"لقد وصل أخيراً"

نظر الملوك السبعة وجميع الكبار نحو الباب حيث كان الجميع مُركزين على ما يقوله أقوى أربعة ملوك، لذلك سمعوا الملكة ندمين عندما أعلنَت عن وصول الشخص الذي تنتظره، ومن باب القاعة الواسعة.. دخل شاب صغير يلبس الأسود مع شعر أسود طويل، وعلى جانِبيه فتاتان جميلتان تسلبان الألباب، إحداهما في الخامسة عشر، لها شعر أرجواني طويل وتلبس فستاناً محتشماً طويلاً بِنفس لون شعرِها، وتبدو مثل الفتاة الصالحة التي لا يُمكن رد طلباتها، أما الثانية فكانت في العاشرة من عُمرها تلبس فستاناً أبيض ولها شعر أحمر قاني جعل بياض وجهِها أشبه بالقمر، وعلى كتِفها يجلِس قردٌ رباعي الأذرع يُشوّه منظرها الجميل.

ركّز جميع الشباب والتافهين على الفتاتين الجميلتين، بينما ركّز الكِبار على شوفين بِتعابير باردة لأنه هذه المرة لم يُخفِ تدريبَه وإنما نشر حوله هالة قمعية شبه خفية، ولم يكُن في القاعة سوى ثلاثة أشخاص أعلى تدريباً منه، أحدُهم ملك أقوى دولة، والثاني كان شيخاً يتبع ملك الدولة الثانية، والثالث كان يجلس بين الجمهور وكان شيخاً قديماً، وجميع هؤلاء الثلاثة كانت تعابيرُهم باردة عندما أحسوا الضغط القادم من هالة شوفين والذي لم يكُن أضعف منهم رغم فارق التدريب، وهذا لأن شوفين كان قد حوّل أغلب الطاقة المحجوزة في وعائه إلى عنصر النور والظلام ولن يحتاج سوى لِبضعة أشهر أخرى حتى يخترق لأعلى مرحلة في مستوى تألّق الطاقة الداخلية.

شعر الأقوياء بِالغرابة من شوفين لأنه ليس خبيراً قديماً قام بتحويل شكلِه وإنما هو فعلاً في الخامسة عشر من عمره، ووُصوله إلى هذا المستوى في مثل هذا العمر هو شيء عظيم، ولو علِمت به الدول الكبرى لَحاولوا استدراجه إلى جانبهم ولما سمحوا له بِالمغادرة نحو القارة العظمى، لأنه لو بقي واخترق إلى مرحة "المجال" والتي تأتي بعد مرحلة التألق..، لو نجح في الاختراق فسيحكم جزر سمهريا بِأكملها حيث لا يوجد أي متدرّب بنفس التدريب، وما يمنع الكبار عن الوصول إلى مرحة "المجال" هو تأخرّهم في مرحلة التألق والتي كلما تأخرتَ فيها إلا وازداد ضيق عنق الزجاجة.

بعد شوفين.. حوّل الكبار أنظارهم نحو راموليا، ارتعدت فرائص الملوك والأقوياء عند اكتشاف تدريبها حيث كانت في بداية مستوى تهئية الوعاء وهي في العاشرة، ما يعني بِأنها قد تتجاوز مستوى شوفين عندما تصير في مثل عُمرِه، وهذا يجعلها أكثر أهمية من شوفين نفسِه بسبب موهِبتها.

بدأ الملوك ينظرون إلى بعضِهم البعض ويتحسّرون لأنهم لم يكتشِفوا هذه المواهب من قبل، ثم نظروا نحو حاكم دولة روسكيا والذي كانت تعابيرُه سوداوية هو والشيخ الأول السابق والذي جلبَه إلى هنا للتفاخر بِقوّته التي هي في بداية مرحلة التألق.

حتى الملكة ندمين والأمير رامان كانت تعابيرُهما مصدومة، فحتى وإن كانا يعرفان بأن شوفين قوي إلا أنهما لم يعتقدا بأنه قوي إلى هذه الدرجة، طبعاً لا يعلمان بأنه قد اخترق في هذه الفترة البسيطة لأن تدريبه كان ثابتاً جداً بسبب وِعائه القديم ولا يبدو مثل من اخترق قبل أيام، لذلك شكرا حظّهما لأنهما لم يفتعِلا معه أية مشاكِل، خاصة بعد تذكّر ما حدث للأمير سرهاد.

دخل شوفين مع رِفاقه واستشعر الهالات القوية، لكنه لم يهتم لهم وإنما وضع عينَيه نحو شخصين كانا يُرسِلان نحوَه نية قتل مليئة بالغِلّ والحِقد، ابتسَم ونظر بين الجمهور فظهر له ذلك الأربعيني الذي كان قد تصادَم معه وسرق منه الخاتم، لا يعلم شوفين كيف وصل إلى هنا إذا كان مقاتلاً شيطانياً، لكنّه لم يهتم به وإنما حوّل نظرَه نحو نية القتل الثانية والتي كانت تأتي من حيث يجلس حاكِم دولة روسكيا، وبعد التحقيق في صاحب النية.. مدّ شوفين يدَه نحو سويكا وجذبها نحوَه وكأنها حبيبتُه، استغربت سويكا قليلاً إلا أنها لم تُمانِع، لكنها في هذه اللحظة استقبَلت كلمةً من شوفين عبر التخاطر حيث أخبرها عن شيئٍ ما، تصلّبت لِبعض الوقت قبل أن تردّ عليه

"الأمر لم يعُد يهمّني"

ابتسم شوفين ثم واصل مسيرَه إلى داخل القاعة، أومأ الأمير رامان نحو بعض أتباعِه فأخلوا ثلاثة مقاعد من مجموعة الكراسي حيث جلسَت الملكة ندمين، بعدَها.. قام الأمير رامان باحترام نحو شوفين واستقبَله، قادَه إلى المقاعِد وأجلسَه في كرسيّه قُرب الملكة ندمين على أمل أن يقول لها شيئاً يجعلها تتزوجه، جلست البنات قرب شوفين ثم جلس الأمير على الكرسي الثالث.

ابتسم شوفين نحو الملكة ولم يقُل لها شيئاً وإنما نظر نحو حاكم روسكيا وقال له

"كلبُك يُريد أن يعضّني، هلّا ربطتَه قليلاً ؟"

اسودّ وجه حاكم روسكيا قبل أن ينتبِه إلى أن أحد الشباب من مجموعتِه كان يُصدِر هالة قتل، وبِسبب تدريبِه الضعيف فقد كانت هالتُه خفيفة جداً، عبس حاكم روسكيا في وجه الشاب فاستدار الشاب وأغلق عينيه، نظر شوفين نحو سويكا فوجدَها تُحاوِل جاهدة أن تتماسك، أمسكَ يدَها وضغط عليها قليلاً فأحسّت بالراحة والأمان قبل أن تستردّ تعابيرها الجميلة والهادئة.

لم يتوقع شوفين رؤية هذا الشاب البارد صاحب الشعر القصير والذي كان مثل الأخ بالنسبة لسويكا، ويبدو بأنه قد واجه بعض الحظ وارتفع تدريبُه إلى مرحلة انبعاث الروح من مستوى تقوية الروح، أما السبب الذي جعلَه يأتي مع حاكم روسكيا فذلك لا يعلمه.

السبب هو أن ذلك الشاب البارد قد غادر عشيرة القمر الأحمر مع حاكم روسكيا بعد مقتل أبيه الشيخ راجو، لم يرغب حاكم روسكيا في البداية أخذَه معه بِسبب ضُعف تدريبِه إلا أن الشاب البارد قد ترجّاه وأظهر رغبة شديدة في الانتقام لأجل والده، وهذه الرغبة الشديدة تُساعد المتدربين في العادة على التقدّم في التدريب، وبعد بضعة أشهُر.. أفرج الشاب البارد عن موهبة نادرة زادت قوّته، ما جعل الشيخ الأول السابق يأخُذه تلميذاً له ويعطيه مكاناً للذهاب إلى القارة العظمى للتدرب في عشيرةٍ كان قد تدرّب فيها هو قبل وقتٍ طويل على أمل أن يعود يوماً ما وتستفيد منه دولة روسكيا.

بعد استدارة الشاب البارد.. ابتسم حاكم روسكيا باحترام وقال

"أتمنى أن تعذرني سيد شوفين على ما بدر من أحد أتباعي، لقد كان خطئي"

كانت نبرتُه محترمة جداً رغماً عن أنفِه، فمن جهة.. يُعتبر شوفين أقوى من أي شخص في دولة روسكيا، ومن جهة أخرى.. يبدو بأنه مقرّب جداً من الملكة الجديدة لدولة سمريان، لذلك لم يعُد أمامه سوى خفض رأسه، ابتسم شوفين ثم قال

"في آخر مرة التقينا فيها.. ادّعى أحدُهم بأني ابنُه"

أثار شوفين هذا الموضوع لِأن أعلى جبل قد صنّفوه على أنه ابن حاكم روسكيا، لذلك أراد تغيِير هذه المعلومة التي تمسّه شخصياً حيث أنه لا يعترف أصلاً بِنظام المواليد في هذا العالم، لذلك لا يحب أن يكون ابن أحد في نظامٍ يمقُته، كما أنه يملِك أباً حقيقياً في مكانٍ ما، عبس حاكم روسكيا قليلاً ثم ضحك بينما يخفض رأسه ويقول

"لا أجرؤ على قول هذا.. سيد شوفين، لقد اختلط علي الأمر فقط، أعتذر منك مرة أخرى"

أومأ شوفين ثم قال بِنبرة هادئة

"ليس هناك ما تعتذر عليه، أتمنى فقط أن تعتَني بِعشيرة القمر الأحمر"

وكانت هذه آخر هدية لِعشيرة القمر الأحمر، ليس لِنفسِه وإنما لِراموليا التي عاشت بينهم لأكثر من خمسمائة عام.

أومأ حاكم روسكيا بشدّة وقال

"لقد سبق ووَعدتك على هذا، وأنا لا أُخلِف وعودي"

ابتسم شوفين تم تحوّل نحو الأربعيني في الجمهور والذي كان يُحاوِل إخفاء نفسِه بعد رؤية تدريب شوفين، ابتسم شوفين ولم يهتمّ به بعد الآن، التفَت أخيراً نحو الملوك الثلاثة الأقوى وقال باحترام

"أعتذر لأني جعلتكم ترَون مثل هذا العرض السخيف"

أومأ أقوى الملوك وقال بِنبرة وقورة

"قلّما نجد شاباً موهوباً ومحترماً في نفس الوقت، أنا حزين لأني لم أتعرّف عليك من قبل"

كان الملك الأقوى صريحاً وقال ما في قلبه مباشرة، وبِنفس طريقته.. أثنى باقي الملوك الأقوى على شوفين، كانت الملكة ندمين تنظر إليه مع ابتسامة مليئة بالعواطف المختلفة، لكنها في قلبِها كانت تعلم بأن شوفين ليس ذلك الشخص الذي سيبقى في مكانٍ صغير مثل جزر سمهريا، لأنه بِبساطة.. لا يشعُر بالإنتماء إلا إلى نفسِه، ويستطيع تضيِيع عدّة أشهُر في تمثيلية سخيفة فقط لِنزوة شخصية، ما يجعل قِراءته مستحيلة، وهذا الاعتقاد كان راسخاً في قلبها لأنها عاشت رِحلتَه إلى دولة سمريان وعبثُه في الشوارع دون الاهتمام بأي شخص، وهذا النوع من المتدرّبين يُمكِن أن يقتل الآلاف دون أن يهتم.

بعد تبادل بعض العبارات المحترمة بين شوفين والملوك.. دخل أحد مسؤولي أعلى جبل وقال

"أتمنى من الأشخاص الذين يرغبون في القتال للحصول على الأماكِن الفارغة العشرة أن يتقدّموا لأخذ أرقامِهم"

وقف شوفين ورِفاقُه مباشرة وتقدّموا نحو المسؤول الذي كان يحمِل صندوقاً مليئاً بِالشرائح المُرقّمة، اندهَش الملوك لأن شوفين لا يملِك مكاناً مع أنه قوي، لكنهم تفهّموا الأمر لأن توزيع الأماكِن يتمّ قبل سنوات من فتح البوابة، كما أنه قوي ويمكنُه الحصول على مكانٍ لِنفسه، وراموليا أيضاً لديها فرصة وإن كانت صغيرة، أما سويكا فقد اعتقدوا بأنها قامَت لِترافق صاحبها وليس لأخذ رقمٍ للقتال.

تجمّع العشرات على المسؤول فبدأ يأخذ منهم شارة الضمان التي تمنحها الممالِك، تأخر شوفين عمداً وبدأ يُراقب الأربعيني من الكهف حتى اقترب وقدّم شارته فكانت من دولة روسكيا، فهِم شوفين مباشرة بأن الأربعيني قد توصّل إلى اتفاقٍ مع حاكم روسكيا بِطريقة ما، وربما يكون قد قدّم ما لديه من معلومات عن الكهف "المليء بالكنوز" مقابل رقعةٍ للخروج من جزر سمهريا، لم يكن مهتماً به كثيراً وإنما أراد فقط أن يعرِف ما هي خلفيتُه.

بعد نصف ساعة.. كان الجميع قد خرجوا من قاعة الضيوف إلى منصة القِتال، وكان عدد المشاركين أكثر من مائة، وفي أحد أطراف المنصة.. كان هناك عشرة كراسي حجرية، تقدّم المسؤول وقال

"الأرقام من واحد إلى عشرة.. اجلِسوا على الكراسي"

لا يهم من يجلس على الكرسي أولاً لأنه سيفقِده إذا كان ضعيفاً، جلس العشرة الأوائل فقال المسؤول

"يمكن لأي شخص أن يتحدى أحد الجالسين على الكراسي، يستمرّ القتال حتى يدخُل الليل"

ضجّ المقاتلون وبدؤوا يُلقون تحدّياتِهم، أما شوفين فقد تراجع مع رِفاقِه للخلف وانتظر، بدأت النزالات بعد لحظاتٍ قليلة، وبعد نصف ساعة كان العشرة الأوائل قد فقدوا كراسيّهم، لن يستطيعوا القتال مع الشخص الذي هزَمهم لكنهم يستطيعون تحدي شخصٍ آخر لم يتقاتلوا معه من قبل.

بدأت معالم الفائزين تتشكّل وكان أقواهُم ذلك الأربعيني من الكهف لأنه في مستوى "جمع الطاقة الداخلية" من مرحلة التألّق ويكاد يخترِق إلى "صقل الطاقة الداخلية"، وبِجانبه أربعة أو خمسة أشخاص أقوياء لم يُهزموا بعد، وكان المقاتلون الآخرون لا يتحدّونهم بعد رؤية قوتِهم.

استمرت المنافسة وفي كل مرة يتغيّر أصحاب الكراسي، وبعد انتصاف الوقت.. قال شوفين لرِفاقه

"سأذهب أولاً، سأختار خصوماً مناسبين لكما وأخبِركما عبر التخاطُر"

تقدم مباشرة واختار أقوى الخصوم العشرة وكان ذلك الأربعيني من الكهف، عبس الأربعيني وهو ينظر إليه بِحُرقة، نزل عن الكرسي واستعدّ للقتال، ومع أن شوفين أقوى منه في التدريب إلا أنه مُجرد طفلٍ صغير ولن يتفاداه الأربعيني الذي عاش لألف سنة أو أكثر، ومع ذلك.. استجمَع طاقته وقرّر استخدام أقوى هجماتِه، سمح لهم الحكَم بِالقتال فانقضّ مُباشرة نحو شوفين دون أن يقول كلمة واحدة، ابتسم شوفين ووَقف مكانَه ويداه خلف ظهرِه، نظر إليه الملوك الأقوياء حيث كانوا ينتظرون قِتاله، لكن وقوفَه بِهدوء جعلَهم يتساءلون عمّا يفعلُه.

.:: قاعة الخلاص ::.

في هذه اللحظة.. توقّف الأربعيني فجأة قبل أن يصِل إلى شوفين، استغرب الجميع من سبب توقّفِه قبل أن يُلاحِظوا بأن هجمة الطاقة التي كان ينوي الهجون بِها قد بدأت تخفُت، وكانت تعابير الأربعيني غريبة لأنه كان يشعُر وكأن عشرات الخيوط القوية تُحيط بِجسدِه لكنه لا يستطيع أن يُحسّ بها أو يراها، ويبدو بأن هذه الخيوط تأتي من كل جانب وكأنها قد خرجت من العدم.

نظر شوفين بِحماس للأربعيني وكان مقاتلاً قوياً يعتمد على القوة الغاشمة، ومع ذلك.. استطاع تقيِيده باستخدام خيوط النور، حيث صار الآن يستطيع إنشاء العشرات من الخيوط بعد تحويل جزء من طاقتِه المحجوزة في وعائِه، وما صنعَه الآن يشبه تقنيات مرحلة المجال والتي تأتي بعد مرحلة التألق، حيث يتم إنشاء مجال بالاعتماد على العنصر الذي يتدرب عليه، مثل راموليا.. ستُنشئ مجالاً مسموماً من الجليد والنار عندما تدخل إلى مرحلة المجال، وسويكا ستنشئ مجالاً عبارة عن مصفوفة مرسومة على الهواء، وهكذا حسب كل شخص.

لو كان الآخرون يستطيعون رؤية مجال شوفين مثلما يراه هو.. لاستطاعوا أن يروا فقاعة قطرها خمسة أمتار تحيط بالأربعيني، ومن جوانب الفقاعة.. تخرج عشرات من الخيوط وتحجز الخصم داخلَها، وحتى إن تحرّر من بعضها فستقوم خيوط جديدة بإمساكه.

طبعاً.. يستحيل أن يقع الخصم الذكي في نفس الفخ مرتين، خاصة أن قُطر الفقاعة لا يتجاوز الخمسة أمتار، لكن الأربعيني لا يملك مرة ثانية حيث قال مباشرة

"أستسلم"

--------------
معلومة سريعة:
التعليق والإعجاب يزيد من عدد الفصول وجودتِها

2020/01/17 · 554 مشاهدة · 1871 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024