امتلأ الهواء بالإثارة بينما وصل هتاف الحشد "قاتل! قاتل! قاتل!" إلى ذروته. ثبت ديمون عينيه على خصمه، ونظرته تشتعل حدة.
رأى بصيصًا خافتًا من الثقة المفرطة في عيني خصمه، وابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيه. جز ديمون على فكيه، وعقله يضج بالرغبة في إنهاء هذا القتال بسرعة.
وقف خصمه شامخًا، وقدماه متباعدتان بعرض الكتفين في وقفة ملاكمة كلاسيكية. كانت يداه ملفوفتين بإحكام بالقفازات، وأصابعه منقبضة في شكل قبضات.
سقطت أشعة الشمس على جذعه العاري، مسلطة الضوء على العضلات الممشوقة التي تتموج تحت جلده.
ضاقت عينا ديمون، وازداد تركيزه وهو يتفحص كل تفصيلة في وقفة خصمه.
لاحظ كيف كان وزن خصمه موزعًا بالتساوي بين كلتا ساقيه، والوثبة الخفيفة في ركبتيه بينما كان يستعد للانقضاض.
تعالى هدير الحشد، نشاز يصم الآذان من الهتافات والصيحات التي هددت بابتلاع ديمون بالكامل. تجاهل كل ذلك، وصقل حواسه للمهمة الوحيدة التي بين يديه.
ومضت عينا خصمه بالإثارة، واتسعت حدقتا عينيه وهو يبدأ في الدوران حول ديمون.
تباطأ تنفس ديمون، وانخفض معدل ضربات قلبه وهو يدخل في حالة من التركيز التام.
كان واعيًا بكل عضلة في جسده، كل ليفة من كيانه كانت متوترة ومستعدة للانقضاض.
دفعت ساقا ديمون به إلى الأمام، وحملته قدماه بسرعة عبر العشب بينما كان يحاول تقليص المسافة بينه وبين خصمه.
ولكن قبل أن يتمكن حتى من الوصول إلى مدى ذراعه، انطلقت لكمة مستقيمة، واصطدمت بصوت ارتطام عالٍ على ذقنه.
أرسل الارتطام موجة صادمة عبر جمجمة ديمون، واصطكت أسنانه من قوة الضربة.
ارتد رأسه إلى الوراء، واتسعت عيناه في مفاجأة وهو يكافح للحفاظ على توازنه.
ولدهشة المتفرجين، لم يتهَاوَ ديمون على الأرض. بدلًا من ذلك، ترنح إلى الوراء، وارتفعت يداه إلى وجهه كما لو كان يحمي نفسه من المزيد من الضرر.
كانت اللكمة بمثابة نداء إيقاظ، تذكيرًا قاسيًا بأن ديمون كان متورطًا في ما هو أكبر منه. لم يكن يعرف ما يفعله، وما كان يجب أن يخاطر بسلامته هكذا. دب الذعر في نفسه، وعقله يسرع بإدراك أنه بحاجة لحماية نفسه.
غطت يدا ديمون وجهه، وتشابكت أصابعه وهو يحاول حماية أنفه وفمه وعينيه من الضربات القادمة.
انضم مرفقاه إلى جسده، وتقوست كتفاه في وضعية دفاعية.
أضاءت عينا الخصم بالإثارة، والتوى وجهه في تكشيرة بينما شعر بضعف ديمون.
أطلق وابلًا من اللكمات، كل واحدة منها موجهة إلى رأس ديمون وجسده بدقة وقوة.
ظلت يدا ديمون مرفوعتين، وامتصت ذراعاه تأثير كل ضربة، لكنه كان يعلم أنه لا يستطيع الاستمرار على هذا النحو لفترة أطول. كانت اللكمات تأتي بسرعة كبيرة، وقوة شديدة، وكانت خياراته تنفد.
بينما كان يتراجع، وكشطت قدماه العشب، شعر ديمون بالمعدن البارد للقفص على ظهره.
لقد حوصر، عالقًا بين المقاتل العدواني والفولاذ الذي لا يرحم.
رأى الخصم فرصته واقترب، وقبضتاه تتطايران في حركة ضبابية. اتسعت عينا ديمون وهو يحاول تتبع اللكمات، ورأسه يهتز من جانب إلى آخر وهو يحاول تفادي الضربات.
ملأ صوت ارتطام اللحم باللحم الهواء، صوت ارتطام مقزز تردد صداه على جدران القفص. شعر ديمون بذراعيه وكأنهما من رصاص، وعضلاته تصرخ احتجاجًا وهو يحاول صد اللكمات.
تقاطر العرق على وجهه، ولاذعًا عينيه وهو يكافح للحفاظ على دفاعه. كان تنفسه متقطعًا، وصدره يعلو ويهبط من المجهود وهو يقاتل للبقاء واقفًا.
لم تظهر لكمات الخصم أي علامات على التباطؤ، كل واحدة منها تسقط بدقة وقوة. بدأت رؤية ديمون تتشوش، وحواسه تترنح من الهجوم المتواصل.
انطلقت يد ديمون، وامتدت أصابعه مثل المجسات، باحثة عن أي جزء من جسد خصمه للإمساك به.
لامست راحة يده أخيرًا ظهر الرجل المتعرق، وسحبه إليه، ولفت ذراعه حول عنق الرجل كالملزمة.
توقفت لكمات الخصم، وحُبست ذراعاه بجانب جسده بينما أمسكه ديمون في التحام محكم.
كان وجه الرجل على بعد بوصات من وجه ديمون، وكادت أنوفهما تتلامس، بينما وقفا هناك، عالقين في عناق غريب.
انفجر الحشد بالضحك والسخرية، وأصواتهم يتردد صداها على جدران القفص. صرخ أحدهم: "ما الذي يجري بحق الجحيم؟ لقد جئت إلى هنا لمشاهدة الناس يتقاتلون، لا لأرى رجالًا يتعانقون وهم متعرقون!"، مما أثار جوقة من الضحكات والقهقهات المكتومة.
حتى الخصم لم يستطع إلا أن يلعن، وصوته مكتوم على كتف ديمون. زمجر قائلًا: "ما هذا الهراء يا رجل، توقف عن معانقتي!"، محاولًا التملص، لكن ديمون تمسك به بإحكام.
بينما وقفا هناك، يتأرجحان قليلًا، انزلقت أقدامهما على العشب، وأجسادهما عالقة في رقصة غريبة وحميمية.
ظلت يد ديمون ممسكة بعنق الرجل، ويده الأخرى تتسلل تحت ذراع الرجل، وأصابعه تنغرس في جانب الرجل.
كان الهواء مشحونًا بالتوتر، والصوت الوحيد هو التنفس الثقيل للمقاتلين، وصدريهما يعلوان ويهبطان متلاصقين.
تلاشت ضحكات الحشد ونداءاتهم في الخلفية، وحل محلها صوت الأنين ووقع الأقدام المتدافعة.
كان وجه ديمون متجهمًا بتكشيرة شرسة، وعيناه مثبتتان بتركيز على وجه الرجل، وفكه مشدود بعزيمة.
كان يعرف ما يفعله، كان هذا التحامًا، حركة تكتيكية لتحييد هجوم خصمه وخلق فرصة لإسقاطه أرضًا.
بينما وقفا هناك، عالقين في عناقهما الغريب، كانت نتيجة القتال معلقة في الميزان، في انتظار معرفة من سيخرج منتصرًا من هذا العناق الغريب والمتعرق.
ارتفعت ركبة ديمون إلى الأعلى، وانفردت ساقه كنابض مضغوط، حيث وجه ضربة دقيقة إلى جانب الخصم. كان الارتطام عاليًا وحادًا، صوت ارتطام مقزز تردد صداه في الهواء.
ارتعش جسد الخصم، وتوترت عضلاته عندما ارتطمت الركبة بقفصه الصدري. عبرت تكشيرة خافتة وجهه، واتسعت عيناه في مفاجأة وألم.
بدت ركبة ديمون وكأنها تغوص في جانب الخصم، وقوة الضربة تضغط على اللحم والعضلات تحتها.
تبع صوت الارتطام طقطقة خافتة، صوت العظام والغضاريف تحتج على الصدمة المفاجئة.
انحبس نفس الخصم في حلقه، ورئتاه مذهولتان للحظات من الضربة. انفتح فمه، وتسربت شهقة خافتة من شفتيه وهو يكافح لسحب الهواء.
ارتدت ساق ديمون، وعادت ركبته إلى وضعها الأصلي، لكن الضرر قد وقع. بدأ جسد الخصم في الترهل، وقوته تتضاءل مع سيطرة الألم والصدمة.