"مع أن هذه الحادثة كادت تُعكّر صفونا، إلا أنها قد حُلّت بِسلام، لذلك سنرجِع إلى المزاد على أمل أن يمرّ كل شيء بِسلاسة"
بهذا استأنف فاولو فعاليات بيع الوحش الذي حرّره الخبراء من السلاح الذي كان يحجِزه وجلبوه إلى طاولة أعلى جبل، نظر فاولو نحو الأميرة ندمين وقال
"بِما أنّنا على أراضي عشيرة عذراء الخمر فسنترك أول مبادرة للأميرة ندمين"
كانت تعابير الأميرة ندمين سوداوية وهي تنظر إلى شوفين، لأنها لو كانت أكثر ذكاء لحصلت على الوحش بسهولة، لكن أعلى جبل قد سبقوها بِسبب شبكتهم الإخبارية، وربما يكونون قد تبِعوا شوفين ورأوه عندما قام بِترويض هذا الوحش، ثم استغلوا حرب الأمراء الخمسة لِبيعه بِأعلى ثمن، أما شوفين الأبله فلن يُفكّر في بيع الوحش مقابل الكنوز لأنه قبل أيام قليلة كان قد سألها على رمز سيامين الذي تشتري به من السوق.
صمتت طويلاً قبل أن تقِف وتُشير إلى خدمِها لِحمل أحد الصناديق، لكن صوتاً قاطعها قائلاً
"أعذريني آنسة ندمين، لكن.. هل يستطيع هذا الصغير أن يُخبِرنا كيف قام بِترويض هذا الوحش ؟"
عبست الأميرة ندمين لأن المتحدّث كان الأمير رامان، وهو الأمير الوحيد الذي يلبس مثل الملوك وكأنه قد ربِح الحرب مُسبقاً، والآن ناداها آنسة وليس أميرة، فكيف لا تغضب ؟
ومع ذلك.. قالت
"الشاب رامان، صديقي المقرّب شوفين مروّض وحوش مُحترِف، أما كيف فعلها فذلك شأنه، أليس كذلك ؟"
ضحك رامان عندما نادته بالشاب، لكنّه كان مُصراًّ حيث وجّه السؤال إلى شوفين
"ما قولك سيد شوفين ؟"
نظر إليه شوفين لبعض الوقت ثم ابتسم وقال
"مَن هذا الوغد ؟
يبدو أنك لا تملِك أية كنوز، لذلك تُريد تضيِيع الوقت"
وسسسسس~
ساد الصمت لأكثر من خمس ثوانٍ قبل أن تضحك رئيسة عشيرة عذراء الخمر وتقول
"يبدو أنه طفل حكيم رغم وضعِه المُميّز، وما قاله صحيح، دعوا كنوزكم تتحدّث"
كان شوفين مرتاحاً أثناء حديثه وكأنه يتحدّث مع صديقٍ له، أما الأمير رامان فقد تغيّرت ملامِحه قليلاً قبل أن يُسطِر على غضبِه ويتراجع، وذلك لأنه لا يُريد إغضاب شوفين في هذه اللحظة الحرجة، حينها.. تقدّم بعض الخدم ووضعوا صندوقاً مليئاً بالحجارة الحمراء ثم قالت الأميرة ندمين
"مع أن صاحب الوحش لا يُريد المال إلا أن الحجارة الحمراء تُعتبر كنوزاً أيضاً، نحن نريد شراء الوحش مقابل عشرة آلاف حجر أحمر"
نظر شوفين في الصندوق ثم نظر نحو فاولو، استغرب فاولو عندما رأى شوفين ينظر إليه، وبعد لحظة عبس عندما اكتشف بأن شوفين يقوم باستغلاله حتى يعتقد الآخرون بأن فاولو هو البائع الخفي، لكن تعابيره لم تتغير لأن التجارة مثل السياسة، ومبدؤها مبني على الخداع والاستغلال، وبما أنه لن يتضرر حتى لو كان هو البائع الخفي فعلاً.. فهو لم يهتم كثيراً، لأن العشائر قد فكّرت أصلاً في هذا الأمر مباشرة بعد معرفة أن بائع الوحش هو شوفين، وصارت قناعة أن شوفين مجرد لعبة لزيادة مكاسب أعلى جبل أمراً حتمياً.
استعاد شوفين نظرته ثم قال
"لا"
ضحك الأمير رامان وأشار إلى خدمِه ثم قال
"المال يبقى مالاً مهما حاولنا تغيِير اسمه، أنا أقدّم عشرة عروق شيخ النهر عمرها ألف سنة، وعشرة أزهار الشر المُقيم، وعشرة من قلب العفن الناري"
وضع الخدم الصندوق كانت كلها كنوزاً نادرة، نظر شوفين مرة أخرى نحو فاولو، والآن.. صار الجميع متأكدين بأن شوفين لا يدري أصلاً ما في الصناديق، ولابد أن أعلى جبل قد عرضوا عليه فرصة نادرة أو خدعوه بِواحِدة، لذلك صار لُعبة بين أيديهم.
"لا"
كالسابق.. رفض شوفين مرة أخرى، قام أمير آخر وعرض ما أتى به، ثم الرابع ثم الخامس، إلا أن شوفين لا يزال يرفض، عادت الدورة إلى الأميرة ندمين فأرسلت صندقاً آخر وقالت
"الحجارة الحمراء كانت مجرّد مُقبّلات، أنا أعرِض ألفاً من محار الروح القرمزية"
اتّسعت عينا شوفين لأن هذا النوع من المحار يُشبه طُحلب الانبعاث، لكنه أقوى ألف مرة منه ويرفع من مستوى الروح أيضاً، وإن كان له عيب ما فهو صعوبة صقلِه، ومع ذلك.. سيحتاج إليه شوفين بعد الاختراق إلى مرحلة التألق، نظر شوفين كالعادة نحو فاولو، لكن هذا الأخير اكتشف نوعاً من الرغبة في عيون شوفين، وهذا جعله يتذكّر بأن شوفين قد اشترى ألفاً من طُحلب الانبعاث، دارت الأفكار بِسرعة في عقل فاولو قبل أن يتوقّف أمام فكرة جريئة، هل هذا ممكن حقاً ؟
لمح شوفين بعض الدهشة في عيني فاولو فأزاح عينَيه ثم رفض العرض، ليس فقط لجعل فاولو يطرد تلك الفكرة من عقلِه وإنما لأنه أيضاً يريد أن يرى باقي الكنوز، وكلما ربح أكثر كلما زادت أملاكُه، خاصة أنه يريد الذهاب إلى القارة العظمى حيث لا تُساوي موارِد الجزر الصغيرة شيئاً كثيراً.
قدّم الأمير رامان عرضه الثاني لكن شوفين لم يقبل مرة أخرى، استمرّ تقديم الكنوز لجولة ثالثة ثم رابعة ثم خامسة حتى صار كل جانب يحتوي على خمسة صناديق، جاء الدور على الأميرة ندمين مرة أخرى وكان قلبها يخفِق بشدّة لأنها صرفت كنوزاً غالية جداً بسبب خطئها، لكن الوقت ليس للندم الآن حيث قالت بدون تردّد
"أنا أعرض عليك منصب الملك"
عبس جميع الحاضرين ومِن بينهم فاولو، ضجّت جموع الحاضرين بين مَن فهِم ومَن لا يدري ما قصدُها، وبعد الضجة رفعت يدَها وقالت
"أنا امرأة، وعندما أحصل على المملكة فسأصبح الملكة، لذلك أنا بِحاجة إلى ملكٍ يقف بِجانبي"
ضجّ الجميع مرة أخرى لأن مثل هذه الهِبة لا يُمكِن للأمراء الآخرين أن يُقدّموها، نظر الجميع نحو شوفين في انتظار جوابِه، طفلٌ أبله يُصبِح ملكاً بين عشية وضحاها، أي مزحة هذه ؟
طبعاً.. لا يعتقد الأغلبية بأنها ستتزوّجه فعلاً، بل ربما قد تقتُله مباشرة بعد حصولها على الوحش، لكن مثل هذه الخدعة قد تنطلي على شوفين الغبي، لذلك كانوا ينتظرون موافقَته مع بعض العواطِف.
نظر إليها شوفين ثم ابتسم ابتسامَته البلهاء وقال
"أنا أيضاً أريد أن أصير ملِكاً"
وسسسسسس~
'لقد وقع في الفخ'
هذا هو ما فكّر في الجميع وهُم صامتين، لكن هذا لم يدُم طويلاً حيث قال
"لكنّي أريد الذهاب إلى القارة العظمى، إذا أعطيتِني هذه الكنوز مع مكانٍ عبر بوابة النقل فسأمنحك الوحش"
وسسسسسس~
وساد الصمت من جديد، تضاربَت تعابير الجميع عندما قال هذا، فالذاهبون إلى القارة العظمى يكونون أشخاصاً مهمّين، فلماذا يُريد هذا الأبله أن يذهب ؟
هل يُعقل بِأنها فِكرة ألف جبل حتى يستولوا على كنوزِه ويرموه بعيداً ؟
أضاف شوفين
"في الحقيقة.. إذا كان بينكم مَن يُعطيني مكاناً للذهاب مع الكنوز التي عرضَها لحدّ الآن فأنا سأعطيه الوحش"
وفي هذه اللحظة.. بدأ الجميع يفكّرون ما إذا كان شوفين أبلهاً أم لا، وذلك لأنه اتّخذ قراراً جريئاً دون النظر إلى فاولو، هل يمكن بأنه كان يمثّل منذ البداية ؟
لكن شوفين أنقذ الوضع حين نظر إلى فاولو وسأله
"هكذا سيد فاولو، صحيح ؟"
--------------
معلومة سريعة:
التعليق والإعجاب يزيد من عدد الفصول وجودتِها