غادر شوفين نحو العاصمة وكانت في حركةٍ كبيرة حيث تغيّر الحاكم وانقلبَت الأوضاع، جهّز له فاولو وحشاً طائراً نادراً لِحمله نحو العاصمة، لهذا وصل إليها خلال ساعتين فقط عِوض ثلاث إلى خمسة أيام بِالوسائل الأخرى، نزل مباشرة قُرب القصر حيث كانت تنتظره الملكة ندمين لأن الفرع الرئيسي لأعلى جبل قد أخبروها بِقدومِه.
تمّ الترحيب به وكان يلبس ثياباً سوداء أنيقة ولا يبدو نهائياً مثل الأبله السابق، أدخلوه مباشرة إلى قاعة العرش فرحّبت به ندمين وكانت وحيدة لأنها أرادت الحديث معها بِمفردِه، ابتسمت عندما رأت شكلَه الهادئ عكس ما كان عليه سابقاً، اقترب منها وجلس على كرسي الملكة حيث كانت هي تجلس على كرسي الملك، ابتسمت نحوَه طويلاً ثم قالت باحترام
"سيد شوفين، هل لي أن أعرف لِماذا تظاهرتَ طيلة هذا الوقت ؟"
أجابها بِسؤال
"هل كُنتِ لِتتماشَي معي في طلباتي واقتراحاتي لو كنت كما أنا الآن ؟
لا أعتقد، بل أعتقد بأنك ستشكّين في أني أُفكر في خِداعِك لأني جاسوس عند شخص آخر، ولن تقترحي بِالتأكيد عرض الزواج مني، ولن تنتهي النزاعات بسلام كما هو الحال الآن، أليس كذلك ؟
أنت الآن ملكة، وعليك أن تكوني ذكية جداً، فليست كل الأمور تحتاج إلى القوة أو المال، بعض الأمور يُمكن تحقيقها بأبسط الطرق"
صمتت طويلاً بينما تفكّر في تبريره، وأخيراً قالت
"لقد تعلّمتُ شيئاً جديداً، شكراً لك"
كان شكرُها صادقاً جداً، وذلك لأنها رأت القصة من البداية، رأت شوفين يدخل عشيرتها عارياً ويخرج منها أغنى من بعض العشائر، وهذا كان درساً كبيراً لها بعد أن صارت ملكة.
كانت تنظر إليه بعيون متلألئة وكأنها قد وقعَت في عِشقه، سألته مرة أخرى
"لقد أخبرني السيد فاولو بأنك تحتاج إلى ثلاثة مقاعد للقتال على الأماكن الفارغة العشرة، هل لديك أصدقاء آخرون ؟"
أومأ شوفين ولم يشرَح، ابتسمت ثم رفعَت جرساً ورنّت بِه فدخلت خادِماتُها وكانت سيامين بينهن، ورغم أنها تكرَه شوفين كثيراً إلا أن الملكة قد أمرَتها أن تأتي وتعتذِر، ابتسم عندما رآها ثم نظر نحو أخواتِها، اقترَبن وانحنَين نحوه باحترام ثم طلبنَ العفو عن وقاحتِهن، لم يهتم شوفين بِالثلاثة وإنما نظر إلى سيامين وقال لها
"تعالي يا صغيرة"
ارتجفت سيامين قليلاً لكنّها استحملت واقتربت منه، وصلت إليه فلوّح بِبعض الطاقة الروحية نحوها وفكّ عنها عقد الخادِم، وفي هذه اللحظة.. شعرت بالحرية لم تعلم هل لا زالت تكرهُه فِعلاً أم لا، استغربت الملكة فشرح شوفين
"لقد وضعتُ عليكِ ختم العبودية، أتمنى مِنك أن تعذريني، وسأمنحك هدية مناسبة إذا كانت الملكة ترغب في ذلك"
تغيّرت تعابير سيامين عندما علِمت سبب تغيّر شخصيتها وكُرهِها له، نظرت نحو الملكة فسألته عن الهدية، ابتسم شوفين وقال
"فنون الروح الخاصة بِعشيرتِك جيدة، لكنها غير مُناسِبة لِسيامين"
قطّبت الملكة ندمين حاجِبيها لبعض الوقت ثم قالت باحترام
"أتمنى أن تُعطينا بعض الإرشادات"
أشار شوفين نحو سيامين وقال
"سيامين تملِك روحاً مُتحوّلة، وهذا يعني بأن تدريباتكم تقوم بِقمع موهِبتها"
أشار نحو سيامين فاقتربت مرة أخرى، وضع أصبعه على جبينها وقال
"سأمرّر لك تقنية مناسبة، تدرّبي عليها وستمنحك قوة لا يُستهان بها"
مرّر إليها التقنية فأحسّت بِتوافقها معها وسرعة فهمها لها، انحنت مرة أخرى باحترامٍ حقيقي هذه المرة، نظر شوفين نحو الملكة وقال
"لو كنتُ مكانك لاهتمَمت بِها أكثر، لا تدعيها تدخُل مسار تدريب عشيرتكم، وبعد بِضع سنوات.. ستكون أكبر سندٍ لك"
أومأت الملكة باحترام ثم أشارت للخادمات فخرَجن، بعدهن.. دخل أحد الأتباع وفوق يدَيه وسادة وثيرة، وعليها سيف أبيض قصير مُرصّع بالجواهِر، أمسك شوفين السيف عندما قرّبه منه الخادِم، نزعَه من غِمده ثم قال
"يجب أن يكون هذا تذكاراً أو إرثاً عائلياً ؟"
أومأت الملكة بِرأسها وقالت
"وجدناه في قصر الملك السابق، وأخبرنا كاهن القصر بأن هذا السيف لديه تاريخٌ في القارة العظمى، لكنّه لا يعلم كيف يمكن الاستفادة منه، كل ما يعلمُه هو اسم طائفة هناك وقد تكون على علاقة بالسيف"
تساءل شوفين باستغراب
"طائفة ؟"
الطائفة مختلفة عن العشيرة، حيث يرتبط أبناء العشيرة عادة بالعلاقات العائلية مثل التبني والزواج، أما الطائفة فتجتمِع حول الفكر أو المُعتقد، وهي قليلة نسبياً في هذا العالم، لذلك تساءل، أومأت الملكة وقالت
"اسم الطائفة هو طائفة العقل الأرجح،للأسف.. ليست لدينا معلومات عنها، لذلك أود منح السيف لك وربما قد تستفيد منه يوماً ما بِما أنك ذاهب إلى القارة العظمى، أتمنى أن تقبله مني كهدية رمزية"
أومأ شوفين بِرأسه ثم خزّن السيف، وبعد رُبع ساعة.. قام وغادر بعد توديعها، نظرت إليه من الخلف وهي تُرسِله بعيداً قبل أن تتنهّد بِبعض العواطف حيث كانت تجربتها معه نادرة جداً، وهي في الغالب لن تراه مرة أخرى بعد ذهابه إلى القارة العظمى.
وصل أخيراً إلى مقر الفرع الرئيسي فتمّ استقبالُه بِحفاوة، تمّ إعطاؤه مكاناً للراحة ريثما يُجهّزون بوابة النقل، وبعد ساعة أخرى.. دخل البوابة واتّجه نحو الجزيرة المركزية وكان يتبقى حوالي ثلاثة أسابيع لِيوم القِتال على الأماكن الفارغة.
دخل البوابة بعد تأكّدِه بأنها مستقرة، وبعد دقيقة من السفر بين الأضواء اللامعة.. وصل إلى الطرف الآخر حيث كان ينتظرُه بعض الموظّفين والخادِمات، رحبوا به وكأنه شخصية مهمة ثم قادوه إلى جناحِه، أخبرَهم بِأنه سيدخُل في عُزلة تدريبية وأنه لن يستقبِل أحداً، وذلك لأنه قد ضيع الكثير من الوقت ويجب عليه العودة للتدريب، لهذا بحث في الجناح عن غرفة التدريب وأغلقها بإحكام قبل الدخول إلى عالمِه الفراغي.
دخل ووجد الجميع يجتهِدون في التدريب، إلا ريكو الذي كان نائماً وقد طال نومُه هذه المرة بعد أكلِه لِكمية كبيرة من جوهر دم الوحش الرخوي، لكنه بالتأكيد سيكون أفضل وأقوى عندما يستيقظ.
تقدّم شوفين نحو أرفود وقال له
"أنت تتعافى بِسرعة"
قال أرفود باحترام
"إنه بِفضلك.. سيدي، لقد سمحتَ لي باستخدام الكثير من طُحلب الانبعاث فكيف لا أتعافى ؟"
وكان شوفين قد سمح له باستخدام مائةٍ من الطحلب بعد عودتِهم من صيد الوحش الرخوي حيث كان أرفود قد تضرّر كثيراً، لوّح شوفين وأخرج العديد من الأعشاب القابلة للزراعة ثم قال
"قُم بزِراعة هذه الأعشاب في منطقةٍ ما واحرِص على تنميتِها عبر الوريد الروحي، وإذا أعجبني عملك فسأعطيك بعضاً من محار الروح القرمزية"
ارتجف أرفود عندما سمع هذا الاسم، فبالرغم من الضباب على ذكرياتِه إلا أن خِبرته لا تزال سليمة، ويعلم جيداً ما يعنيه محار الروح القرمزية، خاصة أنه في هيئة روحية والخطر عليه كبير جداً.
أخرج شوفين ألفاً من محار الروح القرمزية ثم رماها في الوريد الروحي، نظر إليها أرفود ثم عزم على العمل بجدّية أكبر، لأنه لن يحصُل عليها إلا بهذه الطريقة بسبب قوة الختم الذي وضعه عليه شوفين، فلو كان ريكو مثلاً في مكانِه لَفكّر في سرقة بعض المحار، أما هو فلن يُفكّر في سرِقته أبداً، لذلك سيجتهِد في العمل للحصول عليه.
اختار شوفين مكاناً وجلس للتدريب، وكان خلال الفترة السابقة قد جمع كمية كبيرة من الطاقة في الجزء المعزول من وِعائه، وهذا ما يُعرف بمرحلة "جمع الطاقة الداخلية"، وهي المرحلة الأولى من "مستوى تألّق الطاقة الداخلية"، وإذا نجح في الاختراق فسينتقل مباشرة إلى المرحلة الثانية والتي اسمها "صقل الطاقة الداخلية" حيث يتم خلالها صقل الجزء المُغلق من الطاقة وإعطائه صبغة شخصية حسب مهارات المتدرّب واختصاصه، وبالنسبة له فسيجعلها من نوع النور والظلام، وهذا في حدّ ذاتِه يُعتبر تحدياً كبيراً لأن النور والظلام ليسا من العناصِر المعروفة، لكنه سيقوم بها ما دام عدوه القديم قد قام بها من قبل.
أخرج الأحجار البرتقالية هذه المرة لأن الطاقة فيها مركّزة أكثر من غيرها، شعَر بالأسف الآن عندما فرّط في الحجر الأرجواني الذي استخدمه لِتفعيل عالمِه الفراغي، وذلك لأنه لم يعتقِد بأنه سيجد وريداً روحياً بعد فترة قصيرة، لكن الندم لن يُساعِده الآن بالتأكيد.
أمسك أول حجر وبدأ في امتصاص طاقتِه وتخزينها في الجزء المعزول داخل وِعائِه، وكانت سرعة امتِصاصه للطاقة أكبر من أي شخص آخر بسبب كون وِعائه أكثر قوة واستقراراً، لذلك لم يستغرِق سوى يومين لامتصاص الأحجار البرتقالية الخمسة، رمى الرماد المتبقي منها ثم أخرج صندوق الأحجار الحمراء، لكنّه توقّف فجأة وقال باستغراب
"بِهذه السرعة ؟"
--------------
معلومة سريعة:
التعليق والإعجاب يزيد من عدد الفصول وجودتِها