"لقد سمعنا صوت طفلٍ يصرُخ قبل قليل فذهبتا للاستكشاف"
استغرب شوفين عندما أخبره ريكو
"صوت طفل ؟"
عبس شوفين واستشعر المنطقة فعثر عليهما، قفز نحوَهما وتبعه ريكو حتى وصلا إلى المكان وكان هناك طفل على الأرض وحولَه راموليا وصلجان، وفي مكان قريب.. هناك جثة وحش على شكل دودةٍ وله أنياب حادة، وصل شوفين ونظر إلى الطفل وكان عارياً يتأوّه من الألم، قالت راموليا
"أعتقد أنه مولود جديد، لكنه لن ينجو، سيكون من الأفضل قتله بدل تركِه يتعذب"
كان بطن الطفل مقضوماً بأكمله، وبالتالي لا يوجد شيء لِفعله، ابتسم شوفين وبدأ يتصفح الطفل قبل أن يقول
"لا يجب علينا إهدار الموارد بِهذه البساطة"
أمسك الطفل من رقبتِه وقال له
"ستتعذب قليلاً، لكنك ستنسى كل شيء وتعود في جسدٍ آخر، ربما ستكون محظوظاً في المرة القادمة ولا تسقُط في غابة مليئة بالوحوش"
سمع الطفل وفهِم ما يقوله شوفين، لكنه لم يستطِع الردّ لأنه مولود جديد لا يتعدّى عُمره بِضع ساعات، اعتقد الجميع بأن شوفين سيمنحُه موتاً مُريحاً، لكن راموليا كان لديها شعور غريب جعلها ترتجِف داخلياً، وفجأة.. قام شوفين بِرميه عالياً ثم أخرج النار البيضاء والعديد من الأعشاب النادرة، وكان نصفها روحياً والأخرى جسدية.
ارتجفت راموليا التي تفهم شوفين أكثر من أي شخص آخر، بينما كان ريكو وصلجان يعتقِدان بأن شوفين لديه طريقة لعِلاجِه، وقبل أن يفهموا جيداً ما يحدُث.. بدأ الطفل يصرُخ بأعلى صوتِه بينما يذوب جسدُه في النار البيضاء، تراجعت راموليا لا إرادياً إلى الوراء واغرورقَت عيناها بينما تجمّد ريكو في مكانِه، أما صلجان فكانت وكأنها قد فقدَت روحها وهي تنظر إلى جسد الطفل وهو يذوب، وبطريقة ما.. كان الجسد يذوب مثل العسل ولا يحترِق، وذلك بسبب دمج العديد من الأعشاب معه، وبعد دقيقة من العذاب.. توقّف صراخ الطفل وغادر الحياة، وفي هذه اللحظة فقط أدركَت صلجان ما يحدُث وسقطَت مغشياً عليها.
واصل شوفين صقل الجسد مع الأعشاب لِأكثر من نصف ساعة، وكانت راموليا قد أخذَت صلجان وغادرت مع ريكو لأنها لا تريد رؤية المزيد، لم يهتم شوفين بِما يعتقدونه لأنه إن لم يفعلها بِهذا الطفل الجريح فسيفعلها بطِفلٍ سليم، لأنه كان يحتاج إلى صقل هذه الوصفة بشدّة، ومع أنه لم يكُن مُستعجلاً عليها إلا أن تضيِيع جسد هذا الطفل وتركَه يموت فقط سيكون خسارة له.
سبق وذكر شوفين هذه الوصفة عندما وجد نصفها مع الكيميائي واريان في عشيرة القمر الأحمر، وحينها.. وصف واريان الوصفة بالشيطانية، لكن شوفين لا يؤمن بمثل هذه التصنيفات لأنه يعلم ماهية هذا العالم وهذه الكائنات، لذلك لا ينظر إلا في اتجاه واحد، وهو كيف يقضي على عدوّه الأبدي.
انتهى أخيراً من صقل الجسد وكان قد تحوّل إلى عجينٍ رمادي غامق، أخرج وِعاءً كبيراً ثم تحدّث مع راموليا عبر التخاطر وطلب منها العودة لِحمايتِه، إلا أنها لم تُجِبه ولم تأتِ، عبس شوفين وضغط عليها عبر ختم العبودية فشعرَت بِرغبة شديدة في إطاعة أمرِه مع ألمٍ حادٍّ في قلبِها، لذلك حملَت صلجان التي كانت قد استعادَت وعيها لكنها لا تستطيع المشي بِسبب الصدمة، نظر إليهم شوفين ثم لوّح وأدخل صلجان إلى عالمِه، نظر مرة أخرى في راموليا وقال مُعاتباً
"لماذا لم تأتِ إلي عندما طلبتُك ؟"
انحنَت مباشرة وقالت بِنبرة ذليلة والدموع تجري من عينَيها
"أعتذر منك.. سيدي"
قطّب شوفين حاجِبَيه وهو ينظر إليها باستغراب، بعدها سألها
"ما الذي تغيّر فيك ؟
هل الأمر متعلّق بِهذا الطفل ؟"
صمتت ولم تقُل شيئاً فقال ريكو وكان أكثر جرأة
"ما فعلتَه كان شيطانياً ولا يُمكن قبوله"
ضحك شوفين على ريكو ثم قال
"لقد كنتما معي لعدّة أشهُر، ألم تعلما بِأني سفّاح شيطاني ؟
هل لأني لطيفٌ معكما فهذا يعني أني شخص طيّب ؟"
صمت الاثنان لأن شوفين كان يستطيع أن يفعل بهِما أكثر ممّا فعل بالطفل، وربما يجب عليهِما أن يشكُرا حظّهما الجيد، أضاف عندما رأى صمتهما
"البشر والوحوش وغيرها.. مجرد حشرات، جسدي الحالي أيضاً مجرد حشرة، لا تنخدِعوا بكل ما تريانِه"
واصل الاثنان الصمت حتى قال ريكو
"ما الذي تعنيه بِأن الطفل سيعود في جسدٍ آخر ؟"
نظر إليه شوفين قليلاً ثم أعاد نظره نحو الوِعاء الكبير ووَضع فيه العجين الرمادي الغامِق، بدأ ينزِع ثيابَه وهو يُجيب ريكو
"عودا إلى العالم الفراغي، سنتحدّث عندما أنهي أموري"
أدخلهما ثم أكمل نزع ثِيابِه، دخل بعدها في الوعاء الكبير وأخرج السلاح الإمبراطوري الذي صقله سابقاً، خرج على شكل ضوء ذهبي ثم انقسم إلى خمسة أجزاء، وكل جزءٍ تحوّل إلى قرص صغير، طارت الأقراص الذهبية نحو جميع الجهات، يمين يسار أمام خلف وأعلى، وبعد استقرارِها.. أخرجَت القطعُ شعاعاً ذهبياً شفافاً وتواصلت عبرَه فتكوّن حاجزٌ شفاف يُحيط به، ابتسم عندما رأى الحاجز وقال
"هذا حاجزٌ قوي، لكنه لن يصمُد أمام عدو قوي، أتمنى ألا يأتي أحدُهم بينما أصقل جسدي"
لا يعلم شوفين إلى أي درجة قد تعافى السلاح، لذلك كان خائفاً ألا يستطيع منع عدوٍّ قوي، انتهى الإعداد فنزل في الوعاء حتى غاص بأكملِه، وبعد لحظات.. بدأت النار البيضاء تطبخ العجين مع جسد شوفين الذي غاص داخِله، وفي هذه اللحظة كان شوفين قد عزل نفسه عن عالمِه الفراغي وأغلق الشاشة الكبيرة على المنصّة وأوقف إمكانية التخاطُر معه للتركيز على استغلال الوصفة وترقية تدريبِه في سلام.
هذه الوصفة في الحقيقة أكثر تطوراً من الوصفة التي وجد نصفها مع واريان، لكن المبدأ واحد وهو أخذ حياة لإعطاء حياة أخرى، وعملها هو أخذ المواد الحديثة من جسد الطفل المولود لإصلاح جسدٍ بالغ، وهذه العملية تتمّ لِمرة واحدة فقط ولن تنفع حتى وإن قام بها عدة مرات أخرى.
نوع الفائدة التي سيحصل عليها شوفين من هذه العملية هي تعزيز مواهبِه الجسدية وإصلاح أخطاء التدريب التي قام بها ريكو في السابق، بالإضافة إلى إصلاح العيوب من دمج الوِعاء القديم مع الجديد، وحتى عيناه ستندمجان الآن مع جسدِه وكأنه وُلِد بهما، ناهيك عن شفاء الجروح الروحية، لكن شوفين يملِك روحاً قوية ولن يستفيد كثيراً من هذه العملية، لذلك ركز على الجانب الجسدي أكثر.
بينما كان شوفين غارقاً في العجين الغريب.. استغلّ الوقت لِرفع مستوى تدريبه، وكان هذا الوقت الحساس مناسباً بسبب التغييرات التي كانت تجري عليه، وهو الآن في قمة المرحلة المتوسطة من مستوى تألّق الطاقة الداخلية، أو ما يُعرف بِـ "صقل الطاقة الداخلية"، وكان قد صقل كمية كبيرة من طاقتِه داخل الجزء المُغلق في وعائه وصارت مثل عنصرَي النور والظلام، والخطوة التالية هي تحويل الجزء المُغلق من الطاقة من شعاع إلى مادة لزجة وجعلِها تحتلّ أسفل الوعاء، فيما يُعرف بِـ "تحويل الطاقة الداخلية".
في العادة.. تكون عملية تحويل الطاقة المُغلقة إلى مادة لزِجة عملية صعبة بِسبب تأثيرها على الوِعاء، لكن وِعاء شوفين يستحمِل أكثر مِن هذا بِكثيرـ خاصة أنه كان الآن يتم إصلاح جميع أخطائِه عبر امتصاص العجين الطبي، لذلك بدأ شوفين مباشرة بالإفراج عن الجزء المُغلق وتحويله إلى مادة لزِجة من النور والظلام، وفي نفس الوقت قام بإخراج الأحجار البرتقالية وبدأ يمتص منها الطاقة لزِيادة كمية المادة اللزجة، وهذه ستكون احتياطي طاقتِه الداخلية والتي لن يتم استخدامُها إلا عندما يستنزِف طاقته الداخلية العادية، ما سيُعطيه فرصة لإطالة القِتال لِفترة طويلة.
استمرت العملية لأكثر من ثلاثة أيام حتى بدأ العجين الرمادي يختفي ويظهر جسد شوفين، ومع أن جسدَه لن يتغيّر إلا أن راموليا وريكو كانا يُحسّان بِالضغط الناتِج منه، لكنّه لم يتوقّف عن التدريب رغم اكتِمال امتصاصِه للمعجون، وذلك بسبب اقترابِه من الاختراق، استمرّ في امتصاص الطاقة من الحجارة البرتقالية بِكميات كبيرة لأنه أراد أن تكون الطاقة اللزِجة في وِعائه أكبر من ثُلثي الوِعاء على الأقل.
عملياً.. لا يُمكن أن تكون نسبة الطاقة اللزِجة أكثر من أربعين في المائة، وذلك لأن الضغط الذي ينتُج منها يستطيع تدمير الوِعاء بسهولة، لكن شوفين كان لديه وِعاء قديم مُندمِج مع وِعائه غير الناضج وصار قوياً، وبعد استخدام المعجون صار وِعاؤه القديم أقوى وأكثر تكامُلاً مع جسدِه، وهذا شجّعه على زِيادة كمية المادة اللزجة داخل الوِعاء دون خوف.
استمر على عملِه لأكثر مِن يومَين آخرَين، وفي هذه اللحظة.. قرّر شوفين التوقّف عن ملء وِعائه لأنه وصل إلى حالةٍ لم تُسجّل في التاريخ من قبل، حيث صارت نسبة الطاقة اللزِجة في وِعائه أكثر من تسعين في المائة، ما يعني بأنه يستطيع الاستمرار في القتال لِوقتٍ أطول بِكثير من الجميع في نفس المستوى، كما يستطيع القتال مع متدربي "مستوى تألّق الطاقة الخارجية".
بعدها.. قام بِتعزيز اختِراقِه لمدّة يومٍ كامل قبل أن يفتح عينَيه وتنطلِق من جسدِه هالة قوية اكتسحت الغابة بأكملِها، خرج من الوِعاء ثم نظر نحو عُمق الغابة وقرّر الاستقرار داخِلها لِبعض الوقت، ابتعد قليلاً ثم رمى قبضة من الطاقة الخالِصة دون أي تقنيات نحو المكان الذي كان فيه، سقطت الضربة على المكان فدمّرته كاملاً، وكان هذا بِغرض إخفاء آثارِه.
وصل بعد فترة إلى منتصف الغابة وأخرج سِلاحه الإمبراطوري مع ابتسامة سعيدة، لمسَه وقال
"من كان يدري بأنك ستتبعني حتى بعد أن تخلّيتُ عنك، أنا سعيد لأنك عُدتَ إلى يا سيف العقاب الإمبراطوري"
اهتز السلاح بِشكلِه الحالي حيث كان مُنقسِماً إلى خمس قِطع، طافت حول شوفين فابتسم وهو يُلاطِفها وكأنها عصافيرُه، أمسك إحدى القِطع وقال
"يجب أن نُغيّر اسمك، ما رأيك بِـ عجلة الدمار ؟"
اهتزّ السلاح بقوّة وبدأ يتحوّل مُباشرة إلى عجلة ذات مخالِب طويلة وحادة اعتماداً على أفكار شوفين، أومأ شوفين وأكّد الاسم الجديد لهذا السلاح المُتحوّل، وجّه السلاح نحو الأرض فحفر حُفرة عميقة قبل أن يتحوّل مرة أخرى ويُحيط بِجسد شوفين لحِمايتِه، قفز شوفين في الحفرة ثم أرسل طاقته نحو الأعلى فانهار عليه التراب، وذلك لأنه يُريد الاختباء تحت الأرض لِبعض الوقت حتى يستقرّ تدريبُه الجديد.
--------------
معلومة سريعة:
التعليق والإعجاب يزيد من عدد الفصول وجودتِها