بدأ شوفين تدريب إينجِه على أساسيات الرماية وأعطاه الكثير من الؤشرات، لكنه لا يعرف الكثير عن أطفال الغابة لِأنه احتكّ معهم فقط ولم يُعاشرهم كثيراً، لذلك ستكون مهمة اكتشاف المهارات الفطرية مهمة إينجِه مثلما فعل ريكو، وهذا ما بدأ إينجِه بِفعله حيث اختار مكاناً هادئاً وبدأ يتدرّب على القوس والأسهم بعد ثلاثة أيام من توجيهات شوفين له.
دخل شوفين إلى منزل واسع كانت سويكا قد بنَتهُ لأجله، وكانت فيه غرفة تدريب خاصة وبعيدة عن الإزعاج، بدأ يقوم بِتجهيز بعض الحبوب القوية للدخول في عزلة تدريبية، وقبل إغلاق الأبواب.. دخلَت عليه راموليا مُطأطأة الرأس وتمشي بِهدوء وكأن تحتها سجادة مصنوعة من البيض، نظر إليها شوفين وسألها
"أنا أرغب بِبعض الهدوء، لماذا أتيت الآن ؟"
شدّت قبضتَيها لِأن شوفين لم يعُد لطيفاً معها مثل السابق، تجمّدت في مكانِها لِبعض الوقت قبل ترفع يدَيها وتفكّ إزارها، سقطت ثيابها وبقِيت عارية أمامَه فقط مع وجهٍ أحمر وكأنه حبة طماطم ناضجة، وكانت رغم صِغرِها.. تملِك جسداً مُغرياً وبدأت علامات النضج تتّضِح عليها وكأنها امرأة مُصغّرة، نظر إليها شوفين بدون اهتمام وقد فهِم بأنها تُريد المصالحة، لكنه ليس بالشخص الذي قد يهتم بمثل هذه الحركات، لذلك ضحِك عليها وقال
"عجوز غبية لا تعرف متى، كيف أو أين تستخدِم جسدَها للإغراء، لو أردتُ جسدك.. فهل تستطيعين الرفض ؟
يبدو بأنكِ لا تعلمين قوة عقد العبودية، حسناً.. سأريكِ ما الذي أستطيع فِعله بِك بِمجرد فِكرة واحدة"
فجأة.. أخرجَت راموليا سكيناً صغيرة من خاتمِها وقالَت بِسعادة
"سيدي.. أنا سعيدةٌ لأني معك، أنظر.. أنا سأرسم وردة جميلة لأجلِك"
وضعَت طرف السّكين على بطنِها وبدأت ترسُم وردة وعلى وجهِها تعابير السعادة، انتهَت من رسم الوردة وبدأت الدماء تسيل من جروحِها إلا أنها لم تستخدِم طاقتها لِمنع النزيف، بعدها.. وضعَت السكين على وجهِها وقالت
"لا يُعجِبك وجهي ؟
لماذا لا أقطعُه لأجلِك ؟"
ضغطَت على السكين قليلاً قبل أن تستعيد إدراكَها وتنظُر نحو شوفين وكأنه كابوس حياتِها، كانت مُدرِكة لكلّ ما تفعلُه منذ البداية، ورغم أن الجُرح كان يؤلِمها إلا أنها كانت سعيدة حقاً، ولو أمرَها شوفين بِقتل نفسِها لَفعلتها وكأنه أفضل شيءٍ تقوم به في حياتِها، وهذا ما جعلها تشعُر بِنوعٍ لا مثيل له من العجز، بدأت دموعُها تتساقط مُباشرة قبل أن ترفع ثِيابها وتستدير للمُغادرة، إلا أن شوفين قال
"سأعطيك فرصة واحدة، إذا حاوَلتِ مُعارضَتي وتأليب قلوب الآخرين عليّ فسأجعلُك تعمَلين عاهِرةً ليل نهار في أوسخ الأماكِن حيث يعيش المشردون وحُثالة البشر"
سقطَت هذه الكلمات على قلبِها مثل السكاكين، أمسَكت ثِيابَها المليئة بِالدماء وغادَرت بِسرعة قبل أن يراها أحد، وقد علِمت الآن بِأن شوفين لم يغضَب عليها لِمعارضتِه فقط وإنما لأنها كانت تُؤجّج عليه ريكو وصلجان وهو غير موجود، وهذه خيانة كبيرة تورّطت فيها دون أن تنتبِه، لذلك قرّرت أن تُسايِر الواقع حتى لا يُنفّذ شوفين تهديدَه، خاصة بعد تجرِبة جرح نفسِها وهي سعيدة جداً، بل وكادت تُشوّه وجهَها أيضاً لولا رأفة شوفين بِها.
أغلق الباب ودخل في عزلة تدريبية بِغرض رفع مستواه، وذلك لأن عالمه قد اتّسع الآن وزادَت كمية الطاقة داخِله، وهذا قد تجاوز مستواه كثيراً لذلك أراد القفز على المألوف ومُحاولة الوصول إلى قمّة مرحلة التألق، ليس قمّة المستوى المتوسط وإنما قمّة القمّة والتي تأتي مباشرة قبل مرحلة المجال، فهو الآن في مرحلة صقل الطاقة الخارجية والتي هي المرحلة المتوسطة من مستوى تألّق الطاقة الخارجية، وفي العادة.. يجب عليه استهداف مرحلة تحويل الطاقة الخارجية، والتي يتم فيها تحويل الطاقة خارج الجسد إلى مادة لزجة لحظياً واستخدامها في الهجمات الكبيرة.
يستطيع شوفين القيام بِهذه العملية المُعقّدة حتى قبل الاختراق، لذلك سيكون من السهل الاختراق إلى هذا المستوى، لكنه يهدف إلى مستوى تألّق الطاقة البدائية، حيث يتكون هو أيضاً من ثلاث مراحل فرعية، وهي مرحلة جمع الطاقة البدائية، وخلالها سيقوم بِصناعة الطاقة البدائية بِدمج الطاقتين الداخلية والخارجية، وهذه العملية يستطيع شوفين القيام بِها بسبب قوة وِعائه، وتأتي بعدَها مرحلة صقل الطاقة البدائية، وخلالَها سيقوم بِتخزين جزءٍ من الطاقة البدائية في الوعاء بعد صقلِه وتقويَته، وهذا ربما سيكون عُنق الزجاجة بِالنسبة لِشوفين لِأن العملية قد تأخُذ الكثير من الوقت، ومع ذلك.. سيُجرّب الاختراق إلى آخر مرحلة مباشرة، والتي هي مرحلة تحويل الطاقة البدائية، وخلالها سيقوم بِتوسيع الوعاء والخطوط الزوالية لاستحمال واستيعاب الطاقة البدائية.
لا يعلم شوفين إن كان باستطاعتِه الإفلات من عنق الزجاجة أم لا، لكنّه سيُحاوِل الاختراق لِأنه يملِك المقوّمات لِذلك، حيث يمتلِك حبوباً قوية أخذَها من زِنهار، بالإضافة إلى الوريد الأحمر وطاقتِه القوية والنقية وما معه من أحجار برتقالية كثيرة.
ترك رسالة لزِنهار حتى يهتم بِالصغار ويُعطيهم بعض الإرشادات، كما ترَك رسالة لِأرفود حتى يُعطيهم الموارِد التي يحتاجون إليها من الخِزانة، بعدَها.. أغلق عينيه وبدأ بالتجهيز للاختراق وكان أمامَه مجموعة من الحبوب والمواد المُساعِدة، وكان نصفُها مواداً روحية لِأن شوفين يخطّط لِتحويل روحِه من الأبيض إلى المُلوّن، وكان قد حصل على الكثير من الأعشاب الروحية من عشائر المنطقة الشرقية، لذلك سيُحاوِل تحويلها إلى اللون الوردي أو حتى اللون الأحمر، ما يعني بأن قِواه الروحية ستزداد كثيراً في المستقبل.
...
عشيرة الطريقة المقطوع - صحراء بيجاد
بعد عشرة أيام.. وصل اثنان من المبجّلين إلى عشيرة الطريق المقطوع في صحراء بيجاد، وبدون مُقدّمات.. بدؤوا يُدمّرون العشيرة ويأسِرون أقوياءَها، وما هي إلا ساعة واحدة حتى كانَت العشيرة قد تدمّرت ولم يعُد لها وجود، تمّ قتل الكثير من ضُعفائها بينما هرَب الآخرون إلى البراري والجبال، أما رئيس العشيرة وشيوخِها فقد تم أسرُهم جميعاً وأخذ كنوزِهم، وأخيراً.. بدأ التحقيق معهم حيث قال أحد المبجّلين
"مجرد حُثالة وتجرؤون على العبث مع عشيرة الأصبع السادس ؟
أخبرني.. أين يختبِئ المبجّل الخاص بِكم ؟"
استغرب الرئيس والشيوخ وبدؤوا يستفسِرون عمّا يقصِده، وبعد لحظات.. فهِم الرئيس ما يحدُث فأخرَج حجر تصويرٍ وقال
"هل المبجل الذي تتحدثون عنه هو هذا ؟"
عرض عليهم شوفين وهو في تلك الحديقة عندما طارت البيضة الغريبة وأطلقت هالة قوية، اتّسعَت عينا المُبجّلَين وصرخ أحدهما
"أين هو الآن ؟
أخبرني الحقيقة وسأسمح لك بِالعيش"
قال الرئيس
"هذا الشخص ليس منا، لقد مرّ بِنا وأخذ كنوزَنا قبل المغادرة، ونحن لا نعرف عنه سوى اسمه شوفين، لكنه ليس المبجل وإنما يُرافقُه مبجل آخر، ومعه فتاتان وقرد، يمكنكم سؤال العشائر الأخرى وستقول نفس الشيء"
عبس الاثنان عندما سمعاه لأنهما كانا يبحثان عنه في المناطق المجاوِرة إلا أن هالته قد اختلَطت بِمجموعة من الهالات الأخرى في الغابة حيث تم قتل مجموعة من الوحوش، ولم يستطيعوا معرفة مكانِه بعدَها، لذلك سيكون إيجادُه شِبه مستحيل، لكنهم على الأقل يملِكون صورتَه الآن ويستطيعون البحث عنه على المدى الطويل، خاصة بعد رؤية الكنز الذي يملِكه، وإذا لم يُفلِحوا في العثور عليه فربما سيبيعون المعلومة للقوى العظمى.
...
مرّت ستة أشهُر على عُزلة شوفين، كان الجميع يتدرّبون على الدوام، كان ريكو قد طوّر قدراتِه من جديد بعد حصولِه على دِماء جوهر الوحوش التي قتَلها شوفين في الغابة، وحصل منها على اللعاب السام الخاص بتِلك السحلية، ومخالب حادة خاصة بِوحشٍ آخر، كما تعزّزت هيئتُه أكثر من السابق وصارَت قوته الجسدية أكبر، لكنه لم يحصُل على تطويرٍ من حيث التحوّل إلى شكلٍ آخر مع أنه حصل على بعض الحراشِف الصلبة، لكن شكل القرد العملاق هو الوحيد الذي يستطيع التحوّل إليه لِحدّ الآن.
استطاعَت سويكا تمرير خمسة وثلاثين شعاعاً خلال جسدِها، ما يعني بِأنها تستطيع تحريك خمسة وثلاثين صفاً من تقنية الصف الراقص، وهذا جعلَها أقوى بِكثير من السابق، وبِسبب هذا.. صار الجميع يغارون منها أكثر وأكثر.
ازداد فهم إينجِه لِطاقة الخشب وتكوّنت غابة صغيرة في مكان تدريبه على القوس بسبب تسرّب طاقة الخشب من جسدِه، أما القوس فقد صار يستطيع إصابة الأهداف الثابتة على بُعد نصف ميل، أما الأهداف المتحركة فلا يزال بِحاجةٍ إلى التدريب عليها، خاصة أنه لا يملِك أي تقنيات مُخصّصة للرماية.
استقرّ تدريب صلجان مع معلّمها لذلك تركَها منذ فترة وركّز على راموليا، وذلك لأنه رأى حالتها عندما خرجَت من منزل شوفين، وبعد أيامٍ من ذلك.. بدأ يتواصل معها ويُعطيها بعض النصائح، واليوم.. كان معها في غرفة التدريب بينما كانت تُحاول الاختراق إلى مرحلة التألق، وكانت على حالِها منذ أكثر من أسبوع واستخدَمت الكثير من الحبوب كما دعم زِنهار وِعاءَها لِتسهيل عملية الاختراق عليها، وكل هذا حتى لا تبقى خلف زملائها.
خلال الستة أشهر الماضية.. تأجّجت شُعلة النار البيضاء على المنصة وازداد حجمُها وبدأ يتغيّر لونها تدريجياً إلى اللون الوردي، وبعد استقرارِه.. بدأ لونُها يميل إلى اللون الأحمر، وذلك لأن شوفين كان يستخدِم الكثير من الموارِد الروحية حتى يستعيد قواه الروحية ويستطيع الاستفادة من إمكانِيات عالمِه الفراغي، ودون قِواه الروحية.. لن يستطيع حتى الدخول إلى العالم، ناهيك عن استخدام طاقتِه في القتال.
استغرب الجميع من تغيّر لون الشعلة وكان زِنهار أكثره استغراباً لِأن الروح الحمراء نادرة جداً، فحتى هو بالكاد يملِك روحاً وردية، لكن شوفين لم يكُن يُركّز على تقوية روحِه فقط وإنما كان يخترِق المستويات أيضاً، وللأسف.. توقّف بعد الشهر الثاني من التدريب في مُنتصف مستوى تألّق الطاقة البدائية، وكان يعمل بعدها على توسيع الوعاء والخطوط الزوالية لاستحمال واستيعاب الطاقة البدائية، ولم يكُن توسيع الوعاء مشكلة له لأنه يملِك أصلاً وعاءً واسعاً ومُشترِكاً مع عالمِه، لكن توسيع الخطوط الزوالية كان صعباً بِسبب رَداءة مواهب جسدِه الحالي، وفي الشهر الثالث من التدريب.. شعر بِأن تدريبَه لن يتقدّم، لذلك قام بِسحب دب الماء الذي كان يعيش في البُحيرة وظهر في غرفة التدريب الخاصة به.
نظر إليه شوفين بِبعض العواطِف لأنه كان في البُحيرة لِوقتٍ طويل جداً، لكن الواقِع يستدعي التضحية به لأنه هو الحل الوحيد لِتجاوُز ضيق الخطوط الزوالية لِجسدِه الحالي، وذلك لِأن هذا الوحش يملِك جسداً مُميّزاً يجعلُه يستطيع النجاة حتى من الطاقة النووية المعروفة على كوكب الأرض، لذلك يُعتبر أداة جيدة في يد شوفين وكان قد استخدم إخوانَه كثيراً في الماضي وهذا هو الوحيد المتبقّى له.
وقف ونزَع ثِيابه ثم شقّ رأس الوحش وقتلَه، فتح بعدَها بطنَه وأخرَج أحشاءَه ثم دخل إلى بطنِه وأطلق نارَه الروحية وكانت لا تزال وردية، بدأ يصقُل جسد الوحش حتى تحوّل إلى شرنقة بشِعة الشكل تُحيط بِجسدِه الخاص، تجمّدت الشرنقة المحيطة بالنار الوردِية لِثلاثة أشهُرٍ أخرى وكانت نارُه الروحية قد تحوّلت إلى اللون الأحمر، وهذا بعد ستة أشهر من دخول شوفين إلى العزلة.
في هذا اليوم.. تصاعدَت عاصفة قوية من منزِل راموليا، فتح الجميع أعيُنهم وراقبوا اختراقَها إلى مرحلة التألق، استمرّ اختراقُها النهائي لِأكثر من ساعتَين قبل أن تخرُج مع زِنهار، وقفَت أمامَه بِاحترامٍ وقالت
"سيد زِنهار.. أنا لن أنسى لك هذا الفضل أبداً"
لوّح بِيدِه وهو يُغادِر قائلاً
"لم أفعل هذا لأجلِك وإنما لأجل شوفين، فهو شخصٌ مُباشر ولا يُحب الخِداع، وإلا فأين سيجِد عبداً أقوى منّي ؟
ومع ذلك.. لم يستخدِمني رغماً عني ولو لِمرّة واحدة"
قال هذا لِأنه كان قد استفسَر منها حول سبَب غضب شوفين منها، لهذا أراد إعطاءَها نصيحة أخيرة حتى لا ترجِع إلى تأليب الناس عليه لأنه يستطيع إيذاءها بِشدّةٍ لولا أنه شخصٌ كسول عندما يتعلق الأمر بعِقاب الضعفاء.
فهِمت النصيحة وشكرَته مرة أخرى قبل أن تتبعَه نحو المنصة الحجرية حيث كان الجميع ينتظِرونها، وصلَت إليهم وبدؤوا يُهنّؤونها قبل أن تنطلِق عاصفة أعظم بِكثير من عاصفتِها، قطّب الجميع حواجِبهم عندما أحسّوا بِالضغط القادم منها، وفجأة.. تدمّر منزل شوفين عن بُكرة أبيه وكأنه لم يكُن موجوداً أبداً، قالَت راموليا بعد إحساسِها بِطاقة شوفين الجديدة
"هل اخترَق إلى مستوى تألّق الطاقة البدائية ؟"
عبس زِنهار وتغيّرَت ملامِحه قبل أن يقول باستنكار
"هذا الوحش.. لقد وصل إلى قمة مستوى تألّق الطاقة البدائية، كيف فعل هذا بِحق الخالق العظيم ؟"
--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. هل يستطيع شوفين هزيمة زِنهار الآن ؟