بدأ الناس يتجمعون حول المنصة التي خصّصها متجر أعلى جبل وكانت واسعة جداً، وبِما أن الأمراء لم يصلوا بعد فقد تجمهر الحاضرون حول شوفين الذي كان يحكي لهم حكاياته وقصَصه في البراري، وكان يُمثل قِصَصه بِالحركات السخيفة ويقفِز هنا وهناك

"... وعندما اقترب مني ذلك الوحش.. قلت له: ابتعد يا ابن الجبانة وإلا أكلتُك حياً، حينها.. خاف الوحش ووَلى هارباً، هل تعلمون لماذا ؟"

تعالَت الصرخات والضحكات

"لماذا ... أخبرنا لماذا ... هيا هيا"

ضحِك عالياً ثم قال

"لأنه صدّقني ... لقد صدّق بِأني سآكله رغم أنه أكبر من الفيل"

صاح بعضهم

"وما هو الفيل ؟"

قال ساخراً بينما يضحك

"إنه شيء لا يعرفُه الأغبياء والحمقى"

ضحك الجمهور وتواصَلت الضّجة مِن حولِه، وفي هذه الأثناء.. بدأت الشخصيات المهمّة بِالتوافُد، ورغم رؤية الناس للأمراء ومسؤولي متجر أعلى جبل.. إلا أن الكثيرين لا يزالون مُتجمهرين حول شوفين لأنه أكثر مُتعة من رؤية الأغنياء يشترون أغلى الموارِد بينما هُم يتحسّرون في صمت.

في البداية دخل شاب طويل عشريني يرتدي ملابس ذهبية وعلى رأسه تاج صغير وكأنه ملك، نظر إليه أحد الحاضرين وقال

"لماذا يلبس مثل الملوك ؟"

أجابه صاحبه

"أنت لا تعرف، هذا الأمير رامان في الأربعين مِن عُمره رغم أنه يبدو عشرينياً، إنه أقوى الأمراء وفي قمّة مستوى تهئية الوعاء، ولديه جيش قوي تحت عمر الخمسين، وكلهم في مستوى تهئية الوعاء"

كانت المعركة تشترِط أن يكون الأمير وجيشُه الكبير تحت عمر الخمسين، لذلك كان أتباعُهم كلهم من الصغار وليس معهم أي شيخ كبير، ومع ذلك.. حصل الأمير رامان بِطريقة ما على الكثير من الموهوبين، لذلك كان يعتقِد بأنه سيكون الفائز، لكن.. بعد ظهور هذا الوحش، صارت الأمور غير واضحة له، وكل ما عليه الآن هو أن يشتريه.

دخلَ فجأة مسؤولوا المزاد مِن متجر أعلى جبل، جلسوا على المنصّة وبدأ الأربعيني الذي يتعامل معه شوفين بِالنظر في الجمهور حتى وقعت عيناه عليه، تصلّبت تعابيرُه عندما رأى حركات شوفين الغريبة بين الجمهور، لكنه لم يُنادِه لأنهما سبق واتّفقا على أن يتمّ تقديم مميزات الوحش والبدء في الاستعدادات قبل أن يصعد هو على المنصّة ويعرِضَه عليهِم.

توافد باقي الأمراء أيضاً وكان كل وفدٍ يحمِل العديد من الصناديق المليئة بالكنوز، ومع أن وحشاً مثل هذا قد لا يساوي سعراً خيالياً لكنهم ينوون شراءه ولو بعشرة أضعاف، لأنهم ببساطة لا يستطيعون إيجاد وحشٍ مِثله في وقت قصير، بل لن يجدوه إلا بالصدفة التي قد لا تحدث سوى في مائة سنة وحتى ألف سنة، وبما أن الوحش الرخوي القديم قد تم ترويضُه فقيمتُه الآن لا تساوي قيمتَه الحقيقية وإنما تساوي قيمة حُكم دولة سمريان.

في هذه اللحظة.. دخلَت سيدة تبدو من شكلِها في الثلاثين من عُمرها، ويُمكِن وصف جمالِها بالخارِق وهي تُظهِر مفاتِنها، وبِجانبها كانت الأميرة ندمين، وخلفهما مجموعة من الخدم يحملون الصناديق، وكان هذا شرط قاعة المزاد حيث لا يُسمح بإدخال الكنوز بعد بدء المزاد حتى لا تستغلّ عشيرة عذراء الخمر الوضع كونها داخل أراضيها وقريبة من كنوزِها وخزائنِها لأن المنافسة حينها لن تكون عادِلة، لذلك تم وضع شرط جلب الكنوز معهم قبل إغلاق المنصة.

أثناء صعود الأميرة مع أمها التي تبدو أصغر منها.. سمِعت الضجة بين الجمهور حيث قال شوفين

"هل تعلمون بِأني كُنت أعيش عارياً طول عمري ؟"

استهجن الحاضرون وقالوا ساخرين

"لا تكذب ... قُلت أنك عِشت في البراري وأنت مشلول، وبدون ثيابٍ أيضاً ؟"

صرخ عليهِم وكأنه غير راضٍ

"هل تقولون بأني أكذِب ؟
هل ترغبون برؤية كيف كنتُ أعيش في البراري ؟"

قال هذا ثم بدأ ينزِع ثيابه والناس يضحكون، فجأة.. سمِع الجميع صرخة ناعِمة من المنصة

"شوفين ... لا تفعل"

نظر الجميع فإذا بِها الأميرة ندمين، توقّف شوفين عن نَزع ملابِسه وبدأ الناس يتساءلون عن علاقة شوفين بِها، ومن جانب الأميرة.. قالت أمها

"هل هذا هو ؟"

أومأت ندمين وقالت

"إنه بارع في ترويض الوحوش، لولا بلاهَته هذه"

انتبه الأمراء والشخصيات الكِبار جميعاً قبل أن تتحوّل أنظارُهم نحو شوفين والذي يمكن أن يُحكم على بلاهتِه من أول نظرة.

ابتسَمت أمها ولم تُعطِ الأمر انتباهها وإنما نظرت نحو الأربعيني وقالت

"سيد فاولو، لقد حضر الجميع على ما أعتقِد"

كان فاولو هو الأربعيني مِن القاعة البيضاء، ابتسم وأومأ بِرأسه نحو المقدِّم فصعد على المنصّة وقال

"أعتقد أن الجميع يعرفون ما هو وحش السهول العشبية، لقد كان القدماء يذكرونه منذ زمن بعيد، وقد زاد حجمُه الآن عن الروايات وصار مثل الجبل، وصاحِبُه مستعد لإعطائه لِمن يدفع أكثر، وسيجعلُه يُنفّذ أوامِر الشاري دون الحاجة إلى مُروّضين"

كان يتحدّث بينما يتحرّك على المنصة هنا وهناك، توقّف قليلاً ثم أكمل

"صاحب الوحش.. لا يُريد المال، هو مُهتم بالكنوز فقط، ومن يدفع كنوزاً يهتمّ بِها البائع فسيتبادل معه، لا يهم أن تكون قيمة الكنوز أكبر، لِأن الأمر يَعتمد على رغبة البائع"

انتهى من توضيح الأمور ثم قال

"الآن.. سنعرض عليكم الوحش حتى ترَوه وتحكُموا عليه بِأنفسكم"

في هذه اللحظة.. نظر فاولو نحو شوفين، أومأ شوفين نحوَه بِخفّة ثم تقدّم نحو المنصة، صعد وتقدّم إلى وسطِها تحت أنظار الجميع، قامت الأميرة ندمين بِوجهٍ أحمر وصرخت عليه

"شوفين ... ليس الآن، إنزل حالاً"

ظنّت الأميرة ندمين بِأنه سيفعل شيئاً صِبيانياً بين ينتظر الجميعُ رؤية الوحش العملاق، نظر إليها شوفين وقال بِبراءة

"أختي الأميرة.. هل أخبرتِ سيامين بِأني أكرهُها أيضاً ؟"

عبست الأميرة وتغيّرت تعابيرها، فكّرت في إرسال أتباعها لِطردِه من المنصّة، إلا أن شوفين وضع يدَه داخل ثوبه الفضفاض وأخرج كرة سوداء مثل الفولاذ ثم رماها بعيداً وسط المنصة وقال

"هذا هو وحشي الصغير"

تغيّرت ملامح الأميرة ونظرت نحو الكرة لأنها سبق ورأتها في منزِله، لكنّها لا زالت غير مُصدّقة، لذلك نظرت نحو فاولو وموظّفي المزاد، حينها فقط شعرَت بِأنها أغبى شخص في العالم لأنها رأت بأن فاولو كان هادئاً جداً، هل هذا يعني بأن الكرة الصغيرة هي نفسها الوحش الرخوي وشوفين هو البائع ؟

برآآآققق~

في هذه اللحظة.. سقطت الأميرة ندمين جالسة على كرسيها وشعرَت بأنها سيُغمى عليها بسبب غبائها وقِصر نظرِها.

--------------
معلومة سريعة:
التعليق والإعجاب يزيد من عدد الفصول وجودتِها

2020/01/15 · 564 مشاهدة · 913 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024