الساعة كانت تقترب من منتصف الليل عندما انطلق هشام من منزله، متجهاً إلى الميناء الصغير الذي يقع على أطراف المدينة. كانت السماء فوقه ملبدة بالغيوم الكثيفة، وكأنها تعكس نذر الشر الذي يوشك أن ينفجر في المدينة. أمضى هشام الساعات الماضية في دراسة المخطوطات القديمة، التي قادته إلى أدلة غامضة عن مكان يعرف باسم "أرخبيل الشياطين". لقد أخبرته تلك النصوص القديمة عن جزر نائية تعج بالأسرار والشرور القديمة، ويبدو أن حياته أصبحت متشابكة بشكل غير متوقع مع هذا المكان المظلم.

عندما وصل إلى الميناء، كان المنظر أمامه محبطاً. كانت المراكب الراسية على الشاطئ تبدو مهجورة، والأمواج التي كانت تتلاطم بها بدت وكأنها تحمل تهديدات غير مرئية. استقل هشام قاربه الصغير، الذي كان يملكه منذ سنوات، والذي لم يكن يتمتع بأية ميزات خاصة، ولكنه كان ملاذه الوحيد في مغامراته العديدة.

بينما كان هشام يبحر عبر المياه الداكنة، كان يقلب صفحات دفتر ملاحظاته، مستعرضاً تفاصيل خريطة قديمة تشير إلى موقع الأرخبيل. كانت هذه الخريطة مليئة بالرموز والكتابات الغامضة، التي كانت تشكل مفتاحًا لحل ألغاز الأرخبيل. في خضم التفكير والتركيز، لم يشعر هشام بمقدار الوقت الذي مر، حتى أدرك فجأة أنه قد أبحر بعيداً جداً عن الشاطئ، وبدأت البيئة حوله تتغير تدريجياً.

كان الأرخبيل يظهر في الأفق ككتل مظلمة من الأرض ترتفع فوق سطح البحر. كان يشبه في شكله كوابيس بصرية، وكأنها قطعة من الجحيم قد تمزقت عن بقية العالم. على الرغم من أن الأرخبيل كان يقترب ببطء، فإن هشام كان يشعر بارتعاش في أعماقه، وكأن شيئاً غير مرئي كان يراقبه.

عندما وصل إلى الجزيرة الرئيسية للأرخبيل، كانت المناظر أكثر رعباً. كانت الأشجار ذات الأوراق الداكنة تتدلى بشكل شاذ، وكأنها تُعبر عن شياطين قديمة تبحث عن ضحاياها. كانت الألوان حوله مزيجاً من الرمادي والأسود، مع ضوء خافت يتسلل من بين السحب. كانت الرياح تعصف بالأشجار وتدوي بصوت مرعب، كما لو أنها تحذر من اقتراب هشام.

دخل هشام الجزيرة بحذر، مستعيناً ببطارية ومصباح يدوي. كانت خطواته على الأرض الصخرية تؤدي إلى أصداء مظلمة، وكأن الجزيرة نفسها كانت تتنفس. كانت كل زاوية من الجزيرة تنبض بالحياة بطريقة غير طبيعية، مع أشكال غير مفسرة تظهر في الظلام.

أثناء استكشافه، عثر هشام على بقايا آثار لطقوس قديمة. كانت تماثيل مرعبة وأبراج حجرية متداعية تتناثر في أرجاء الجزيرة، وكل منها يحمل رموزاً قديمة تتحدث عن قوى خفية. كانت الألوان على الصخور والمباني قديمة ومتهالكة، وامتلأت بالشقوق والتآكل، مما أعطى المكان إحساساً بالقدم والظلام.

في وسط الجزيرة، اكتشف هشام كهفاً كبيراً، مدخله كان مغطى بأحجار ضخمة. كان الكهف يبدو كأنه يتسع إلى أعماق الأرض، وكان هشام يشعر بهواء بارد ينبعث منه، كأن هناك شيئاً عتيقاً غير مريح يعيش في الداخل. دخل هشام الكهف، وعبر أنفاقاً ضيقة ورطبة، حتى وصل إلى غرفة واسعة مغطاة بالرموز المضيئة والرماد المتناثر.

في وسط الغرفة، كان هناك مذبح قديم، عُرضت عليه بقايا تماثيل وشظايا من الطقوس السابقة. كان هناك كتاب قديم مفتوح على المذبح، تتخلله صفحات ممزقة وتآكلت أطرافها. عندما اقترب هشام من الكتاب، ترددت أصوات غامضة من حوله، وكأن الأرواح التي سكنت الجزيرة قد بدأت في استيقاظها.

فتح هشام الكتاب بحذر، وبدأ في قراءة النصوص القديمة المكتوبة بلغة غير مفهومة. كان النص يتحدث عن طقوس سحرية تستدعي قوى قديمة كانت ذات تأثير هائل على العالم. كانت الكتابات مليئة بالشفرات والرموز التي تعكس علم السحر الأسود، وبدأ هشام يشعر بضغط نفسي هائل.

بينما كان يقرأ، فجأة تردد صوت قادم من أعماق الكهف. كان الصوت يشبه الهمسات والأنين، وكأن شيئاً ما كان يتحرك خلفه. أدرك هشام أنه لم يكن وحده، وبدأت الرياح تصرخ في الكهف، وكأنها تنذر بقدوم خطر.

في اللحظة التي التفت فيها هشام، اكتشف مخلوقاً ظلياً يتسلل من الظلام. كان الكائن يشبه شبحاً مشوهاً، مع عيون حمراء متوهجة ويدين طويلتين تتدلى كالأغلال. كان المخلوق ينظر إلى هشام بنظرات مليئة بالكراهية، وكأنها تتوق إلى استعادة قوتها من خلاله.

اندلعت معركة عنيفة بين هشام والمخلوق، حيث استخدم هشام كل ما لديه من قوة وشجاعة. كانت ضرباته وحركاته عشوائية، ولكنها كانت تنجح في دفع المخلوق بعيداً. في النهاية، استمر هشام في النضال، وكان يشعر بمرارة الانتصار والتعب. في لحظة صمت، تراجع المخلوق إلى الظلام، تاركاً هشام في حالة من الإعياء والدمار.

وبينما كان هشام يجلس على الأرض، متعباً ومحطماً، بدأ في التفكير في ما اكتشفه. كان يعلم أن هذا ليس سوى جزء من سلسلة أكبر من الأسرار التي تنتظر الكشف. الأرخبيل كان يحمل أسراراً أعمق، والألغاز التي لم تُحل بعد كانت تهدد بمزيد من الفوضى والدمار.

خرج هشام من الكهف، محاولاً أن يستجمع قواه. كانت الشمس تشرق ببطء، وكأنها تجلب الأمل في بداية جديدة. ومع ذلك، كان هشام يعرف أنه يجب عليه العودة إلى المدينة، وإخبار الجميع بما اكتشفه، والتحضير لمواجهة التحديات المقبلة.

في الطريق إلى المنزل، كان هشام يشعر بالقلق من ما قد يحدث في المستقبل. كانت تجربته في أرخبيل الشياطين قد فتحت أمامه أبواباً جديدة من الغموض والشر. ولكن كان لديه عزيمة قوية، وإرادة صلبة، لمواجهة ما هو قادم. كان يعرف أن رحلته لم تنتهِ بعد، وأن ما اكتشفه ما هو إلا البداية لحكاية أكبر وأعظم.

عندما وصل هشام إلى قبو المنزل، كان يلهث من التعب والقلق. أحاط القبو بالظلام، إلا من نور المصباح اليدوي الذي كان يرفعه هشام. كان الرجل الجريح يئن من الألم، وجراحه تتطلب اهتماماً سريعاً.

"ماذا حدث هنا؟" سأل هشام، وهو ينظر إلى الرجل بقلق.

"لا يوجد وقت... هم قادمون," قال الرجل بصوت ضعيف، ووجهه مغطى بعرق. "لقد اكتشفوا أنني حصلت على مفاتيحهم. إنهم يلاحقون كل من يعرف السر."

"ما هو السر؟" تساءل هشام، محاولاً فهم ما يجري. "ماذا تعرف عن الأرخبيل؟"

الرجل جاهد للجلوس، وتنهّد بعمق. "الأرخبيل هو بوابة... إلى عالم آخر. هناك قوى قديمة كانت محتجزة هناك، ولكن بعض الناس يحاولون الآن تحريرها. إنهم يريدون استخدام تلك القوى لتحقيق أغراضهم الشريرة."

فجأة، سمع هشام صوتاً خافتاً يأتي من الطابق العلوي. "أين نحن؟" سأل الرجل، وهو ينظر حوله بقلق.

"نحن في القبو تحت منزلي. علينا أن نكون حذرين،" رد هشام، وهو يمد يده ليشد الرجل ويجعله يجلس بشكل أكثر راحة. "هل هناك طريقة لكشف من يلاحقنا؟"

"لقد أخبرتك... هم لا يتركون أثراً خلفهم. ولكن يمكنك العثور على أدلة في غرفة العمليات الخاصة بي،" قال الرجل، محاولاً التحدث بوضوح رغم الألم. "الملفات هناك... ستكشف لك الكثير."

بينما كان هشام ينصت، كانت صرخات بعيدة تتعالى، مما جعل قلبه يخفق بسرعة أكبر. "عليك أن تظل هنا. سأذهب للحصول على الملفات."

سار هشام بسرعة إلى الطابق العلوي، محاولاً تجنب أي صوت يشي بوجوده. صعد السلالم بنشاط، وأدرك أنه قد يحتاج إلى البحث بسرعة وبدقة. دخل إلى غرفة العمليات الخاصة به، ووجدها مغطاة بالأوراق والمعدات الطبية. بدأ يبحث بين الأوراق، حتى عثر على ملف كبير يحتوي على معلومات عن الأرخبيل والشياطين الذين يسكنونه.

فجأة، شعر هشام بشيء غير عادي. كان هناك ظل يتحرك خلفه، وكأنه يتتبع كل تحركاته. سمع همسات غامضة، وكأنها قادمة من الجدران نفسها. تحول هشام بسرعة، وألقى نظرة على الغرفة. كان هناك شخص يرتدي عباءة سوداء، يقف في الظلام، عينيه تتلألأ بشيء من الشر.

"من أنت؟" صرخ هشام، بينما كان يحاول أن يثبت وقفته.

"لقد تأخرت كثيراً، هشام," قال الشخص بصوت مملوء بالبرود. "تعتقد أنك تستطيع الهروب مما بدأته؟"

لم يكن لدى هشام وقت للرد، فقد شعر بشيء يضربه من خلفه. استدار بسرعة ليجد نفسه محاطاً بأشخاص آخرين، كانوا يرتدون أقنعة وملابس داكنة. بدأ القتال، حيث كان هشام يضرب ويركض، محاولاً الهروب من القبضة الحديدية التي تحيط به.

تمكن هشام أخيراً من الانفلات، وعاد إلى القبو حيث كان الرجل الجريح. "هم هنا... ولكنني حصلت على الملفات. الآن، ماذا نفعل؟"

"يجب أن نذهب إلى مكان آمن. هناك أناس يمكنهم مساعدتنا، ولكن علينا أن نكون حذرين," قال الرجل، وهو يزحف ببطء نحو الباب.

"هل تعرف أين يمكننا العثور عليهم؟" سأل هشام، وهو يساعد الرجل على الوقوف.

"نعم، هناك مخبأ قديم في ضواحي المدينة. سيتعين علينا أن نتوجه إلى هناك في أقرب وقت ممكن. سنكون في أمان هناك، على الأقل لفترة."

عندما غادر هشام الرجل الجريح إلى المخبأ، كان يشاهد وراءه في قلق. كلما اقترب من الوجهة، كلما زادت الإشارات على أن هناك شيئاً أكبر من مجرد مطاردة شخصية. كانت الغيوم تتجمع فوق المدينة، والسماء تكتسي بلون داكن، وكأنها تنبئ بشيء مظلم قادم.

وصلوا أخيراً إلى المخبأ، وهو عبارة عن منزل قديم مهجور. دخلوا بحذر، وعندما أغلق هشام الباب خلفه، شعروا بوجود الأمان المؤقت. لكن هشام لم يكن قادرًا على التخلص من شعور القلق. كانت هناك أشياء كثيرة لم يفهمها بعد، وكان يعلم أن هذا ليس سوى بداية لما هو قادم.

"ما الذي نفعله الآن؟" سأل هشام وهو ينظر إلى الرجل الجريح.

"الملفات تحتوي على معلومات عن مكان قديم حيث يمكننا العثور على مفاتيح الحماية. ستكون هذه المفاتيح ضرورية لمنع تلك القوى من الخروج. ولكن، علينا أن نكون جاهزين لمواجهة كل ما يأتي في طريقنا."

فجأة، اهتز المخبأ بصوت عالٍ، وكأن شيئًا ضخمًا كان يضرب الجدران. ارتجف هشام من الخوف، وعيناه تتنقلان بسرعة حول المكان.

"إنهم هنا!" صرخ الرجل، وهو يحاول البحث عن شيء يمكن أن يستخدمه للدفاع عن نفسه.

"سنحتاج إلى خطة للهروب. لا يمكننا البقاء هنا!" قال هشام، وهو يبحث عن مخرج.

بينما كان هشام يحاول البحث عن مخرج، بدأت الأبواب والنوافذ تتعرض لهجمات متتالية. كانت هناك أصوات مشؤومة تتعالى، وكأن هناك قوى مظلمة تتسرب إلى المخبأ. شعور هشام بالخوف يتصاعد، وكان يعلم أنه يجب أن يكون شجاعاً لمواجهة هذه القوى الغامضة.

استمر هشام في العمل على اكتشاف الأسرار المحيطة بالأرخبيل، وعليه أن يكون مستعداً لمواجهة كل ما يأتي. كانت المغامرة بدأت تتعقد أكثر، وكانت الأسرار التي كان يحاول كشفها أكثر خطورة مما كان يتصور.

كلما تقدم هشام في رحلته، كلما اكتشف المزيد من الألغاز والخفايا التي كان من المفترض أن تكون محجوزة للأرخبيل. ومع كل خطوة، كان يشعر بأن الظلام يقترب منه، وأنه يقف على حافة شيء أكبر وأخطر مما كان يعتقد.

2024/08/19 · 4 مشاهدة · 1520 كلمة
Fosterbad
نادي الروايات - 2025