"خصّص لي مكاناً في مقرّكم، سأبقى معكم حتى وقت الرحيل، أتمنى أن تحصُل لي على ثلاثة أماكِن للقتال على المقاعد العشرة الفارغة"
نظر الجميع بِعين الرهبة نحو شوفين عندما خزّن الكنوز وغادر نحو قاعة المزاد قبل أن يتبعه المظفون لِتجهيز إقامة له، كانت تعابير الأميرة ندمين أكثرهم تغييراً لأنها كانت الأقرب إليه، وفي هذه اللحظة.. قالت أمها
"إياك والإساءة إليه، أخبري أتباعكِ بِهذا"
عبست الأميرة ندمين وهي تنظر في أمها، وبعد ثوانٍ.. اسودّ وجهُها وسألت بِرُعب
"هل تقولين بأنه هو مَن ..."
أومأت الأم وقالت
"المشلول لا يستخدِم أدوات التخزين بِهذه البراعة، وبِما أنه ليس معتوهاً كما اعتقدنا فلابد بِأنه هو من قتل الأمير سرهاد، وهذا يعني بأنه قوي جداً"
قالت هذا ثم قالت للأمراء الأربعة
"نحن نرحّب بكم كضيوف، أخبِروا عشائركم بِالجديد حتى نبدأ المناقشات"
قالت هذا ثم غادرت مع ابنتها وأتباعها حيث سيكون لديهم الكثير من العمل حتى تنتقل الأميرة ندمين لحُكم دولة سمريان ثم اختيار زوجٍ لها من الأربعة، وبهذا ستختلّ الموازين قريباً حيث ستتحالف عشيرتان وتحكمان الدولة، ما يعني بأن ثلاثة عشائر من الخمسة ستُصبِح في موقف أضعف، ما قد يدفعها للتحالف أيضاً، وكل هذه الأمور لا تهم شوفين الذي سبق وغادر رغم أنه كان الشخص الذي طبخها بِبراعة، وإلا لكانت العشائر ستقوم بِحل الأمر بالطرق التقليدية والتي ربما قد تجعلها تفقد العديد من الأقوياء.
...
بعد ساعتين.. كان شوفين في جناحٍ فخم مخصص للضيوف، أتى فاولو ومعه بعض المحاسبين والمقَيّمين لحِساب نسبة عشرة في المائة من الكنوز، أراد شوفين إخراج الكنوز التي معه حيث أخذ الصناديق من الأمراء الأربعة وترك صناديق بيع الوحش مع فاولو، لكن هذا الأخير أوقف شوفين وقال
"اتفاقنا هو عشرة في المائة من ثمن الوحش، أما غيرها من الكنوز فهي تجارة جانبية وأنت من قام بها لوحدك، فكيف نأخذ منها شيئاً ؟"
في الأوقات العادية.. كان سيأخذ منها، لكنه الآن يملك فكرة مشوشة حول هوية وقوة شوفين، لذلك قرّر التودّد له والتقرّب منه ما دام سيأخذ عشرة في المائة من كنوز عشيرة عذراء الخمر.
وافق شوفين على ذلك فبدأ المقيّمون يُحصون الكنوز، وبعد ساعة كانوا قد حددوا قيمة حصتهم فدفعها شوفين بالحجارة البيضاء حيث صار لديه الكثير منها من تجارته السابقة وأيضاً من وريدِه الروحي الذي يصنع الكثير منها، لم يعترض فاولو لأن المال هو المال في النهاية، ويعلم لماذا لم يدفع شوفين بالحجارة الحمراء، لأنه سيحتاج إليها في القارة العظمى حيث لا تساوي الحجارة البيضاء شيئاً تقريباً.
بعد الانتهاء.. طلب شوفين من فاولو أن يدَع المقيّمين يعودون بعد ثلاثة أيام لتقيِيم عددٍ من الكنوز التي لا يُريدها تمهيداً لبيعها خلال الشهر ونصف المتبقي قبل المغادرة، وذلك لأنه يريد أكبر كمية من الحجارة الحمراء، وافق فاولو بعد أن وعدَه شوفين بِجزء من الأرباح حتى أنه قد قرَر الاتصال بِالمركز وعرض الأمر عليهم حتى يشتريها المتجر ويعيد بيعها بهدوء وبدون استعجال.
غادر الجميع وبقي شوفين وحدَه فأخرج راموليا وسويكا لِمساعدته على فرز الكنوز لأنه يرغب في العزلة للتدريب خلال بِضعة أيام.
كان الجناح حيث يسكن كبيراً وضخماً، ومع ذلك.. صار مزدحماً بعد إفراغ خاتم الأمير سرهاد، بالإضافة إلى كنوز الأمراء الخمسة، أحس الثلاثة بِأنهم أغنياء جداً الآن، وكل ذلك بِسبب دهاء شوفين عندما تظاهر بالبلاهة فلم يحذر منه أحد ولم يشعروا إلا بعد انتهاء الخدعة، بل بعضهم قد صار سعيداً لأنه قد تمّ خِداعُه.
بعد يومين متواصلين من العمل.. كان الثلاثة قد انتهوا من عزل الأغراض التي لا يحتاجون إليها وكانت مثل الجبل، وبينها كانت توجد العديد من الأسلحة والدروع السفلية المنخفضة والمتوسطة، وكثير من الكنوز الغريبة وذات الأغراض المختلفة، لم يأخذ منها شوفين غير زوج من الخناجر السوداء وقد أعجِب بهما بسبب المادة التي صُنِعا منها، لم تعلم الفتاتان لماذا.. لكنه كان يبدو سعيداً بِالخنجرين رغم أنهما سلاحان سفليان منخفضان وتوجد أسلحة علوية كثيرة.
اختار شوفين درعاً شفافاً لِسويكا وقال لها
"هذا سلاح سفلي مرتفع وسيحميك من العديد من الهجمات لأنه يُشكّل هالة حولَه تَمنع أو تخفّف من هجمات الأسلحة والطاقة، لكنه ليس مفيداً ضد الهجمات الروحية، لذلك سيكون عليك نقش مصفوفة ما لِجعله يحميك من الهجمات الروحية أيضاً"
أخذته سويكا بِوجهٍ خجول ولم تقُل شيئاً، وكان شفين قد مرّر إليها عدد كبير من المصفوفات وخُدع رسمِها وتشغيلها، لذلك اعتبرَت ما قاله شوفين مثل اختبارٍ لِمهاراتِها في رسم المصفوفات.
أخذ شوفين سوارَين باللون الفضّي وأعطاهما لِراموليا ثم شرح
"هذان السّواران يتغيّر حجمُهما حسب حجم المِعصم، وكِلاهما سلاح سفلي مرتفع، مهمّتهما زيادة زخم الهجوم وتطويع طاقتِك لِصناعة دروعٍ أقوى، لكنّك بِحاجة للتدريب عليهما"
أخذَتهما وانحنَت بِخفّة نحوَه كالعادة، ابتسم شوفين من حركاتِها وهدوئها، فمع أنه متعود عليها إلا أن الآخرين سيعتبرونها قدّيسة بِسبب هدوئها الكبير.
رفع شوفين بعض الحبوب وقال
"هذه اسمها حبوب النعيم المُضيء، سأعطيها لِريكو عندما يستيقظ، مع أنها لَن تفيدَه نهائياً، إلا أنه سيكون أفضل من رميِها"
كان عدد الحبوب أكثر من مائة، وكان لونها وردياً وتنبعث منها هالة لطيفة تُشعِر بالاطمئنان، أومأت سويكا ولم تعترِض، بل لم تتساءل أصلاً لماذا يتحدث شوفين عن شيء غير مهم بينما توجد معهم جبال من الكنوز، لكن راموليا التي عاشَرت شوفين لِوقتٍ أطول كانت تعلم بِأنه لن يتحدّث عن شيءٍ ما لم يكُن له هدف، لم تعلم في نفسِها هل تسأل أم لا، لكن الفضول غلبها في الأخير وقالت
"لأي شيء تصلح هذه الحبوب ؟"
لوّح شوفين بِيده وقال بِبراءة
"إنه شيء خاص بالنساء مثل تليِين الجلد وتصفية البشرة، أمور تافهة لسنا بِحاجة إليها، ليس وكأن بيننا نساءً حقيقيات على أي حال"
وقبل أن يُكمِل.. كانت راموليا قد قفزَت عليه بينما كانت عينا سويكا تتلألآن رغبة فيها، ضحِك شوفين عندما رأى راموليا القصيرة تُحاول الوصول إلى الحبوب وعيناها ملوّنتان بِالأحمر غضباً على استفزازِه لهما، حبوب بمثل هذه الروعة وسيعطيها لقِرد ؟
ليس بينهم نساء حقيقيات ؟
ضحك عليهما ثم قال
"حسناً حسناً، سأقسِمها عليكما بِالتساوي، استخدِما حبّة واحدة في اليوم"
أعطاهما الحبوب وهو يضحك عليهما، بدأت راموليا بِأكل واحدة قبل أن تتبعها سويكا أيضاً، كانت الحبوب تذوب لِوحدها مع الجسد ولا تحتاج إلى تركيز أو تدريب، لكن شوفين لم يقُل الحقيقة الكاملة لهما حيث تقوم هذه الحبوب بإصلاح جسد الإناث وإبراز المفاتِن وصقلِها، لم يقُل هذا لِأن عدد الحبوب التي معهما لن تفعل لهما الكثير، وحتى تحصُل الأنثى على النتيجة الكاملة فستحتاج إلى تناولها يومياً لِعدّة سنوات.
قام شوفين بِتعديل شكل خاتم التخزين الخاص بِالأمير سرهاد وصار شكلُه مناسباً للنساء ثم أعطاه لسويكا لأنها الوحيدة اتي لا تملك أداة تخزين، وفي القارة العظمى.. ستحتاج إليه كثيراً لِتخزين أغراضها، وضع لها في الخاتم مجموعة كبيرة من الكنوز المناسبة لِنوعية تدريبِها كما وعدَها بِالمزيد من الحبوب في المستقبل، شعرَت سويكا بالمزيد من الدفء من شوفين لأنه يعتني بها بدون مقابل، لذلك قرّرت في نفسها التدرّب بِجدّية أكبر بكثير حتى تقوم بتعويضِه، وأول تعويض هو الحصول على مقعد واحد من المقاعد العشرة الفارغة للذهاب إلى القارة العظمى.
انتهى العمل ثم أدخلهما إلى عالمه قبل أن يبحث عن فاولو ويعطيه تلك الكنوز، اندهش فاولو لِأنه كان يعتقد بأن شوفين سيختار من بين كنوز الأمراء فقط، لكن الذي كان أمامه هو جبل من الكنوز، فكّر مباشرة في الخزانة الملكية وخاتم الأمير سرهاد، ابتلع ريقه عندما تأكّد بأن شوفين هو الذي قتله، خاصة أنه هو أيضاً في مرحلة التألق لكنه لا يعلم أي شيء عن الهجوم أو طريقة تنفيذِه، ما يعني بأن شوفين يستطيع قتله وهو يتثاءب كما قتل الأمير سرهاد وهو منبطح على الأرض.
قرر فاولو أخذ مغامرةٍ كبيرة وشراء جميع الكنوز، وهذا يتطلب مِنه إفراغ الخزينة وطلب المزيد من المال من المركز، وافق شوفين على منحِه تخفيضات مهمة حول الأسعار إذا فعل ذلك، وبعد ثلاثة أيام أخرى كان قد انتهى من بيع الكنوز مقابل جبال من الحجارة الحمراء والوردية، وبينها خمسة من الحجارة البرتقالية والتي كان فاولو يُعامِلها وكأنهم أطفاله.
حجر برتقالي واحد يساوي ألف حجر أحمر، وهو لا يتم التجارة به نهائياً في جزر سمهريا لأنه ينفع في التدريب أكثر ممّا سيشتريه من موارد، كما أنها نادرة جداً، لذلك كان يحتفظ بها فاولو، لكن نقص الأموال أجبره على تقديمها لِشوفين مع حزن كبير.
أخبره فاولو بِأن العديد من الشخصيات قد أتَت لزِيارتِه لكنه رفضهم كما طلب منه شوفين سابقاً، وهؤلاء جميعاً كانوا من الذين يشكّون في أن شوفين هو الذي قتل الأمير سرهاد، لذلك أرادوا إنشاء علاقة جيدة معه، وعندما تمّ رفضهم ازدادوا قناعة بأن شوفين ليس شخصاً عادياً.
أخيراً.. قدّم له فاولو ثلاثة رموز يستطيع المشاركة بها في مسابقة المقاعد العشرة الفارغة في الجزيرة الثامنة المركزية حيث تُفتح البوابة، وقد أخذَها مِن الملكة الجديدة، سلّمها وقال
"سيأخذ الطريق أكثر من أسبوع، تستطيع المغادرة الآن أو البقاء حتى النهاية، لكن.. يجب أن تكون هناك أسبوعاً قبل فتح البوابة حتى تستطيع المشاركة في القتال على الأماكن الفارغة"
عبس شوفين لأن الوقت ليس في صالِحه حيث لم يتبقّ غير شهر ونصف، ومع أنه محظوظ لأن دولة سمريان هي الأقرب من الجزيرة المركزية إلا أن عليه قضاء أسبوع في السفر، وهو شيء لم يُفكّر فيه من قبل، ابتسم فاولو وهو ينظر لِخيبة الأمل في عيني شوفين قبل أن يقول
"لكنّك محظوظ سيد شوفين، فبِسبب مُساهماتِك.. توقّفت الحرب وتم إعادة افتتاح فرعِنا الرئيسي في العاصمة، وفيه.. تستطيع استخدام بوابتِنا الخاصة للانتقال إلى الجزيرة المركزية كتعبير شُكرٍ من أعلى جبل لإنقاذ مشروعِنا"
رفع شوفين حاجِبيه وسأل مُستغرباً
"بوابة نحو الجزيرة المركزية ؟
لماذا لديكم بوابة من هذا النوع ؟"
أجاب فاولو
"الجزيرة المركزية تحت حماية القوات المشتركة من جميع الدول، لكن سلسلة متاجر ألف جبل هي التي تُدير شؤونها الداخلية، وهناك يوجد مقرنا الرئيسي حيث نُدير مشروعنا ونحرِص على استقبال طلبات التوليد في مركز التوليد الوحيد في كامل جزر سمهريا"
أومأ شوفين بِرأسه عندما شرح له حيث كان قد تساءل سابقاً عن كيفية إرسال سكان جزر سمهريا لِطلبات الحصول على أطفال جدد، ولأنه عاش طويلاً ورأى الكثير من العوالِم فقد رأى عدداً لا نهاية له من الطرق، حتى أنه في مكانٍ ما توجد شجرة مقدسة يتم وضع الطلبات داخِلها فتعطيهم الأطفال بعد فترة من الزمن، وهناك من يرمي طلباتِه مع الموارِد في بُحيرة مقدّسة، وأشكال عديدة أخرى من مراكز التوليد، لذلك تساءل عن وضع جزر سمهريا لكنه لم يهتم بذلك كثيراً.
أضاف فاولو
"لقد انتقلَت صاحبة الجلالة إلى القصر الحاكم، وتتمنى منك زيارتها والبقاء في قصرِها، لكني أخبرتُها بِأنك ستسبِقها إلى الجزيرة المركزية وتكون تحت ضيافة مركزِنا الرئيسي، لكنها مُصرّة على تقديم شُكرِها لك ولو مجرد لِقاء صغير"
تساءل شوفين
"شُكر ؟"
قال فاولو
"نعم، وهذا لِأنك منَحت لها فرصةً للحصول على حليفٍ قوي، ومعاً.. سيقهرون باقي العشائر إلى الأبد"
فكّر شوفين قليلاً ثم ابتسم وقال
"إذا كان الأمر هكذا.. فسأذهب إليها الآن، جهِّز لي بوابة النقل نحو الجزيرة المركزية في أقرب وقت"
--------------
معلومة سريعة:
التعليق والإعجاب يزيد من عدد الفصول وجودتِها