"فقط أخرِجها مِن الحاوِية وأنا سأهتم بالباقي"
بقي الجميع بعيدين عن طاقة الروضة المباركة بينما كان شوفين داخلها، استمر امتصاص الطاقة لِأكثر من نصف ساعة حتى قال الشبح الأبيض
"هذه هي ثمانون في المائة من طاقة الروضة المباركة، أتمنى أن تستخدِمها في عمل الخير"
ضحك شوفين وقال بِعجرفة
"لقد وُلِدتُ للخير، وإذا دخلتُ أرضاً فلا تغمض لي عينٌ حتى يشبع الفقراء وينام الضعفاء في أمان"
عبس رفاقُه من الخلف فعبَس الشبح الأبيض عِند رؤية تعابيرِهم ثم قال
"وكأني سأصدق شخصاً يتّخِذ رفاقَه عبيداً له"
ضحك شوفين وقال بدون خجل
"أنا لا أجبِرُهم على فعل أي شيءٍ ضد إرادتهم، أما ختم الروح فهو فقط للتواصل معهم وحمايتهم، يُمكِنك سؤالهم عن هذا عندما ندخل إلى بحيرة الماء المقدس"
اتّسعَت عينا الشبح الأبيض لِأن شوفين يُريد استغلالَه إلى أقصى حد، فهو سبق وعرض على إينجِه أن يقوم بِمُباركتِه بالماء المقدّس، والآن يرغب شوفين إدخال الجميع، لذلك صرخ بِغضب
"لا تكُن طمّاعاً إلى هذه الدرجة"
طأطأ شوفين رأسَه ثم أخرَج هالةً شيطانية مِن جسدِه وقال بِحُزن مُصطنَع
"أنا لستُ طمّاعاً وإنما أُريد شِفاء نفسي، كما ترى.. فقد أُصِبتُ عندما أنقذتُ طِفلةً صغيرة من بعض الشيطانيّين"
تراجَع الشبح الأبيض بِسرعةٍ بينما كانت تُلاحِقه الطاقة الشيطانية، تغيّرَت تعابيرُه وهو ينظُر إلى شوفين لِأنه كان يخدعُه بِوضوح، لكن الشبح لم يفهَم كيف استطاع شوفين استخدام النور مع الظلام، ليس أي نورٍ وليس أي ظلام، بل هُما أشد نوعَين مُتضادّين بين جميع أنواع العناصِر، فكيف استطاع جمع النور المقدّس مع الطاقة الشيطانية ؟
صمت الشبح طويلاً قبل أن يتذكّر بأن شوفين كان يُسمّي سلفَه العظيم بالصغير إلكاي، ما يعني بأنه ربما يكون أحد الوحوش القديمة الذين لا تنطبِق عليهم القوانين والأعراف، وربما سيكون من الأفضل ألا يتعارض معه كثيراً، خاصة أنه يبدو مُطّلِعاً حول كل شيءٍ في مخبئِه، حتى أنه ذكر بُحيرة الماء المقدّس وليس حوضاً أو نهراً، وذلك لأنه يمتلِك طاقةً روحية قوية تجعلُه يستكشِف أي شيءٍ في مساحة واسعة جداً.
بعد صراعٍ داخليٍّ طويل.. قال الشبح
"بِما أنك مُصابٌ فلا أستطيع الاعتراض أبداً، لكني سأُخصّص جُزءً معزولاً لِوريثتي الجديدة"
قرّر الشبح هذا بِسبب خوفِه من أساليب شوفين في امتصاص الطاقة بعد رؤيتِه يمتصّ ثمانين في المائة من طاقة الروضة المباركة في أقل من ساعة، ولو كان شخصاً عادياً لأخَذ منه الأمر عدّة أسابيع على الأقل، وأخيراً.. قام الشبح الأبيض بِنقلِهم إلى بُحيرةٍ صِناعية صغيرة وكانت صلجان هُناك أيضاً، قام الشبح بِاقتطاع حوالي رُبع البُحيرة ثم سمح لهُم بالدخول إلى الجزء الأكبر، وبِمجرّد دخولِهم إليه.. قالت راموليا باستغراب
"ما نوع هذه الطاقة الهادِئة والمُريحة ؟"
قال شوفين
"الماء المقدّس مصنوعٌ مِن مِئات الأعشاب المُعالَجة بالنور المقدّس، وتأخُذ عملية التصنيع أكثر من ألف سنة، وهذا يعني بأن مجلِس الحِكمة قد صرف موارِد كبيرة لإنشاء فرعٍ له في هذا العالم"
كان الشبح يستمِع إليه باستغرابٍ لأن شوفين كان يعلم أكثر من اللازِم، واصل شوفين شرحَه
"النور المقدّس هو أفضل سلاحٍ مُضادٍّ للطاقة الشيطانية، كما يُستخدَم لِتنقيح الجسم من الشوائب، أما الماء المقدّس فهو أكثر فاعليةً من النور المقدس، لكنه مُخصّص لِتحسين الجسد وتجهيزِه للارتقاء وليس للقتال ضد الشيطانيّين، كُنت أنوي أخذكُم مستقبلاً لزِيارة مجلس الحِكمة للحصول على حمامٍ في الماء المقدس، لكني لم أعتقِد بأني سأجِدُه في مثلِ هذا العالم المُتدنّي"
تدخّل الشبح الأبيض من خارِج البُحيرة
"هل ستُغادِر هذا العالم قريـباً ؟"
قال شوفين
"نعم، هل تملِك بوابة نقلٍ تُخرِجُنا مِن هنا ؟"
تجهّم الشبح وقال بِحُزن
"لو كُنت أملِك بوابةً لغادَرتُ بِنفسي بدل تدهوُر حالتي بِسبب الهالة الضعيفة في هذا العالم"
صمت قليلاً ثم سأل
"كيف تنوي الخروج مِن هُنا وأنت لا تملِك بوابة نقل ؟"
ابتسم شوفين وقال
"توجد الكثير من الطرق، سأجرّبها واحدة تِلو الأخرى، وإذا فشِلَت جميعاً فربما قد أصنع بوابة خاصة، لكني لا أدري إن كُنت سأجِد الموارِد الكافية لإيصالي إلى عالمٍ مُتوسّط"
قال الشبح مُحذِّراً
"صنع البوابات ليس سهلاً، وأي ارتِجاجٍ في النفق الفراغي قد يعني الموت، فهل أنت مُستعدٌّ للمُغامرة ؟"
عبس شوفين قليلاً ثم قال
"مغامرة.. نعم، لكن ليس مُقامرة، أنا لا أحب القِمار"
قال هذا ثم أغلق عينَيه وبدأ يمتصّ الماء المقدّس إلى جسدِه ويغسِل بِه أعضاءَه بِغرض تنظيفِها من الشوائب التي فشل في التخلّص منها سابقاً.
...
بعد أسبوع.. كان عدد المُقاتلين بالقرب من بوابة تيرامورا قد تعدّى الآلاف، وكانت حِكاية الشاب المجنون قد انتشرَت بين الجميع، وفي مكانٍ قريبٍ من البوابة.. كان أكثر مِن مائة مُقاتل واقفين في دائرةٍ كبيرة، صرخ أحدُهم وكان له أنفٌ ضخم وكأنه مُدمِن مخدّرات
"أنت هناك، هل تُريد جعلي أبدو مثل الأبله ؟"
ارتجَف المُقاتل النحيف الذي لديه جرحٌ كبير على خدّه، ابتلَع ريقَه ثم قال بِخوف
"أُقسِم لك بأن هذا ما كان يقوله، لكن عدداً لا يُحصى من المُقاتلين قد جرّبوا نفس الطريقة ولم تنجح معهُم"
صمت أنف المخدّرات قليلاً ثم حمحم وبدأ يُغنّي بِصوتٍ مبحوح وكأنه يُدخّن الأعشاب الضارة
"هييي~ هممم~ ... هييي~ هممم~ ... رجلٌ فقير~ ... بِقلبٍ صغير~ ... يزرع.."
احمرّ وجهُه وتوقّف عن الغِناء عندما بدأ البعض يتهامَسون ويضحكون، ضرب الأرض بِقدمِه وصرخ
"اِفتح أيها اللعين، أدخِلني وإلا دمّرتُ هذا الجبل"
ضحِك أحدُهم من الجمهور ثم قال
"تتحدّث وكأنّك تستطيع تدميرَه فِعلاً"
عبس أنف المخدّرات وانقضّ على صاحِب الضحكة وبدأ الاثنان يتقاتلان بينما يتفرّج عليهِما الجميع ويسخرون منهما، وفي هذه اللحظة.. سقطَت هالةٌ قوية على قمّة الجبل وسمِع الجميع صوتاً قوياً من السماء يقول
"غادِروا هذه القمة الآن"
شعر الجميع بالضعف في أجسادِهم قبل أن تظهر خمس هالاتٍ أخرى مُشابِهة للهالة الأولى من حيث القوة، وفي نفس الوقت.. ظهرَت عاصِفة قوية في وسط القمّة وبدأت تتّسِع حتى طردَت المقاتلين الضعفاء وكأنهم مجرّد حشرات، عبس الأقوياء عندما أحسّوا بِهذه الهالات القوية واستداروا للانصراف مُباشرة دون كلمةٍ إضافية، وبعد دقيقةٍ واحدة.. كانت القمّة نظيفة وليس عليها أحدٌ إلا داشاي التي لم تقترِب منها العاصِفة لِسببٍ ما.
اختفَت العاصِفة فجأةً وظهرَت داخِلَها ستة ظلال، تكشّفَت بِالتدريج وظهر منها شابٌ ثلاثيني أبيض الشعر والملبس، وبِقُربِه شابة عشرينية تلبِس بِغير لِباس ولا تستُر نفسَها إلا بِخيوطٍ رقيقة من الهالة الشيطانية السوداء، وخلفَهما أربعة مُقاتلين تحت الأربعين، نظرَت إليهِم داشاي قليلاً قبل أن تسقُط أرضاً وتبدأ بالاختناق، وقبل أن تصِل إلى الأرض.. أمسكَتها يدٌ سوداء مِن رقبتِها ورفعَتها عالياً، فتحَت داشاي عينَيها بِصعوبة قبل أن ترى بأنها تِلك الفتاة العشرينية الشيطانية، وقبل أن تقول شيئاً.. ضحِكَت العشرينية وقالت بِنبرة مُغرِية
"يبدو بأنكِ شُجاعةٌ جداً للبقاء وحدَكِ هُنا، ألا تخشَين مِنّي ؟"
قالَت هذا ثم اقتربَت منها ولعقَت خدّها بِطريقة مُنحرِفة، ورغم أن داشاي كانت تستطيع استخدام القليل مِن قوّتِها إلا أنها لم تفعَل وإنما حوّلَت نظراتِها نحو الشاب الثلاثيني بالأبيض وكأنها تستنجِدُه، حينها.. قال الشاب الأبيض بينما يُرخي هالة قوية لحِماية داشاي
"لا تُزعِجي أتباعي أيتها العجوز المُنحرِفة"
--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. ما الذي سيفعلُه هؤلاء الضيوف الأقوياء ؟
#تحت_المجهر
--------------
صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine