بعد أسبوعَين من اختراق شوفين إلى المرحلة المتوسطة من مستوى تألّق الطاقة الخارجية.. خرج هو وزِنهار من الخزانة وتركاها فارِغة لأن زِنهار قد أخذ جميع كنوزِه في أدوات التخزين، وقد أعطى كمية أخرى من الأغراض لِشوفين كعربون شكرٍ له على إنقاذِه، قام شوفين خلال الأسبوعَين الفارِطَين بِتعزيز تدريبِه وصار يستطيع الآن تحويل الطاقة الخارجية إلى عنصرَي النور والظلام، وهذا جعل زِنهار يستغرِب أكثر لِأنه لم يسبِق له السماع عن مستخدمي النور والظلام.
تعافى زِنهار أيضاً في هذَين الأسبوعَين واستعاد جزءً كبيراً من قوّتِه، إلا أنه قرّر تأجيل استعادة عشيرتِه إلى ما بعد شهرَين أو ثلاثة، أي حتى يستعيد قوتَه كامِلة، وبِسبب هذا.. اقترَح شوفين قائلاً
"أنا بِحاجة إلى القتال مع شخص قوي لِتثبيت تدريبِي، وأنت أيضاً لم تُقاتِل منذ عقود، لذلك سيكون من الجيد أن نتقاتل في البرّية"
ضحك زِنهار عالياً ثم قال
"بالتأكيد.. سأقوم بِخفض مستوى تدريبي حتى لا أؤذيك"
ابتسم شوفين وقال له
"بِقوّتِك الحالية.. من الأفضل ألا تخفِض مستوى تدريبِك"
ابتسم زِنهار ولم يقُل شيئاً، لكنه لم يُعجِبه غرور شوفين الذي لم يدخُل حتى مستوى تألّق الطاقة البدائية.
بعد ساعة.. وصل الإثنان إلى سهول قاحِلة تُحيط بِها الجِبال، نزلا من الطيّارة وتجهّزا للقتال، استعدّ زِنهار ثم قال
"أخرِج سِلاحك"
تقدّم شوفين واضِعاً يدَيه خلف ظهرِه وقال بِغرور
"لا أريد إيذاءَك"
ضحِك زِنهار عالياً وقرّر أن يبدأ القِتال قبل أن يغضَب بِسبب غرور شوفين، أطلق هالتَه بعد أن كبح تدريبَه إلى مرحلة التألق حتى لا يؤذي شوفين، ابتسم بِبهجة وصرخ
"اِحذر.. سأهجم عليك"
انقض بعدها مباشرة على شوفين واستخدم القوة الجسدية بدل الطاقة، وقبل أن يصِل إليه.. أتَت لكمةٌ قوية من الجانِب وضربتهُ بِقوّة على الوجه، انحرَف جسدُه لليسار وسقط بعيداً دون أن يعلم ما الذي حدَث، فشوفين لا يزال يُمسِك يدَيه خلف ظهرِه، والذي أصابه يُشبِه قبضة معدنِية، لكنه لم يستطِع الشعور بها أو رؤيتها، قام عابساً وانقض مرة أخرى للأمام وكان مُنتبِهاً حتى يُدرِك مصدر الهجوم، لكن.. وقبل أن يصِل إلى شوفين.. ضربته العديد من القبضات، قُذِف مرة أخرى بعيداً، وقبل أن يقوم.. سقطَت عليه العديد من الضربات من كل جانِب.
استخدم طاقتَه أخيراً لِحماية نفسِه ثم نظر نحو شوفين وصرخ
"المجال.. كيف هذا ؟"
كان هذا لأن شوفين صار يستخدِم مجال النور المظلم المُزيّف بِشكلٍ أقوى بِكثير من السابق ويصِل قُطره إلى أكثر من مائتَي متر، أما خيوط النور والظلام فقد صار عددُها أكبر من أن يحصى، لذلك صار شوفين يستخدِمها مجموعةً مثل الأذرع والقبضات، وبالتأكيد يستطيع جعلَها حادة مثل السكاكين.
علِم زنهار بِأنه لا يُمكن الحكم على شوفين باستخدام المنطق، لذلك قال
"أنا أعتذر منك لأني قلّلت من شأنك، سأهجُم بقوة أكبر هذه المرة"
ومع أنه قال هذا إلا أنه لا يزال يكبح قوّته، اعتمد على درع الطاقة وكان نافعاً أمام قبضات النور من مجال شوفين، لكن الهجوم تغيّر فجأة وبدأت أذرع النور تحيط زِنهار وتُقيّد حركتَه، وهذا وضعَه في موقف غير مواتٍ، ما جعلَه يرفع من طاقته أكثر من السابق.
توالَت الجولات بين الاثنين وكان لِشوفين اليد العليا، وأخيراً.. قال زنهار
"أنا أخسَر هنا، لذلك سأستخدم بعض الهجمات بعيدة المدى، هل هذا جيد ؟"
قال شوفين
"سأكون جيداً ما لم تستخدِم مجالَك الخاص"
ضحِك زِنهار ثم شكّل كرة من النار الحمراء وبدأت العديد من الكرات تخرُج منها وتهجُم على شوفين، إلا أن جميع الكرات كانت تَنطفئ عندما تلتقي بِحواجِز غير مرئية قبل أن تصِل إلى شوفين، زاد زِنهار من حدّة الهجمات فأجبر شوفين على الحركة من مكانِه لأول مرة، وهذا جعله يضحك عالياً ويزيد من هجماتِه، ودون أن يُدرِك.. كان قد بدأ يستمتِع بهذه المعركة رغم بساطتِها.
في آخر النهار.. كان الإثنان قد استخدما العديد من الطرق للقتال، وبدأ شوفين يتطوّر بِسبب الضغط الناتِج من القتال مع شخص قوي، وكان زِنهار أيضاً يستعيد عافيتَه وأحاسيس المعركة التي كانت راكدة لِوقتٍ طويل، وفي هذه اللحظة.. قال شوفين
"أريد معركة جسدية، أنا أتدرّب على تقنية نادرة ولم أُفلِح في تفعيل أحد خصائصِها، لذلك أريد منك أن تقسو عليّ في القتال وكأنك ترغب في قتلي، اممممم، حسناً.. سأكون شاكراً إذا لم تستهدِف رأسي وقلبي"
كان شوفين قد استخدم وصفة دمعة الحب، واستفاد من الوصفة من ناحِية عِلاج الإصابات، لكنّه لم يُفلِح في تفعيل نمط الجسد الهُلامي الخاص بتقنية الجسد الخالِد، لذلك قرّر أن يُجرّب قتالاً حقيقياً لعلّه يستطيع تفعيلها ولو لِمرّة واحدة على الأقل.
فهِم زِنهار ما يعنيه شوفين وقرّر تلبية رغبتِه في قتالٍ يعتمِد على القوة الجسدية، وبدون مُقدّمات.. انقض على شوفين ووَجّه له ضربة قوية إلى بطنِه وقذفَه بعيداً حتى اصطدم بِبعض الصخور، عبس زِنهار واعتقد بأنه كان قاسياً عليه، إلا أن شوفين قد قفز من الحُطام في أقل من ثانية واحدة، اندفع نحو زِنهار واستخدم تقنية الألف ظل حتى يُحفّز زِنهار على القتال، استخدم نُسختَين حقيقيتَين وانقض بهِما على زِنهار مع جسدِه من ثلاث محاوِر، عبس زِنهار لأنه لم يستطِع اكتشاف الفرق بين الثلاثة، لذلك استخدم هجوماً كاسحاً وقذف الثلاثة بعيداً، اختفَت النسختان وتقطّعت ملابِس شوفين دون أن يُصاب بِأذى.
عبس زِنهار وقال
"تملِك جسداً قوياً، فما هي هذه التقنية التي تُريد تفعيلَها ؟"
قال شوفين
"لن تظهَر التقنية حتى تُكسَر صلابة جسدي، كُن أقسى من السابِق وسنرى"
أومأ زِنهار وزاد قوّته، إلا أن الجسد الخالِد تقنيةٌ قوية حقاً، ونمطُ الجسد المعدني لا يُمكِن إيجادُ مِثلها بين تقنيات تصليب الجسد رغم أنها لا تؤثر على صلابة الجلد ولا تقوم بِإبراز العضلات مثل غيرها من التقنيات، استمر القِتال حتى عبس زِنهار وشعَر بِأن هذه التقنية مُستفزّة حقاً، لذلك زاد قوّته أكبر من اللازِم وسدّد ضربة قوية نحو كتِف شوفين.
اصطدمت قبضة زِنهار بِكتِف شوفين بقوّة كبيرة ورسمَت حولها دوائر الهواء، وفي هذا الجزء من الثانية.. تغيّرت ملامِح زِنهار وظنّ بأنه قد فتَك بِشوفين لأن قبضتَه قد اخترقَت كتِفه، ارتعب واستدار للاطمئنان على حالِه، إلا أنه لاحظ ابتسامة غريبة على وجه شوفين، بل وبدأ يضحك ويُهمهِم في نفس الوقت بسعادة كبيرة، تقدّم إليه وتصفّح كتِفَه إلا أنها كانت بِخير، وهذا جعلَه يُشكّك في نظرِه، لكنّه أدرَك بأنه لم يتخيّل ما رآه لأن ثِياب شوفين كانت مُمزّقة كلياً على مُستوى كتِفه الأيمن، ما يعني بأن ضربتَه قد اخترقَت جسد شوفين حقاً، لكن.. ما الذي حدث بِحقّ الخالق العظيم ؟
واصل شوفين ضحكتَه المكتومة لِبضع ثوانٍ قبل أن يجلِس ويُغلِق عينَيه، أدرك زِنهار بأنه قد تعلّم شيئاً ما ويُريد إدراكه ودِراسته، لذلك استدار وابتعد عنه، وفي هذه اللحظة.. كان شوفين يدرُس ما حدث حيث تحوّل كتِفُه إلى هُلام ومرّت قبضة زِنهار عبرَها، وفي نفس الوقت.. خسِر شوفين حوالي عشرةً في المائة من طاقتِه الداخلية، لكنّه استطاع تعويضها بالطاقة الخارجية رغم أن هذه تقنية من مستوى تألّق الطاقة البدائية، لكن شوفين لم يكُن فقط سعيداً بِتفعيل الجسد الهُلامي لِأول مرة وإنما كان يدرُس كيفية تفعيلِه كلما أراد.
استمرّت دِراسته للحدث إلا أن فترة تغيّر جسدِه إلى هلام كانت قصيرة وسريعة، كما أنه لم يكُن مُنتبِها جيداً لأنها أول مرة، لذلك أنهى تأمّله بعد بِضع ساعات وذهب إلى زِنهار، استقبله زِنهار وقال
"لا زِلت أفكر فيما حدث في آخر قتال، أي نوعٍ من التقنيات كانت تلك ؟"
ابتسم شوفين وقال
"هي تقنية تقوم بِتحويل الجسد إلى مادة هلامية يمرّ الهجوم من خِلالها، للأسف أنك لا تستطيع التدرّب عليها، ليس أنت فقط وإنما قد أكون الوحيد الذي يستطيع التدرّب عليها بِسبب بعض الظروف الخاصة"
فهِم شوفين بأن زِنهار سيُغرم بِتقنية الجسد الخالد، لذلك شرح له الأمر مباشرة، طأطأ زِنهار رأسه وأصابته خيبة أمل، ابتسم شوفين وقال له
"لا تقلق يا زِنهار، رافِقني جيداً خلال إقامتي في المنطقة الشرقية، وقبل مُغادرتي سأُمرّر لك تقنية ملكية ستجعلك تخترِق نحو مرحلة الفراغ خلال أقل من عشر سنوات"
اتّسعَت عينا زِنهار عندما سمِع ما قالَه، لم يشكّ في أنه يخدعُه لأن شوفين قد أظهر ثلاث تقنيات أسطورية لم يسمع عن مثيلها من قبل، لذلك قرّر الإحسان إليه بِأفضل الطّرق، ليس فقط لأجل التقنية وإنما لأن شوفين كان يبدو حكيماً ويُعطيه بعض النصائح القيمة من وقتٍ لآخر والتي جعلَته مثل التلميذ الصغير أمامه، وإذا أعطاه تقنية قوية تجعلُه يخترِق إلى مرحلة الفراغ فسيكون مُمكِناً له المغادرة نحو العوالِم الخارجية، أو البقاء في القارة لِيحكُمها ولن يجِد أي مُنافسين.
في العادة.. يجب على المتدرّب أن يكون في مرحلة الفراغ حتى يستطيع السفر بين العوالِم، لكن شوفين لا يُخطّط لِقضاء الكثير من الوقت في هذا العالم المُتدنّي، لذلك سيبحث عن طريقةٍ بديلة للخروج نحو عوالِم أعلى، هذا إذا لم يصِل إلى مرحلة الفراغ خلال سنة أو سنتَين.
استمر الإثنان في القتال بِشدّة وقسوة فتكرّر ظهور الجسد الهُلامي بِضع مرّات بينما فشِل في الظهور لأغلب الضربات، شعر زِنهار بأن جسد شوفين قد بدأ يستحمِل الضربات التي لم يكُن يستحمِلها من قبل، لذلك زاد من قوّتِه أكثر من السابق، وكلّما نجح في اختراق الجسد الهُلامي.. كان شوفين يتوقّف للتأمّل، وبعد مرور أكثر من أسبوع من القتالات الجسدية.. قام شوفين مِن تأمّلِه وابتسم بِسعادة ثم رفع يده وضخّ إليها طاقة مُعيّنة، وفجأة.. تحوّلت إلى مادة هلامية يُمكِن للأجسام المرور عبرها، لكنها كانت تستهلِك الكثير من الطاقة ولا يُمكِن المحافظة عليها طويلاً.
كان زِنهار يُراقِب ما يفعله شوفين، وبسبب الفضول.. سأله
"هل كان من الضروري أن يُسيطِر عليها رغم أنها تعمل جيداً في حِمايتِك عندما يشتدّ الهجوم ؟"
أخرج شوفين سكيناً وقال
"سنرى الآن إذا كان تعبي يستحقّ أم لا"
--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. لماذا قام شوفين بِكل هذا العناء للتحكّم في الجسد الهُلامي ؟