"نعم.. هذا هو اسم عشيرتنا الرئيسية قبل الانقسام إلى ما يُسمّى بِعشائر الرمح"
أومأ شوفين بعد أن فهِم بأن عشيرة الرمح الشمسي قد انقسمت ولم تعُد كما كانت من قبل، لذلك قرّر ألا يزورها لأنها لم تعُد مُثيرة للاهتمام، وسيُغادِر المنطقة بعد زيارة الحديقة التي يتّجهون إليها الآن.
استمرّت المسيرة وكانت إكسان تتجاذب معه أطراف الحديث رغم أنه كان يتجاهلها عمداً، ومع ذلك.. كان هناك شخصٌ في الأمام يشتاط غضباً، ولولا مصيبتُهم مع عشيرة الرمح الناصع لكان قد لقّن شوفين درساً لا يُنسى، وذلك لأنه هو الشخص الوحيد الذي يجب أن تهتم به إكسان، وإلا فلن يكون اسمه حنجير.
بعد ساعة أخرى.. أحس شوفين بِالنداء من أداة التوجيه الخاصة بصلجان، أخرجها ولاحظ بِأن اتّجاه الإشارة قد تغيّر ولم يعُد نفس الاتّجاه نحو الحديقة، لذلك سأل إكسان وهو يُشير إلى اتّجاه الإشارة
"هل توجد إحدى عشائر الرمح من هذا الاتجاه ؟"
هزّت إكسان رأسها بالنفي ثم نظرت نحو القطعة المعدنية في يد شوفين، اقتربَت منه ودقّقت النظر فيها قبل أن تقول
"هذا الرمز يتبع عشيرتنا القديمة، لماذا تحمِله معك ؟"
خزّن الأداة وقال
"مجرد علاقة صداقة بين أسلافنا، لكني لم أتوقّع أن تسقط العشيرة"
أخذ نظرة أخيرة نحو اتّجاه الإشارة ثم أعاد بصره وواصل الطريق مع الفريق الكبير، وبعد ساعة أخرى.. بدأ يحسّ بالعديد من الأشخاص الأقوياء، وما هي إلا لحظات حتى بدأت العديد من الشخصيات الجديدة بالوفود على منطقة مفتوحة قطرها أكبر ثلاثة أميال وتُحيط بها الجِبال من جميع النواحي.
وصل الجميع إلى المنطقة وكان يوجد أكثر من ألف مُقاتل يُحيطون بِالمنطقة، كانت مجموعة شوفين تحت قيادة الشيخ هَشرَم، وكان من أقوى المقاتلين في أرض الخور بعد اختراقِه إلى المرحلة المتوسطة من مستوى تألّق الطاقة الخارجية، وهي المرحلة معروفة بـ "صقل الطاقة الخارجية" والتي تتشابه مع مرحلة صقل الطاقة الداخلية، لكن الفرق بينهما هو أن صقل الطاقة يتم خارج الوِعاء وليس داخِله، ما يجعل المقاتل وكأنه يملِك وعاءً آخر خارج جسدِه.
ومع أنه من الأقوى في أرض الخور.. إلا أن هذه الحديقة قد جلبت الكثير من الأقوياء من مناطق أخرى وليس فقط من أرض الخور، لذلك كان الشيخ هَشرَم حذراً من الآخرين، لكنّ حذره هذا لم يصِل إلى درجة الخوف منهم.
كان الجميع يقفون بالقرب من الحديقة وكانت واسعة تملأ المنطقة الفارغة بأكملِها، استغرَب الشيخ هَشرَم وقال لأتباعِه
"كانت هذه المنطقة عبارة عن جبالٍ قديمة، من كان يعتقِد بأن الجِبال كانت مجرد تمويه"
سأل أحدُ أتباعِه
"لماذا لا أحد يدخُل إلى الحديقة ؟"
أجابه الشيخ هَشرَم
"الدخول إليها يحتاج إلى بعض الحظّ، سمِعت بأن البعض قد خسروا حياتهم وهُم يُحاولون الوصول إليها"
اقترب منها ولمس الهواء فظهر تموّجٌ غريب، وكان هذا لأن الحديقة يُحيط بها حاجزٌ قوي، لكنّ قوته ليست في صلابتِه وإنما لأن أي هجومٍ عليه يختفي دون أثر، ومن حاولوا اختراقه بالقوة فقد تحوّلوا جميعاً إلى لحمٍ مفروم، ما جعل الجميع يتوخّون الحذر الشديد.
استقرّت المجموعة واتّخذت مكاناً بِالقرب من الحاجز وكان شوفين ينظُر إلى المصفوفة باهتمام، ابتعد عن المجموعة حتى صار بعيداً عن الحاجز ثم قام بِتشغيل مميّزات عينَيه حيث صارتا أقوى من السابق بعد اندماجِهما مع جسدِه، إضافة إلى قوتِه الروحية التي تعافت كثيراً، لذلك كانت قدرته على الرؤية والتحليل أفضل.
بقي ساكناً في مكانِه وهو ينظر إلى المصفوفة، وبعد عشر دقائق.. ابتسم ثم عاد إلى المجموعة لأنه اكتشف بأن المصفوفة ستفتح أبوابها قريباً، مرّ الوقت بسرعة وجاء الليل، وكان الأقوياء والخبراء يُحاوِلون فهم المصفوفة لإيجاد طريقٍ للدخول، وكان بعضُهم على هذه الحال منذ أيام، إلا أنهم لم يجدوا طريق الدخول حتى هذه الساعة.
عندما بدأ النهار يدخُل.. اقترب شوفين نحو الطفل إينجه وكان يجلس وحيداً، جلس بِقربِه وسأله
"لا أراك تتفاعل مع رِفاقك، أليس لديك أصدقاء أو إخوة ؟"
ابتسم إينجه بِحرج وقال
"كلهم إخواني وأصدقائي، لماذا تقول مثل هذا ؟"
ضحك شوفين بِصوتٍ خافِت ثم مدّ يدَه نحو شعر إينجه، أمسَك شعرَه ورفعه عن أذنِه اليسرى فإذا هي أذنٌ مُدبّبة وليست مثل آذان البشر، ارتعب إينجه وتهرّب من يد شوفين ثم أخفى أذنيه جيداً قبل أن يقول بِنبرة مرعوبة
"من.. من أنت ؟"
عاش إينجه ثلاث سنوات في العشيرة إلا أنهم لم ينتبِهوا له، وشوفين قد قام باكتشاف سرِّه من النظرة الأولى ؟
عندما وُلِد إينجه.. قامت عشيرة الرمح القمري بإيجادِه ولم يكتشفوا بِأن أذنَيه مُدبّبتان، وهو أيضاً لم يعلم الفارِق حتى علِم بأنه وحيدٌ وفريد من نوعه بين البشر، وبعد فترة تصادَمَ مع بعض الكتب القديمة ووَجد بعض المعلومات عن صِنفه وأن مُستقبله سيكون إما عظيماً أو جحيماً، وكل هذا يعتمد على حظّه وتدريبِه، لذلك ارتعَب عندما اكتشف شوفين حقيقتَه.
ابتسم شوفين وقال بِهدوء
"هل تعرِف بأنك لست بشرياً ؟"
صمت إينجه ولم يعلَم ما الذي سيقوله، فالاختلاف الوحيد بينه وبين البشر هو أذناه، لكن الكتب التي قرأها قد لمّحت إلى أنه جنسٌ غريب عن هذا العالم، لذلك كان في صراعٍ داخلي لِوقتٍ طويل.
أضاف شوفين بينما كان يقوم مِن مكانِه
"أنا لا أنوي بِك شراًّ، لكن.. إذا أردتَ أن تعرِف مَن تكون وأين يعيش أمثالك فتعالَ عندي متى شئت، سأخبِرك بِبعض الأمور"
وقبل أن يقوم.. أمسكَه إينجه من ثيابِه وقال
"أخبرني ... رجاءً"
واصل شوفين قيامَه وهو يقول
"ليس الآن، يبدو بِأن وقت الدخول قد اقترَب"
استغرب إينجه من طريقة معرفة شوفين بِأن الوقت قد اقترب، وفي هذه اللحظة.. بدأ الخبراء ينتبِهون إلى بعض التغييِرات في المصفوفة حيث ظهرَت العديد من البوابات الشبيهة بالثقوب، وهذا جعل العديد من الجشِعين يقفِزون من خِلالها، إلا أن الصرخات قد سُمِعت من كل مكان لأن أغلب من دخل قد تحوّلوا إلى عجينة من اللحم المفروم.
ساد الرعب بين جميع الحاضرين حيث كان بعض الهالِكين أقوياء جداً، ومع ذلك لم ينجوا من هذه المصفوفة الغريبة، لكن رُعبهم قد اختفى تلقائياً عندما رأوا أكثر من سبعة أشخاص داخل الحديقة، وهذا يعني بأنه توجد أبوابٌ صالحة تقوم بإدخال الناس إلى الداخل، وكان بعض الأذكياء يتذكّرون الأبواب التي دخل منها الناجون، لذلك سارع بعضهم إلى نفس البوابات تحت ملاحظة الجميع، وخلاف المُتوقّع.. دخل العديد منهم ونجحوا في الوصول إلى الحديقة من خلال البوابات الصالحة.
ظهرت ابتسامت الخُبث على وجوه الحاضرين لأنهم صاروا يعرفون البوابات الصالحة للدخول وكان عددُها ثلاثة فقط، لكن.. وقبل أن يتبعوا الداخلين.. بدأت هذه البوابات الصالحة بالإنغلاق حتى اختفت أخيراً، ما جعل الجميع يفهمون بأن اكتشاف البوابة يجعلها تُفتح لِوقتٍ محدود فقط، وبعد بِضعة تجارب أخرى.. توصّل الجميع إلى القانون الذي يحكم هذه المصفوفة حيث كل بوابة صالحة تُدخِل عشرة أشخاصٍ فقط وفي وقتٍ محدود، وهذا يعني بأن عدد البوابات محدود، والمحظوظ هو من يجِد البوابة الصحيحة دون أن يخسِر حياته.
حدث كل هذا وشوفين ينظُر من بعيد، وفجأة.. تقدّم شيوخ عشيرة الرمح القمري وأحاطوا بِأتباع مزروي، ابتسم الشيخ هَشرَم بِخُبث وقال
"لقد وفّينا بِوعدِنا وحميناكم حتى الآن، لذلك سنعتمِد عليكم لاستكشاف البوابات الصالحة"
كان عدد مجموعة مزروي اثنا عشر بدون احتساب شوفين، ما يعني بأن لديهم اثنا عشر محاولة، وإذا اكتشفوا ثلاث أو أربع بوابات فستكون كافية لإدخال أتباع الشيخ هَشرَم، لذلك لن يحتاجوا إلى المغامرة بِأنفسهم.
تغيّرت تعابير مزروي وتلاميذه لأنهم صاروا مجرد فئران تجارب، لكنّهم لن يضلّوا صامتين حيث تقدّم حنجير وصرخ
"نحن لسنا ألعاباً في أيديكم حتى ترمونا إلى الموت بهذه السهولة"
تشجّع باقي التلاميذ وبدؤوا يصرخون هُم أيضاً
"من تخدعون بِقولِكم بأنكم كنتم تحموننا ؟
وممّن كنتم تحموننا أصلاً ؟"
"أنا لن أذهب معكم، ابتعدوا عني"
تغيّرت تعابير الشيخ هَشرَم وقال بِنبرة لئيمة
"من أنتم أيها الوضيعون حتى تصرخوا عليّ ؟
أوامري لا تقبل النقاش"
التفت إلى مزروي الذي كان يصر على أسنانِه بسبب ضُعفِه، نظر إليه الشيخ هَشرَم وقال
"مزروي، أنت شخص قديم وتعرف عالم التدريب جيداً، نحن بحاجة إلى فتح ثلاث بوابات على الأقل، اِختر بِنفسك من سيفتحُها لأجلنا ولن أتوانى في مُكافأتِك عندما نخرُج"
صمت مزروي طويلاً قبل أن يظهر العزم على وجهِه ويسحب حنجير وإكسان وراء ظهرِه، بعدها.. نظر نحو تلاميذه الآخرين وقال
"أنتم ستفعلونها لأجل مجد عشيرتِنا"
--------------
سؤال الفصل:
هل سيحمي شوفين هؤلاء الضعفاء أم "يعمل نفسه من بَنها" ويتركهم ؟
ملاحظة: عمل نفسه من بَنها مثل مصري يعني بأنه "غير مهتم"