار تيرامورا، ومع أن الخمسة لا يعلمون كيف علِمَت عشيرة القبضة الحمراء بِعلاقتِهم مع شوفين إلا أن حالتَهم قد كانت صعبةً ولم يستطيعوا رؤية أي سبيلٍ للنجاة.

كان شيخ القانون يضغَط على الجميع بِهالتِه الروحية، وﻷنهم أضعف مِنه فقد كانوا تحت رحمتِه، حمحم وقال بِصوتٍ وقور

"كل ما أردناه مِنكم هو معلوماتٌ عن الطفل المُسمّى شوفين، لكنّكم هربتُم من العشيرة وتواصلتُم مع رِفاقِكم بحثاً عن المُساعدة، فهل هذا يعني بِأنكم جواسيس لجِهة خارجية ؟"

كانت راموليا وريكو وإينجِه هم الثلاثة الذين نجحوا قبل عدّة أشهُرٍ في الالتحاق بالتلاميذ الخارجيّين للعشيرة، وكانت راموليا قريبةً من الارتقاء إلى صفوف التلاميذ الداخليّين، إلا أن بِعثةً من قِيادة العشيرة قد طلبَت مِنهم القدوم بِطاعةٍ لِتقديم تقريرٍ عن شوفين وكيف يعرِفونَه، حينها.. قرّرت راموليا أن تهرُب مع ريكو وإينجِه والبحث عن زِنهار الذي كان يسكُن مؤقتاً مع صلجان في مِنطقة قريبة، وبعد لِقاء الجميع.. قرّر زِنهار الخروج من أراضي العشيرة تفادياً لِأي مُشكِلة غير مرغوبة، لكنّهم وقعوا أخيراً في الأسر ولم يعلموا ما عليهِم القِيام بِه، لكنّهم لم يُفكّروا أبداً في خِيانة شوفين بِسبب عقد العبودية الذي يُجبِرهم على كتم الأسرار مهما كانت بسيطة.

بين الخمسة.. كان إينجِه هو الوحيد الذي ليس عليه ختم الروح، ومع أن الوضع كان صعباً إلا أنه كان الأكثر وفاءً لِشوفين، ربما لأن أطفال الغابة أوفياء بِطبيعتِهم تجاه الأصدقاء، أو ربما لأنه يُريد ردّ بعض جمائل شوفين الذي أنقذَه من الموت وأخذَه معه في رِحلة التدريب، لذلك كان الخمسة صامتين أثناء الاستجواب رغم التعذيب الذي تعرّضوا له.

غضِب شيخ القانون عندما لم يُجِبه أحدٌ منهم، إلا أن الشيخ الذي اعتقلهُم قال

"لا تُزعِج نفسَك كثيراً، أربعةٌ مِنهم عليهِم ختم الروح، والخامس يُفضّل الموت على الكلام، وربما يكون عليه نوعٌ مُختلِف من أختام الروح، أي أنهم سيموتون قبل أن نستخلِص منهم أي معلومة مُفيدة"

عبس الشيوخ الحاضِرون لِأن مِثل هذا الوضع لن يوصِلهم إلى أي معلومةٍ حول شوفين، وبالتالي.. لن يستطيعوا الحصول على مفتاح تيرامورا أو تميمة النجاة، لذلك قال شيخ القانون

"إذا كان الأمر كما تقول فربما علينا نشر الأخبار حتى تصِل أخبارُهم إلى شوفين هذا، حينها.. ربما سيأتي إلينا للمُفاوضة"

فجأة.. اندثرَت القوة الروحية التي تضغط على الخمسة وبدأت قوةٌ روحية صفراء تنبعِث من زِنهار، تغيّرت وجوه الشيوخ وصرخ أحدُهم

"الروح الصفراء، هذه.. أليسَت مثل التي وصلتنا عبر التقارير ؟"

وقبل أن يُنهي كلامَه.. كانت قد تكوّنت شُعلةٌ صفراء وسط القاعة وأرسلَت ضغطاً كبيراً جعل الشيوخ ينزعِجون، وفجأة.. سمِع الجميع صدى صوتٍ وقور في أذهانِهم عبر التخاطُر يقول

"مجموعةٌ من الحشرات تتجرّأ على اعتقال عبيدي ؟"

احمرّت وجوه الشيوخ وبدؤوا ينظرون إلى بعضِهم البعض، صرخ شيخ القانون

"من أنت ... أظهِر نفسك"

ضحِك شوفين وقال

"أنا شوفين الذي تبحثون عنه، وبِما أنكم تُريدون لِقائي إلى هذه الدرجة فسأنتظِركم بالقُرب من آثار تيرامورا"

قال هذا ثم قام زِنهار وكانَت عيناه صفراوَين وكأنّه مُستحوَذٌ عليه، لوّح زِنهار بِيدِه فبدأت طاقةٌ غريبة تُحيط بِالخمسة معاً، صرخ أحد الشيوخ بِرُعب

"الفراغ ... طاقة الفراغ"

وفي لمحة عين.. اختفى الخمسة من القاعة وكأنهم لم يكونوا فيها مِن قبل، وفي نفس الوقت.. ظهر رجلٌ أربعيني كثيف الحواجِب في وسط القاعة وكان يلبِس ثياباً مُهترِئة ويُغطي الغُبار جسدَه بِأكملِه ولم يكُن جسدُه يُصدِر أي هالةٍ وكأنه مجرد بشريٍّ مشلول، اتّسعَت عيون الشيوخ وقاموا بِسرعة نحو الشيخ ثم ركعوا له باحترامٍ وهُم يقولون

"الصغار يُقدّمون التحية للسلف العظيم"

كان هذا هو السلف الأكبر لِعشيرة القبضة الحمراء، وكان قد فشِل قبل آلاف السنين في الاختراق إلى مرحلة الفراغ لذلك دخل في سُباتٍ طويل حتى لا يفقِد قوتَه الروحية بِسرعة، والآن خرَج دون سابِق إنذارٍ عندما شعر بِقوة شوفين الروحية، نظر إليهم السلف ثم حمحم وقال بِصوتٍ مبحوح

"ما كانت تِلك الهالة قبل قليل ؟"

قال شيخ القانون

"إنها هالة روحية صفراء، ظهرَت لإنقاذ خمسة أشخاصٍ كُنّا نُحاكِمهم بِسبب ..."

حكى الشيخ كل شيءٍ للسلف ولم يجرؤ على إخفاء أية تفاصيل مهما كانت بسيطة، وأخيراً.. قال

"هل الأمر يستدعي خروج السلف العظيم مِن سُباتِه ؟"

عبس السلف طويلاً قبل أن يقول

"أرسِلوا رِسالةً إلى العين الذهبية، عملاق جاوا، الحكماء التسعة، الدين المتين والعقل الأرجح، وأخبِروهم بأني قد خرجتُ وأرغب بالاجتماع مع أسلافِهم، الأمر خطيرٌ ولا يستحمِل المُماطلة أو الانتظار"

قال شيخٌ آخر

"لقد قال بأنه سينتظِرنا في آثار تيرامورا، ونحن نملِك جُزءً من المفتاح، ما الذي علينا فِعلُه ؟"

صمت السلف بعض الوقت قبل أن يقول

"أخبِروا باقي العشائر حول هذا أيضاً، يجب علي الاجتماع بأسلافِهم قبل فتح بوابة تيرامورا، وإلا فقد تحصُل كارِثة عظيمة"

...

في العالم الفراغي.. ظهر الخمسة المُصابون بعد إنقاذ حياتِهم، لكن شوفين لم يترُكهم في العالم الفراغي وإنما قام بإخراجِهم إلى حيث كان موجوداً مع سويكا، خرج الخمسة لِيُفاجؤوا بأن سويكا كانت تُمسِك شوفين بينما كان مُستلقياً على الأرض وقد خرجَت الدماء مِن عينَيه وأنفِه وصار وجهُه أصفر اللون وكأنه مصروع، كانت سويكا تصرُخ عليه وهي تبكي

"ما الذي يحدُث لك ... أجبني أرجوك"

رفع شوفين يدَه بِصعوبة ومسح دمعتَها ثم قال بِصوتٍ ضعيف

"أُصِبتُ بِجروحٍ في روحي بِسبب استخدام عالمي الفراغي عن بُعد، أنا لا أزال مجروحاً ولم أتعافى كُلياً"

في هذه اللحظة.. اقترَب الخمسة من شوفين وسويكا وكانت حالتُهم يُرثى لها، التفتَت سويكا نحوهُم وفهِمَت أخيراً ما حدث، عبسَت في وجوهِهم وقالت بِحُرقة وغضب

"حمقى"

قالَت هذا فقط قبل أن تستدير نحو شوفين وتحضُن رأسَه إليها وكأنه طِفلها الصغير، وهذا جعل الجميع يشعرون بِأن سويكا لم تعُد كما كانت مِن قبل، وبِما أن شوفين كان في حالةٍ شبيهة بالإغماء فقد جلس الخمسة أرضاً وبدؤوا يُعالِجون أنفُسهم بِصمتٍ ريثما يستعيد شوفين عافِيتَه.

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. هل تعرّف ذلك السلف على شوفين ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/05 · 522 مشاهدة · 1147 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024