133 - مسار النقل الكوني

"كونوا مُطيعين وسأحصُل لِأجلِكم على موارِد التدريب التي مِن شأنِها رفع مُستوياتِكم في فترةٍ وجيزة"

قالها شوفين لِدعم رِفاقِه معنوياً حتى لا يشعروا بِالدّونية بين الأقوياء، نظر نحو إينجِه وسأله

"إلى أين وصلتَ في صقل قوسِك ؟"

احمرّ وجه إينجِه وأخرج قوساً أخضراً غريب الشكل وكأنه غُصنٌ كسرَه للتو مِن شجرةٍ ما، أمسَك وتر القوس بِاثنَين من أصابعِه فبدأ سهمٌ أخضر يتشكّل من طاقة الخشب، وفي ثانية واحدة.. تحوّل إلى سهمٍ لامعٍ طويل، سدّد السهم على صخرةٍ بعيدة فانفجرَت بِسبب تحوّل السهم إلى طاقةٍ مُتفجّرة، ابتسم شوفين وأخذَ مِنه القوس وبدأ يتصفّحُه، وأخيراً.. ضحِك وقال

"يبدو بأني قد حصلتُ على كيميائي الفريق"

لَم يفهَم الجميع ما هي العلاقة بين صقل القوس والكيمياء، لذلك أضاف شوفين

"يملِك إينجِه علاقةً جيدة مع الأعشاب، لكن التعامُل مع النار الروحية أمرٌ صعب، وبما أنه قد نجح في صقل معدِن العشب الحاد فهذا يعني بأنه يستطيع صقل الحبوب أيضاً، وكل ما علينا فِعلُه هو تدريبُه، ما رأيُك يا أرفود ؟"

كان أرفود يحوم فوقَهم في هيئة طفلٍ صغير، اقترَب وقال

"سأعلّمُه الأساسيات، لكني لا أعرِف الكثير عن الكيمياء"

نظر إليه شوفين ثم قال

"أساسيات الكيمياء تُشبِه أساسيات صقل المعادن، وإذا نجحتَ في تدريبِه على التحكّم في درجة حرارة نارِه الروحية فسيكون الطريق مفتوحاً أمامَه"

كان أرفود يتعلّم صقل المعادِن مُنذ فترة، لكنّه توقّف عن التدريب عندما غادر مع إينجِه ولم يعُد يعيش في أركادية (العالم الفراغي)، ولم يستأنِف تدريبَه إلا منذ شهرٍ أو أقل، ومع أنه لم يتقدّم كثيراً إلا أنه أكثر خِبرةً من أي شخصٍ عادي، لذلك سيكون مُعلماً جيداً لإينجِه وهو في بِداياتِه.

تدخّلَت راموليا بِنبرةٍ لا تخلو من الإلحاح

"أنا أيضاً أريد تعلّم الكيمياء"

هزّ شوفين رأسَه وقال

"حتى وإن تعلّمتِ الكيمياء فلَن تتقدّمي فيه كثيراً، أو بصيغةٍ أخرى.. سيأخُذ مِنك الكثير من الوقت"

طأطأت رأسَها وهي تختلِس النظر على سويكا، قهقه شوفين ضاحِكاً عندما رأى هذا لِأن راموليا كانت تغار من سويكا، بينما كانت سويكا لا تترُك أي موضعٍ للسخرية من راموليا، حتى فيما يخص علاقتَها مع شوفين كونَها الأكثر قُرباً مِنه بينما راموليا هي المنبوذة المُعاقبَة، وما زاد الطين بلّة هو ارتفاع تدريب سويكا بِطريقةٍ أسرَع من الجميع، ومع أنها لم تخترِق بعد إلى مرحلة المجال.. إلا أنها كانت مسألة وقتٍ فقط، ما يعني بِأن شوفين كان يُفضّلها على الجميع ويُعطيها موارِد خاصة.

قهقه شوفين ثم قال

"لقد وعدتُك بإعطائِك ميزةً خاصة أنتِ أيضاً، فقط أحتاج إلى بعض الموارِد التي لا تُوجد في هذا العالم"

رفعَت رأسَها وسألَت بِبعض الفضول

"ما هي هذه الميزة ؟"

عدّل شوفين جلستَه ومدّ يدَه فتصاعد الكثير من الغبار من المنصّة وبدأ يتشكّل حتى صار مثل دمية طينية، سقطَت الدمية على الأرض وبدأت تتحرّك في دوائر مُنظّمة، مدّ يدَه الأخرى نحو الأعلى فبدأت عاصِفةٌ صغيرة تتشكّل وتتحرّك بِطريقة غريبة، قال زِنهار بِعبوس

"هذا غريب، لا أشعر بِقوّة العناصِر، يُفترَض بِأن الدمية مصنوعة باستخدام عنصر الأرض، والعاصفة بِعنصر الرياح، كيف فعلتَ مثل هذا ؟"

سحب شوفين يدَيه فاختفَت العاصفة وتحوّلت الدمية إلى غُبارٍ مرة أخرى، نظر نحو زِنهار ثم قال

"أنا أفعل هذا لِأني أتحكّم في أركادية والتي هي عالمي الفراغي الخاص، لكن فِعل مثل هذا في العالم الحقيقي سيحتاج إلى الكثير من التدريب، وهذا هو ما ستتدرّب عليه راموليا في المستقبل بعد أن أحصُل على بضع المواد المعيّنة"

قالت راموليا باستغراب

"لكنّي أستخدِم النار والجليد، هل سيكون جيداً إضافة عنصرَي الأرض والرياح ؟"

ابتسم شوفين وشرح لها قائلاً

"أنتِ لن تُضيفي أية عناصِر جديدةٍ وإنما ستتعلّمين كيفية إخضاع العالم مِثلما أفعل مع أركادية، وحينها.. سيكون بإمكانِك استخدام جميع أنواع العناصر وليس الرياح والأرض فقط"

قال هذا بينما يُشكّل كُتلةً من الثلج فوق يدِه، انبهَر الجميع وبدؤوا يتساءَلون عن التقنية التي تسمح للشخص بالتحكّم في جميع أنواع العناصِر دون إضافتِها إلى وِعائه، انتظرَهم حتى احتدّ النقاش بينهُم فحمحم وقال لِراموليا

"هذه ليسَت تقنيةً وإنما شيءٌ آخر، لكن الأمر يحتاج منكِ شجاعةً كبيرة بسبب التغيِيرات التي سأُجريها علَيك"

قطّبت راموليا حاجِبيها قليلاً ثم أومأت وقالت

"أنا أثق فيك"

ضحِك شوفين عالياً بِطريقة شيطانية وهو يقول

"جيد.. جيد.. جيد"

استمر بالضّحك حتى عبس الجميع وظنوا بأن الثقة في أمثالِه ستكون أغبى شيءٍ يفعلونَه في حياتِهم، وفي نفس الوقت.. شعر أغلبُهم بالشفقة على راموليا، لكنّهم لا يملِكون الجرأة للاعتراض على قرارات شوفين بعد رؤيتِهم للطريقة التي عاملَ بِها راموليا في السابق، بل وحتى هي لم تجرؤ على قول أي شيءٍ آخر وإنما طأطأت رأسها واستمرّت بالاستماع إلى ضحِكاته المُستفزّة.

وبينما كان يضحك.. صمت فجأة وقال

"لقد حان الوقت، سنُغادِر بعد بِضع ساعات"

كان قد جهّز مصفوفةً مُعقّدة لِرصد أقرب نُقطةٍ مُشتركة بين الوجهة القادمة والفراغ الطبيعي الذي كان يحكُمه أرفود، ويبدو بأن المصفوفة قد رصدَت اقتراب أفضل نقطةٍ للاختراق، ومع أن الأمر قد يكون خطيراً إلا أن شوفين كانت لديه خطّةٌ جيدة لِفتح نفقٍ فراغي والعبور مِن خِلالِه.

سأل ريكو بِفضول

"ما هو العالم الذي سنذهب إليه ؟"

أجابه شوفين بابتسامةٍ شريرة

"عالمٌ يُحبّون فيه لحم القرود"

ارتجَف ريكو وتراجع للخلف فضحِك شوفين ثم طمأنَه

"لا أعلم بالتحديد، لكن.. ربما سنذهب إلى عالم الذكاء حيث يُعتبر الذكاء هو كل شيء"

نظر إليه الجميع باستهتارٍ لاعتقادِهم بأنه لا زال يسخَر مِنهم، إلا أنه واصل حديثَه

"حسب ذكريات الخُنفس فإنّه قد جاء مِن هناك، وإذا كان ذلك العالم هو الأقرَب إلى هذا الفراغ الطبيعي فسنذهب إليه، على أي حالٍ فإن أصعب شيءٍ هو الدخول إلى مسار النقل الكوني، وبِمجرّد الدخول إليه فسنتمكّن من الذهاب إلى أي مكان، لكننا لا نستطيع الذهاب بعيداً بِسبب كمية ونوعية الطاقة التي نملِكها، ورِحلةٌ واحدة فقط قد تُسبّب لي بالإفلاس.

سألت سويكا

"ما هو مسار النقل الكوني ؟"

قال

"هو مسارٌ فراغي طبيعي يربِط جميع العوالِم بِبعضها البعض، وأغلب العوالِم تملِك الطاقة اللازِمة لإنشاء البوابات الفراغية التي تتّصِل بِه، لكن العوالِم الفقيرة مثل هذا العالم المُتدنّي لا تملِك بواباتٍ فراغية لِأنها تستهلِك الكثير من الطاقةِ أو لا يوجد فيها مَن يملِك الخِبرة والقوة اللازمتَين لإنشائها، لذلك يجب على مَن يزور العوالِم الفقيرة أو يخرُج منها إنشاء مساراتٍ مؤقّتة، وهذا هو ما تفعلُه مراكِز التوليد عندما تُرسِل المواليد الجُدد إلى هذه العوالِم، وهو ما سنفعلُه نحن أيضاً"

بدأ الجميع يفهمون تدريجياً بينما يُجيب شوفين أسئلتهم، لكنّه لم يبقَ معهم طويلاً وإنما قام مِن مكانِه وخرَج إلى المصفوفة، وقف أمامَها طويلاً حتى وصلَت أفضل لحظةٍ للاختراق نحو أقرب نقطةٍ من مسار النقل الكوني، ومع أن أكبر الصعوبات هي التطفّل على المسار والدخول إليه بالقوّة دون الإضرار به.. إلا أن شوفين كان قد جهّز أداةً مُساعِدة لِاختراقِه رغم الحماية التي يتمتّع بِها.

وقف وسط المصفوفة وقام بِتفعيلها فبدأَت تستنزِف الطاقة مِن وريدِه الروحي بِشكلٍ كبير، وهذا جعل الخُنفس يستفيق مِن سُباتِه الطويل، إلا أنه لم يخرُج لِأن شوفين كان قد أمرَه بالبقاء بعيداً عن الأنظار، وحتى سويكا لم تعلَم بأنه قد فقص من البيضة رغم ارتِباطِهما بِعلاقةٍ جيدة.

بعد رُبع ساعةٍ من الاستنزاف.. بدأَت بوابةٌ ضبابية تظهر في سقف الفراغ الطبيعي، استمرّت على نفس الحال لِأكثر من عشر دقائق أخرى قبل أن يعبِس شوفين ويحزِم أمرَه، طار إلى البوابة واستخدَم طاقة الفراغ لاستكشافِها والتأكّد من استقرارِها، وأخيراً.. اندفَع نحوَها بِسرعةٍ واختفى داخِلها، وما هي إلا ثوانٍ معدودة حتى كان يسبَح في نفقٍ مهزوزٍ ترتجِف جميع جوانِبه، عبس عندما رأى هذا المنظر لِأن نفقاً مِن هذا النوع قد ينفجِر في أية لحظة، لكنّه لا يستطيع التراجُع الآن وما عليه إلا الاستمرار.

استمرّ في السفر عبر النفق المهزوز لِأكثر من ثلاث ساعات، وعلِم رِفاقُه بِأنه قد دخل إلى نفقٍ فراغي لِأن الشاشة كانت لا تعمل، وحتى قنوات التواصل عبر التخاطُر قد كانت ساكِنةً ولا تُعطي أية إشارة، وهذا جعلهُم غير مُرتاحين لِأنهم لا يستطيعون فِعل أي شيء، وحتى إن مات شوفين فسيبقَون في أركادية ولن يستطيعوا الخروج منها إلا إذا استطاعوا الاختراق إلى مرحلة الفراغ.

طبعاً كانوا يفكّرون في مثل هذا الأمر لِأنهم لا يعلمون بِأن الخُنفس يستطيع الهرب مِن هنا لو أراد ذلك، خاصة أنه لن يخاف من الضياع في الفراغ بِسبب قوّة احتِمالِه حيث يستطيع البقاء لِآلاف السنين دون أية موارِد بعد التِهامِه لكل تلك الموارد التي أعطاها له شوفين.

أخيراً.. وصل شوفين إلى نهاية النفق المهزوز واصطدم بجِدارٍ ضبابي مصنوع من قوة الفراغ، نظر إليه قليلاً قبل أن يلعَن بِوجهٍ عابِس

"تباً.. هذا سيُسبّب لي كثيراً من الصداع"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. ما هي الورقة الرابحة التي سيخترِق بِها شوفين مسار النقل الكوني ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/09 · 504 مشاهدة · 1304 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024