"والآن.. ما الذي ستدفعونَه لي كتعويض ؟"

نظر الخمسة نحو بعضِهم البعض ثم قال الأربعيني بِالحواجِب

"لقد جلَبنا لك بعض الهدايا الرمزية، أما التعويض فيُمكِنك إعطاء أوامِرك وسوف نُنفّذها بدون تأخير"

قال هذا ثم أخرَج كميةً مِن الكنوز وكانَت أكبر من هدية سلف العقل الأرجح، قام الآخرون بِنفس الشيء ثم انتظروا أوامِره، نظر إليهم ثم قال

"أنا أحب الأوردة الروحية كثيراً، أحضِروا لي أوردةً روحية وسأعطيكم مقابِلها تقنياتٍ تدريبية عالية ومصفوفاتٍ قوية ووَصفاتٍ طبّية لم ترَوا مِثلها مِن قبل"

اتّسعَت أعيُن الستة معاً لِأن شوفين سيَمنح لهم أشياءً جيدة مقابل عملِهم، لذلك بدؤوا يُخطّطون للعشائر التي سيغزونها ويأخذون أورِدتها حيث تملِك العشائر المتوسطة بين ثلاثة إلى عشرة أوردة، وأخذُ بعضِها لَن يكون مشكلةً كبيرة، لذلك وافقوا وطلبوا مُهلة أسبوعٍ قبل عودتِهم، وقبل أن يُغادروا.. قال شوفين

"طائفة الدين المتين.. أنا بِحاجةٍ إلى مصدرٍ للطاقة الشيطانية، وسأمنحكم مُقابِلها تقنياتٍ شيطانية سامية، وأيضاً.. هناك شخصٌ يَنتمي إليكم اسمه سفيار من المنطقة الشرقية، أجلبوا لي رأسَه"

ارتجَف زِنهار عندما سمِع اسم تلمِيذه، لكنّه لم يستطِع مُعارضة شوفين هذه المرة، لذلك تنهّد وصمت، نظر شوفين بعدَها نحو الآخرين ثم قال

"عشيرة القبضة الحمراء قد أساءَت إليّ قبل أسابيع، سأغفِر لكم إذا أتيتموني بِرأس راصان من عبيد الذهب الخالص وشيخٍ يُرافِقُه مِن جزر سمهريا"

أومأ كثيفُ الحواجِب ثم غادر مع الآخرين لِبدء المهمّة، استدار شوفين نحو رِفاقِه وابتسم ثم قال

"تجهّزوا.. سنُغادِر بعد أسبوع"

...

خلال الأسبوع القادم.. كانت الأراضي الوسطى في حالةٍ حرِجةٍ حيث بدأت العشائر الستة الأقوى بِشنّ غاراتٍ سياسية وعسكرية ضد العشائر المتوسّطة للحصول على بعضٍ مِن أورِدتِها الروحية، لكن العشائر الأقوى لم تستخدِم القوة فقط وإنما أعطَت لهم الوعود وبادلَت معهم الموارِد والأراضي حتى لا تُسبّب حالة استِنفارٍ وغضب فتنعكِسَ العملية عليهِم، لكن هذا لم يكُن حال الدين المتين والعقل الأرجح لِأنهما طائِفتان مُتنقّلتان خلاف العشائر التي تتمسّك بالأرض، لذلك كان أتباعُهم شرِهين في مُعاملاتِهم مع العشائر المتوسّطة.

على صعيدٍ آخر.. كان المرض الغريب قد بدأ يتفشّى بِوتيرةٍ أسرع، وحسب التحاليل الأولية فإنه ينتقِل مِن شخصٍ لآخر، ويأخُذ أكثر مِن عشرة أيامٍ حتى تظهَر أعراضُه، ومهما حاوَل الأطباء إلا أنهم لم يستطيعوا اكتشاف المرضى بِه، ما جعلهُم يشكّون أصلاً في أنه مرض، لكن.. ومع انتِشارِه هذا إلا أنه لم يصِل بعد إلى المرحلة التي تهتمّ بِه العشائر الأقوى، لذلك بقِي الخبر بين الحقيقة والإشاعة.

بين هذا وذاك.. مرّ الأسبوع بِسرعةٍ فاجتمَع الأسلاف الستة قبل المجيء إلى شوفين وكانوا يحمِلون العديد من أدوات التخزين الواسعة، وفي داخِلها كان أكثر من ثلاثين وريداً روحياً بين الأحمر والبرتقالي، وأربعة أورِدة بُنّية، أما الجائزة الكبرى فقد كانت مِن نصيب عشيرة عملاق جاوا والتي حصلَت على وريدٍ أصفر، ورغم أنه صغيرٌ إلا أنه كان أفضل حتى من الوريد الروحي الذي يملِكُه شوفين في عالمِه الفراغي.

كانت أغلب الأورِدة صلبةً، لذلك كان نقلُها سهلاً على العشائر، استلَمها شوفين وأعطاهُم العديد من التقنيات والمصفوفات والوصفات الطبية، فرِح الستّة بِالمكاسِب ثم قدّموا رؤوس الثلاثة الذين طلبهُم شوفين، نظر زِنهار بِبعض الحُزن نحو رأس تلميذِه سفيار ثم أغلق عينَيه ولم يقُل شيئاً، اقتربَت راموليا من رأس الشيخ الأول لِمتجر أعلى جبل ونظرَت إليه بِغضبٍ لِأنه هو الذي تسبّب لهُم بِكارثةٍ كادَت تودي بِحياتِهم، أخرجَت بعض الجليد الناري المسموم وحوّلت به الرؤوس الثلاثة إلى رماد.

وأخيراً.. تقدّمت العشرينية الشيطانية وقدّمَت صندوقاً مليئاً بِأحجارٍ سوداء تنبعِث منها هالةٌ دموية مشؤومة ثم قالت باحترام

"هذا هو المخزون الاحتياطي الذي كنّا نجمعُه منذ آلاف السنين، وكل حجرٍ يحتوي على ما يكفي لِتنمية عشرة مُقاتلين، أتمنى أن ينال إعجاب السيد العظيم"

خزّن شوفين ذلك الصندوق في خاتم تخزينٍ حتى لا تتأثّر بِه باقي المواد في الخزانةِ ثم أخرج حجر تصويرٍ وسلّمه لها قائلاً

"هذه مائة تقنية شيطانية سامية لم تسمعوا بِها مِن قبل"

أمسكَت الحجر وتصفّحَته قبل أن تتغيّر تعابيرُها لأنها كانت كلها تقنياتٍ قوية، ابتسمَت وتراجعَت للخلف باحترام، وبِهذا كانت المُبادلة قد انتهَت فاستدار شوفين وأخرَج الطيارة ثم قال

"سأُغادِر هذا العالم قريباً، عودوا إلى أشغالِكم ولا تُخبِروا أحداً عنّي"

قال هذا ثم أدخَل رِفاقَه إلى عالمِه وطار عالياً، نظر الستّة نحو بعضِهم البعض ثم استداروا للمُغادرة، وحينَها.. قال كثيف الحواجِب

"هناك شيءٌ غريبٌ يحدُث في بعض العشائر المتوسّطة، ولا أحدَ يعلم إن كان مرضاً أم مجرّد حالةمؤقّتة"

قال سلفٌ آخر مِن الستة

"هل تتحدّث عن نُقصان التدريب لدى بعض المُتدرِّبين ؟"

أومأ كثيف الحواجِب ثم قال

"نعم، بعض المُقاتلين قد نقص تدريبُهم بِضع درجات، هل سمِعتَ بِهذا أيضاً ؟"

عبس الثلاثيني بِالأبيض وقال بِتعابير غريبة

"هذا غريب، حتى تلك الطفلة داشاي.. لم تأتِ اليوم لِأن تدريبَها قد نقص درجةً واحِدة، أعتقد بِأن هذا ليس مجرّد صُدفة"

تغيّرت ملامِح العشرينية الشيطانية ونظرَت نحو مكان مُغادرة شوفين بِنظراتٍ مُعقّدة، لكنّها لم تقُل شيئاً رغم شكوكِها، وإن كان الأمر كما تعتقِد فسيكون هذا أكثر شيطانيةً من أي عملٍ قامَت به طائفتُها الشيطانية مِن قبل.

أراد أحدُهم تغيِير الموضوع لأنه لا يُصدّق بِوجود شيءٍ مثل هذا، لذلك التفتَ نحو بوابة تيرامورا وقال

"ما الذي سنفعلُه بِخصوص هذه البوابة بعد حصولِنا على المفاتيح السبعة ؟"

...

بعد عشرة أيام.. وصل شوفين أخيراً إلى المنطقة الشرقية للقارة، وكان خِلال الأيام الماضية يمرّ بالعشائر ويُوزّع عليهِم هداياه المجانية والتي ستحُدّ من تدريبِهم بعد أقل مِن أسبوعَين، ومع أن الخلطة التي صنعَها لن تُؤثّر في الأقوياء إلا أن مرحلة الفراغ وما تحتَها لا تُعتبر من التدريب الحقيقي، لذلك لن يستطيع أحدٌ من سكان هذا العالم تفادي نُقصان تدريبِهم حيث يقوم المرض بِتقليص الوِعاء والخطوط الزوالية، وينتشِر عبر الطاقة الطبيعية حيث سيُصبِح هذا العالم مِن أضعف العوالِم بعد فترة قصيرة، وهذا لن يُؤثّر على حياتِهم وإنما فقط سيجعل أقواهُم في مرحلة البناء.

كان غرض شوفين مِن نشرِ هذا المرض هو منعُ سكان هذا العالم مِن مُغادرتِه حتى لا ينتشِر خبرُه في العوالِم الأخرى، وذلك لِأن شوفين قد أزعَج الكثير مِن الأقوياء وصار مشهوراً جداً، لذلك ستكون مشكلةً إذا تعرّف عليه أحدُهم وهو في الخارِج، لِأنه لا يُريد انتشار قصّة بِدايتِه حتى لا تُعرَف هويّتُه الحقيقية التي قرّر إخفاءَها، وبِنُقصان التدريب كان قد ضمِن بأن لا أحد يستطيع المُغادرة بخِلاف زِنهار وصلجان اللذَين أعطاهُما الترياق في وقتٍ سابِق، وهذان لا مشكلة معهما لأنه قد وضع عليهِما ختم الروح ولن يستطيعا خِيانتَه.

وصل إلى المنطقة الشرقية ثم أخرج رِفاقَه وقال

"سنفترِق هنا مع زِنهار ثم نُغادِر هذا العالم الغبي"

نظر الجميع نحو زِنهار بِطريقةٍ عاطفية لأنّه كان يُساعِدُهم كثيراً في الأشهُر الماضية، حتى أنه غامر بِحياتِه لإنقاذِهم من عشيرة القبضة الحمراء، وقبل أن تتطوّر عواطِفُهم.. نظر زِنهار نحو شوفين وقال

"لم يعُد لي أي شيءٍ في هذا العالم، هل أستطيع الذهاب معكم ؟"

نظر إليه شوفين قليلاً ثم قال

"إذا لم يعُد لك شيءٌ هنا فلَن تُمانِع إذا دمّرتُ عشائر الرمح، صحيح ؟"

ارتجف زِنهار وشدّ قبضتَيه فضَحِك عليه شوفين ثم قال له

"أستطيع أخذَك معي ويُمكِنُك البقاء في عالمي الفراغي بِقدر ما تشاء أو اختيار العالم الذي تُريد البقاء فيه، لكنّي سأُخرِجك مرّة واحدة فقط من عالمي الفراغي، ولن أُعيدَك إليه بعد أن تختار المُغادرة"

فهِم زِنهار ما يقول شوفين، وهو أنه لا يُريد أخذَه معه كرفيقٍ يدخُل ويخرُج مِن عالمِه، لذلك سيكون عليهِم الافتراق عندما يجِد العالم المُناسِب له، ومع أن هذا صعبٌ بعض الشيء حيث سيكون اختيارُ مكانِ البقاء أمراً مصيرياً له، إلا أنه أومأ بِالموافقة لِأن ارتِقاءَه كان مسألة وقتٍ فقط بعد أن بدأ التدرّب على التقنية التي أعطاها له شوفين في وقتٍ سابق، ابتسم شوفين ثم قال

"بِما أنك ستذهب معنا فسنُكمِل طريقنا"

سألَت سويكا باستغراب

"كيف سنُغادِر هذا العالم ؟"

أجابَها وهو ينظُر نحو الشرق

"سنرجِع إلى جزر سمهريا ونُجرّب الطريقة الأولى، وإذا لم تنجَح فربما سنعود إلى هنا لِسرِقة الأوردة الروحية من العشائر القوية لأننا سنحتاج إلى الكثير من الطاقة لإنشاء نفقٍ فراغي آمِن"

...

بعد يومَين من الطيران فوق المُحيط.. وصل شوفين إلى جزر سمهريا واتّجَه مُباشرةً إلى دولة روسكيا، لم يُزعِج نفسَه بزِيارة معارِفه القدماء وإنما اتّجه مُباشرةً إلى المنصة الحجرية التي تظهَر فوقَها بوابة الفراغ حيث تُقام مسابقة الصيد، وقَف على المنصة وبدأ يدرُس نقوشَها لِبعض الوقت قبل أن يبدأ بِرسم مصفوفة فوق النقوش القديمة، وبعد نِصف ساعةٍ من العمل.. وقف فوق المصفوفة وقام بِتفعيلِها فبدأت تظهر بوابةٌ صغيرة مليئة بِالضباب.

استمرّ فتح البوابة لِأكثر مِن عشر دقائق حتى صارَت مُستقرّة، ابتسم شوفين وقفز عبرَها فظهر في الفراغ الذي كان يحكُمه أرفود، طار حتى وصل إلى مُنتصفِه ثم أخرَج الجميع ومِن بينِهم أرفود والبيضة، استغربَت راموليا وريكو من عودتِهما إلى هذا الفراغ بينما كانَت تعابير سويكا مليئةً بالعواطِف لِأن هذا المكان هو الذي التقَت فيه مع شوفين أول مرّة، أما زِنهار وإينجِه فلَم يعلما أصلاً بأنهُما في فراغٍ مُستقلّ.

أمسك شوفين بِالبيضة وسأل الخُنفس عبر التخاطُر

"كيف دخلتَ إلى هُنا في آخر مرّة ؟"

أجابَه الخُنفس بِنبرة كسولة

"أنا لا أدري، كل ما أتذكّرُه هو أني قد تعرّضتُ للخِداع وكِدتُ أهلِك، وأثناء هروبي.. وقعتُ في زوبعةٍ مكانية نقلَتني إلى هذا الفراغ الطبيعي، وبعدَها.. بدأتُ عملية التأسُّل الرجعي حتى أولَد مِن جديد"

عبس شوفين عندما أخبرَه الخُنفس بأنه دخل إلى هذا الفراغ بالصدفة، ومع ذلك.. سيكون جيداً إلى كان الفراغ قريباً مِن عالمٍ أوسَط، لذلك سألَه مرّة أخرى

"في أي عالمٍ كُنت في آخر مرّة ؟"

قال الخُنفس بِبعض التردّد

"عالمٌ صغيرٌ جداً، لكنّه مُصنّف بين العوالِم المتوسّطة بِسبب موارِده النادِرة"

صمت قليلاً ثم أضاف

"عالم الذكاء ... أرض زيكولا"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيِك.. ما هي أرض زيكولا ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/08 · 516 مشاهدة · 1462 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024