"أمسِكوه حياًّ ودمّروا تدريبَه، سنأخذُه معنا إلى العشيرة"
صرخ الشيخ هَشرَم على أتباعِه وكانوا عشرين تقريباً، انطلق الجميع نحو شوفين بِعيونٍ حمراء مليئة بالغضب، وهذه الحركة أثارت انتباه جميع الحاضرين، لذلك نظر الجميع نحو الشاب الذي يبحث عن موتِه، ابتسم شوفين وأخرج خِنجرَين قصيرَين، وكان قد أخذهما من بين العديد من الكنوز السفلية رغم أنهما مُنخفضان في المستوى، وسبب أخذِهما لأن المعدِن الذي صُنِعا منه لديه توافُق مع طاقة الظلام بالخصوص، ومع أن شوفين لا يستخدِم طاقة الظلام إلا في الليل، إلا أنه قرّر استخدامها مع الخِنجرَين حيث ضخّ طاقته داخِلهما وصار لونهما أسوداً، كانت الهالة السوداء التي تخرُج منهما مثل النار السوداء التي تجعل القلب يرتجِف
فرَدَ يدَيه وزاد من طول الخِنجرين حتى صارا بِطول السيف، تحوّل فمُه إلى ابتسامة شيطانية ثم اتّجه نحو خصومِه العشرين وهو يضحك عالياً، تغيّرت تعابير المهاجمين العشرين عندما رأوا شوفين يستخدم نوعاً غريباً من الطاقة، لكن الوقت كان قد فات لأنه وصل إليهم بالفعل وقطع أربعة منهم إلى نصفين، كان قطعُ بشريٍّ دون طاقةٍ أسهل من قطع الهواء، لذلك مر شوفين من خلالهم وقطعهم واحداً تلو الآخر حتى لم يبق غير الشيوخ الثلاثة، صرخ الشيخ هَشرَم بقوة وعلى وجهِه علامات الرعب
"نحن من عشيرة الرمح الناصع، إذا قتلتنا فلن تنجو بفعلتك"
استمر شوفين نحوهم وهو يقول
"وهل ستتركونني وشأني بعدما قتلت هذا العدد ؟"
وقبل أن يجيبوه.. كان قد قطع رأس أحدِهم، قفز بعدها وقطع الثاني من الوسط، ولم يبق غير الشيخ هَشرَم، تقدم إليه أخيرا وقال له
"طلبتُ منك الابتعاد عني لكنك لم تفعل، استحمِل نتائج قرارِك الغبي"
وبِدون انتظار.. وجّه له ضربة أفقية اخترقَت جبهتَه، وقبل أن يسقُط على الأرض.. كان شوفين قد نزَع خاتم التخزين الخاص به، ثم التفَت إلى الشيخَين ونزع خاتمَيهِما أيضاً، أشار بعدها إلى سويكا وإينجِه حتى يقترِبا إليه لأنه يُخطّط للخروج من الحديقة، اقترب الإثنان وهما يبتلِعان ريقهما بِسبب المنظر الذي تركَه شوفين خلفَه، وكان قد قتل قرابة العشرين من أفضل مُقاتلي عشيرة الرمح الناصع
نظر إينجِه نحو سويكا وقال لها
"حبيبُك قوي جداً"
احمرّ وجهُها وضربَت رأسه بقوّة وهي تصرُخ
"إنه صديقي فقط"
استغرب إينجِه لأنه لم يقصِد شيئاً سيئاً لأنهم كانوا في عشيرة الرمح القمري يمزحون بهذه الطريقة ولا تغضب البنات، تنهّد وعلِم بأن حياته ستتغيّر وعليه أن يتأقلم مع رِفاقه الجُدد، تبِع سويكا حتى وصلا إلى شوفين فقال لهما
"سأحاوِل الخروج من هنا، أنت يا إينجِه.. ستذهب مع أختِك سويكا إلى مكانٍ آمن، وسآتي إليك لاحقاً"
رفع يدَه حتى يقوم بإدخالِهما إلى العالم الفراغي، لكنّه توقّف عندما شعر بِهالة قوية تأتي من سويكا، صرخ مُباشرة لأنه سبق وشعر بمِثلها من قبل، صرخ يلعن بِغضب وهو يمدّ يدَه نحو سويكا
"اللعنة ... ليس الآن"
وقبل أن يصِل إليها.. انطلق شعاعٌ من حقيبتِها وخرجَت البيضة الغريبة وهي تُطلِق هالة قوية جعلَت الحاضرين يكادون يختنِقون لأنهم لا يملِكون أي دِفاعاتٍ بِسبب ختم قِواهُم، طافت البيضة في الهواء قبل أن تبدأ بِامتصاص جُثث القتلى العشرين، وفي لمحة عين.. كانت الجثث قد اختفت ولم تترُك خلفها سوى الملابس المُلطّخة بالدماء، قفز شوفين للأعلى حتى يُمسِكها إلا أنها تحوّلت إلى شُعاعٍ وانطلقت نحو مُنتصف الحديقة، استغرب الجميع من هالتِها القوية ولم يعلموا ماذا تكون بالضبط لأنها كانت مُغطّاة بالأشعّة اللامِعة، لكن قلوبهم صارَت سوداء عندما أطلقَت البيضة هالتها نحو الأعشاب النادرة وبدأت تخترِق الحواجِز وتمتص الأعشاب امتصاصاً بِالعشرات، وما هي إلا نصف دقيقة حتى كانت قد امتصّت أكثر من نصف الأعشاب الموجودة.
نظر الجميع بِحُرقة وغضب نحو شوفين، ومع أنه كان ظاهراً للجميع بأنه لم يقصِد فِعلها إلا أن هذا الشيء العجيب يخصّه، ما يعني بأنه مسؤول عن خراب حظوظِهم وعليه أن يدفع لهم، لكنّهم ليسوا أغبياء مثل الشيخ هَشرَم، لذلك لم يتّخذوا أي خطوة خاطئة.
لِحسن الحظ أن البيضة توقّفت عن امتصاص الأعشاب وعادَت إلى سويكا، لكنها لم تترك غير الأعشاب العادية والتي ليس لها قيمة كبيرة، وهذا جعل الجميع يشكّون بِأن شوفين هو السبب في اختفاء تلك الألف عشبة نادرة قبل خروج البيضة، وهذا زاد حِقدهم عليه وبدؤوا يتوعّدونه بالعِقاب عندما يخرُجون من الحديقة.
في زاوية بعيدة.. وقف رجل أربعيني وفي يدِه حجر تصوير، استغلّ الفرصة وسجّل جميع الأحداث من البداية حيث قتل شوفين قرابة عشرين مُقاتِل بِدمٍ بارِد، وبعدها خرج المخلوق الغريب وقام بِما قام به من خراب، ابتسم وقال بِسعادة
"شوفين.. هذه نهايتُك، دعني أرى ما الذي ستفعله عندما أقوم بِنشر هذا على كِبار العشائر"
كان هذا الأربعيني هو سكدير الذي دخل الكهف في دولة روسكيا، كان قد سمع اسم شوفين خارج الحديقة ثم دخل مع مجموعتِه وصادف الحادِثة، ومع أنه يُكنّ الحِقد لِشوفين إلا أنه سيكون أكثر سعادة عندما يصير شوفين مُطارَداً في أرض الخور والأراضي المُجاوِرة.
أخذ شوفين الاثنَين معه وكان وجهُه أسوداً بِسبب خروج البيضة، لأنه يعلم بِأنها ستجلب عليه الكثير من المشاكِل، فهِمت سويكا حجم المشكلة أيضاً لذلك طأطأت رأسها ولم تقُل شيئاً، اتّجه شوفين نحو إحدى البوّابات وحاول فتحها فكان الأمر أسهل من المتوقّع، لوّح بِيدِه وأدخل سويكا وإينجِه إلى عالمِه الفراغي فاعتقد الجميع بإنهم قد خرجوا من البوابة، قفز مباشرة عبر البوابة وظهر في الخارِج حيث كان العديد من المُقاتلين، ورغم أنهم كانوا يرَون ما يحدُث في الداخِل إلى أنهم لم يكونوا يرَون ما يحدُث بالقرب من الحاجِز لأنه حاجز مكاني والحديقة موجودة في بُعدٍ آخر، لذلك لم يروا اختفاء سويكا وإينجِه بِسبب تشوّه منطقة التقاء المكانَين.
خرج شوفين ونظر في الأرجاء استعداداً لأي هجوم، إلا أن الجميع كانوا مُتوجّسين منه أو غير مُهتمّين به، نظر يميناً وشمالاً حتى وقعَت عينُه على مزروي وتِلميذَيه، وفي مكانٍ قريبٍ كان هناك تلميذٌ وحيد وهو الذي نجا بِطريقة ما من التضحِية، لم يهتم بهم شوفين وإنما انطلق نحو الجبال القريبة بأقصى سُرعة، وبعد وصولِه إلى أقرب جبل.. أحسّ بأن ثلاثة فِرق كانت تتبعُه، ابتسم وتوارى خلف أحد الأجراف ثم أنشأ نسخة طِبق الأصل باستخدام تقنية الألف ظل، أطلق النسخة للأمام فتبِعتها الفِرق الثلاثة مُعتقدين بأنه شوفين، وسبب تتبُّعِه كان لأنه قد حصل على عددٍ كبير من الأعشاب وسيكون الإمساك به أمراً مُفيداً لهم.
تستطيع نُسختُه الجري لِمسافة خمسة أميال إذا لم يعترِضها أحد، أما الحواجِز الطبيعية فهي تقوم بِتجاوزها بِبراعة لأنها تملِك جزءً من ذكاء صاحِبها، مرّت الفِرق الثلاثة وخرج شوفين أخيراً ثم أخرج الطيارة وركبها فطارت به نحو مكانٍ لا أحد فيه قبل أن يختار طريقاً عشوائياً، وبعد نصف ساعة كان قد ابتعد عن الحديقة بِعشرات الأميال، نزل أخيراً وغيّر طريقَه مرة أخرى حسب إشارة التوجيه الخاصة بِصلجان، وذلك لأنه بدأ يهتم بِصاحبها بعد إحساسِه السابق وكأنه يناديه عبر أداة التوجيه، وبما أن الاتجاه حيث يوجد صاحبُها ليس هناك أي عشيرة فرعية من الرمح الشمسي حسب ما قالته إكسان.. فقد زاد فضول شوفين أكثر.
استمر بِالسفر لِعدة ساعات أخرى حتى أتَته رسالة من أرفود يقول فيها بأن راموليا قد اخترقت حاجز المنصة، ابتسم لأنها لم تقضي الكثير من الوقت في اختراقه، وهذا يدل على إصرارها حتى لا تبقى في الخلف.
اختار شوفين مكاناً آمناً واختبأ تحت الأرض اعتماداً على سلاحه بِاستخدام نمط البيت الآمن، دخل بعدها إلى العالم الفراغي وكانت راموليا تتحدث مع إينجِه الذي كان حيراناً لا يدري أين هو، ابتهج عندما وصل شوفين فقال له
"ستبقى هنا مع إخوتِك حتى تُصبِح أقوى، لدينا هنا العديد من الموارِد المناسِبة لك، ستسمع إلى نصائح راموليا عندما لا أكون موجوداً"
نظر نحو راموليا وقال بابتسامة واسعة
"مبروك، لقد اخترقتِ إلى مُنتصف مستوى تهيئة الوعاء"
أومأت بِرأسها ولم تقُل شيئاً، التفت شوفين نحو إينجِه ثم أخرج قوساً وبعض الأسهُم، وكان سلاحاً سفلياً من الدرجة المرتفعة، سلّمه له وقال
"هذا سيكون سلاحَك بعد الآن"
أمسكَه إينجِه واستغرب لأنه لا يعلم شيئاً عن الرماية، إلا أن شوفين قال له
"أنت لست بشرياً وإنما من صنفٍ آخر يُعرفون باسم أطفال الغابة، أصلكم من عالمٍ مُختلِف عن هذا العالم ويسمى عالم الشجرة، بينما يسمّيه البعض شجرة العالم، حيث لديكم عالم خاص بِكم تحكمونه باندماجٍ تام مع الغِطاء النباتي، ولديكم شجرة مقدّسة تحكُم العالم بأكملِه، لذلك أخبرتُك بأن قومَك بارعون في الزراعة لأنكم تستخدِمون عنصر الخشب في التدريب، وهذا العنصر يُعطيكم خصائص شِفائية أيضاً، وتُعتبرون أطبّاء بِالفِطرة لأنكم تستطيعون عِلاج الآخرين مثلما تُعالِجون أنفُسكم"
كان الجميع يستمِعون بِشغف، وكان إينجِه أكثرهم شوقاً لِسماع المزيد، وبعد توقّف شوفين.. طرح أهم سؤال
"لماذا وُلِدتُ في هذا العالم ؟"
أومأ شوفين ثم بدأ يشرح السبب
"مع أن قومك بارِعون في القتال، إلا أنهم يحتاجون إلى المقاتلين الأقوياء خارج عالم الشجرة لِتمثيلِهم وجعل الأصناف الأخرى تُفكّر ألف مرة قبل التفكير في الإساءة إليهِم، لذلك يدفعون كميات كبيرة جداً من الموارِد للشجرة حتى تقوم بِولادة أطفالٍ عشوائيِين في العوالِم الأخرى، وبهذا سيحتكّون بالأصناف الأخرى ويتعلّمون منها ويصنعون أسماءً لهم في تلك العوالِم"
صمت قليلاً ثم أضاف
"للأسف.. تُعتبر العوالِم الأخرى خطيرة على أبناء الغابة، لذلك يُعانون من الاضطهاد ولا ينجو منهم سوى القليل بِسبب خصائص أجسادِهم الطبية والتي يتم استعمالُها لِصقل الحبوب، كما يتمّ استعبادُهم كمُعالجين شخصيّين، وطرق أخرى من الأفضل ألا تسمعها"
ابتلع إينجِه ريقَه وصمت وهو ينظر بِخوفٍ نحو سويكا وراموليا، ضحط شوفين وقال
"أنت في أمانٍ معي، لن يُؤذيك أحدٌ هنا"
شعرت راموليا بأن عليها التدخّل لِطمأنة هذا الصغير، لذلك اقتربَت منه وقالت بِلُطف
"إذا وعدَك شوفين بِشيءٍ ما فسوف يفي بِه، ليس عليك القلق أبداً"
استغرب إينجِه من لُطف راموليا التي تبدو أصغر منه، احمرّ وجهُه بالخجل وهو ينظُر إلى شعرِها الأحمر القاني وشفتَيها العسليّتَين فعبسَت في وجهِه وضربَت رأسه وهي تُعاتِبه
"ما الذي تنظر إليه ؟
لا تُفكّر في أي شيء مُنحرِف، فأنا أكبر منك بِخمسمائة عام"
خمسمائة عام ؟
ألا تعرِف هذه الصغيرة حتى كيف تكذِب ؟
ثم.. لماذا رفيقات شوفين يضرِبن رأسه دائماً ؟
ومع أن الضربة قد آلمَته إلا أنه انفجر ضاحِكاً على راموليا، ابتسم شوفين عندما رآه يضحك لأنه قد بدأ يتأقلم، وهذا سيجعلُه يُسيطِر عليه قريباً حتى بدون عقد العبودية.
--------------
سؤال الفصل:
تقريباً.. سيكون إينجِه آخر عضوٍ من فريق شوفين، وربما يُغادِر بعضُهم يوماً ما، في رأيِك.. من هُم الأعضاء الذين لا يُناسبون فريق شوفين ؟