"سأُعيدُه مهما كلّف الأمر"

انطلق الشيخ الأصغر والأكثر دهاءً في مدينة روبيا نحو شوفين وكان يستخدِم درعاً عبارة عن سلاحٍ ملكي عُلوي لديه أجنِحة طويلة ورقيقة، لكنه لا يطير بِالطاقة فقط مثل الطيارة الخاصة بِشوفين وإنما يعتمِد على عنصر الرياح، ويبدو هذا الشيخ جيداً في عنصر الرياح لأنه كان سريعاً جداً، نظر شوفين خلفَه ثم ابتسم لِأن الطيارة كانت أسرَع، لكنّه عبس عندما شعر بِهالتَين جديدتَين تتبعانِه، إحداهما قادمة من مدينة روبيا وكان ذلك الخمسيني السمين من عشيرة الساق الحمراء، والثانية قادمة من الجانب وكان شيخاً أعور العين اليسرى من عشيرة بروكادا.

كان أعورُ بروكادا يستخدِم أداةً تجعلُه يقفِز من مكانٍ إلى آخر بسرعة كبيرة، ومع أنه لا يستطيع الطيران إلا أنه كان مُكافئاً لِأندادِه، أما سمينُ الساق الحمراء فقد كان يستخدِم أيضاً أداة للطيران إلا أنها تطير على ارتفاعٍ مُنخفضٍ جداً، نظر إليهم شوفين وحدّد سرعتَهم وكان شيخ مدينة روبيا هو الأسرَع، ومع ذلك.. كان لا يزال بعيداً عن شوفين بِسبب سرعة الطيارة، خاصة بعد التهام الرمح الملكي الذي اشتراه من المزاد، إضافة إلى كمية كبيرة من الأحجار البنّية.

بعد نصف ساعة من المطاردة.. كانوا قد خرجوا من المناطِق المأهولة ودخلوا إلى صحراء صخرية لا نهاية لها، ومع أن شوفين كان أسرع منهم إلا أنهم لم تكُن لديهم أي نية للتوقف أو التراجع، لذلك تواصل شوفين مع زِنهار وطلب منه الاستعداد للقتال، بعدَها.. أبطأ شوفين سرعتَه قليلاً وتظاهر بأنه مُنهك، ابتسم داهية روبيا لأنه اعتقد بأن الطيارة تأخذ طاقتها من شوفين مباشرة، ما يعني بأنه سيُنهك عاجلاً أو آجلاً، لذلك زاد سرعتَه وأخرج سيفاً أسود اللون عبارة عن سلاحٍ ملكي استعداداً لِلحظة اللقاء.

تباطأ شوفين تدريجياً وكان داهيةُ روبيا هو الأقرب إليه وخلفَه كان أعور بروكادا بِأداة القفز الخاصة به، أما سمين الساق الحمراء فقد كان أبطأ من الجميع ولا يزال بعيداً عنهم، ابتسم شوفين بِخبثٍ وأَنقصَ سرعتَه حتى كاد يصِل إليه داهية روبيا، وحينها.. استخدَم شوفين مصفوفة النقل التي سبق ورسَمها على الطيارة فاختفى من مكانِه، ارتجف داهية روبيا لِأن شوفين قد اختفى تماماً، وقبل أن يستشعِر المُحيط.. ظهر شوفين خلفَه ونظر نحو أعور بروكادا الذي تفاجأ ولم يكُن مُستعداً للقتال.

ظهر شوفين أمام أعور بروكادا وحوّل الطيارة إلى عجلة التدمير ثم نقلَها لِتظهر خلف رأسِه، وبهذا الإجراء السريع.. لم يكُن لدى أعور بروكادا أي شيءٍ لِيفعله لأنه سبق وتفاجأ من شوفين أمامَه لذلك لم يستطِع تفادي عجلة التدمير التي ظهرَت خلف رأسِه، لذلك..

وشخخخخ~

طارَت رأسُه مباشرة بِسبب إهمالِه الشديد لأنه كان يعتقِد بأن داهية روبيا هو الأقرب والأكثر قابلية للقتال، أما هو فقد كان يُركّز على أداة القفز المُزعِجة والتي يتوجّب على مُستخدِمها مراقبة الأرض وتضاريسِها حتى لا يقع في الوديان والأخاديد العميقة.

طارَت رأس أعور بروكادا في جزءٍ من الثانية التي انتقل فيها شوفين خلف داهية روبيا، وعندما شعر داهية روبيا بأن شوفين موجودٌ خلفَه.. استدار بِسرعة كبيرة حتى يتفادى أي هجومٍ غادِر، لكن.. وفي هذه اللحظة.. رأى أمامَه شخصاً ضخماً يهبِط على رأسه بِسيفٍ عملاق، وكان هذا هو زِنهار الذي أخرجَه شوفين من عالمِه الفراغي في اللحظة التي انتقَل فيها، ارتعَب داهية روبيا ورفع سيفَه لِتلقي الضربة القوية والمليئة بالطاقة، وكان خبيراً في القتال والدهاء حيث استطاع استجماع كل طاقتِه وصدّ بِها ضربة زِنهار الجارِفة.

لكن.. لا يبدو بأن إجراءَه قد منع إصابةً خطيرة من ظهرِه، حيث وجّه شوفين عجلة التدمير نحو ظهرِه وصنع شرخاً عميقاً بِسبب جمع داهية روبيا أغلب طاقتِه في سيفِه للتصدي لِضربة زِنهار القوية وتركِ ظهرِه بِدون دفاع لأنه لم يُفكّر في أن هجوماً سيأتيه من اللامكان، حيث كان شوفين يستخدِم خيوط الظلام لِنقل عجلة التدمير أينما شاء، وبنفس الطريقة.. سحب عجلة التدمير إليه وحوّلها مرة أخرى إلى الطيارة ثم ركِبها قبل أن يصِل جسدُه إلى الأرض حيث كان يسقُط منذ ثلاث ثوانٍ بِسبب تحويل الطيارة إلى عجلة التدمير.

حدثَت المعركة في ثلاث ثوانٍ فقط بِسبب دهاء شوفين، وبسبب إصابة داهية روبيا.. كان الأمر سهلاً على زِنهار لإنهاء حياتِه، لذلك انصرف شوفين نحو سمين الساق الحمراء، توقّف السمين فجأة وصرخ

"أنا لستُ عدواً"

تعرّف عليه شوفين لأنه كان أحد الذين أتوا إلى سويكا وأعطوها المال، ابتسم في وجهِه وقال ساخراً

"حقاً ؟
إذا لم تكُن عدواً فلِماذا أنت هنا ؟
لا تقل لي بأنك أتيتَ لاسترجاع مالِك ؟"

ابتسم السمين بصعوبة وقال

"لا لا، أنا لا أريد مالي، كل ما في الأمر هو أني أردتُ إخبارك بِشيءٍ يخصّك"

في هذه اللحظة.. سُمِعت صرخة داهية روبيا بعد أن أجهز عليه زِنهار، امتلأ وجه السمين بالعرق قبل أن يُخرِج حجر التصوير ويقول

"أردتُ إعلامَك بأن هناك عشيرةً تافِهة تُسمى الأصبع السادس، وكانوا يبيعون حجر التصوير هذا وفيه تسجيلٌ لك مع سلاحٍ قوي"

عبس شوفين لأن هذا كان خطأَه عندما أخبر أفراد الأصبع السادس بأنه فردٌ من عشيرة الطريق المقطوع في صحراء بيجاد، ويبدو بأنهم قد زاروهم للانتقام منهم وحصلوا على هذا التسجيل، وسيكون أمراً مُزعِجاً إذا وصل إلى وسط القارة.

صمت قليلاً بينما وصل زِنهار وفي يدَيه جثّتَي الأعور والداهية، نظر إليه شوفين قليلاً ثم استدار إلى السمين وقال له

"دَع خاتمَك وأسلِحتك ثم انصرِف، لا أريد قتلك بِما أنك قد أتيت بنِيّة حسنة"

ابتلع السمين ريقه وكاد يلعن طريقة تفكير شوفين، هل يسرق أغراض كل من أتى لِمساعدتِه ؟
لكنه تمالك نفسه وبدأ ينزِع سلاحه الذي يطير به وخاتمه وبعض الأدوات التي كان يلبِسها لأنه يعلم بأن شوفين ليس غبياً حتى يُصدّقه، ولو كان حقاً يُريد مُساعدة شوفين لكان قد زاره في الفندق، لذلك كان سعيداً رغم خسارتِه.

عبس زِنهار لأنه لم يرغب بِتركِه يذهب، إلا أن شوفين كانت لديه خُططه الخاصة حيث قال للسمين

"أخبِر العشائر بأن شوفين من طائفة العقل الأرجح سيعود مع قومِه لِمُحاسبة مدينة روبيا وكل من طاردَه، ومن أراد الإفلات مِن عِقابي فليقُم بِتدمير عشيرة الأصبع السادس ويقتُل رئيسها وشيوخها"

قال هذا ثم خزّن الأغراض وغادر، نظر إليه زِنهار من الخلف قبل أن يتبَعه فابتلع السمين ريقَه وشكر حظّه لأنه نجا من هذا الشخص الغريب، خاصة بعد رؤية زِنهار يظهر من التموّج الفراغي والذي لا يجِب أن يُحدِثَه سوى خبراء مرحلة الفراغ، ما يعني بأن شوفين قد يكون أقوى مِما يظنّون جميعاً، وما عليه الآن سوى العودة إلى عشيرتِه لإخبارِهم بأن عليهِم القضاء على عشيرة الأصبع السادس قبل الآخرين حتى يكسِبوا تأيِيد شوفين، لكنه سيُطبّق أمر شوفين بإخبار الجميع كما طلب تفادياً لأي إشكال، والمهم هو عشيرة الساق الحمراء هي التي ستقوم بالمهمة.

أخذ زِنهار الكنوز وخواتِم التخزين من الجثّتَين ثم ألقاهما بعيداً، إلا أن شوفين وجّه خيوط الظلام نحوهما وأخرج منهما جوهر الدم وخزّنه في زجاجة صغيرة، بعدَها.. أدخل زِنهار إلى عالمِه الفراغي دون أن يشرح كثيراً، واصل الطيران باستخدام الطيارة لعِدة أيامٍ حتى خرج من المنطقة الصحراوية وبدأت معالِم منطقة جديدة تتّضح أمامه، وفي الأخير.. وصل إلى مدينة كبيرة، لكنه لم يدخلها وإنما قرّر أخذ استراحة بعد عدة أشهر من التسكّع في البراري مع سويكا.

...

في العالم الفراغي، كانت سويكا تقِف في طريق ريكو وتنظُر إليه بِنظرةٍ مُخيفة، تراجع ريكو خُطوة للخلف وقال بِنبرة قريبة من البكاء

"أرجوك أختي سويكا، أنا لم يعُد معي ما أعطيه لك"

اعوجّ فم سويكا وهي تقول

"قردٌ لعين، أليس هذا ما قُلته لي في آخر مرّة ؟"

ابتلع ريكو ريقَه وقال

"أنا أتحدث الحقيقة هذه المرة، صدقيني أرجوك"

رفعَت يديها وأنشأت مصفوفة صغيرة واحتجزَت ريكو داخلها ثم صرخت عليه

"أخرِج جميع أغراضِك لأختار منها وإلا انتزعتُ حجر التخزين من رأسِك"

تدخّل إينجِه من الجانب وكان يتعرّق جبينُه لأنه سبق وتعرّض هو أيضاً للتنمّر على يدِها، تدخّل قائلاً

"دعيه أرجوك يا آنسة سويكا"

هيييه ؟

استدارَت نحوَه بِنظرة أكثر إخافة وقالت

"هل تريد منّي أن أنزِع ملابِسك هذه المرة ؟"

تراجع بِضع خطواتٍ للخلف واختبأ خلف راموليا، عبسَت راموليا وصرخَت بِنبرة تهديدية

"سويكا.. لا تُبالغي كثيراً"

سخِرت منها سويكا

"هِه ... مجرّد جارية تُريد تعليمي كيفية التصرّف!"

احمرّ وجه راموليا عندما سمِعت هذا من سويكا التي كانت تشعُر بالخجل على الدوام وتولي لها احتراماً كبيراً كونها مُعلّمة في العشيرة، وقبل أن تقول شيئاً..

وراااف~

نزلت صفعة على رأس سويكا من الخلف، استدارت لِتجد بأنه شوفين، تغيّرت تعابيرها مباشرة وانقضّت عليه وهي تصرُخ

"زوجي العزيز، لقد عُدتَ أخيراً"

عانقته بِحرارة بينما كان مُتجمّداً في مكانِه، وبعد بِضع ثوانٍ.. ابتسم وقال

"نعم، كِدت أنسى بأننا نتظاهر"

مدّ يدَيه أيضاً وعانقَها لِبعض الوقت قبل أن يسألها

"لِماذا كُنتِ تُزعجينهم ؟"

ابتسمت بِحرج ثم قالت

"لم أقصِد الإساءة إليهم وإنما كُنت فقط أتدرّب على التمثيل"

وراااف~

نزلت صفعة أخرى على رأسها ثم قال لها

"والآن.. تدرّبي على فنون الاعتذار، لا تتوقّفي عن التدرّب حتى يُسامِحوك"

قال هذا ثم دفعها نحو راموليا بقوّة فبدأت تعتذِر بِطريقة ارتجالية وهي تتصنّع الندم والبكاء، تركهم شوفين وانصرف نحو الشعلة الحمراء ثم أخرج الأغراض التي أخذها من المبجّلين الثلاثة الذين طاردوه سابقاً، نظر إلى أدوات الطيران ثم تساءَل

"لِمن سأمنح هذه يا تُرى ؟"

--------------
سؤال الفصل:
حصل شوفين على أداة طيران تتطلّب عنصر الرياح، وأخرى تتطلب الطاقة لكنها تطير على مُستوىً مُنخفِض، والثالثة للقفز عالياً، في رأيك.. لِمن سيمنحها ؟

#تحت_المجهر

2020/01/26 · 534 مشاهدة · 1395 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024