"أخبريني كل شيءٍ تعرِفينَه عن الخمس عشائر الأقوى"

صمتَت داشاي قليلاً قبل أن تُجيب شوفين

"العشائر الخمس هي الأقوى منذ أكثر من ستين ألف سنة، ورغم أن طائفة العقل الأرجح تُصنَّف أيضاً بين الأقوى إلا أننا لا نعيش بين الناس ولا نملِك أعداداً كبيرة من المُقاتلين، لذلك لم نُحارِب في مجموعةٍ مِن قبل ولا نعلم إن كانت قوتُنا حقاً مِثل إحدى هذه العشائر، لكن.. إذا ما قُمنا بِمُقارنةٍ سريعة بين العشائر الخمس وغيرِها من العشائر الأخرى فسنجِد بأن الكثير من العشائر قد أصبحَت قويةً في فترةٍ ما ثم اندثرَت بِسبب شيخوخة مُؤسّسيها وعباقِرتِها"

ابتلعَت ريقها ثم أكملَت

"المحظوظون يستطيعون العيش لِعشرين ألف سنةٍ قبل أن تجِفّ أرواحُهم، والحل الوحيد لِتفادي ذلك هو الاختراق إلى مرحلة الفراغ ومُغادرة هذا العالم، لكن الاختراق ليس أمراً سهلاً بِسبب قلّة الموارِد، لذلك يُضطرّ الكثير من الشيوخ إلى الدخول في سُباتٍ عميق حِفاظاً على شُعلتِهم الروحية، ومع ذلك فإن هذا لا ينجح مع أحد، باستثناء ستّة أشخاص"

اتّسعَت عينا شوفين وانتظرَها حتى استأنفَت الحديث

"لا أحد يدري ما حدث، لكن العشائر الخمسة وطائفة العقل الأرجح لا يزال يملِك كل واحدٍ منهم شخصاً من العصر القديم، ومع أن أسلافَنا الستة يقضون أغلب وقتِهم في السبات إلا أن أرواحَهم لا تزال قوية وكأنهم شباب، وبخِلاف سلف طائفة العقل الأرجح الذي عاش ثلاثة وخمسين ألف سنة، فإن الخمسة الآخرين قد عاشوا لِأكثر من خمسة وستين ألف سنة، وهذا هو سبب بقاء العشائر الخمسة وطائفة العقل الأرجح فوق الجميع، لأنهم يملِكون وحوشاً قوية ستظهر عِندما تُواجِه عشيرتُهم خطر الإبادة"

بدأ شوفين يفهم بعض الأمور وأن هؤلاء الستة قد واجهوا بعض الحظوظ، لكن خزانَته لم تكُن فيها حبوب أو أعشاب تقوية الروح، لذلك يجب أن يكونوا قد حصلوا على عناصر تقوية الروح بطريقةٍ أخرى، وهذه العناصر في الغالب ليست من هذا العالم المتدني.

واصلَت داشاي الحديث عن العشائر الخمس حتى تدخّل أرفود وذكر بعض المعلومات من ذكرياته حول عشيرة عملاق جاوا، وكما يبدو فقد كان أحدَ شيوخِها في يومٍ ما، لكنه لم يُظهِر أي عاطفةٍ تجاهَهم، ربما بِسبب عقد العبودية بينَه وبين شوفين، أو ربما لأن بينهم تاريخاً سيئاً، لكن شوفين لم يهتَم بأي شيءٍ آخر غير المعلومات حول أعدائِه المرتقَبين.

واصل الاثنان الطيران طول اليوم والليل حتى أصبح اليوم التالي، حينَها.. أشارَت داشاي إلى جبلٍ مُرتفِع وقالَت

"بوابة تيرامورا موجودة في قمة ذلك الجبل"

دقّق شوفين نظرَه نحو الجبل وكان مُحاطاً بِغابةٍ كبيرة، وفي هذه الغابة أعدادٌ كبيرة من الوحوش والمخلوقات، مرّ بالطيارة فوق الغابة وأخرج مجموعةً من الزجاجات الكبيرة المليئة بِنفس السائل الذي أجبَر المُقاتلين على شُربِه بعد مذبحة السفّاح، أخرَج الزجاجات عبر خيوط النور وقام بِكسرِها بعيداً عنه دون أن تُحسّ به داشاي، فعل هذا في عدّة مناطِق من الغابة ثم أكمل طريقَه نحو قمة الجبل.

وصل الاثنان إلى القمة وكانَت مُستقيمةً وكأنها قد قُطِعت بِسيفٍ عِملاق، وكان على القمّة عدّة مجموعات من المُقاتلين سمِعوا بِالأخبار وجاؤوا لِتجرِبة حظوظِهم بعد فتح البوابة، نزل شوفين بِالطيارة أمام صخرةٍ عِملاقة عليها مصفوفة قوية، وفي وسط المصفوفة كانت سبعة أضواء مُختلِفة الألوان، نظر إليها ثم سأل داشاي

"هذه هي البوابة ؟"

أومأت بِرأسِها فبدأ يتصفّحها بِقدرات عينَيه وخصائص روحِه القوية، ثم تصفّح القمّة بِأكملِها، وبعد دقائق من الصمت.. قهقه قليلاً ثم قال

"صانِعها ذكي جداً، لكن الأمر ليس كما تعتقِدون"

أخرَج القرص العظمي ورماه إلى داشاي ثم قال

"جرّبوا حظّكم باستخدام المفاتيح السبعة، أنا لستُ بِحاجةٍ إليه بعد الآن"

قال هذا ثم بدأ يبتعِد عن البوابة تحت استغراب داشاي، وفجأة.. توقّف شوفين لِأنه تذكّر شيئاً ما، استدار نحوها وأخرج ذلك السيف الأبيض الذي حصل عليه مِن الملِكة ندمين، رفعَه نحو داشاي وسألَها

"هل لِهذا السيف علاقةٌ بِطائفتِكم ؟"

أمسكَته داشاي وبدأت تفحصُه قبل أن تُقطِّب جبينَها وتقول

"هذا.. يملِك هالة المؤسّس، ومع أنها ضعيفةٌ إلا أنها مألوفةٌ مثل التي في حاجِز حماية مقرّنا السرّي، كيف حصلتَ عليه ؟"

لم يُجِبها وإنما استدار مرة أخرى وترك السيف في يدِها وكأنه لا يُساوي شيئاً، ابتعد عنها حتى وصل إلى مِنطقةٍ مُعيّنة لا شيء مُميّز فيها، وقَف لِأكثر من عشر دقائق مُغمض العينَين ثم فتح عينَيه وابتسم وهو يقول

"حتى في مِثل هذا العالم المُتدنّي ؟"

جلس على الأرض ثم بدأ يُهمهِم بِصوتٍ مُرتفِع

"هييي~ هممم~ ... هييي~ هممم~ ... هييي~ هممم~"

كانت داشاي تنظُر إليه باستغرابٍ ولم تجرؤ على الاقتراب منه، لكن المجموعات التي كانت مُنتشِرة في الأرجاء.. بدأت تنظُر نحوَه وتتساءل عمّا يفعلُه، واصل شوفين همهمتَه ولم يهتمّ بهِم، لذلك بدؤوا يقترِبون منه، وبعد تجمُّعِهم.. زادَت همهماتُه فبدأ البعض بِالضحِك والسخرية

"ما الذي يفعلُه هذا الطفل الصغير ؟"

"هل أُصيبَ بالجنون ؟"

"إنه مشلول، أعتقِد بأنه يُصلّي ويدعو حتى يسترجِع تدريبَه"

واصل شوفين الهمهمَة قبل أن يبتسِم لِأنه شعر بِنوعٍ من الاستجابة، حينها.. فتح عينَيه وصرخ يُغنّي

"هييي~ هممم~ ... هييي~ هممم~ ... رجلٌ فقير~ ... بِقلبٍ صغير~ ... يزرع الحلول~ ... لِيومٍ خطير~"

"هييي~ هممم~ ... هييي~ هممم~ ... معنى الحياة~ ... طريق النجاة~ ... مالٌ قليل~ ... وصبرٌ كثير~"

"هييي~ هممم~ ... هييي~ هممم~ ... بِركة حمراء~ ... دِماءٌ كالماء~ ... في يومٍ حزين~ ... زارَكُم خبير~"

"هييي~ هممم~ ... هييي~ هممم~ ..."

...

انتشرَت الضحكات المُستفزّة من كل مكان وتجمّع كل الحاضرين حول شوفين، لكن داشاي وبعض الخُبراء كانت على وجوهِهم تعابير غريبة لِأنهم شعروا بأن ما يقولُه شوفين ليس مُجرّد كلامٍ لِأنه لم يكُن مُتناسِقاً، ولو أراد المُتعة فقط لاختار كلِماتٍ ذاتِ معنى، لذلك بدؤوا يُردّدون تِلك الكلمات في مُحالةٍ لِفكّ ألغازِها، إلا أن شوفين ظلّ يُردّد نفس العِبارات والحركات لِأكثر مِن نصف ساعة، وفي هذه اللحظة.. اقترَب رجلٌ ضخم مِن شوفين وصرخ عليه

"أصمت.. عليك اللعنة، لقد أزعَجني صَو.."

وقبل أن يُنهي حديثَه.. انقسَم جسدُه إلى عشراتٍ من القِطع بِسبب شبكةٍ من خيوط النور، لم يفتَح شوفين عينَيه وإنما قال

"الرحمة ... الرحمة ... الرحمة للقتلَة ... الرحمة للظلمة ... الكل يجِب أن يحصُل على الرحمة، وأنا طريقُكم إليها"

قال هذا ثم أطلق هالة النور حتى صار مُشِعاً وكأنه مِصباحٌ قوي، تراجع الجميع بِسرعةٍ بينما واصل شوفين أداءَه الغريب

""هييي~ هممم~ ... هييي~ هممم~ ... رجلٌ فقير~ ... بِقلبٍ صغير~ ..."

...

بعد ثلاث ساعاتٍ من الهمهمة.. فتح شوفين عينَيه وكان قد ابتعدَ عنه المُتطفّلون رغم أنهُم كانوا يُراقِبونَه من بعيد، وقف ونظر نحو الأرض ثم أخرَج عجلة التدمير وقال بِصوتٍ غاضِب

"إن لم تُدخِلني فسأُدمّر هذا الجبل بِأكملِه"

انتظر قليلاً دون أن يتغيّر أي شيء، تجهّم ثم وجّهَ عجلة التدمير نحو البوابة التي تحتوي على الأضواء السبعة، فجأة.. سمِع الجميع صوتاً وقوراً يقول

"الأمان الأمان، حافِظ على إرثي يا زميل"

وفي هذه اللحظة.. انتشر نورٌ قوي من البوابة ومنع عجلة التدمير مِن الوصول إليها، استرجَع شوفين عجلة التدمير ثم دقّ الأرض بِقدمِه وقال

"أدخِلني قبل أن أفقِد صبري، أنا لا أُريد إرثَك، أريد الحديث معك فقط"

وما هي إلى بِضع ثوانٍ حتى ظهرَت دائرة ضوئية تحت شوفين، وفي لمحة عين.. اختفى عن الأنظار مع الدائرة المُضيئة، اهتزّت داشاي وغيرها من الحاضرين، نظروا نحو البوابة إلا أنها كانت كما هي منذ قرون، فـهَل كانت هُناك طريقة أخرى للدخول ؟

...

داخِل غُرفةٍ مُضاءة جيداً.. ظهر شوفين في وسطِها ونظر أمامَه حيث كانت جُثّةٌ جامِدة جالِسةً على الأرض، ومع أنها كانت مِثل أي جسدٍ بشري ولم تتعفّن أو تتغيّر إلا أنها كانت مثل رجلٍ ضعيف يُعاني من سوء التغذية، نظر إليه شوفين لِبعض الوقت قبل أن يقول

"جعلتَني أُنشِد لك لِعدّة ساعات وفي الأخير لا تُريد إدخالي ؟
هل تُريد منّي رفع تقريرٍ إلى مجلس الحكمة ؟"

فجأة.. خرج صوتٌ قديم من الجثة يقول

"مَن الذي تُريد خِداعَه ؟
أنت لستَ زاهِداً رغم أنك تعلَم بعض الأمور عنّا، مِن أي عالمٍ أنت ؟"

ضحِك شوفين ثم قال

"بالطبع.. نسيتُ بأنك تستطيع كَشفي لأني لا أملِك خرزة الحِكمة، لكنّي محظوظ لأنك تملِك واحِدةً في جسدِك"

صمت الصوت القديم فقال شوفين ضاحِكاً

"هل ستمنحُها لي أم آخذها بِنفسي ؟"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. ماذا يكون مجلس الحكمة هذا ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/06 · 498 مشاهدة · 1238 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024