"لماذا لا ندعوه للذهاب معنا بِما أنه قوي ؟"
اقترحت الفتاة سؤال شوفين إن كان يرغب في مرافقتهم إلى مكان ما، لكن المعلم قال مباشرة
"لا أعتقد بأنه سيذهب معنا"
قالت
"بما أنه قوي فسأعطي الأمر محاولة، وإذا رفض فلن نخسر شيئاً"
رجعت نحوَه بسرعة قبل أن تتباطأ خطاها وتقترب منه بهدوء، وصلت إليه ووقفت أمامه باحترام لكنه لم يفتح عينيه، ابتسمت وقالت
"أخي.. هل تريد مرافقتنا في مغامرتنا ؟
لقد ظهر كنز قديم قرب جبل تامير، والجميع خرجوا في فِرقٍ قوية لِغزوه"
بقي شوفين على حالِه غير مهتم لأنه يملك كنوزاً كثيرة ولا يريد تضيِيع وقتِه على كنزٍ في أطراف القارة، ابتلعَت ريقها لأن شوفين غير مهتم بالكنز ولم يفتح حتى عينيه للنظر إليها، لكنها لا تخطط للمغادرة قبل أن تُكمل حديثها، لذلك قالت
"يقولون بأن الكنز عبارة عن حديقة أعشاب قديمة"
حينها فقط.. فتح عينيه ونظر نحوَها ببعض الاهتمام، ابتسمت وأضافت
"لكن الحديقة محمية بِمصفوفةٍ قوية ولم يستطع أحد دخولها حتى الآن، ولولا العثور عليها بِالصدفة لما وجدها أحد"
بهذا.. صار شوفين مهتماً بِهذه الحديقة القديمة، وذلك لأن الأعشاب المزروعة ليسَت مثل الأعشاب الميتة في المتاجر وخواتم التخزين، خاصة أنه بِحاجة إلى الهالة الطبية في عالمِه الفراغي، لذلك سيكون جيداً الحصول على بعض الأعشاب النادرة وزراعتها في حديقتِه الخاصة.
وقف وقفَز من الصخرة ثم قال للفتاة
"جيد.. سأذهب معكم"
تبع الفتاة حتى وصل إلى الآخرين فتهلّل وجه الأربعيني لأنه يعلم بِأن وجود شوفين معهم سيُعينه في مهمّته، لكن حنجير تقدم ووَقف في طريق شوفين وقال
"لا تنتظر منّا حِمايتك أو تقسيم المكاسب معك، كل شخصٍ يأخذ ما يجِده"
ابتسم شوفين وقال مباشرة
"هذا جيد، وأنا أيضاً لن أحميكم"
عبس المعلّم مباشرة وقرّر أنه سيُعلّم تلميذه درساً في السلوك بعد عودتِهم، وذلك لأنه أصيبَ بالغرور بسبب كونه الأقوى في مجموعتِه، لكن هذا لن يصنع له سوى المشاكل في الحياة الواقعية حيث يتم تحديد الحياة والموت في كلمة واحدة، والآن تكاد تضيع جهود الفتاة بسبب الفم الواسع لِـ حَنجير، لذلك مدّ يده وسحب التلميذ المغرور للخلف وتقدم نحو شوفين باحترام وهو يقول
"الأخ الكريم.. أتمنى ألا تسمع لِما يقوله، نحن في الحقيقة سنكون شاكرين إذا تشاركنا في حماية بعضنا البعض، أما بخصوص الكنوز فيمكننا الاتفاق بِهذا الخصوص"
أومأ شوفين بِرأسه وقال
"من يجِد شيئاً يأخذه"
ابتسم المعلّم بسعادة لأنه لن يضطرّ لاقتسام مكاسِبه مع شوفين، وأخيراً قال
"اسمي مزروي، وهذان تلميذاي الشخصيَين.. حنجير وإكسان، أما الباقي فهُم تلاميذي في العشيرة"
أومأ شوفين وهو ينظر نحو الجميع حتى وقعت عيناه على طفل في الثالثة عشر من عمره، ابتسم نحوَه فتوارى الطفل خلف زملائِه وأظهر علامات الخوف والخجل، أكمل شوفين تصفّحه للجميع قبل أن يعود نحو مزروي ويقول
"شوفين، هذا هو اسمي"
أومأ مزروي بِرأسه ثم انطلق في طريقه، وكان شوفين يتبعهم من الخلف بسرعة هادئة بينما كان الجميع يستخدِمون كل ما لديهم لِمجاراة مرزوي وتلميذَيه المفضّلين، من الخلف.. كانت عينا شوفين مُركّزتين على الطفل الخجول، وبعد فحصه اقترب منه وسأله
"ما اسمك ؟"
ابتلع الصغير ريقه ثم قال بِخجل
"إينـ.. إينجِه"
ابتسم شوفين نحوَه وتراجع للخلف دون أن يقول شيئاً، وكان إينجِه طفلاً رقيقاً هزيلاً يملِك وجهاً شديد البياض وله شعرٌ ناعم وطويل، ويُمكِن للشخص أن يُخطِئ فيه ويعتقِدَه فتاةً لولا صدرُه المسطّح، لكن تدريبَه كان جيداً مُقارنة بِعمره حيث كان الأصغرَ بين الجميع ومع ذلك وصل إلى مستوى تهيئة الوعاء، ما يعني بِأنه موهوب، لكن شوفين كان مهتماً بِشيء آخر غير موهِبته، إلا أن الوقت لم يحِن بعد للخوض فيها.
استمرّت المجموعة في التقدّم وكانت تسير أصلاً في الاتجاه الذي تُشير إليه أداة التوجيه الخاصة بِصلجان، وبعد ساعتَين من الجري في القِفار.. أبطأ مزروي وأوقف تلاميذَه، وفي هذه اللحظة.. ظهرَت مجموعة من ثلاثين شخص أمامهم وكان بينهم ثلاثة شيوخ أقوياء كلّهم في مستوى تألّق الطاقة الخارجية، عبس مزروي مباشرة عندما رآهم وتقدّم التلاميذَ وكأنه دجاجة تحمي صغارها، اقترب أحد الشيوخ وقال بِنبرة تحمِل بعض السخرية
"إذن فأنتم من عشيرة الرمح القمري ؟
ما رأيكم أن تُرافقونا لِتكون الفوائد أكبر ؟"
اتّسعَت عينا شوفين عِندما سمِع اسم العشيرة، وذلك لأنه يُشبِه اسم عشيرة الرمح الشمسي والتي كان يُخطّط للذهاب إليها، أما مزروي فقد عبس وشدّ قبضاتِه قبل أن يتشجّع ويقول
"هذا الصغير يُقدّم تحياتِه للشيخ هَشرَم، كما يرى الشيخ فليس معي اليوم سوى بعض الصغار الضعفاء، ولا أعتقد بأنهم سيُفيدون عشيرة الرمح الناصع في شيء"
ضحك شيخٌ آخر من الخلف ثم قال
"على الأقل أنتم تعرفون مقامكم جيداً، لكننا كنا عشيرةً واحدة في يومٍ ما، لذلك سنأخذكم معنا ونحميكم خلال الطريق"
تغيّرت ملامح مزروي كثيراً وحاول الإفلات منهم إلا أنه لم يستطِع فِعل أي شيء غير الطاعة، لذلك أمر تلاميذَه غصباً عنه بالتقدّم مع أعضاء عشيرة الرمح الناصع، وكان السواد يعتلي وجهَي حنجير وإكسان لأنهما يعلمان كيف تُعامِل هذه العشيرة عشيرتَهم، وبِما أنهم قد دعَوهم فلابد أن هناك سبباً لِذلك، ولن يكون سبباً جيداً بالتأكيد.
استرَقت إكسان النظر على شوفين الذي كان لا يزال هادئاً، وتدريجياً.. بدأت خطواتها تتباطأ حتى صارت جانِبَه وقالت
"أنا آسفة على هذا الوضع، يبدو أنك قد وقعتَ في المتاعِب بِسببي"
ابتسم شوفين وردّ عليها بِسؤال مُختلِف
"هل كانت العشيرتان واحدة في الماضي ؟"
استغربَت من هدوئه قليلاً قبل أن تقول
"كنا جزءً من عشيرة عظيمة حكمَت الجانب الشرقي من أرض الخور لآلاف السنين، وكان لدينا شيخ مبجل دخل مرحلة المجال، لكنّه اختفى بدون أثر قبل سبعين سنة، وبدأت عشيرتُنا تنقسِم إلى عشائر صغيرة بلغ عددُها أكثر من عشرين، ومع أن العشيرة القديمة لا تزال موجودة إلا أن عشيرة الرمح الناصع هي الأقوى، وعشيرتُنا الرمح القمري من أضعف العشائر"
قالت هذا بِحزنٍ رغم أنها لم تُعاصر هذه الأحداث لأن عمرها أصغر من ذلك، وبِسماع شوفين لهذه الأحداث.. سألها
"سمعتُ عن عشيرةٍ تسمى الرمح الشمسي، هل لها علاقة بِكم ؟"
أومأت وقالت
"نعم.. هذا هو اسم عشيرتنا الرئيسية قبل الانقسام إلى ما يُسمّى بِعشائر الرمح"
--------------
سؤال الفصل:
في رأيكم.. لماذا يتهمّ شوفين بالطفل الصغير إينجه ؟