131 - الخروج من المسار

"موافِق، أعطِني الدفعة الأولى"

انتهَت الصفقة بين شوفين والخُنفس فاهتزّت البيضة وطرحَت قطرة دمٍ سوداء لامِعة، لكن شوفين لم يصقُلها مُباشرة كما يفعل بدِماء ريكو وإنما قام بِتخزينها في زجاجةٍ صغيرة، خزّن الزجاجة ثم رمى البيضة في بُحيرة الوريد الروحي، طار بعدَها إلى المنصّة الحجريّة وكان أرفود فوقَها، أخرج شوفين بعض الموارِد وأعطاها إلى أرفود كجائِزةٍ على خدماتِه ثم سلّم له العديد من الأعشاب وأمرَه بِزراعتِها، وأخيراً.. فرَدَ ذِراعَيه وبدأ ينشُر الطاقة من الوريد الروحي ويُوسّع بِها عالمَه الفراغي.

استمرّت عملية التوسيع لِأكثر من ساعتَين قبل أن يُسلّم شوفين مهمّة التوسيع إلى أرفود لِأنه يُريد التركيز على تدريبِه، خرج مِن عالمِه ثم اختار مكاناً هادئاً وبدأ يدمِج الطاقة الشيطانية مع التي كان يملِكُها سابقاً، لكن الأحجار السوداء التي أخذَها من الدين المتين كانت تحتوي على ثلاثة أنواعٍ من الطاقات الشيطانية، إحداهنّ مثل التي سرقَها سابقاً من سفيار، والثانية أكثر قوّة منها ولديها مُقاومةٌ شديدة ضد النور المقدّس، والثالثة كانت طاقةً مسمومة يُمكِنها جعل أي مُتدرّبٍ يذوب في بِضع ثوانٍ فقط ما دام تحت مرحلة المجال، لكن نقطة ضعفِها هي تأثيرُها على الوِعاء، لذلك لم يكُن يتدرّب عليها الكثير من أتباع الدين المتين.

ابتسم شوفين عندما انتهى مِن تحليل الطاقات الشيطانية الثلاث ثم بدأ يستوعِبها بِشراهةٍ ويدمِجها في نفس الوقت حتى صارَت طاقة واحِدة لأن أصلَها كان واحِداً في الأساس، وهذا التنوّع كان مُجرّد مُحاولةٍ شبه فاشِلة من الدين المتين، وبعد اندِماجِها.. صارَت أقوى بِكثيرٍ من السابِق، ومع ذلك.. كان امتصاصُها سهلاً لأن وِعاء شوفين كان يحتوي على الجزء المعزول المُخصّص للطاقة الشيطانية ولا يحتاج إلى إنشائه من جديد، لذلك ترك عملية الامتصاص مستمرّة وبدأ يُنشئ قِسماً معزولاً جديداً لِطاقة النور المقدّس.

بعد أسبوع.. كان قد انتهى مِن امتصاص وصقل كامل الأحجار السوداء التي أخذَها من الدين المتين، ومع أن هذا مُستحيلٌ لِشخصٍ في مرحلة المجال إلا أن شوفين كان يمتلِك عالماً فراغياً مُدمجاً مع وِعائه، وكل جزءٍ معزولٍ في وِعائه كان مُرتبِطاً بِجزءٍ فراغيٍّ معزولٍ داخِل عالمِه الفراغي، كما أن وِعاءَه قد تمّت مُعالجتُه باستخدام الزئبق الأخضر وصار قوياً ولا يتأثّر بِتفاعُل الطاقات المُختلِفة، لذلك يستطيع تخزين كمياتٍ كبيرة من الطاقة أكثر مِن أي شخصٍ آخر.

ومع أنه قد انتهى مِن امتصاص الطاقة الشيطانية إلا أن امتصاص النور المقدّس من الروضة المباركة كان يحتاج إلى وقتٍ أطول، وفي نفس الوقت كان يصقل خرزة الحكمة لِأنه سيحتاج إليها يوماً ما، وبِصقلِها.. سيكون رسمياً أحدَ أتباع مجلس الحكمة، لكنّه سيُخفي هالتَها في الأيام العادية ولن يُظهِرها إلا عندما يحتاج إليها، وكل هذا بِسبب الخُطط التي رسمَها في ذِهنِه مُباشرةً بعد خروجِه من الكهف مع راموليا وريكو، وإن لم يُخطّط لِكل هذا فلَن يستحقّ لقب عرّاب الخراب.

بعد خمسة أيامٍ أخرى.. كان شوفين قريباً من الانتهاء، وكان قد امتصّ أغلب النور المقدّس من الروضة المباركة، وحينها.. بدأ يُحسّ بِشعورٍ مألوف، ابتسم وقال في نفسِه

'حان وقت الاختراق، لكنّي سأُجرّب مسألة أخرى هذه المرة'

كان شوفين الآن في قمّة المستوى المتوسّط لِمرحلة المجال، وكان يستطيع الاختراق إلى بِداية المستوى الأعلى منذ أسابيع، إلا أنه كبحَ طاقتَه وانتظر حتى يخترِق إلى قمّة المستوى الأعلى، وهذا كلّه لأنه يملِك خطّة أخرى بِخصوص تدريبِه بعد حصولِه على الزئبق الأخضر، وذلك لأن جسدَه قد صار مُختلِفاً عن الجسد البشري العادي، ولأنه خبيرٌ في خبايا عالم التدريب فقد رسم لِنفسِه طريقاً مُختلِفاً عن أغلب المُتدرّبين.

استمرّ في صقل النور المقدّس حتى انتهى مِنه ثم بدأ يمتصّ الطاقة الرمادية مباشرةً من الوريد الروحي، وفي نفس الوقت كان يصقل حبةً طبية مكونة من مائة عشبة أو أكثر، انتهى مِن صقل الحبة ثم ابتلعَها وبدأ عملية الإختراق بهدوءٍ تام، ودون أن يُحسّ به أحد.. كان قد اخترق إلى قمة مرحلة المجال ولم يعُد بينه وبين مرحلة الفراغ سوى نصف خطوة.

فتح عينَيه وقام مِن مكانِه وكان الجميع في تدريباتهم، بدأ مباشرة باستخدام تقنياتِه القتالية بقوتِه الجديدة، ليس لأنه أراد تعزيز مؤسّستِه لأنه لا يحتاج إلى هذا أصلاً بسبب قوة وعائه، وإنما فقط لِأنه كان يجرب مسألةً مُعينة، وبعد عِدة حركات.. ابتسم وقال

"جيد"

رغم أنه قالها بِصوتٍ هادئ إلا أنه كان سعيداً بِالنتيجة التي حصل عليها، نظر نحو ريكو وكان نائماً على صخرةٍ بعيدة، رفع يدَه وأنشأ دوامةً ضبابية صغيرة ثم أدخل يدَه فيها، اختفَت يدُه وظهرَت فوق ريكو، وفجأة..

وراااف~

صفعَه شوفين ثم سحب يدَه وتظاهَر وكأن شيئاً لم يحدُث، سقط ريكو من الصخرة ثم قام مرعوباً وبدأ يبحَث عن الفاعِل، وكان بالطبع ينظُر فقط إلى شوفين لِأنه الوحيد الذي يتعامل معه وكأنه قردٌ حقيقي، ومع أن شوفين كان ينظُر إلى اتجاهٍ آخر إلا أن ريكو بدأ يصرُخ عليه

"اللعنة عليك ... لماذا تُزعِج نومي ؟"

فجأة.. ظهرَت يد شوفين خلف ريكو وكأنها قد خرجَت من الفراغ، أمسكَه مِن رقبتِه ثم رماه بِقوّةٍ على وجه زِنهار، فتح زِنهار عينَيه ونظر إلى ريكو بِغضبٍ فصرخ ريكو بِخوف

"لا ... لستُ أنا ... إنـ.."

وقبل أن يُنهي حديثَه.. ظهرَت يد شوفين خلفَه مرة أخرى وسحبَه إلى الفراغ ثم أخرجَه من منطقةٍ عالية في السماء، صرخ بِأعلى صوتِه وهو يسقُط قبل أن يعبِس ويتحوّل إلى قردٍ عملاق له ظهرٌ مليء بِالأشواك، سقط بِقوّةٍ على الأرض واتّجَه بِغضبٍ نحو شوفين، إلا أن شوفين كان يبدو له بعيداً جداً رغم أنه كان قريباً منه، ومهما جرى نحو شوفين إلا أنه كان مِثل الواقِف في مكانِه، وهذا المشهد جعل ريكو يتوقّف ويضرِب الأرض بِذراعَيه وهو يلهث من الغضب.

ضحِك عليه شوفين فازداد غضبُه، إلا أن زِنهار قام بإيقافِه وهو يقول

"لن تستطيع لمسَه لِأنه كان يستخدِم تقنيات الفراغ"

اجتمع الجميع حول شوفين وسألَت سويكا باستغراب

"هل اخترقتَ إلى مرحلة الفراغ بِهذه السرعة ؟"

هزّ شوفين رأسَه جانبياً ثم قال

"أنا لديّ حالةٌ خاصة ولن أستمرّ على نفس مسار التدريب العادي"

عبس الجميع وسألَت راموليا

"هل هناك مسارات تدريبٍ أخرى غير المسار الذي نتدرّب فيه ؟"

قال

"مسار التدريب واحد، لكنه يختِف مِن كائنٍ لِآخر، مثل تدريب الوحوش مثلاً.. نجِد بأن الوحش يستطيع هزيمة البشري حتى وإن كان تدريبُه أقلّ، وذلك بِسبب أجسادِ الوحوش وأوعِيتِهم المُختلِفة، ونفس الشيء بالنسبة للأصناف الأخرى مثل العمالقة والغيلان والجن..، بل وحتى أطفال الغابة يسلكون طريقاً مُختلِفاً في تدريبِهم رغم تشابُه أسماء مُستويات التدريب"

قال زِنهار

"إذن.. فأنت بِهذه الطريقةِ لا تزال على نفس المسار، أليس كذلك ؟"

هزّ شوفين رأسه ثم قال

"يُمكِن القول بأني لا أزال على نفس المسار، لكني لن أُواجِه أي مُستوياتٍ أو اختراقاتٍ بعد اليوم، وهذا بِسبب امتِلاكي للعالم الفراغي الذي لا يحصُل عليه إلا أقوى أقوياء العوالِم، ستعلمون كل شيءٍ عن المستويات المتقدّمة في المستقبل، أما حالتي فهي خاصة جداً"

قال ريكو الذي كان لا يزال غاضباً

"هل قوّتك الآن مثل قوة مُتدرّبي مرحلة الفراغ ؟"

قال شوفين

"نعم ولا، نعم.. أملِك بعض خصائص استخدام الفراغ، ولا.. لأني لا أعلم كَم سأحتاج من الوقت حتى يتأقلَم جسدي مع طاقة الفراغ"

صمت الجميع لِأن الأمر كان غريباً عليهِم فابتسم وقال

"حتى أُبسِّط الأمر، من اليوم.. سأخترِق في مستويات التقنيات وليس في مستويات التدريب"

لا زال الجميع صامتين فضحِك وقال

"لا تهتمّوا بِهذا الآن، فهذا المسار ليس بِهذه الروعة لِأن تكاليفَه عاليةٌ عكس مسار التدريب العادي"

حكّ إينجِه رأسه وقال باستغراب

"إذا كانَت تكاليفُه عاليةً فلماذا لم تبقَ في المسار العادي ؟"

أجابه شوفين بينما بدأ يرتفع في الهواء

"لِأن الخروج مِن المسار العادي يُعطيني الإمكانيات لاستخدام التقنيات المتقدمة والتي لن يصل إليها متدربٌ عادي من نفس المستوى"

قال هذا ثم بدأ يحوم حولهم فقالَت راموليا

"ولماذا لا يستطيع غيرُك الخروج عن المسار أيضاً ؟"

قالت سويكا بِنبرةٍ حادة ومليئة بِالصّبيانية

"لأن حبيبتَه قد تركَت له بعض الهدايا"

ضحك شوفين بينما صار الجميع متأكِّدين بِأن هناك علاقةً خفية بين سويكا وشوفين، لكن شوفين لم يهتمّ بِما يعتقدونَه وإنما نزل أمامهم وقال

"نعم.. حصلتُ على بعض الموارد القيمة، لكن.. حتى وإن حصل غيري على نفس الفرصة فسيحتاج إلى قلبٍ شجاع للخروج عن المألوف، لأن مساراً غير معروف قد يُواجِه مشاكلَ غير معروفة، وحينها سيحتاج إلى حلول مبتكرة وغير معروفة، وإن لم يستطِع حلّ مشاكلِه فقد يتعثّر تدريبُه أو ربما يفقِد حياته حتى"

صمَت الجميع حتى قالَت سويكا بِنوعٍ من التدلّل

"أنا أيضاً سلكتُ مساراً مُختلفاً، أليس كذلك ؟"

أومأ شوفين بِرأسِه وقال

"نعم.. نوعاً ما، لكنّكِ بِحاجةٍ للوصول إلى تشغيل ألف صفٍّ من صفوف النور في نفس الوقت، وحينها فقط ستكون قوّتُكِ مُحترمةً حتى في العوالِم العُليا"

كانَت سويكا قد تجاوزَت حدّ المائة صف، والآن أعطاها شوفين حداًّ آخر لِتسعى إليه، أومأَت بِطاعةٍ ولم تعترِض فابتسم شوفين نحو الجميع وقال

"لا تدَعوا مِثل هذه الأمور تُعيق تدريبَكم، فأغلبُكم تملِكون خصائص مُميّزة عن الآخرين، ريكو مع تحوُّلاتِه الوحشية وإينجِه من أطفال الغابة، أما راموليا فـ.."

صمت قليلاً بينما يتصفّح راموليا قبل أن يقول

"حسناً.. لا تقلقي يا راموليا، سأُفكّر في شيءٍ مُميّزٍ لأجلِك"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. هل سيقوم شوفين بإعطاء ميزة مُعيّنة لِراموليا ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/08 · 505 مشاهدة · 1372 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024