"سنرى الآن إذا كان تعبي يستحقّ أم لا"

أمسك شوفين السكين بعد تصريحِه السابق ثم جرح بها يده وكانت قد عادت إلى طبيعتِها، تناثرت الدماء من الجرح ولم يستخدِم الطاقة لِمنع الدماء من الخروج، ركّز تقنية الجسد الهلامي على منطقة الجرح فقط فبدأ يتحوّل إلى مادة هلامية، ولأن جسدَه قد تمّت مُعالجتُه بِدمعة الحب فقد سارعَت مادة الخشب إلى عِلاج الجرح، وﻷنه هلام وليس لحماً صلباً فقد كان العلاج أسهل بِكثير، واستغرقت العملية بأكملِها حوالي ثلاث ثوانٍ ولم تستنزِف سوى القليل من الطاقة.

سقط فكّ زِنهار تقريباً عندما رأى تعافي الجرح بِسرعة كبيرة، لأن هذه الميزة ستكون ورقة رابحة إذا تمّ تطويرها، فالجروح والإصابات الدامِية عاملٌ مهم في خسارة النزالات، وشوفين لديه الجسد الهلامي الذي يحمِيه من الإصابات، والآن لديه تقنية عِلاج فورية، ناهيك عن تقنياتِه الغريبة.

قضى شوفين ثلاثة أيام أخرى يجرح نفسه ويُشفي الجروح حتى تعوّد جسدُه على الأمر وصار يُشفي الجرح حتى دون انتباه شوفين، وذلك اعتماداً على القوة الروحية التي تعمل على الدوام حتى إن كان الشخص مغمياً عليه أو نائماً، لذلك ازداد أمانُه الشخصي في المعارِك كثيراً.

مرّت الأيام بِسرعة وكان الاثنان قد بقِيا في البرية لِأكثر من شهرَين، اقترَح زِنهار أن يعودا إلى العشائر ويستكشِفا ما يحدُث قبل أن يبدآ البحث عن الخائِن، وافقه شوفين على اقتِراحِه لأن زِنهار كان قد استعاد تدريبَه وقوّته السابقة، لكنّه كان لديه طلبٌ أخير حيث قال

"أريد مِنك معركة أخيرة، سأستخدم سِلاحي وأنت تستطيع استخدام ما شئت، أنصحك باستخدام المجال لأني لن أكون لطيفاً"

أومأ زِنهار ولم يعُد ينتقِص من قدرات شوفين بعد كل ما رآه منه، أخرج شوفين سلاحه وحوّله إلى عجلة التدمير، ابتسم وصرخ

"استعدّ جيداً لأن هجماتي قد تكون خطيرة"

أطلق العجلة فقام زِنهار بإخراج سيفٍ غليظ وكان سلاحاً ملكياً مُرتفِعاً، استعدّ لِضرب العجلة بالسيف حتى يرميها بعيداً، إلا أن العجلة اختفَت فجأة وظهرت خلف رأسِه، شعر بالبرودة قبل أن ينحني ويتفادى العجلة التي كادت تأخذ حياته، أدرك بأن شوفين لم يكُن يمزح عندما قام بِتحذيره، وكان ما فعله شوفين هو تخزين العجلة وهي تدور ثم أطلَقها خلف رأسِه، وهذا سيجعل أي مُحارِب في وضعٍ عصيب.

أطلق زِنهار مجاله مباشرة وكان عبارة عن عالمٍ من النيران الحمراء، بدأت هجمات النيران بالتأثير على عجلة التدمير إلا أنها مع ذلك كانت تختفي وتظهر مِن جِهاتٍ حساسة، وفي كل مرة كان زِنهار يشعُر بِالبرودة بِسبب الهجمات الخادِعة، ولولا أن مجاله كان يؤثر على سرعة العجلة ويُساعِد على رصد مكانِها لكان التنبّؤ بِها صعباً.

استمرّت هجمات عجلة التدمير قبل أن يبدأ شوفين هجماتٍ أخرى عبر خيوط النور، وكانت تقوم بِإزعاج زِنهار مثلما يفعل الذباب بِالشخص الكسول، وبعد عدّة جولات.. غضِب زِنهار واستهدف شوفين الذي كان واقفاً في مكانٍ بعيد، عبس شوفين وشعر بالخطر لذلك استخدم تقنية الألف ظل وتراجع بسرعة للخلف قبل أن يستعيد سلاحَه ويحمي نفسه باستخدام نمط الغرفة الآمنة، وبعد مرور الهجمة.. ابتسم بِحرجٍ وقال

"شكراً لك، لكني لا أزال بعيداً عن القتال ضد متدرّبي مرحلة المجال"

أومأ زِنهار بِرأسه وقال بِنبرة جادة

"ومع ذلك.. لا أتمنى أن ألتقي بعدوٍّ مثلِك"

قالها من قلبِه وليس مجرّد مديح، وذلك لأن شوفين قد لا يستطيع القتال ضده مباشرة إلا أنه يستطيع اغتياله على حين غرّة، ويستطيع الهرب منه أيضاً عبر الطيارة مثلاً ما لم يكُن لديه هو أيضاً كنزٌ طائر، وكل هذا وشوفين في الخامسة عشر من عمره، فكيف إذا انتظر لِبضع سنوات أخرى ؟

في هذه اللحظة.. ابتسم شوفين لأنه شعر بِبعض التغيّرات في طاقتِه الخارجية، رفع يده وجمع كمية من الطاقة حولها ثم بدأ يقوم بِتركيزها، وفجأة.. بدأت تتحوّل إلى مادة لزِجة تقريباً، وكانت هذه علامة على قُرب الاختراق إلى أعلى مرحلة من مستوى تألّق الطاقة الخارجية، وهي مرحلة تحويل الطاقة الخارجية.

فتح زِنهار فمَه وهو ينظُر إليه لِأن شوفين لم يمضِ أكثر من شهرين على اختِراقه المزدوج، والآن يقترِب من الاختراق مرة أخرى ؟

في العادة.. قد يبقى المتدرب في مرحلة واحدة للعديد من السنوات، وذلك لأن الاختراق لا يعتمِد على القوة وكمية الطاقة فقط وإنما يعتمد في أيضاً على الفهم، وشوفين لديه خبرة قديمة ويعرِف ما هي الطاقة الخارجية والطاقة البدائية، لذلك لا يحتاج إلى الانتظار إلى العديد من السنين حتى يفهم المرحلة التالية، وإنما يحتاج فقط إلى الموارِد وبعض الممارسة.

عبس زِنهار وبدأ يتيقّن بأن شوفين وحشٌ قديم، وإلا فكيف يعرِض مهاراتٍ من مستوى تألّق الطاقة البدائية وأخرى من مرحلة المجال ؟

غادر الاثنان بعد الاستحمام في نهر صغير وتغيِير ملابسِهما، قرّر زِنهار أن يلبِس رِداءً مع قلنسوة حتى لا يتعرّف عليه أحد لأنه يرغب بالاستكشاف فقط، وعند اقتِرابهما من إحدى العشائر الصغيرة.. قرّر شوفين بأنه سيكون جيداً أن يُخرِج رِفاقه الكسالى لِتجربة ضغوط الحياة، لكنّه لن يُخرِج الجميع لأنه كان يُراقِبهم ويعلم حالتهم، حيث كان تقدّم صلجان جيداً على مستوى إيقاظ المهارة، إلا أنه لا يُريد إخراجها الآن، وإينجِه كان لا يزال أيضاً يتعلّم تقنية الشجرة للتحكم في عنصر الخشب ولم يتدرّب على القوس بعد.

كان ريكو قد اخترق قبل أيام إلى المرحلة المتوسطة من مستوى تقوية الروح، وقد استخدم حيلة ما ودخل من حاجِز المنصة أيضاً، أما راموليا فهي تتقدّم بِسرعة نحو قمّة مستوى تهيئة الوعاء بينما كانت سويكا تستطيع تحريك عشرة أشعة من عشرة أماكِن على جسدِها إلى عشرة أماكن أخرى، لذلك قرّر شوفين إخراج هؤلاء الثلاثة لِتجربة مهاراتِهم الجديدة في أرض الواقع.

أحسّ زِنهار بِبعض الاضطراب في الفضاء فعبس وتلعثم صائحاً

"الفراغ.. أنت تستخدِم.. أنت.. ماذا تكون بالضبط ؟"

ابتسم شوفين وقال

"سأُخرِج بعض رِفاقي لِتجربة الحياة القاسية"

فجأة.. ظهرت فتاتان وقِرد، تغيّرت ملامِح زِنهار عندما رآهم وفهِم بأن شوفين يملِك عالمه الخاص، لأن هذا لم يكُن مُجرّد مهارة مكانية وإنما أكثر تعقيداً من ذلك، ومع أن زِنهار لم يرَ في حياتِه متدرباً من مرحلة الفراغ إلا أنه قد قرأ الكثير عن هذه المرحلة التي تُعتبر حُلماً في هذه القارة.

خرج الثلاثة وكان شوفين قد طلب منهم الاستعداد للخروج عبر التخاطر، نظر الجميع نحو زِنهار فقال شوفين

"لا تهتمّوا به، إنه مجرد رفيقٍ مؤقت"

تفحّص زِنهار الثلاثة وأعرب عن اندهاشِه، خاصة راموليا ذات الإحدى عشر عاماً أو أقل وقد وصلت تقريباً إلى قمّة مستوى تهيئة الوعاء، ابتسم زِنهار عندما فحص الجميع ثم أخرج بعض الأغراض القيّمة وقال

"هذه هدية لِقائنا، أتمنى أن تقبلوها"

وقبل أن يستلموا هداياهم.. لوّح شوفين بِيده وخزّنها وهو يقول

"لا تُدلّلهم يا رفيق، فنحن ذاهبون للقتال"

عبس ريكو وبدأ باللعن بينما كانت ملامِح راموليا جليدية، أما سويكا فكتَمت ضحكتها ولم تقُل شيئاً لأنها تثق ثقة عمياء في شوفين.

تقدّمت المجموعة حتى وصلَت إلى مشارف العشيرة الصغيرة فوقف شوفين أمام رفاقه وقال

"سنتجول قليلاً عبر مجموعة من العشائر لِجمع المعلومات، تصرفوا بِحذر لأننا لا نريد لفتَ الانتباه"

أومأ الجميع بالموافقة وتقدموا إلى البوابة، وقبل الوصول.. تقدم حارسان وقال أحدهما

"من أنتم، وما شأنكم في عشيرة الرمح المكسور ؟"

كانت هذه إحدى العشائر الضعيفة المنبثقة عن عشيرة الرمح الشمسي، نظر إليهم زنهار من تحت القلنسوة بنوع من الغضب، لكنه لم يكشف عن نية القتل لأنهم قومُه في الأصل، ولِحسن الحظ أنه لا يوجد من يستطيع استشعار قوته الحقيقية حيث يستطيع صاحب التدريب الأعلى إخفاء تدريبِه على من تحتَه، وهذا مُختلف عن مهارة شوفين في إخفاء تدريبِه على من هم أعلى تدريباً منه.

قال شوفين للحراس

"نحن مجموعة مسافرين، نريد البقاء في عشيرتكم لبعض الوقت لتجديد احتياجاتنا من السوق"

قال هذا ثم أخرج بضعة أحجار حمراء وقدمها له، أمسك الحارس الأحجار بِسعادة قبل أن يسمح لهم بالدخول، لكن.. وفي هذه اللحظة.. صرخ أحد الحراس من الخلف

"شوفين.. إنه شوفين"

كان يصرخ وهو يشير إلى الجدار المليء بصور المجرمين، ضحِكت راموليا وسخِرت من شوفين

"هل هذا هو ما تُسمّيه التصرف بِحذر ؟"

صرخ قائد الحراس

"أخبِروا الشيوخ ... لا تدَعوه يهرب"

عبس شوفين ثم نظر نحو زِنهار وقال عبر التخاطر

"يبدو أننا لا نستطيع جمع المعلومات بِهدوء، لكن.. مهما حدث، لا تُظهِر نفسك أو قوّتك الحقيقية"

ارتجف زِنهار عندما سمِع صوت شوفين في عقلِه، فحتى هو لا يستطيع استخدام التخاطُر مع الجميع، والتخاطر الذي تحدّث به مع شوفين عندما كان محبوساً كان باستخدام أداة التواصل الخاصة بِصلجان.

أومأ زِنهار بِرأسه ولم يقُل شيئاً، وفي هذه اللحظة.. كان الحراس يُحيطون المجموعة مِن كل جانِب، ابتسَم شوفين من المنظر وقال لرِفاقه عبر التخاطر

"استعدّوا للقتال، لا يوجد هربٌ اليوم لِأننا سنحتلّ هذه العشيرة"

ارتجفَت راموليا وريكو ونظرا إليه في الوقت نفسِه، أما سويكا فابتسمت ولم تهتم، لأن شوفين إذا قال أنه سيفعل شيئاً فسيفعله بالتأكيد.

كان الحراس خائفين كثيراً من شوفين لأنهم سمعوا عن قوتِه، لذلك لم يقتربوا منه وإنما انتظروا قدوم الشيوخ ورئيس العشيرة، لوى شوفين فمه ثم تقدّم نحو البوابة فبدأ الحراس بالتراجع، وقبل أن يصِل إليها..

بووووووم~

انفجرت البوابة خلف الحراس وظهر ثقبٌ واسع في الجدار، ضحِك شوفين وصاح بِقوّة

"أنا أطلب الضيافة من كِبار العشيرة، هل ستخرجون أم آتي إليكم بِنفسي ؟"

--------------
سؤال الفصل:
آخر جملة في الفصل، في رأيك.. هل هذه شجاعة من شوفين لأن معه زِنهار أم أنه يستطيع قَهر العشيرة حتى وإن كان لِوحدِه ؟

2020/01/22 · 582 مشاهدة · 1391 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024