99 - النصاب والمُحتالة

"لِمن سأمنَح هذه يا تُرى ؟"

رفع أداة القفز التي كانت مع أعور بروكادا، تصفّحها قليلاً وكانت قطعتَين تُركّبان على الساقَين، وكلما تم تشغيلها تقوم بإطلاق موجة تفجيرية من الطاقة فتدفَع الشخص للأعلى، وفيها آلية للتوجيه والحفاظ على التوازن، ومع أنها مُصمّمة للبشر إلا أن شوفين قرّر إعطاءها لِريكو، ولن تنفعَه إلا بعد التحول إلى نمط الغوريلا، وفي الأوقات العادية سيقوم بِتخزينها في حجر التخزين الموجود في جبهتِه، لذلك ناداه وأعطاها له لِيتدرّب عليها.

رفع الأداة التي كانت مع سمين الساق الحمراء، وكانت تعتمِد على الطاقة الداخلية لكنها ليسَت سريعة ولا تطير على ارتفاعٍ كبير، ومع ذلك فهي مفيدة لِمن لا يمتلِك مِثلها، لذلك أعطاها لِزنهار وقال له

"للأسف.. الأداة الأفضل تعمل اعتماداً على عنصر الرياح، لذلك لن تُفيدك"

أخذ زِنهار أداة الطيران ولبِسها مُباشرة حيث تُلبس تحت الثياب، وبِطريقة ما.. فقد كانت تتكامل مع دِرعِه الذي يلبِسه على الدوام.

رفع شوفين أداة الطيران الأخيرة وكانت مثل الحِزام، وعند ضخّ الطاقة فيها تقوم بإنشاء جناحَين رقيقَين من الطاقة، أما طاقة الدفع فيجِب أن تكون من عنصر الرياح، ابتسم وهو ينظر إلى الحِزام ثم ألقاه على سويكا وقال لها

"أنقُشي عليها مصفوفة العاصفة الصفراء، ثم تدرّبي عليها فوق البُحيرة حتى لا تتأذّي عِندما تسقُطين"

أمسكَت الحِزام الرقيق بِسعادة وبدأت العمل عليه، التفَت شوفين ورأى راموليا واقفة في زاوية بعيدة، ومع أنها لم تُظهِر شيئاً إلا أن شوفين أحسّ بِغيرتِها من رِفاقها لأنها لم تحصُل على أي شيءٍ من شوفين منذ وقتٍ طويل، ابتسم وقال لها عبر التخاطُر

"لدي الكثير من الكنوز في الخزانة، اختاري منها ما تشائين"

لوّح بِيده ونقلها إلى الخِزانة التي كان قد بناها قبل فترة، انتهى من رِفاقه المزعِجين ثم نادى على زِنهار وقال له

"أنا أحتاج إلى قوتِك"

رفع زِنهار حاجِبيه وقال

"هل ظهر عدو جديد ؟"

هزّ شوفين رأسه جانبياً ثم قال

"أنا أواجِه مشكلة في الاختراق إلى مرحلة المجال مع أن كل الظروف قد تمّ تحقيقُها، مُشكلتي هي أني لم أواجِه ظروفاً قاسية أبداً منذ امتلاكي لِهذا الجسد، لذلك أريد منك أن تقوم بالهجوم عليّ بِغرض القتل، أريد منك تمزيق جسدي هذا لِعددٍ لا يُحصى من المرّات"

استغرَب زِنهار قليلاً قبل أن يتذكر بِأن جسدَه هذا مجرّد نسخة روحية، لكنها تشعر بِالألم وتؤثر على الجسد الرئيسي، والاختلاف هو أنها لا يُمكِن قتلُها لأنها ستتشكل مرة أخرى ما دام شوفين في وعيِه.

اختار شوفين مكاناً مُدمّراً في عالمِه ثم استعدّ وقال

"لا تقلق علي حتى وإن صرختُ من الألم، لأني بِحاجةٍ إلى التحفيز"

أومأ زِنهار وانقض نحوَه، استخدم شوفين مهاراتِه في المناورَة دون الاعتماد على تقنية الألف ظل، لذلك أدركَه زِنهار بسرعة وضربَه بِقوّة إلى بطنِه، تفعّل الجسد المعدني على الفور وقلّل من قوة الضربة، عبس شوفين وقال

"اضرِب بأقوى ما لديك حتى وإن فجّرتني فلا توجد مشكلة"

ضمّ زِنهار شفتَيه قليلاً ثم رفع طاقتَه وانقض عليه بِلكمة قوية جعلَت الأرض تهتز، اصطدَمت اللّكمة مع جسد شوفين فتفعّل الجسد المعدني، لكنّه لم يستطِع منع اللكمة لذلك تحوّل إلى الجسد الهلامي في جزءٍ من الثانية، لكن ذلك الجزء لم يكُن سريعاً بِما فيه الكفاية فاخترقَت الضربة جسد شوفين وقسمَته إلى نِصفين، سعل دماً ثم بدأ جسدُه يتفتّت، ومع أن الأمر كان مؤلماً جداً إلا أن شوفين لم يتأوّه حتى.

لم تمضِ أكثر من ثانية حتى ظهر جسدٌ آخر مكان الجسد المُدمّر، وفي هذه اللحظة كان الجميع قد تجمعوا للمشاهدة وعلى وجوهِهم تعابير الاستغراب والشفقة، بدأ زِنهار من جديد في عملية تدمير جسد شوفين، وفي كل مرة كان يعود فيها.. كانت علامات الألم والتعب تظهر عليه، إلا أنه لم يشتكِ أبداً وإنما واصل تلقي الضربات، ومع الوقت.. صار الجسد الهلامي يتفعّل بِشكلٍ أسرع، لذلك زاد زِنهار من قوّتِه حتى يستطيع تدمير جسد شوفين، وفي النهاية كان يضطرّ لاستخدام الطاقة في ضرباتِه لزيادة مدى تأثيرها.

بعد ثلاثة أيام مُتواصلة من التدمير.. صارت حالة شوفين سيئة جداً، ورغم أنه قد اكتسَب مناعة جيدة وتم تطوير الجسد الخالِد، إلا أنه كان يستطيع بالكاد التمسّك بِوعيِه، وبعد فترة قصيرة.. قال بِنبرة غير مُتماسِكة

"سأخرُج الآن وأجرّب الاختراق"

قال هذا ثم اختفَت نسختُه وكان قد تمّ تدميرُها لِأكثر من مائة مرة، خرَج مِن عالمِه لكنه لم يخرُج من البيت الآمن حيث كان يختبئ تحت الأرض كالعادة، وفي البيت الآمن.. كان جسدُه مليئاً بالدماء بِسبب تأثّرِه بِما يحدُث لِنسختِه الروحية، وفي العادة يكون التأثير قليلاً، لكنه هذه المرة كان كبيراً بِسبب كثرة التدمير الذي حصل لِنُسختِه، كما أن شوفين قد تعمّد عدم فصل وعيه عندما يتم تدمير نسختِه، لذلك كان التأثير ينعكِس عليه أيضاً، تنهّد عندما استشعر حالتَه ثم بدأ يستهلِك كميات كبيرة من الطاقة من الوريد الروحي والأحجار البنّية، لم يُركّز على عِلاج إصاباتِه وإنما ركّز على ملء وِعائِه بالطاقة البدائية بعد دمج الطاقة الداخلية والطاقة الخارجية، حيث كان الوريد يمثل الطاقة الداخلية، بينما تُمثّل الأحجار البنية الطاقة الخارجية.

استمر في هذه العملية لأكثر من ثلاثة أيام، وبعدَها.. فتح عينَيه وبدأ يُعالِج إصاباتِه بينما كان وجهُه عابساً، وذلك لأنه لم يكُن يرى أمامَه أي طريقة للاختراق إلى مرحلة المجال، في الحقيقة.. ليس وكأنه لم يكُن يملِك أي طريقة مُناسبة تُساعِده على تجاوُز عنق الزجاجة، لكنه لا يرغب في تطبيقِها بِسبب آثارها الجانبية، كما أنه يعلم أن سبب عنق الزجاجة الحالي هو اختراقاته السريعة في الأشهُر الماضية.

خرج من البيت الآمن ولبِس رداءً له قلنسوة تُخفي الوجه ثم غيّر لون شعرِه للأسود، بعدها.. أخرج سويكا وقال لها

"أمامنا مدينة كبيرة، أنتِ سيدتي الصغيرة، ومُعلّمك شخص مُهم في طائفة العقل الأرجح، وأنا خادمُك الذي يحميك أثناء تِجوالك في العالم، سنقوم بالاحتيال على الجميع مرّة أخرى"

...

بعد ستة أشهُر.. وصل شوفين وسويكا أخيراً إلى حدود الأراضي الوسطى، وكان الاثنان قد نصبا على أكثر من عشرين مدينة وعشيرة، وذاع صيت الاثنين باسم النصاب والمُحتالة، ورغم جميع المحاولات للإمساك بهِما إلا أن المُطارِدين إما يرجِعون خائبين وإما لا يرجِعون أبداً، خاصة بعد زيادة قوة ومهارة سويكا في المصفوفات وصارَت تستطيع الصمود حتى ضد متدربي مرحلة المجال، وذلك بِسبب قوة المصفوفات التي أعطاها شوفين لها، إضافة إلى مخزون الطاقة الهائل الذي تملِكُه في جوهرة الصاعقة الخرساء.

في وقتٍ سابق.. أعطاها شوفين حبة الصعود الفجائي فاخترقَت تدريجياً نحو مستوى تهيئة الوعاء، وهذا ساعدَها على زيادة انتباهِها ومرونتِها في المعارِك، لكن تخصّصها الرئيسي هو المصفوفات، لذلك لم يكُن تدريبُها مهماً كثيراً.

في الفترة السابقة.. ساعد زِنهار جميع الصغار بِاستخدام خِبرتِه وموارِد شوفين التي كان يسرِقها من العشائر، اخترَقت راموليا إلى قمة المستوى الأول مِن مرحلة التألق وازدادَت حِدة هجماتها كما تطوّرت سمومها بعد استهلاك كمياتٍ كبيرة من السموم.

اخترق ريكو إلى مستوى تهيئة الوعاء وتطوّر تحوّله وازداد قوةً بعد استهلاك جوهر دم العديد من الوحوش، كما تدرّب على سلاح القفز وصار وكأنه جزءٌ منه، لكن تقدّم تدريبِه واستغلالِه لِقدراته لا يزال تحت المستوى، لذلك لم يجرؤ على مُفاتَحة شوفين بخصوص موضوع التحول إلى الشكل البشري رغم استهلاكِه لِجوهر دم العديد من المبجّلين اللذين قتلهم شوفين وزِنهار خلال الأشهر الستة الماضية.

إينجِه أيضاً اخترق إلى مرحلة التألق اعتماداً على طاقة الخشب وتقنية الشجرة، وبدأ يُشكّل تقنياتٍ دفاعية وهجومية اعتماداً عليها، وفي نفس الوقت كان يتدرّب على القوس حيث صار يستطيع إصابة بعض الأهداف المتحرّكة، لكنّه كان في بداية التدريب في نظر شوفين الذي يعرِف القوة الحقيقية لِأطفال الغابة.

بين الحين والآخر.. كان شوفين يطلب من زِنهار تدمير نسختِه الروحية، ومع أنه قد دمّرها لِأكثر من ألف مرة، إلا أن شوفين لم ينجح في الاختراق بعد، ومع ذلك.. صار زِنهار لا يستطيع تدمير نُسختِه الآن إلا إذا استخدَم أقوى ضرباتِه، وحتى عند استخدام أقوى ما لديه إلا أنه ينجح فقط في تفعيل الجسد الهلامي وليس تدمير النسخة كما كان يفعل دائماً، وهذا فقط مع النسخة التي تُعتبر أضعف بِكثير من جسد شوفين، ما يعني بأن قوته الجسدية قد ازدادت كثيراً عن السابق.

كان شوفين يتنقّل وحيداً فوق الطيارة ولا يُخرِج سويكا إلا عند استهداف مدينة جديدة، وبعد تجربة سويكا للعديد من المواقف وتقمّصها للعديد من الأدوار والشخصيات.. صارَت موهبة التمثيل عندها لا تُضاهى لِدرجة أن شخصيتَها الحقيقية قد اختفَت تقريباً وصارَت تُمثّل على الدوام، لذلك قرّر شوفين بِأن يوقِف تدريبَها على التمثيل في الوقت الحالي حتى تعتَني بِالبيضة التي صارَت لديها مُتطلبات كبيرة من ناحية التغذية.

كانت البيضة في الأشهر الماضية تستهلِك كميات ضخمة من الوريد الروحي، لذلك حاول شوفين قمعَها بِالقوة، ولِسبب ما.. كانت البيضة تخاف منه، خاصة عندما يستخدِم تقنية النور المظلِم لِكبح جِماحِها، وكانت تهرُب ناحية سويكا وكأنها أمها التي ستُدافِع عنها، وهذه كانت إشارة جيدة عن العلاقة التي تكوّنت بين سويكا والبيضة، لكن شوفين كان ولا يزال يُحاوِل التواصل مع البيضة عبر القوى الروحية لِيضع عليها ختم الروح، لكن البيضة كانت تصدّه دائماً ولا تسمح له بِاختراق روحِها.

أثناء طيران شوفين في البراري.. شعر بِشيءٍ مألوف، لذلك اتّجه نحوَه وصنع دائِرة كبيرة حوله حتى حدّد مكان تواجُدِه داخِل عشيرة صغيرة تسكُن جبلاً عالياً ولا يُمكِن ملاحظتها من أول نظرة، وكان شوفين يُراقب من بعيدٍ حتى لا يُثير انتباه أقوياء العشيرة، وأثناء مراقبتِه.. رأى مجموعة من المقاتلين يقودون العديد من الأطفال نحو العشيرة، وكانوا يربطونهم بالسلاسل ويَجرّونهم غصباً عنهم، أثارَت هذه الحادثة اهتمام شوفين أكثر فقرّر التمركُز على جبل بعيد ومراقبة ما يحدث في هذه العشيرة النائية.

بعد أسبوع من المراقبة.. تكررت عملية جلب الأطفال مرة أخرى، ما يعني بِأن العشيرة لديها أذرُعٌ كثيرة في عِدة مناطق رغم أنها تبدو عشيرةً صغيرة، وهذا أثار اهتمام شوفين أكثر وأكثر، وبعد فترة من الوقت.. قرّر الاستكشاف من الداخل، لذلك وقَف في طريق مجموعةٍ تقود الأطفال وجرَح نفسَه وخرَق ثيابَه ثم سقط على الأرض قبل أن يصلوا إليه، وعندما مرّت به المجموعة.. لاحظوا بِأنه لا يزال على قيد الحياة، رفع شوفين رأسَه وصرخ باكياً

"أنقذوني.. أنا مصاب"

نظر إليه مقاتلٌ أحمر اللون قبل أن يسأَله

"مِن أين أنت.. وكيف وصلتَ إلى هنا ؟"

قال شوفين باكياً

"لقد.. تعرّضنا لِكمينٍ فقام معلمي باستخدام آخر ما لديه من طاقة لِنقلي إلى مكانٍ عشوائي، لكني جُرِحتُ أثناء ذلك"

كان المقاتل الأحمر في قمة مرحلة التألق وكان يعرِف عن تقنيات الانتقال المكاني، لذلك كانت حجة شوفين معقولة، ابتسم نحوَه وقال لِرفاقِه

"ساعدوه، يبدو بأنه محظوظ لأنه التقى بِنا"

قال هذا ثم أطلق ضحكة شريرة، ساعدَه أحد المقاتلين على الوقوف ثم وضع عليه السلاسل، صرخ شوفين بقوة ويأس

"ماذا تفعل ... أطلِقني ... دعني رجاءً"

قهقه المقاتل ثم قال

"واحدٌ إضافي بِدون تعب"

صرخ شوفين طويلاً قبل أن يصمُت، وكان مربوطاً مع العديد من اليافعين الآخرين وكلهم تحت سنّ العشرين، سأل أحدَهم وكان شاباً طويلاً

"أين يذهبون بنا ؟"

عبس الشاب الطويل وقال بِأسف

"إنهم من عشيرة شيطانية جديدة، كانوا يخطِفون الصغار منذ أكثر من سنة، لكن مكان عشيرتِهم غير معروف، لذلك لم يُفلِح شيوخ عشائرنا في إيجادِهم"

سألَه مرة أخرى

"هل عاد أحد المخطوفين من قبلُ أو ظهر في مكانٍ ما ؟"

هزّ الشاب الطويل رأسه بِالنفي ولم يقُل شيئاً، بدأ شوفين بِالتفكير في هذه العشيرة الشيطانية حيث توجد العديد من الممارسات الشيطانية في هذه العوالِم، وإحداها.. ما فعلَه شوفين سابقاً بِصقل طفلٍ حديث الولادة، لكن أخذ اليافعين تحت العشرين قد يكون لِاستعبادِهم أو تحويلِهم إلى جيشٍ من الجُثث أو غير ذلك من الطرق الشيطانية، وجميع هذه الطرق يعرِفها شوفين جيداً، وهذا زاد اهتِمامَه وقرّر استكشاف ما يحدُث في الداخِل، خاصة أن لديه شأناً خاصاً مع شخصٍ ما هُناك.

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. من يكون هذا الشخص الذي له شأن مع شوفين ؟

#تحت_المجهر

2020/01/27 · 566 مشاهدة · 1759 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024