"عالم الذكاء ... أرض زيكولا"
قطّب شوفين حاجِبَيه وبدأ يُفكّر في هذا الاسم الذي ذكرَه الخُنفس، وبعد لحظاتٍ من التفكير.. اتّسعَت عيناه وسأل الخنفس
"أرض زيكولا، يستخدِمون وحدات الذكاء ولا يعترِفون بِالمال، ولديهِم قوانين خاصة تمنَع الخروج مِن عالمِهم إلا في أيام العيد، أليس كذلك ؟"
صمت الخنفس قليلاً قبل أن يقول بِتعجّب
"لم أعتقِد بأن عرّاب الخراب سيهتمّ بمِثل هذا النوع مِن العوالِم، هل سبق وزُرتَه ؟"
قهقه شوفين ثم قال
"لا.. لم أزُره مِن قبل، بل ولم أعلم بأنه موجودٌ أصلاً، لكنّي أعرِف روايةً اسمها أرض زيكولا وسكانُها أذكياء جداً، ويبدو بِأن صانِع هذا العالم قد اقتبس الفِكرة مِنها، هل وحدات الذكاء عِندهُم هي أغراضٌ روحية ؟"
أجابَه الخُنفس بالنّفي
"بل هي مُجرّد عُملةٍ بديلة، وعالمُهم يُعتبر مصدر النصّابين للعوالِم الأخرى، وأي شخصٍ يُريد تعلُّم الاحتيال والنّصب يأتي إلى أرض زيكولا للاحتِراف"
تنهّد شوفين لِأن الفِكرة الأساسية لِإنشاء هذا العالم لم تنجَح في النهاية، وكثيرٌ من أفكار العوالِم لا تنجَح بعد تأسيسِها، لكنها تبقى موجودةً ما دامَت تُدِرّ النفع على مُنشئِها، أعاد البيضة إلى سويكا ثم أغلَق عينَيه وأطلَق موجةً قوية من الطاقة الروحية الصفراء وبدأ يستكشِف بِها جميع أركان الفراغ الطبيعي، وبعد ساعةٍ من الاستكشاف ومراقبة التغيِيرات مهما كانت صغيرة.. طار نحو مكانٍ بعيدٍ وأخبَر رِفاقَه أن ينتظِروه، بقِي في ذلك المكان لِأكثر من خمسة أيامٍ حتى بدأ الرفاق يعتقِدون بِأنه قد تخلّى عنهُم، لكنّه ظهر أخيراً وقال لهم
"لقد وجدتُ طريقة الخروج من هذا الفراغ نحو عالمٍ مُتوسّط، لكن العملية ستأخُذ بعض الوقت للانتهاء، لذلك.. سنبقى في هذا الفراغ لبِضعة أشهُرٍ قبل المُغادرة، استغِلّوا هذا الوقت لِزيادةٍ تدريبِكم لأننا سنذهب إلى عالمٍ لا يرحَم الضعفاء"
أومأ الجميع بِطاعةٍ ثم تقدّمَت سويكا نحو شوفين وقالت بِصوتٍ مُنخفِض
"هل تذكُر يوم لِقائنا الأول ؟"
ابتسم شوفين وأومأ دون قول كلمة واحِدة، عبسَت قليلاً لِأن شوفين لا ينوي الانسياق وراء تلميحاتِها العاطفية، لذلك غيّرت الموضوع قائلةً
"لقد تغيّر شكلي كثيراً منذ التقَينا أوّل مرة، لكنّك لا زِلتَ كما كُنت، أخشى أن أبدو أكبر مِنك بعد سنةٍ أخرى"
قهقه شوفين ثم سألَها
"تُريدين طريقة الحِفاظ على الشباب ؟"
أومأت بِسعادةٍ فقال لها
"الأمر ليس بتِلك الصعوبة، سنعمَل على هذه المسألة خِلال وقتِ إقامتِنا في هذا الفراغ، لكن.. لا تتكاسَلي في تدريبِك"
قال هذا ثم استدار نحو راموليا وسألَها
"هل تُواجِهين مشكلةً في الاختراق إلى مستوى تألّق الطاقة البدائية ؟"
قالت
"علِقتُ في مستوى تألّق الطاقة الخارجية ولم أفهَم كيف أدمِج طاقتي الداخلية مع الطاقة الخارجِية لإنشاء الطاقة البدائية، لذلك لم أستطِع الاختراق"
عبس شوفين قليلاً قبل أن يُمرّر لها حُزمةً ضوئية مليئة بِالمعلومات حول ماهية الطاقة بِجميع أنواعِها ثم قال
"الفهم ضروري جداً، وإذا لم تَخترِقي بعد الفهم فسأصنع لك حبةً طبّية لِمُساعدتِك"
أومأَت بِسعادةٍ لِأن شوفين قد بدأ يهتمّ بِها مِن جديد، تركَها والتفتَ إلى ريكو ثم أخرَج عدّة زُجاجاتٍ مليئة بِجوهر الدم الذي حصل عليه من الوحوش خِلال الأشهُر الماضية، وكانت بينَها زُجاجة الدماء التي استخرجَها مِن جثة الشبح الأبيض التابِع لِمجلِس الحِكمة، سلّم جميع الزجاجات إلى ريكو ثم قال له
"سيأخُذ مِنك صقلُها شهرين أو أكثر، وحينها.. ستمنَح لي ما تدين لي بِه من جوهر دمِك، فأنت لم تمنَحني شيئاً منذ افترَقنا"
أخرج ريكو زجاجة صغيرة وقال ساخراً
"وكأني سأدعُك تأخُذها دُفعة واحدة، هل تُريد إهلاكي ؟"
رمى الزحاجة نحو شوفين وقال له
"لقد كُنت أدّخِرُها لك كل شهر حتى لا أضطرّ لإعطائِك مائة قطرةٍ دُفعة واحدة"
أومأ شوفين بالموافقة وانصرف ريكو راضياً لِأنها كانت تِجارة عادِلة بين الاثنَين، ورغم أنه لا يعلم لِماذا يأخُذ منه شوفين جوهر دمِه إلا أنه سعيدٌ بالتجارة ما دام يحصُل على جوهر دم الوحوش، استدار شوفين نحو إينجِه وسألَه
"كيف تسير عملية صقل معدن العُشب الحاد ؟"
طأطأ إينجِه رأسه بِخجلٍ ثم قال
"لم أستطِع التواصُل معه ولا أدري أين هي المشكلة"
ابتسم شوفين ثم طلب مِنه المكعّب المعدني، أمسكَه وطلب مِن إينجِه إخراج طاقتِه الروحية ومُحاولة دمجِها مع المعدِن بينما يقوم شوفين بِمُساعدتِه، فعل إينجِه كما أخبرَه وبدأت العملية لأكثر من نصف ساعةٍ قبل أن يصيح بِفرح
"هذا.. أنا.. هذا كان الأمر بِهذه السهولة ؟"
ضحِك شوفين ثم شرح له
"الأمر أصعب بِكثيرٍ مِمّا تتوقّع، ولولا أنك تستخدِم طاقة الخشب لما استطَعت التواصُل معه بِهذه السهولة، على أي حال.. تستطيع الآن بدء الصقل المبدئي وتشكيل القوس الذي ترغَب بِه، ومع الوقت.. سيكون بإمكانِك تحويل القوس إلى عدّة أشكالٍ حسب الحاجة"
أومأ إينجِه بِسعادةٍ فقام شوفين بِفَرك شعر رأسِه ثم نظر نحو زِنهار، إلا أن هذا الأخير كان قد دخل في تدريبِه، لذلك جلس شوفين أيضاً وطلب البيضة من سويكا ثم دخل عالمَه الفراغي، وقف مع البيضة فوق بُحيرة الوريد الروحي ثم أخرَج الأورِدة الروحية التي حصل عليها وبدأ يرميها في البُحيرة، وبِطريقة تِلقائية.. بدأت البُحيرة تكبُر وتتّسِع، وبعد رمي كل الأورِدة فيها.. بدأ لونُها يتغيّر نحو اللون الرمادي المائل إلى الأخضر، ما يعني بأن مخزون الطاقة التي يملِكها شوفين كان أعلى مِن أي عشيرةٍ قوية في هذا العالم المُتدني.
اهتزّت البيضة وقال الخُنفُس مِن داخلِها
"هذه الطاقة تُسِيل لُعابي، ما رأيُك أن تضعني داخِل الوريد الروحي ولو لِـيومٍ واحِد ؟"
ضحِك شوفين وقال بِسخرية
"يوم واحد فقط ؟
أستطيع وضعَكَ داخِل البُحيرة حتى تكتفي مِنها، كم تحتاج من الوقت حتى تفقِص ؟"
قال الخُنفس
"إذا وضعتَني في البُحيرة وبِدون قيودٍ فقَد أفقِص بعد سنةٍ واحِدة أو أقل"
أومأ شوفين وقال
"جيد، هذه ليسَت فترةً طويلة"
اهتزّت البيضة وطارَت نحو البُحيرَة بِسعادة، إلا أن شوفين اعترَض طريقَها ثم قال
"مَن سمح لك بالدخول إلى بُحيرَتي ؟"
تجمّدَت البيضة طويلاً قبل أن يقول الخُنفس بِنبرة جافّة
"ماذا تُريد في المُقابل ؟"
قال شوفين مُباشرة وكأنه كان قد جهّز الجواب منذ زمنٍ طويل
"أُريد قطرةً واحِدةً مِن جوهر دمِك كل شهر"
صرخ الخُنفس دون تفكير
"مُستحيل، أنا كائنٌ أصيل ولن أمنح جوهر دمي لِذلك القرد الغبي"
قل شوفين بِهدوء
"ستمنحُها لي وليس له، ألستُ كائناً أصيلاً أنا أيضاً ؟"
صمت الخُنفس طويلاً قبل أن يقول
"سأمنح لك قطرة واحدة كل شهرٍ ما دُمتُ أستخدِم وريدَك الروحي، وعند اكتِفائي مِنه فلَن أُعطيكَ شيئاً، موافق ؟"
كان الخُنفس ذكياً لأنه استخدمَ صيغة العقد المُتساوي حيث ألقى عرضَه ثم سأل شوفين إن كان مُوافِقاً، وبِهذا سيكون على شوفين الإيفاء بِالوعد حتى لا يرتدّ عليه العقد ويضُرّه، ابتسم شوفين وقال
"موافِق، أعطِني الدفعة الأولى"
--------------
سؤال الفصل:
كان شوفين يأخُذ جوهر دم ريكو، والآن يُريد جوهر دم الخُنفس، في رأيك.. ما الذي يُخطّط له ؟
#تحت_المجهر
--------------
صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine