"سأدخل في عُزلة لِأكثر من أسبوعين، ستقوم زوجتي بِأخذ طلباتِكم، خمسمائة حجر بنّي أو سبعمائة ألف حجر برتقالي، والدفع مُسبقاً"

ترك شوفين شروطَه لِصنع حبة الأمل الأخير ثم غادَر، بقِيَت سويكا تحت أنظار الجميع وقد لاحظ البعض بِأن جمالها قد ازداد عن السابق كثيراً بسبب درع القوام الساحر، كانت تبتسِم دون قول أي شيء لأنها أصلاً كانت ترتجِف داخلياً، فشوفين قد ترك لها مهمة التواصل مع كل هؤلاء الأقوياء وعليها أن تُقنِعهم بِأن شوفين سيصنع لهم ما يُريدون.

بعد صمتٍ طويل.. ابتلعَت ريقها وقالت

"أيها السادة العظماء، كما رأيتُم بأعيُنِكم.. فزَوجي كيميائي لا مثيل له، وهو مُستعد لِقبول طلباتِكم بِخصوص حبة الأمل الأخير، حبة العظم الناري، حبة الروح الخائنة، حبة الرقم الصعب..، ومن يُريد معرفة الأسعار فسأكون متواجِدة في فندق الراحة المُستديمة طيلة أيام عُزلتِه، لكن العدد سيكون محدوداً لأننا سنُغادِر بعد فترة معينة ولن نبقى في هذه المدينة طويلاً، لذلك لن نقبل أي طلبات بعد خروج زوجي من العزلة، شكراً لكم"

أعلنَت لهم ثم استدارَت وغادرَت، نظر العجَزة نحو المبجّلة السامّة وكانت قواها الروحية قد استعادَت نشاطَها وبدأت تتغذّى من جديد على مواد تقوية الروح، ما يعني بِأن الحبة حقيقية وتملك مفعولاً لا مثيل له، وبينما كان العجزة يُفكرون في حبة الأمل الأخير.. كان الشباب يُفكرون في الحبوب الأخرى، وحينها.. صاح أحدُهم على رِفاقه

"عدد الطلبات سيكون محدوداً، وهؤلاء العجزة سيأخذون جميع الطلبات، دعونا نُسارِع حتى نحصل على حبوب العظم الناري لأنها تزيد من قوة العظام، وكذلك حبوب الرقم الصعب التي تصقل الجسد من جديد وتُعطيه فرصة أخرى للتألّق"

صاح أخر من مكانٍ قريب

"أنا بحاجة إلى عشر حبات من نوع الروح الخائنة، فهي تُساعِد على ترقية الروح من اللون الأبيض إلى اللون الوردي"

من مكان آخر.. قالت إحدى الفتيات

"أتساءل إن كان سيصقل لي حبة بتلات زهرة البرق ؟"

نظر العجائِز إلى حماس الشباب فقال أحدهُم

"هؤلاء الأطفال نشيطون جداً، سأذهب لِجمع الأحجار البنية قبل أن أندم"

نظر الحاكم إلى الشيخَين وسألهما

"ما رأيكما فيه ؟
هل هو حقاً من طائفة العقل الأرجح ؟"

قال أحدهما

"لا أدري إن كان منها أم لا، لكني لم أرَ مثل مهارتِه في صقل الحبوب من قبل"

قال الآخر

"إذا كان من طائفة العقل الأرجح فلَن نستطيع إبقاءَه معنا مهما عرضنا عليه من فوائد، على أي حال.. هل سنتزاحم مع الجميع أم نطلب منه لاحقاً أن يصقل لنا بِضع حبات من الأمل الأخير ؟"

قال الحاكم

"نحن بِحاجة إلى خمس حبات، وأخشى أن نبقى بدون أي شيء، لذلك من الأفضل أن نطلبها من زوجتِه أيضاً"

صمت قليلاً ثم قال

"ضعوا اثنَين مِن مرحلة المجال لِمراقبتِه حتى لا يهرُب بِأموال الجميع، لا نُريد أية مشاكل مع العشائر الأخرى"

...

في الفندق.. دخل شوفين في عزلة خادِعة، حيث كان يُتابِع كل شيء مع سويكا عبر ختم الروح، لكنه كان في نفس الوقت يدرُس أفضل طريقة للاختراق إلى مرحلة المجال، حيث تتكون مرحلة المجال من ثلاث مستويات وهي صنع وتعزيز وتوسيع المجال، وشوفين يصنع المجال بالفِعل رغم أنه لم يصِل إليه بعد، لذلك لا يحتاج إلى فهم مرحلة المجال وإنما يحتاج فقط إلى الاختراق، لكنه كان يعمل على الاختراق منذ أكثر من شهرَين إلا أنه لم ينجح بعد.

زار العديد من الأشخاص سويكا وكانت نواياهم مختلفة بِقدر اختلاف أشكالِهم، لكن سويكا التي عاشت شهرَين من التمرّد في البراري كانت هادئة ولطيفة على غير المعتاد، وذلك لِأن شوفين كان يوصيها على الدوام عبر التخاطر، وكلما واجهت موقفاً غريباً إلا وأعطاها طريقةً للتعامل معه، لذلك كانَت تبدو في أعين الجميع وكأنها تاجرة مُحترفة وسياسية مُحنّكة، ناهيك عن كونِها سيدة جذّابة.

بدأت الزيارات بالاستفسار عن الأسعار وطرق الدفع، واشترط العديد منهم إيجاد طريقةٍ لِضمان أموالِهم، إلا أن سويكا كانت تتجاهل من يُماطِل أو يشترِط وتتحجّج بأن الطلبات على وشك الوصول إلى الحد الأقصى، وبعد اليوم الثالث.. بدأ العجزة من العشائر القريبة يجلبون الأموال، وكان كل من دفع مالَه يحجِز في نفس الفندق للسكن بِالقرب من شوفين حتى يُراقِبه خوفاً من الهرب.

استمرّت سويكا في عملِها حتى أتى إليها حاكم مدينة روبيا وخمسة من الشيوخ، رحبت بهم في قاعة الضيوف فقال أحد الشيوخ

"هل لا يزال السيد في عزلة ؟"

قالت سويكا

"سيخرج بعض بضعة أيام، وهو يعتذر على اضطراره للدخول في عزلة لكنه شعر بأن روحه قد تتطور إلى اللون البرتقالي في أي لحظة، وإلا فما كان سيترك مهمة استقبال الضيوف الكرام لي أنا"

كانت سويكا متمرسة الآن بعد استقبالها للعديد من الضيوف، وسبب تأقلمِها السريع مع الأدوار هو امتلاكُها للقلب البدائي، وهذا الأمر لا تعرفُه هي أيضاً لِأنه مِن أسرار قلبِها، وقد كانت في السابق تستطيع نسخ التقنيات القتالية من أول نظرة، ونسخ الشخصيات وتطويرُها أكثر سهولة بِكثير، لأن نسخ التقنيات يمنحُها القشرة الخارجية للتقنية فقط وليس لُبّها وجوهرها، ولأن تدريبها ضعيف فهي لن تستفيد منها كثيراً، لذلك جعلَها شوفين تمتهِن التمثيل بدل ذلك بما أن مسار تدريبها قد صار يعتمد على المصفوفات.

قال الحاكم

"لدينا خمس طلبات لِصقل خمسة حبوب الأمل الأخير، أتمنى أننا لم نتأخر كثيراً عن تقديم طلبنا"

هزّت رأسها وقالت باحترام

"في الحقيقة.. أوصاني زوجي عنكم وقال لي بأنه سيصنع لكم ثلاث حبات بالمجان"

تهلّلت عيونهم بالفرح قبل أن تُضيف سويكا

"وفي المقابل.. يتمنى منكم توفير عربة طائرة أو بوابة نقل إلى المناطق الوسطى لأنه يريد العودة بسرعة"

تجمّدت تعابير الجميع مباشرة، قالت "بالمجان" والآن تقول "في المقابل" ؟

ابتسم الحاكم بِحرج وقال

"يبدو بأن السيد شوفين مُتعود على الحياة في وسط القارة، للأسف.. منطقتنا بأكملِها لا تملِك أي أدواتٍ طائرة، ناهيك عن عربة طائرة، أما بالنسبة للبوابة.. نستطيع نقلَه إلى مدينةٍ على بُعد ألف ميل، لكنها لا تزال بعيدة عن المنطقة الوسطى، أنا آسف فعلاً لأننا لا نستطيع المساعدة"

أومأت بِرأسها وقالت

"لقد توقّع زوجي شيئاً مثل هذا، لذلك.. سيصنع لكم حبّتين فقط بالمجان، وفي المقابل.. ستُرسِلون معنا اثنَين من المبجّلين لحِمايتِنا من جشع العشائر الأخرى، فالحصول على خدمات كيميائي عظيم ليس أمراً قد يتغاضى عنه الآخرون"

نظر الحاكم نحو الشيوخ لِبعض الوقت ثم ابتسم وقال

"هذا سهل، سنعتني بكما جيداً"

خرج الخمسة بعد دفع ألف وخمسمائة حجر بُني مقابل ثلاثة حبوب، وخِدمة الحماية مقابل حبّتَين، وكانت ملامِحهم سعيدة وخبيثة في نفس الوقت، فهُم اعتقدوا في البداية بأن شوفين لن يخاف من أحد بِما أنه من طائفة العقل الأرجح، وذلك لأن جميع الأخبار عن هذه الطائفة تقول بأنهم وحوشٌ لا مثيل لهم ولديهم أساليب غريبة جداً، لكن شوفين يبدو خائفاً على عكسِهم، ما يعني بأنه في الغالب مجرد مُتدرّب عِندهم إذا لم يكُن يكذِب أصلاً حول هويتِه، لذلك سيكون من الجيد مُرافقُته لِبعض الوقت ثم الفتك بِه في البراري وأخذ جميع أملاكِه بدل تركِه فريسةً للعشائر الأخرى.

غادروا فخرَج شوفين وسأل سويكا

"كم جمعنا لِحدّ الآن ؟"

أخرجَت سويكا العديد من أدوات التخزين وقالت

"بالإضافة إلى الطلبات الجانبية.. لدينا أكثر من خمسين ألف حجر بنّي"

ابتسم وأمسك بعض أدوات التخزين ثم أفرغ منها أكثر من خمسة آلاف حجر بني، أخرج سلاحَه وقال له

"استمتِع جيداً، سأحتاج إليك في الأيام القادمة"

قالها ثم عاد إلى عُزلتِه من جديدٍ تاركاً سلاحَه يستمتِع بالوجبة الدسِمة.

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. هل سوف يستولي شوفين على هذه المدينة ويُجبِرُهم على تسليم كنوزِهم ؟

#تحت_المجهر

2020/01/26 · 533 مشاهدة · 1108 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024