"دعينا نتظاهر إذن بِما أنكِ مُصرّة"
تصلّبت سويكا من حركة شوفين المفاجئة، لكن شوفين لم يكن بِالشخص الذي لا يستطيع السيطرة على غرائزِه، لذلك خطَف منها قبلة سريعة وحضَنها وهو يقول
"أنت رفيقتي، وتحت حمايتي، لذلك.. ليس عليك الخوف من أي شيء"
أغلقَت عينَيها وقالت
"أعلم"
هذا كانت تعلَمه حتى لو لم يُخبِرها، لكنها كانت سعيدة بالعتَبة التي خطاها شوفين نحوَها حتى وإن كان وقحاً وأعلن بأنه مجرد تظاهر، بل وحتى عندما فكّ عناقه معها بعد خمس ثوانٍ من العِناق ثم أخرج الرمح الذي اشتراه من المزاد وبدأ يتصفحه وكأنها غير موجودة أمامه، حتى مع كل هذه الحركات المستفزة منه إلا أنها كانت سعيدة.
بدأ شوفين يتصفح السلاح الملكي لِبعض الوقت قبل أن يرميه على الأرض ويُخرِج سلاحَه ويقول
"هذه وجبة دسمة، كُلها على مهلِك"
اهتز السلاح فرحاً وطار نحو الرمح وبدأ يستحوذ عليه بسعادة، التفتَ شوفين نحو سويكا وقال لها
"ستكون الأيام القادمة ساخِنة جداً، وسأعتمِد عليك خلالها"
أومأت بِطاعةٍ وقالت كلمة واحدة
"أَه"
أضاف
"سأصنع بعض الضجة في الساحة العامة، وسيُزعِجنا الناس، وأنتِ من سيستقبِلهم خلال أسبوعٍ أو أكثر"
سويكا: "أَه"
شوفين: "بعد عرض قدراتي في الكيمياء.. سأتظاهر بأني في عُزلة، ولن يجِد الناس غيرَك أمامهم"
سويكا: "أَه"
شوفين: "سيهبِط نيزكٌ قوي ويُدمّر هذا العالم بعد عشر ثوانٍ"
سويكا: "أَه"
شوفين: "واحد + واحد ؟"
سويكا: "أَه"
رفع شوفين يدَه وقبض على جبهتِه وبدأ يندَم على تحويل سويكا إلى فتاة حالِمة لا تستطيع حتى التركيز على ما أمامها، اقترَب منها ونقر رأسَها ثم قال
"سويكا.. هذا ليس وقت الشرود، حياتُك ستكون في خطر عندما أكون بعيداً عنك، لذلك يجب عليكِ التركيز على الخطة جيداً"
كان قد شرح خطتَه لسويكا عندما دخلا المدينة أول مرة، والآن يُريد منها التركيز عليها، ابتسمَت وقالت
"لن يحدُث أي شيء، سأطبّق الخطة كما يجِب"
ابتسَم وفرك شعر رأسها ثم ابتعد وأخرج مجموعة من الأعشاب النادرة، بدأ يُراجِعها ثم تواصل مع إينجِه عبر التخاطر وطلب منه أن يقطِف له ثلاثة أعشاب موجودة في الحديقة، وبعد استلامِها.. ابتسم وقال
"جيد، لدي المكوّنات الآن"
...
في منتصف يوم الغد.. امتلأت الساحة العامة بالأشخاص، وكان الحراس يُنظّمون الصفوف حتى يتركوا وسط الساحة فارغاً، اجتمَع الكثير منَ العجائز من مُختلف العشائر لِرؤية حقيقة حبة الأمل الأخير لأنهم يُعانون جميعاً من مشكلة ذبول الروح، وبينهم كانت المبجّلة السامّة وتلميذتها، وكان الجميع ينتظرون شوفين، إلا أنه لم يأتِ بعد حتى بدأ البعض يعتقدون بأنه مجرد مُهرّج، خاصة الكيميائيين الثلاثة وتلاميذهم الذين كانوا يقذفون العبارات النابية من هنا وهناك
"إنه مجرد كاذب جبان"
"وهل حبة الأمل الأخير شيءٌ يستطيع صُنعه مجرد شابٍّ مشلول ؟"
"سمِعت أن صقلها يستغرق ثلاثة أيامٍ مُتتالية"
"سآكل القذارة إذا استطاع صقلها بِنجاح"
وفي هذه اللحظة.. ظهرَت ضجة في إحدى الزوايا وبدأ الناس يتراجعون، وكان القادم هو حاكم مدينة روبيا ومعه شيخان كبيران، وصل الثلاثة إلى حيث توجد الشخصيات الكبيرة وبدؤوا يُناقشون أمر شوفين، بعدها.. قال الحاكم لأحد الحرس
"إذهب إلى الفندق وابحث عنه"
استدار الحارس للمغادرة، إلا أن صوتاً أتى من بعيد
"أنا هنا"
قال هذا فقط ثم واصل السير نحو وسط الساحة، بدأت الوشاوِش من جميع الأنحاء
"إنه مجرد شاب صغير، هل سيفعلها حقاً ؟"
"أخشى بِأنه لا يعرِف شيئاً عن الكيمياء، كيف سيطبخها بدون فرنٍ عملاق ؟"
"إنها جميلة حقاً، هل هي زوجته ؟"
لم يهتم شوفين بِما يقولون، وصل إلى وسط الساحة وقال بِصوتٍ مُرتفع
"سأقوم بِصقل حبة الأمل الأخير كما وعدتُ المبجّلة السامّة، أتمنى منكم مُراقبتي جيداً"
قال هذا ثم أخرج أكثر من ثلاثين عُشبة مُختلِفة، رماها في الهواء وأخرج ناره الروحية الحمراء وبدأ بالصقل مباشرة، عبس الجميع وعلى رأسِهم الكيميائيون، وذلك لأن نار شوفين الروحية كانت حمراء قوية، ومثلُها.. لا يملِكها إلا من تدرّب لآلاف السنين، بينما كان شوفين تحت المائة سنة بالتأكيد، وما أزعج الكيميائيين أكثر هو أنهم لم يُفلحوا في رؤية مكونات الحبة، كما أن طريقة الصقل هذه والتي يُمكن القيام بها بدون فُرن تُعتبر طريقة أسطورية، وحتى في المناطق الداخلية من القارة ربما لن تجد من يُتقنها، هل وقعَت طائفة العقل الأرجح على موهبة نادرة مرة أخرى ؟
بدأ شوفين بإحراق جميع المكونات مرة واحدة، وهذا جعل كل من لديه بعض الخبرة في الكيمياء يعبِس لأنه في العادة يجب فصل الأعشاب وصقل كل نوع لوحده لأن كل عشب يحتاج إلى درجة حرارة معينة، لكن شوفين كان يُحرِق كل شيء في وقت واحد.
استمرت حفلة الشواء هذه لِأكثر من نصف ساعة قبل أن تظهر قطرةٌ ذهبية داخل النار، ابتسم وبدأ تجميع الحبة بعد استخلاص جوهر الأعشاب، بعدها.. أخرج كمية من طُحلب الانبعاث ومحار الروح القرمزية ورماها داخل النار، استغرَب الجميع من إضافة مواد أخرى في آخر عملية التجميع، لكن استغرابهم لم يدُم طويلاً عندما انتشرَت موجة قوية من الطاقة الروحية قبل أن تتشكل حبة حمراء ناصعة.
رفع شوفين الحبّة وكانت تُطلِق قوة روحية لا مثيل لها، ابتسم ونظر نحو المبجّلة السامّة ثم قال
"شخص مشهور مثلك سيجلب لي مالي، صحيح ؟"
قال هذا ورماها نحو المبجّلة السامّة، أمسكَتها وقالت
"إذا كانت النتيجة كما وعدتني فأنا لن أُخلِف وعدي بالتأكيد"
فتحت فمها وأكلت الحبة مباشرة، وبعد دقيقة واحدة.. فتحَت عينَيها وصرخَت بِصوتٍ مبحوح
"روحي.. إنها تنتعِش من جديد"
رفعَت يدها وأخرجَت هالة روحية ضعيفة باللون الوردي، ومع أنها كانت مثل الضباب إلا أنها كانت تتعافى بِسرعة كبيرة، وهذا التعافي مُختلِف عن تعافيها من الجروح، لأن الروح المجروحة قد تفتقِد إلى القوة لكنها لا تزال حيّة ونشيطة، أما الروح الذابِلة فهي لا تحتوي على القوة إطلاقاً، وهذا يعرِفه جميع المتدرّبين، خاصة العجزة الذين عاد إليهم الأمل من جديد وبدؤوا ينظرون إلى شوفين بِعيون متلألئة.
ابتسم شوفين وقال
"سأدخل في عُزلة لأكثر من أسبوعين، ستقوم زوجتي بِأخذ طلباتِكم، خمسمائة حجر بنّي أو سبعمائة ألف حجر برتقالي، والدفع مُسبقاً"
قال هذا ثم غادر وترك سويكا خلفَه للتعرّف على كِبار العشائر وأخذ طلباتِهم.
--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. ما الذي يُخطّط له بالتحديد بعد دخوله إلى مدينة روبيا ؟
#تحت_المجهر