84 - متاعِب فوق التلال

بعد ثلاثة أيام.. كان رِفاق شوفين قد خاضوا أكثر من خمسين قِتالاً لكل واحدٍ منهم، ربِحت سويكا خمسة وثلاثين قتالاً وراموليا سبعة عشر، أما ريكو فلَم يربَح أي قِتال، وهذا جعلَه حزيناً جداً، خاصة أن سويكا هي الأقوى في القتال بينما هي الأضعف في التدريب.

كانت سويكا بِنفسها مُستغربة من قوّتِها، وعلِمت بأن تدريبَها على تحريك طاقة "الصف الراقص" على جسدِها هو سبب تقدّمها، وهذا كله فقط بِتحريك عشرة صفوف، فماذا سيحدُث عندما تقوم بِتحريك مائة صف كما طلب منها شوفين ؟

ازدادَت مهارة ريكو وراموليا أيضاً أثناء القتال، لكنهما كانا غيورَين من سويكا، فرَغم أنها قد هُزِمَت أكثر من خمسة عشر مرّة بِسبب دهاء خصومِها وقلة خِبرتِها.. إلا أنها لا تزال أكثرَهم قوة رغم أنها الأضعف والأقل خِبرة، ما يعني بأن عليهِما إعادة تقيِيم نفسَيهِما حتى لا يتجاوزهما إينجِه أيضاً لأنه محبوب عند شوفين ولا أحد يعلَم ما الذي سيُدرّبه عليه في المُستقبل.

لم يكُن ريكو بمِثل دهاء راموليا، لذلك قرّرت إفهامَه لأنه تلميذُها قبل كل شيء، لذلك شرَحت له بأن عليه تغيِير تعامُلِه مع شوفين وأن يُقلّل من السب والشتم على كل قرارٍ يتّخِذه، فالسياسة هي التي تقود الأمم وليس القوة فقط، حينها.. اعترف لها ريكو بأن شوفين قد أعطاه خطة مُستقبلية ستجعله أقوى، ومع أنه لم يتحدّث عن مهارتِه الفطرية وإمكانية تحوّلِه إلى الشكل البشري.. إلا أنها قد أحسّت بِالضغط على قلبِها لأنها كانت الوحيدة المُتضرّرة بعد حادِثة صقل الطفل حديث الولادة، ما يعني بأن انتفاضتها في ذلك الوقت قد جعلتها المتضرّرة الوحيدة تقريباً لأنها الأكبر في الفريق والأكثر عقلانية، وحتى وإن سامح شوفين غيرَها فسيكون من الصعب مُسامحتُها ما لم تتّخِذ خطوة جريئة للمُصالحة معه.

في بداية اليوم الثالث.. بدأت تصِل الوفود من العشائر تحت قِيادة رؤسائها، وبدؤوا يدفعون الجِزية المفروضة ويتفاخرون بِها على بعضِهم البعض، قبِل شوفين الولاء والهدايا من الجميع وسأل عن العشائر التي لم تأتِ بعد حتى يقوم بزِيارتِها، إلا أن جميع عشائر المنطقة الشرقية قد أتَت مهما كانت قوية أو ضعيفة، وذلك لأنهم يعلمون ما يعنيه أن تكون أمام شخصٍ من مرحلة المجال، وهذا ما أحسوا به بِمجرد الوصول حيث كان شوفين قد طلب من زِنهار ألا يُخفي تدريبَه، وعندما رأوا أن شوفين ليس هو الأقوى.. بدؤوا يفكّرون في أنه ربما قد يكون أحد أبناء العشائر القوية في وسط القارة، وجاء للاستمتاع تحت حِراسة شخصٍ قوي في مرحلة المجال، وهذا من سوء حظّهم وليس عليهم سوى الصبر لعله يُغادِر قريباً ولا يطلب المزيد.

استمرّت القتالات على المنصة لِيومَين آخرَين حتى وصلَت جميع العشائر، وجمع شوفين جِبالاً من الكنوز وكان فيها عشرات من الأغراض النادرة والآلاف من الكنوز الثمينة، ناهيك عن كميات ضخمة من الحجارة البرتقالية، وهذا جعل خِزانته داخل عالمه الفراغي تستعيد رونَقها القديم، وعندما انتهى من الجميع.. سأل رئيس عشيرة الرمح الناصع عن الوريد الروحي فقال له

"يوجد في منطقة حدودية بين المنطقة الشرقية والمنطقة الداخلية للقارة، ومع أنها منطقة فارغة فقد تعتبِرها بعض العشائر الداخلية مِلكاً لها، لذلك سيكون علينا العمل عليه بِسرّية قبل أن ينتبِه إلينا أحد"

أومأ شوفين نحوَه ثم قال

"سأغادِر إليه خلال يومَين، كيف يُمكِنني إيجادُه ؟"

قال الرئيس بينما يُخرِج قطعة معدنية تُشبِه القطعة التي استخدمها شوفين للوصول إلى زِنهار، سلّمها لِشوفين وهو يقول

"هذه أداة توجيه إلى حيث يوجد الوريد الروحي"

أمسكها شوفين وقال

"أتمنى أنكم لا تلعبون معي، وإلا فلَن أكتفي بِأخذ وريدِكم الروحي فقط"

سارَع الرئيس لإخبارِه بِأنه لا يجرؤ على الخِداع في حضرتِه وأمطَره بِعبارات المدح والثناء، عبس شوفين في وجهِه ثم سأله

"لماذا لم يأتِ سفيار لِتقديم التحية ؟"

ارتجف الرئيس ثم قال

"المبجل سفيار ليس هنا، لقد ذهب إلى المناطق الداخلية مباشرة بعد اختِراقِه، أخبرَنا بِأنه سيبحث عن أبيه المبجّل الشمسي الذي غاب منذ أكثر من سبعين سنة"

ابتسم شوفين عندما سمِع عن حجّتِه، يبدو بأنه شخصٌ ذكي ولديه طموح كبير لأنه ذهب إلى وسط القارة مباشرة بعد اختِراقِه ولم يبقَ لِحكم المنطقة الشرقية، أما زِنهار فقد كان يُصارِع نفسَه حتى لا يُظهِر غضبه، لأنه لا يُريد أن يكشِف حقيقتَه حتى يُفاجِئ عدوّه اللئيم.

في اليوم التالي.. غادر الجميع وبقي شوفين ورِفاقُه فقط، قال شوفين للثلاثة

"ما فعلتموه كان جيداً، على الأقل.. لم تُخزوني أمامهم"

ابتسمَت سويكا بِسعادة بينما طأطأت راموليا رأسها، أما ريكو فقد كان وجهُه أسوداً من الغضب والخجل لأنه لم يربَح ولا معركة واحدة، فرك شوفين رأس ريكو الذي كان يقف على كتِف راموليا، رفع ريكو رأسه واستغرب من لُطف شوفين، ابتسم شوفين وقال

"ثِق بي يا ريكو، أنت ستكون الأقوى بين الجميع خلال خمس سنوات من الآن، فقط اتّبِع إرشاداتي ولا تتكاسَل في التدريب"

ابتهج ريكو قليلاً وبدأ يسترجع آماله، نظر شوفين بعدها نحو راموليا وهزّ رأسه جانبياً ثم قال

"للأسف.. خاب أملي فيك يا راموليا"

قال هذا ثم استدار وجذب إليه سويكا وبدأ يُمازِحها ويضحك معها، اسودّ وجه راموليا واغرَورقت عيناها بِسبب كلِماتِه القاسية، وهذا يعني بِأن شوفين قد بدأ يراها عبئاً عليه بعد أن صرَف عليها الكثير من الموارِد، استدارَت وذهبَت إلى مكانٍ بعيد ثم جلسَت على الأرض، فجأة.. أحسّت بظِلٍّ كبير يُحيطها فرفعَت رأسها ورأت زِنهار يقترِب منها، وصل إليها وقال

"لا تحزني يا صغيرة، فهو يُريد تشجيعك فقط وليس يتخاصم معك، لكنه لا يعلم كيف يتصرّف مع الصغار، ستفهمين قسوتَه عندما تكبُرين، لذلك لا تهتمي الآن بِما يقوله، فقط تدرّبي جيداً وقلّلي من فترة اللعِب و ..."

بدأ يتحدّث معها بِنبرة طفولية وكأنه جدٌّ يتحدّث مع حفيدتِه، وفجأة.. توقّف عندما سمِع صوت شوفين عبر التخاطُر حيث قال له

"إنها ليست طفلة صغيرة، عُمرها أكثر من 500 عام"

تصلّب مكانه قليلاً قبل أن تستدير ويُغادِر دون إكمال حديثِه، استغربَت راموليا ونظرَت خلفَها فرأت شوفين يضحَك عليها، لم تعلم ما الذي قالَه أو فعله، لكن الرسالة قد وصلتها وفهِمتها جيداً، وهي أنها لن تكون مرتاحة بعد أن عارضَت شوفين، بِسبب هذا.. بدأت تُفكّر في تَرك الفريق، لكن تركَهم الآن سيكون قاسياً عليها حيث ليس لديها أي حلفاء في المنطقة، خاصة بعد أن رأتها جميع العشائر مع شوفين، وعليها الانتظار لِعشر سنوات حتى تُفتح البوابة إذا أرادَت الرجوع إلى عشيرة القمر الأحمر، لكن.. هل تستطيع المغادرة بعد أن رأت معنى التدريب الحقيقي ؟

وهل ستجِد من يستطيع رفع تدريبها بسرعةٍ مثلما فعل شوفين ؟

كل هذه الأسئلة جعلَتها بين خِيارَين قاسِيَين، وما عليها سوى أن تختار أحد الخِيارَين وتتحمّل المسؤولية.

بعد ساعات.. قام شوفين بإدخال الثلاثة إلى العالم الفراغي ثم سأل زنهار

"ما الذي ستفعله الآن ؟"

قال مباشرة

"إذا كُنتَ ستذهب إلى المناطق الداخلية فأنا أريد المجيء معك، لن أرتاح حتى أجِد عدوي، خاصة أنه في مرحلة المجال الآن"

أومأ شوفين وقال

"سأحتاج إلى شخصٍ يعرِف المناطق الداخلية لأني لا أعرف عنها شيئاً"

استغرب زِنهار وسأل

"إذا كُنت شخصاً قديماً فكيف لا تعلم عنها شيئاً ؟"

هزّ شوفين رأسه بِأسف وقال

"لأني من عالمٍ آخر، أتيتُ إلى هنا للاختباء ولم أعِش في القارة كثيراً"

فتح زِنهار فمه وتذكّر عندما أخبرَه بأن سِلاحه ليس من هذا العالم، وقبل أن يسأل أكثر.. أضاف شوفين

"لكني لن أُغادِر حتى أفتِك بِبعض القوى القديمة وأسترجِع كنوزي التي سرقوها من خِزانتي، لذلك لن تكون رِحلتي سهلة كما تعتقِد"

ابتلع زِنهار ريقه عندما تخيّل شوفين وهو واقفٌ فوق جميع أقوياء هذه القارة يأخذ أموالهم ويغتصِب نِساءهم، وهذا لن يكون صعباً على شخصٍ مِثله لأنه رأى منه العجائب في فترة قصيرة.

ركِب الإثنان على الطيارة نحو المنطقة التي يوجد فيها الوريد الأحمر، وكان شوفين مليئاً بالأمل لأن حصولَه على وريدٍ أحمر يعني بأن عالمَه سيسترجِع قوته بعض الشيء، ما يعني بأن قوة شوفين ستزداد أيضاً بِسبب ارتباط العالم مع الوِعاء.

كانت المسافة بعيدة بين منصة القتال والمناطق الداخلية، لذلك استغرق الوصول إلى الوريد الروحي عدة أيام، ومرّ خلال هذه الرحلة ببعض العشائر الكبيرة وباع فيها الكنوز والأغراض التي يعتقِد بِأنها لن تكون ذات قيمة في وسط القارة، ومع ذلك.. بقيَت معه جبال من الكنوز الأخرى، ومع أنه لم يبع أكثر من ربع الكنوز التي حصل عليها إلا أن الأحجار البرتقالية التي كسَبها من البيع كانت ضخمة جداً، وهذا جعلَه سعيداً لِأنه يملِك خطة جيدة لاستخدامها.

بعد عدة أيام.. وصل الإثنان إلى مساحة واسعة مليئة بالتلال وتحيط بها الجبال، وفي الوسط تلة صغيرة مليئة بالأعشاب، ابتسم لأن أداة التوجيه كانت تشير إلى تلك التلة، لكنه عبس فجأة لأن هناك أشخاصاً واقفين على التلال المُجاوِرة ويبدو بِأنهم يفعلون شيئاً ما، التفَت إلى زِنهار وقال

"يبدو أنها لن تكون عملية سهلة"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. هل ستُغادِر راموليا أم أنها ستفعل شيئاً يجعل شوفين يهتمّ بِها من جديد ؟

2020/01/23 · 547 مشاهدة · 1317 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024