"هذا الوحش.. لقد وصل إلى قمة مستوى تألّق الطاقة البدائية، كيف فعل هذا بِحق الخالق العظيم ؟"
كان زِنهار هو الأكثر استغراباً لِأنه علِق في مستوى تألّق الطاقة البدائية لآلاف السنين قبل أن ينجَح في الاختراق إلى مرحلة المجال، ونفس الشيء يحدُث مع الجميع، والآن.. اخترَق شوفين مباشرة مِن مُنتصف المستوى المتوسط إلى قمة المرحلة العليا ؟
ألا يعني هذا بِأنه قد اخترق أربع مراحِل فرعية في ستة أشهُرٍ فقط ؟
استمر الاختراق بعدها لِأكثر من ثلاثة أيامٍ قبل أن تهدأ عاصفة الطاقة وتظهر شرنقةٌ ذهبية بين الركام، شعَر الجميع بِنهاية الاختراق فاقتربوا من المنزِل المُدمَّر، بدؤوا يبحَثون عن شوفين إلا أن الشيء الوحيد الذي كان أمامهم هو جسم ذهبي لا يعلمون ماذا يكون، وفجأة.. اخترَق شيءٌ ما ذلك الجسد الذهبي وخرج منه شابٌ عارٍ تماماً، استدارَت سويكا وصلجان مباشرة بينما استغرَب إينجِه من هذا الشاب الجميل أمامَه، وذلك لأن جسَد شوفين قد تغيّر كثيراً وصار جِلدُه رقيقاً ويميل إلى اللون الذهبي، أما شعرُه الطويل فقد عاد إلى اللون الذهبي الأصلي حيث كان هذا لونُه في السابق، وكذلك طرأت بعض التغييرات على وجهِه وصار أجمل من إينجِه، بل وأجمل من كثيرٍ من الفتيات مثل صلجان التي تملِك جمالاً عادياً مقارنة مع سويكا وراموليا.
نظر نحو الجميع واستغرَب من اندِهاشهم قبل أن يُدرِك بِأنه عارٍ تماماً، وفي لَمحة عين.. شكّل على جسدِه ثياباً أخرى لِأنه مُجرد نسخة روحية، بعدها.. عاد إلى المنصة الحجرية وابتسم عندما رأى الشعلة الحمراء تتأجّج بقوّة، فرَدَ ذراعَيه وأطلق طاقة روحية كبيرة جعلتهُ يتحكّم في العالم بِشكلٍ أكثر فعالية، وفجأة.. بدأت الأبنية المُهدّمة تختفي وتتَحوّل إلى بِناءٍ كبير له جدران سميكة، وكانت هذه هي خِزانته الجديدة حيث تدمّرت الخزانة القديمة ولم تعُد صالِحة لِتخزين المواد الحساسة.
انتهى بعد دقائق من بناء الخزانة ثم ضخّ طاقته نحو المنصة فبدأت بِالارتفاع عالياً حتى صارَت تحوم في الهواء، بعدها.. شكّل درجاً من الحجر يقود للأعلى، لكنّه كان عبارة عن حِجارة تحوم حول المنصة في مساراتٍ دائرية ويجب القفز عليها للصعود إلى الأعلى، وليس مجرّد درجٍ عادي مُخصّص للكسالى.
قفز من المنصة ثم اجتمع بِالجميع وقال
"زِنهار.. سأذهب إلى المناطق الداخلية، أنت ستبقى هنا في الوقت الحالي حتى تكون حركَتي غير ملحوظة، يُمكِنك مراقبة كل شيء عبر الشاشة وإسدائي أي نصيحة تراها مناسبة عبر التخاطُر"
لوّح نحو الشاشة فوق المنصة فبدأت بِالعمل وكانت الآن أكبر من السابق، لكن.. يجب الصعود على المنصة للمشاهدة، ومَن لا يستطيع الصعود فذلك ليس شأن شوفين.
قال زِنهار
"الأقوياء في وسط القارة لا يتسامَحون مع المقاتلين الشيطانيّين، لذلك ستكون حركتُك صعبة ما لم تلتحِق بِعشيرة قوية"
فكّر شوفين قليلاً وبدأ يسترجِع المعلومات من كتاب التاريخ المجيد قبل أن يقول
"العين الذهبية، عملاق جاوا، الحكماء التسعة، القبضة الحمراء، الدين المتين،
هؤلاء الخمسة أعدائي ويجِب علي قهرُهم جميعاً، ربما قد أنضم إلى أحدِهم، لكن.. سيكون الانضمام إلى جهة أخرى أفضل"
ارتجف زِنهار وقال على عُجالة
"هؤلاء هُم حُكّام القارة منذ عشرات الآلاف من السنين، وأنت تُريد جعلهم أعداءك جميعاً"
لم يهتم شوفين بِرأيه وإنما سأل
"هل توجد عشيرة قوية مثلهم أو قريبة منهم في القوة ؟"
بدأ زِنهار يفكّر حتى قال
"طائفة العقل الأرجح، لكنها طائفة غريبة ولا تختلِط بِأحد، وعدد أفرادِها أقل من مائة، ومع ذلك.. يخاف منها الجميع لأن جميع أفرادِها أقوياء جداً"
قطب شوفين حاجِبَيه قليلاً لأنه سبق وسمِع عن هذه الطائفة في دولة سمريان حين حصل على السيف الأبيض من الملكة ندمين، وأخيراً سأل
"ما هو نوع أنشطتِهم ؟"
ابتسم زِنهار بِحرج وهو يُجيب
"إنهم بارِعون في عِلم الكلام، لا أحد يستطيع هزيمتهم في استحضار الحجّة أثناء النقاش، ويدّعون بأنهم يعلمون أسرار العالم وأن أسلافهم كان لديهم اتّصالٌ مع شخصية أسطورية من العالم الخارجي"
رفع شوفين حاجِبَيه وقال مُستغرِباً
"شخصية أسطورية من العالم الخارجي ؟"
أومأ زِنهار وأضاف
"لا أعرف مَن هذا أو إن كانت الإشاعات صحيحة أم لا، لكنّهم دائماً في عُزلة، ولا يَظهرون إلا في أوقاتٍ نادِرة، وعندما يظهرون فإنهم يتحدّون جميع العشائر الأخرى ويعطونهم فرصة للاختيار بين مُناظرة كلامية أو معركة قِتالية، على أي حال.. لا أحد يستطيع الانضمام إلى هذه الطائفة لأنهم يختارون أتباعهم بِأنفسهم ولا أحد يعلم مكانهم إذا أراد الذهاب إليهِم"
أومأ شوفين ثم بدأ يسترجِع المعلومات عن هذه الطائفة الغريبة عبر قراءة كتاب التاريخ المجيد، استغرب لأنها طائفة حديثة نسبياً حيث لم تكُن موجودة قبل خمسين ألف سنة، لكن الكتاب أيضاً لا يذكُر الكثير عنهم غير أنها بدأت من شخصٍ واحد قبل أن يبدأ بِجمع الأفراد المميّزين وتكوين طائفته، وعلى أي حال.. قرّر شوفين قائلاً
"هذه هي، إذا لم أجِدهم فسأجبِرهم على الظهور"
تعرّق زِنهار بِسبب طريقة تفكير شوفين، فالأصل هو أن ينضمّ إلى قوة عظيمة حتى يحصُل على الحماية وليس الإساءة إلى قوة أخرى بِالإضافة إلى أعدائه العظماء الخمسة.
انتهى شوفين من كل شيء وترك الصغار في رعاية زِنهار ثم مدّ يدَه نحو سويكا وسألها
"هل تُحبّين الطيران يا سويكا ؟"
أومأت بِرأسها بِسعادة مثل طفلة صغيرة فأمسك يدَها وأخرَجها من العالم الفراغي، ظهرَت في الغابة قبل أن يصعَد شوفين مِن تحت الأرض وكان جسدُه مليئاً بِالعرق والأوساخ لِأن تأثيرات شرنقة دب الماء كانت تُطبّق على جسدِه الحقيقي وليس نُسختِه الروحية، غيّر ملابِسه وأزال الأوساخ بِاستخدام الطاقة ثم بدأ يستخدِم تلك التقنية التي استخدمَها سابقاً لِتغيِير لون شعرِه.
استرجع شكلَه السابق ثم فرَدَ ذِراعَيه وبدأ يمتصّ الطاقة الخارجِية ويقوم بِدمجِها مع الطاقة الداخلية لِصنع الطاقة البدائية السائلة، استمرّ على هذا لِأكثر من نصف ساعةٍ حتى ذبُلت الغابة تقريباً لِأنه أخذ منها طاقة أشجارِها، بعدها.. سحب سِلاحه الذي كان في نمط البيت الآمن وقام بِتحويله إلى نمط الطيارة، سحب سويكا أمامَه وطار بِها بسرعة كبيرة نحو المناطق الداخلية.
كان شوفين يُركّز النظر على المناطق البعيدة حيث صار يستطيع رؤية ما يحدُث على بُعد مائة ميل، وذلك لأن عينَيه تعملان بالقوة الروحية، والآن يملِك قوة روحية حمراء لذلك صار يستخدِم خصائص عينَيه بِطريقةٍ أكثر فعالية من السابق، كان يُراقِب جميع الجِهات حتى لا يقع في أية متاعِب، وفي هذه اللحظة.. كانت مشاعِر سويكا مُضطرِبة وتُفكّر في السبب الذي جعل شوفين يُرافِقها لِوحدِها، خاصة أنه كان يحضُنها من الخلف بِطريقة شِبه حميمية، ومع أنها لا تكرَه شيئاً أكثر من استغلالِها جنسياً بِسبب حادِثة القلب البدائي وسيدِها السابق.. إلا أنها لا تزال أنثى صغيرة وتُفكّر في الأمور العاطفية أكثر من اللازم، خاصة إذا كان هذا الشخص هو شوفين الذي تعتبِره بطلاً في عينَيها.
استمرّ الاثنان في الطيران لِأكثر من ساعتَين، بعدها.. نزل شوفين في أحد الوِديان وقال لها
"لا يُمكننا الطيران طويلاً، دعينا نتمشى قليلاً في هذا الوادي"
أومأت بِرأسها مع ابتسامة الرضا وتابعَت خُطاه، وبعد دقائق.. انقضّ أكثر من عشرة مُقاتلين شيطانيّين من خلف الصخور وكانت أشكالُهم مخيفة، نظروا إلى سويكا لأنها هي الوحيدة التي كانت مُتدرّبة بينما كان شوفين مجرّد مشلول، لكن تدريبها كان ضعيفاً جداً في مستوى تعزيز الجسد، بينما كان هؤلاء في مستوى تهيئة الوعاء، ويبدو بِأنهم يُعانون من المشاكِل لذلك لم يلتحِقوا بأي عشيرة، ويعتمدون على العمل الجماعي للإطاحة بِالخصوم أثناء قطع الطريق، بعد خروجِهم.. تقدّم أحدُهم وكان خمسينياً في بداية مرحلة التألّق، نظر بازدراء نحوَهما وقال
"جميلة ضعيفة وغبيٌّ مشلول، هل أنتما حبيبان هارِبان ؟"
تراجع شوفين بِسرعة واختبأ وراء سويكا ثم صرخ وكأنه يبكي
"اِحمِني منهم رجاءً، سأمنحُك أي شيء عندما نلتقي مع بابا"
اهتزّت شفتا سويكا وبدأت تستذكِر ما كان يفعله في دولة سمريان، ولأنها ذكية فقد فهِمت بِأن شوفين ليس شخصاً يُمكِن ألا يشعُر بِهؤلاء الحثالة، إذن فهو يُريد منها القتال الحقيقي لذلك جلبها إليهِم ؟
صمتَت ولم تقُل شيئاً بينما واصل ترجِّيها من الخلف، ضحِك عليه قطّاع الطريق وقال رئيسهم
"لِماذا لا تنضمّين إلينا يا صغيرة ؟
سأعتني بك جيداً بدل هذا الحثالة"
ارتجفَ قلبُها عندما رأت حركاتِه المُنحرِفة وتذكّرت ذلك المنحرِف الذي جرح ظهرَها في ذلك الوقت، عبسَت وهي تنظر إليهم ثم قالت
"سأعطيكم فرصة واحدة للمغادرة، وإلا فلا تلوموني على قَسوتي"
--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. كم حركةً سوف تستخدِم سويكا للإطاحة بهم ؟