"أنتم ستفعلونها لِأجل مجد عشيرتِنا"

بِهذه الجملة القصيرة.. قام مزروي بِتحديد مصير التلاميذ التسعة الأضعف، اسودّت وجوههم وأرادوا الانتفاض، إلا أن أتباع الشيخ هَشرَم قد أحاطوهم وكان بينهم شوفين أيضاً، قال الشيخ هَشرَم

"لا داعي للمحاولة، اختاروا أربعة منكم كبداية، وربما يكونون محظوظين ويفتحون لنا أربع بوابات"

شعر التلاميذ التسعة بِالرغبة في البكاء، لكن البكاء لن ينفعهم هنا، لذلك بدؤوا يتدافعون حتى قدّموا أربعة تلاميذ رغماً عنهم، ومن أراد الانتفاض كان يتمّ ضربُه من الخمسة الآخرين حتى يبقى في الأمام، لكنّهم لم يجرؤوا على تقديم شوفين الذي كان لا يزال هادئاً وكأن كل شيء على ما يُرام.

كان إينجِه بين الأربعة الذين تمّ تقديمهم لأنه لا يحتكّ مع الآخرين وليس له أصدقاء يُدافِعون عنه، وكانت عيناه حمراوَين وهو ينظر إلى المعلّم مزروي الذي ضحّى به بسهولة، وما أثارَه أكثر هو تلك الابتسامة المكتومة على شفتي حنجير حيث كان دائماً ما يُزعِجه ويتنمّر عليه لأنه رقيق يُشبه الفتيات، ولأنه تلميذٌ شخصي للمعلم فيبدو بِأنه سينجو مِن هذه المعضلة.

تصفح شوفين وجوه الجميع وعلِم بأنهم مجرد حثالة، لكنه لم يهتمّ بهم من الأساس وإنما كان اهتمامُه الوحيد هو إينجِه، وذلك لأنه سيحتاج إلى شخصٍ مِن صِنفه في يومٍ ما، لكنه لم يُخطّط لأخذِه معه لأنه لا يزال لديه الكثير من الوقت حتى يصِل إلى ذلك المكان حيث سيحتاج إلى شخصٍ من فصيلة إينجِه، لذلك كان يُفكّر فيما إذا كان سيأخذُه معه أم يتركُه لِمصيرِه ويبحث عن شخصٍ آخر بعد مغادرة هذا العالم.

في هذه اللحظة.. استدار إينجِه نحو شوفين ونظر إليه بِعينَين جميلتَين وكأنه فتاة صغيرة، وكانت هذه النظرة تحمِل آخر أملٍ له قبل أن يُغلِق عينَيه ويستدير نحو مصيرِه، بدأ أتباع الشيخ هَشرَم يقودون التلاميذ الأربعة نحو إحدى بوّابات المصفوفة، وكانوا يُمسِكون التلاميذ بقوّة حتى لا يهربوا منهم، وعند وصولِهم إلى البوابة.. أمسكوا أول تلميذٍ وقذفوه داخِلها رغماً عنه، وبِمجرّد دخولِه عبر الثقب.. انتشرَت رائحة الدم واللحم المفروم فصرخ التلميذان الآخران بِقوّة وأرادوا الإفلات والهروب، إلا إينجِه الذي كان هادئاً وكأنه قد تقبّل مصيره.

في الخلف.. لعن الشيخ هَشرَم بِغضب

"اللعنة، ربما سنحتاج إلى أكثر من هؤلاء"

ارتعب مزروي عند سماعِه لأنهم سيضحون به أيضاً إذا لم يُفلِحوا في فتح ثلاث بوابات على الأقل، استرَق النظر على شوفين وشكر حظّه الذي جعلَه هو وتلميذَيه أبعد عن الاختيار بِفرصة واحدة على الأقل، حيث يُعتبر شوفين هو العاشِر بين الأضاحي المُختارة.

لم يُزعِج شوفين نفسه بِهؤلاء وإنما كان يُركّز على إينجِه، فهو سيحتاج حقاً إلى شخصٍ من صِنفه حتى يُتيح له الدخول إلى مكانٍ مُقدّس لهم، ويجِب أن يكون عن رِضاه وليس عبر استخدام ختم العبودية وإلا فإنه لن يستطيع الدخول إلى ذلك المكان، وفي الماضي.. حاول إجبار سكان ذلك المكان للسماح له بالدخول، إلا أنه لم ينجح مهما فعل، لذلك قرّر بأنه سيفعل الأمور بِطريقة مُختلفة هذه المرة، ومع ذلك.. لا يزال الأمر بعيداً، وإذا أخذ معه إينجِه فسيصرِف عليه الموارِد فقط، لكنه في نفس الوقت يعرِف كيف يستفيد منه في عالمِه الفراغي، ما يعني بأنه قد يكون مُفيداً له، خاصة أنه لا يزال صغيراً وإذا كوّن معه صداقة جيدة فسينفعُه في ذلك المكان المُقدّس.

تضاربَت الأفكار في ذهن شوفين قبل أن ينتبِه إلى أن التلميذ الثاني قد تحوّل أيضاً إلى لحمٍ مفروم في البوابة الثانية، ما جعل الجميع بين غاضبٍ ومرعوب، بقي إينجه وتلميذٌ آخر فقط من بين الأربعة، لذلك كان على شوفين أن يُقرّر بِسرعة، ابتسم وتحدّث مع إينجِه عبر التخاطُر قائلاً

"هل تُريد مني إنقاذَك ؟"

فتح إينجِه عينَيه بسرعة ونظر نحو شوفين وقد تعرّف على صوتِه، أضاف شوفين قائلاً

"استطيع إنقاذك، لكن.. سيكون عليك أن تكون أخي الصغير وتُغادِر معي مِن هذه الأرض، إذا كُنتَ مُوافِقاً فاصرُخ واطلُب منّي إنقاذك"

ارتجف قلب إينجِه ولم يعلم ما الذي يجب أن يختاره، عشيرتَه التي ضحّت به أم شوفين الذي يُريد إنقاذَه، لذلك لم يُقرّر مُباشرة، خاصة أن أتباع الشيخ هَشرَم قد أمسكوا التلميذ الثالث بِسبب انتِفاضِه عليهم وتركوا إينجِه إلى الأخير بِسبب هدوئه، أمسك اثنان منهم ذلك التلميذ وقذفوه في إحدى البوابات، ولِسوء الحظ.. كان مصيرُه مثل سابقَيه وتحوّل إلى لحمٍ مفروم، حينها فقط.. أحس إينجِه بالخطر يقترِب منه لأن الأتباع قد بدؤوا يجرّونه نحو البوابة الرابعة، عضّ شفته السفلى قليلاً ثم التفَت بقوّة نحو شوفين وصرخ بأعلى صوتِه

"أخي شوفين ... أنقِذني رجاءً"

ابتسم شوفين واستخدم تقنية الألف ظل فانتقل بسرعة خارقة وظهر قُرب إينجِه، ارتعب أتباع الشيخ هَشرَم وهجم عليه أحدُهم وكان في قمّة مستوى تهيئة الوعاء، وقبل أن يصِل إليه

بووووووم~

أطلق عليه واحدة من النحلة المتفجّرة والتي لا تصلُح مع المستويات القوية، لذلك يجب عليه استخدامُها قبل التقدّم إلى وسط القارة، لكنّه لم يُوجّه المُتفجّرة إلى رأس الشاب الذي هجم عليه وإنما أطلق على بطنِه ودفعه الانفجار نحو البوابة التي كانوا سيقذِفون إليها إينجِه، وفي لمحة عين.. تحوّل جسدُه أيضاً إلى لحمٍ مفروم، ابتلع إينجِه ريقه وعلِم بِأنه كان سيموت لو رموه داخِلها.

بهذا.. كان شوفين قد اتّخذ قراراً بأخذ إينجِه معه واستغلال موهِبتِه الفِطرية التي يملِكها جميع بني جِنسه، وفي نفس الوقت كان شوفين قد قتل أحد أتباع عشيرة الرمح الناصع وصار عدواً لهم، ابتسم نحو الشيخ هَشرَم وأرخى هالتَه والتي كانت قوية وكأنه يتدرّب في مستوى تألّق الطاقة الخارجية، بعدها قال

"أنا لا أهتم للآخرين، لكني سآخذ هذا الصغير معي، أتمنى ألا تبحثوا عن الانتقام لأني لا أريد بدء مجزرة"

قال هذا ثم أمسك إينجِه من ظهرِه وقفز نحو البوابة، فتح الجميع أعيُنهم وأفواههُم لأن شوفين قد قفز نحو البوابة التي حوّلت تابِع الشيخ هَشرَم إلى لحمٍ مفروم، وهذا يعني في العادة بِأن شوفين كان يتّجِه إلى حتفِه، لكن الشيء الذي حدث كان مُختلِفاً تماماً لأن البوابة قد فُتِحت أمامه واختفى داخِلها، وبعد ثوانٍ.. ظهر في الحديقة مع من دخل في وقتٍ سابِق.

صرخ الشيخ هَشرَم على أتباعِه بقوة

"البوابة مفتوحة، إتبعوه قبل أن تُغلَق"

انطلَق ثمانية أشخاص بِسرعة للدخول خلفَه لِأن البوابة تُدخِل عشرة أشخاصٍ فقط قبل أن تُغلَق، لكن.. وبِمجرّد اقتحام البوابة.. انتشرَت الدماء واللحم المفروم وكأنها لم تُفتح أصلاً، وذلك لأن شوفين قد استخدَم مهاراتِه في المصفوفات لِفتح البوابة رغماً عنها، لذلك لم تُعتبَر مفتوحة من الأساس، وهذا جعل الشيخ هَشرَم يشتاط غضباً ويعزِم على الفتك بِشوفين مهما حدث رغم أنه كان قوياً ويملِك تقنياتٍ غريبة.

نظرَت إكسان نحو حنجير وكان جبينُه يتصبّب عرقاً لأن شوفين قد كان أخطر بِكثر ممّا توقّعه، بل وحتى مزروي كان يبتلِع ريقَه في صمتٍ لِأن شوفين كان أقوى منه بِكثير، لكن همّه الحالي هو كيف يشرح للشيخ هَشرَم، حيث كان يتقدّم نحوه من بعيد وعلى وجهِه علامات الغضب، وقبل أن يسأله.. خفض مزروي رأسه باحترام وقال

"إنه ليس من عشيرتِنا، التقينا بِه صدفة ولا نعلم عنه شيئاً غير اسمِه شوفين"

أطلق الشيخ هَشرَم هالته القوية وصرخ عالياً

"شوفين.. سآخذ حياتك حتى وإن كان آخر شيء أفعلُه في حياتي"

...

في مكانٍ بعيد عن المجموعة.. التفت شخصُ ما نحو مصدر الصوت وقال باستغراب

"شوفين ؟
هل هذه مجرد صدفة أم أنه هو نفسه ؟"

قال هذا ثم ظهرت عليه ابتسامة خبيثة.

...

داخل الحديقة.. ظهر شوفين ومعه إينجِه وكان وجهُه أسوداً من شدّة الخوف، نظر نحو شوفين وكأنه يلوم نفسه، انحنى بِعُمقٍ وهو يقول

"أخي الكبير، أنا لم أشأ وضعَك في هذا الموقف، والآن أنت عدوٌّ لِعشيرة الرمح الناصع"

ابتسم شوفين وقال بِهدوء

"ما حدث قد حدث، ربما عليك البدء بِالتفكير حول كيفية دفع ديونِك !"

رفع إينجِه رأسه وقال بِجدّية

"أخبرني.. ما الذي علي فِعلُه حتى أدفع ديوني ؟"

قال شوفين

"سآخذك إلى قومِك، وأنت ستُدخِلني إلى مكانٍ مُقدّسٍ هُناك، لكني لن أستطيع الدخول إلا إذا كُنتَ تحترِمني من قلبِك"

لا يستطيع شوفين وضع ختم العبودية على إينجِه أو أحدٍ آخر من نفس الفصيلة إذا كان يرغب منه إدخاله إلى أقدس مكانٍ عندهم، لأن الأمر لن ينجح حتى وإن أزال الختم قبل الدخول، فاستعباده مرة واحدة تعني بأنه ربما يكون قد قام بِتغيير شخصيّتِه، لذلك يجب أن يكون بينهما علاقة حب حقيقية، وفي العادة.. يتم الوصول إلى مثل هذه العلاقة بين ذكر وأنثى، أما بين ذكرَين فتكون أكثر صعوبة، لذلك لا يعلم شوفين إن كان إينجِه صالحاً لِهدفِه أم لا.

اغرَورقت عينا إينجِه وقال باحترام شديد

"أخي الكبير، لقد أنقذتَ حياتي، فكيف لا أحترِمك ؟"

اقترب منه شوفين ورفعه من ذِقنه وكأنه يتعامل مع فتاةٍ صغيرة، نظر إلى عينَيه الرّطبتين وقال له

"هل ستبكي عليّ إذا قتلَني الشيخ هَشرَم لأني قمتُ بإنقاذِك ؟"

احمرّت عينا إينجِه وسالَت دمعة مُتلألئة على خدّه، وكانت هذه دمعة الحب الأخوي الصادق والتي دشّنها الاثنان بينهما، وبِحركة سريعة.. مدّ شوفين أصبُعه وأحاط الدمعة بِالنار البيضاء ثم ابتسم وقال بِسعادة

"حصلتُ عليها"

--------------
سؤال الفصل:
ما الذي سيفعله شوفين بهذه الدمعة ؟

--------------

أذن إينجِه

2020/01/20 · 559 مشاهدة · 1344 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024