الفصل السابع – صداقة

] الجزء الأول[

قررت الخروج من المنزل.

لا أريد أن يضيع مجهود روكسي في إخراجي هباءً.

سألت باول ذات يوم وأنا أحمل الموسوعة النباتية.

“أبتي، هل يمكنني اللعب في الخارج؟”

الأطفال في مثل عمري يختفون في طرفة عين.

طبعًا لن أذهب إلى مكان بعيد جدًا، فقد أقلق والديّ إن اختفيت فجأة.

“ في الخارج؟ لتلعب؟ ليس في الفناء؟”

“ نعم.”

“ أ-أوه. طبعًا.”

وافق بسهولة.

“ صحيح، لم نترك لك فسحة لتفعل ما تريد، قررنا عنك تعلم السحر وفنون السيف، لكن اللعب مهم أيضًا للأطفال.”

“ أنا ممتن لأنكما جعلتماني أقابل معلمة عظيمة.”

كنت أعتقد أن باول شخص متشدد في التعليم، لكن اتضح أنه شخص متساهل.

وكنت أتوقع أن يطلب مني التدرب على فنون السيف ليوم كامل.

أمرٌ مؤسف.

رغم أنه شخص يعتمد على الفطرة، إلاّ أنه ليس من أتباع مبدأ ‘الإرادة تصنع المستحيل‘.

“ كم أستغرب من رغبتك في الخروج، لطالما ظننت أنك وُلدت بجسد ضعيف لكن الوقت يمضي بسرعة حقًا."

“ أكنت تحسب أن جسدي ضعيف؟”

إنها أول مرة أسمع فيها هذا الكلام. لم أمرض من قبل.

“ لأنك لم تبك إطلاقًا في صغرك.”

“ فهمت، لكن أليس من الجيد أني لا أعاني من علة؟ أنشأت طفلاً ظريفًا وقوياً. تيهئ p :”

شددت وجهي لأضحك باول، وابتسم بدوره ابتسامة مصطنعة.

“ أنت تقلقني عندما لا تتصرف كالأطفال.”

“ ما الذي لا يعجبك في كون ابنك الأكبر قد اشتد عوده؟”

“ لا شيء حقًا.”

“ هل تلمحّ أن اللهو هو الطريق الأمثل لأغدو خير خلف لعائلة قريرات؟”

“ لا أريد أن أتفاخر بهذا، ولكن أبوك كان فتى طائشًا لا يفكر سوى برفع تنانير الفتيات طوال الوقت.”

“ رفع التنانير هممم؟”

أيفعلونها أيضًا في هذا العالم؟ وهذا الظريف يصف نفسه بالطيش.

“ إذا أردت استحقاق اسم قريرات، فأحضر فتاةً معك.”

ماذا؟ أهذه طباع عائلتنا؟

ألم يقولوا لي أننا فرسان مهمتنا حماية الحدود؟ ألسنا من الطبقة الأرستقراطية بشكل أو بآخر؟ ألا توجد إجراءات رسمية أو شكليات من هذا القبيل؟ أو ربما لا، فنحن أرستقراطيون من الطبقة الدنيا .

فلنترك الأمر على ما هو عليه.

“ حاضر. إذن سأذهب للقرية وأبحث عن مكان لتقليب التنانير.”

“ لحظة، عليك أن تحسن معاملة الفتيات ولا تغتر بنفسك لأنك قوي وقادر على تسخير السحر.

قوة الرجل ليست للمظاهر والتفاخر.”

أوه، أحسنت قولاً يا أبتاه.

كلامٌ جميل، كم أودّ إسماعه أيضًا لإخواني السابقين.

هذا صحيح، لا جدوى من استخدام القوة لحل الأمور.

باول أحسن القول حقًا، أنا أيضًا إنسان منطقي.

“ أفهمك يا أبتاه، الغاية الحقيقية من القوة هو جذب اهتمام الفتيات!”

“ …. لا، لم أقصد ذلك.”

ماذا؟ ألن يتخذ حديثنا هذا المسار؟ ويحي، هعهع.

“ أنا أمزح، وُجدت القوة لنصرة الضعيف، صحيح؟”

“ آممم، صحيح.”

عندما انتهينا من الحديث، وضعت الموسوعة النباتية تحت إبطي والعصا التي أعطتني إياه روكسي عند خصري، وبينما كنت أستعد للمغادرة، تذكرت شيئا وأدرت رأسي.

“ آه، كدت أنسى إخبارك يا أبتي أني أنوي الخروج كثيرا في المستقبل لكني سأبلغكم دومًا قبل مغادرتي، وبالطبع لن أفوتّ دروس السحر والسيافة اليومية، وسأعود إلى المنزل قبل مغيب الشمس، ولن أقترب من الأماكن الخطرة.”

“ آه…. حسنًا.”

أردت توضيح الأمر فقط.

لكن باول وقف مصدومًا.

أوه، أنت من يفترض أن تقول لي هذا، صحيح؟

“ حسنٌ، سأغادر الآن.”

“ …… رافقتك السلامة.”

وهكذا، غادرت المنزل.

بعد عدة أيام.

اكتشفت أن العالم الخارجي ليس مخيفًا، يمكنني أن أحييّ الناس في طريقي بسهولة.

أصبح الجميع يعرفني، إنه ابن باول وزينيث ،تلميذ روكسي.

صرت أعرفّ عن نفسي عندما أقابل أشخاصًا لأول مرة، وألقي التحية على من أقابلهم لثاني مرة، والجميع يتفاعلون معي والبسمة على وجوههم أيضًا.

لم أشعر بهذه الراحة منذ زمن طويل.

الفضل يعود لشهرة باول وزينيث.

ولا ننسى دور روكسي أيضًا، فبفضلها تمكنت من خوض هذه التجربة.

سأعتني جيدًا بالتحفة المقدسة )سروالها الداخلي(.

حسنًا.

الغاية من خروجي هي زرع الثقة في نفسي واستكشاف الأماكن المجاورة.

إذا حفظت الأمكنة، فلن أضيع إن طردوني من المنزل.

وبينما أفعل ذلك، سأستغل الفرصة لدراسة بعض النباتات.

بالمناسبة، يمكنني تحديد النباتات الصالحة للأكل من عدمها باستخدام الموسوعة النباتية، ويمكنني أيضًا التفرقة بين النباتات الطبية والسامة…. المعرفة شيء جميل.

وبهذا لن أشعر بالجوع إذا طرُدت من المنزل.

أعطتني روكسي لمحة بسيطة عن نباتات القرية وقمحها وخضرواتها والمكونات اللازمة لصنع العطور.

أزهار البارديوس هي المكون الأساسي لصنع العطر والتي تشبه في شكلها نبات الضرم.

لونها بنفسجي باهت، كما أنها تصلح للأكل.

أخذت أركز على النباتات التي تجذب انتباهي وأبحث عنها في الموسوعة.

ما يؤسفني حقًا هو أن قريتنا ليست كبيرة، ولا توجد فيها أنواع عديدة من النباتات.

بعد مضي عدة أيام، وسّعت من نطاق تجوالي حتى اقتربت من الغابة.

ثمة أنواع عديدة من النباتات في الغابة.

)تقول الشائعات أن الخطر يزداد كلما توغلت في الغابة؛ إذ أن الطاقة تتجمع بسهولة هناك(.

وإذا تركزت الطاقة السحرية بسهولة في مكان ما، فثمة فرص كبيرة أن تخلق مسوخًا سحرية.

وتجمع هذه الطاقة السحرية يتسبب في تحولات مفاجئة تطرأ على المخلوقات.

ومع هذا لا أعرف السبب الذي يسهل عملية تجمع الطاقة السحرية داخل الغابة.

لكن هذه المنطقة آمنة لا يوجد فيها سوى أعداد قليلة من المسوخ السحرية، فأهل القرية يصطادونها بشكل منتظم.

صيد المسوخ السحرية هو تماما كما يوحي اسمه.

يجتمع الفرسان والصيادون وفرقة الدوريات في كل شهر، ويدخلون الغابة للتخلص من المسوخ.

ويُقال أنه في أعماق الغابة، ثمة احتمال وارد أن يواجهوا مسخ سحري مهيب.

صحيح أنني أمتلك معرفة بالسحر وأتمتع بقوة قتالية، لكن أنا في الأصل إنسان عاطل كان حبيس غرفته وفاشل في العراك.

لن أترك الغرور يعميني.

فأنا في الواقع لا أمتلك أي خبرة قتالية عملية وإن اغتررت بنفسي فعليّ السلام.

رأيت أشخاصًا كثر ماتوا هكذا……. في المانجا.

أساسًا أنا لست بإنسان عصبي حيث أني أفضلّ تجنب القتال على خوضه.

إن صادفت مخلوقًا، فسأهرب على الفور وأبلغ باول.

هذا ما سأفعله.

كنت أتسلق تلاً صغيرا بينما هذه الأفكار تشغل بالي.

ثمة شجرة ضخمة تتوسط قمة هذا التل.

عندما خرجت من القرية، فكرت أن أعتلي قمة مرتفعة لأحصل على إطلالة أفضل على المنطقة المحيطة فلفتت انتباهي هذه الشجرة الضخمة وأردت معرفة أي نوع من الأشجار تكون.

وفي هذه الأثناء...

“ لا مكان لعشيرة الشياطين في قريتنا!”

حملت الرياح صوت قائل.

إنه يذكرني بحادثة كريهة.

الحادثة التي جعلتني إنساناً عاطلاً بائسًا منعزلاً في منزله.

وذكرتني أيضًا بالكابوس الذي كنت أُنادى فيه بالفتى الأغلف.

وهذا الصوت يطابق صوت من أطلق عليّ ذلك اللقب.

لا شك أنها أصوات المتنمرين العذبة.

“ ارحل!!”

“ خذ هذه!”

“ لقد أصبته!”

ألقيت نظرة فوجدت حقلاً أصبحت أرضه طينًا بسبب هطول الأمطار البارحة.

ويتوسط هذا الحقل ثلاثة أطفال متسخين يرشقون طفلاً يمشي على الطريق بكرات من الطين.

“ ستحصل على عشر نقاط إن أصبت رأسه!”

“ حسنًا.”

“ فعلتها! أصبت الهدف!”

يا إلهي، هذا فعلاً مزعج. عثرت على متنمرين.

يحسب هؤلاء الأوغاد أن لهم الحق في استضعاف من هم أدنى منهم مكانة.

يشترون مسدسات الهواء ويطلقون بها على ذاك المسكين، رغم أن تعاليم العلبة تنهى قطعًا عن التصويب على البشر.

لكن هم أصلاً لا ينظرون إليه على أنه بشري.

بصفتي بشريا لا يمكنني مسامحتهم.

ذلك الفتى الصغير سيكون بخير لو مشى بسرعة، لكن لا أدري لمَ يسير ببطء.

أمعنت النظر فيه وأدركت السبب، إنه يحمل سلة معه.

أو بالأحرى، يحضن السلة ليحميها من كرات الطين.

ولهذا لا يستطيع تفادي هجمات المتنمرين.

“ إنه يحمل شيئًا!!”

“ كنز الشيطان!!”

“ لا بد أنه سرقه من مكان ما!!”

“ 111 نقطة لمن يصيب الكنز!!”

“ لنسرق الكنز!!”

ركضت نحو الفتية المشاكسين وصنعت كرة طين باستخدام السحر.

قذفت الكرة بكل ما أوتيت من قوة فور اقترابي من الهدف.

“ آح!”

“ ما الخطب؟!”

أصبت وجه الفتى الذي يوحي مظهره أنه قائدهم.

“ آي، لقد دخلت في عينيّ.”

“ ماذا فعلت؟!!”

“ انقلع، الأمر لا يعنيك!”

“ أتريد أن تصبح حليف الشياطين؟!”

انتقل تركيزهم تجاهي بسرعة.

الأمر لا يتغير مهما تغيرت العوالم.

“ أنا لست حليف الشياطين، بل حليف الضعفاء.”

قلتها بكبرياء،. لكن هؤلاء الفتية يحسبون أنهم في صف العدالة.

“ لماذا تحاول التصرف بروعة؟!”

“ أنت ابن ذلك الفارس، صحيح؟!”

“ أنت الفتى النبيل، أليس كذلك؟!”

ويحي، لقد انكشفت هويتي.

“ أتظن أن ابن الفارس يحق له فعل هذا؟”

“ سأخبر الآخرين أن الفرسان أصبحوا حلفاء الشياطين!”

“ نادوا إخوتنا في الحال.”

“ أخي! ثمة شخص غريب الأطوار هنا!”

إنهم يستخدمون وسيلة الاستعانة بصديق.

لكن هذا لن يجدي نفعًا.

ومع ذلك، ارتجفت قدماي.

كم أنا مثير للشفقة.

ارتجفت قدماي بسبب صراخ هؤلاء الأطفال بغض النظر عن كونهم ثلاثة.

أهذا مصير شخص بائس ألف المضايقات….

“ اخـ-اخرسوا! عارٌ عليكم أن تضايقوا شخصًا لوحده وأنتم ثلاثة!”

ظهرت عليهم ملامح الاستهجان.

يا له من مستفز.

“ أنت مزعج، كف عن الصراخ أيها الأخرق!”

ثار غضبي، وقذفتهم بكرة طين لكني أخطأت الهدف.

“ أيها اللعين!”

“ من أين أخذ الطين؟!”

“ لنرد له الصاع صاعين!”

انتقامهم ذو ثلاثة أصواع في الحقيقة.

طبقّت ما علمني إياه باول واستخدمت السحر لتفادي هجماتهم بسلاسة وخفّة.

“ لا أستطيع إصابته!”

“ لا تتفاداها يا وغد!”

هاهاها، النكرات لن يتمكنوا من إصابتي.

استمروا في قذف الطين لفترة، ثم توقفوا بعد أن أدركوا أنهم لا يستطيعون إصابتي وكأنهم ضجروا من الشجار.

“ يآه! هذا ممل!”

“ لنذهب!”

“ سأخبر الآخرين أن ابن الفارس أصبح حليف الشياطين!”

لم نخسر ،إنما ضجرنا من اللعب.

على الأرجح، هذا ما دار في أذهان الأشقياء الثلاثة قبل مغادرتهم.

نجحت! انتصرت على المتنمرين لأول مرة في حياتي!

حسنٌ، لا يستحق الأمر التفاخر إلى هذه الدرجة.

الجميل في الأمر هو أن الشجار لم ينقلب إلى عراك.

ما زلت سيئًا في العراك.

“ أنت هناك، أأنت بخير؟ هل أمتعتك سليمة؟”

التفت لألقي نظرة على الصبي الذي تعرض لـ…

أوف…

يا لها من صدمة.

إنه غلام جميل.

لا أدري أهو بنفس عمري أم لا.

شعره طويل بعض الشيء بالنسبة لطفل، أنفٌ منحوت، شفتان ظريفتان، ذقنٌ بارز، بشرة صافية ولامعة… يصحبها تعبير أرنب خائف يضفي له جمالاً يفوق الوصف.

اللعنة، لو أنّ باول شاب جميل، لربما أصبحت أنا أيضًا… لا، باول ليس قبيحا، وزينيث جميلة جدًا.

لا توجد مشكلة في وجهي.

مقارنة بوجهي السابق المشبع بالدهون، وجهي الحالي أفضل بلا شك.

نعم، بالتأكيد.

“ امم…امم… أنا ب-بخير…”

الغلام خائف.

يبدو كحيوان صغير مرتعد مما يثير رغبتك في حمايته.

محبات الغلمان سيقعن في غرامه على الفور.

لكنه متسخ بالوحل تمامًا.

تلطخت ملابسه واستوحل نصف وجهه وغرق شعره بالطين حتى انقلب لونه.

من العجب أنه تمكن من حماية السلة.

ليس باليد حيلة.

“ ضع أغراضك على الأرض واجث على ركبتيك بجانب مجرى الماء هناك.”

“ هاه…؟ ماذا…؟”

لا أدري لماذا طاع أمري بالرغم من حيرته.

وكأنه لا يستطيع عصيان أوامري.

لو أراد عصياني، لاعترض وانتهى الأمر.

جثى الغلام على أطرافه الأربع ووجهه يقابل مجرى الماء.

لو رأى محبو الغلمان هذا المنظر، فلن يكبحهم شيء…

“ أغلق عينيك.”

عدلت حرارة الماء لدرجة مناسبة بواسطة سحر النار.

وسخرت ماءً دافئا تبلغ حرارته 31 درجة تقريبا.

ثم سكبته على الغلام.

“ وااه!!”

أمسكت بعنق الغلام المذعور وغسلت شعره حتى زال الطين تمامًا.

قاومني في البداية، لكنه هدأ بعد أن اعتاد على حرارة الماء.

ملابسه… من الأفضل أن تغُسل في المنزل.

“ حسنًا، هذا كافٍ.”


زال الوحل عن وجهه، فسخرت سحر النار لتدفئة الهواء ووجهته نحو وجه الغلام كما لو كنت أستخدم مجفف الشعر.

وبينما كنت أمرر الهواء الدافئ حول وجهه وشعره ،مسحت عليهما بمنديل كنت أحمله، وظهرت أذناه الطويلتان كآذان الجان وسطع شعره الأخضر الحريري تحت ضوء الشمس.

فتذكرت فورًا كلام روكسي.

)إياك أن تقترب من ذوي الشعور الخضراء.(!

هممم؟

لا، ثمة شيء مختلف.

حسبما أذكره…

)إذا صادفت شخصًا له شعر زمردي اللون وحجر ياقوت أحمر في جبهته، إياك أن تقترب منه(!

نعم، هذا صحيح.

ذلك العرق تنتصف جباههم ياقوتة حمراء.

أما هذا الغلام فلديه جبهة واسعة ناصعة البياض.

تمام، الوضع آمن.

إنه لا ينتمي لعرق السوبارد الخطر.


“ شـ… شكرًا…”

فقت من تفكيري العميق عندما شكرني.

رويدك، كدت أن تفجع قلبي.

قدمت له النصيحة بتكبر لأخفي آثار إحراجي.

“ أنت يا هذا، لن يكف أولئك الأشقياء عن مضايقتك إن لم تدافع عن نفسك.”

“ لن أغلبهم…”

“ المهم أن تحظى بالعزيمة لتدافع عن نفسك.”

“ لكن دائمًا ما يكونون أضخم مني… وأنا لا أطيق الألم…”

فهمت.

حتى لو قاوم، سيحضرون الآخرين لإخضاعه.

الأمر نفسه يحصل في كل العوالم.

صحيح أن أهل القرية صاروا يتقبلون الشياطين بفضل جهود روكسي، لكنّ الأمر مختلف مع الأطفال.

فأحياناً تكون وقاحتهم شديدة إذ ينبذون الشخص ولو كان به اختلاف بسيط.

“ لا بد أن الأمر صعب عليك، إنهم يضايقونك بسبب لون شعرك المشابه لشعور السوبارديين.”

“ أ-ألا تمانع…؟”

“ كلا، معلمتي سلالتها شيطانية أيضًا. من أي عشيرة أنت؟”

أخبرتني روكسي أن عشيرة الميقورد تشابه عشيرة السوبارد.

ربما هو أيضًا يعاني الأمر ذاته.

سألته وأنا أتوقع إجابة كهذه، لكن الغلام هزّ رأسه.

“ … لا أعرف.”

هممم، لا يعرف؟ ربما بسبب حداثة سنه؟

“ ما هي عشيرة والدك؟”

“ أخبرني أنه نصف إنسان ونصف جان.”

“ ماذا عن أمك؟”

“ إنسان، لكنها تنحدر من عرق وحشي نوعًا ما…”

سلالة من نصف جان وربع وحش؟ أهذا هو سبب لون شعره…؟

بينما كنت غارقًا في التفكير، أخذ الدمع يتجمع في عينيّ الغلام.

“ …… أبي يقول… أني لست من عرق شيطاني… ولكن لون شعري يختلف عن أبي وأمي…”

مسحت على رأسه لمواساته.

مصيبة أن يكون لون شعرك مختلف عن أبويك.

ثمة احتمال وارد أن الأم قد زنت مع رجل آخر.

“ هل لون شعرك هو الاختلاف الوحيد؟”

“ … أذناي أطول من أذنيّ والدي…”

“ هكذا إذن…”

أعراق شيطانية بشعور خضراء وآذان طويلة… من المحتمل أن هذه الصفات منتشرة في كل مكان.

همم، رغم أني لا أرغب بسؤاله عن شؤونه العائلية إلاّ أني تعرضت للمضايقات في طفولتي لذا من الأفضل أن أساعده.

من المؤسف حقًا أن يتعرض للمضايقة بسبب لون شعره.

صحيح أني تعرضت للمضايقة ،لكني أنا الملام على ذلك نوعًا ما.

أما هذا الغلام حالته مختلفة، فمن المستحيل أن يتناسخ ويعتمد على نفسه.

لقد رشقوه بالطين بينما هو يمضي في حال سبيله لمجرد أنهّ مولود بشعر أخضر.

اووو… جاءتني حصرة الخوف بمجرد التفكير في الأمر.

“ هل يعاملك أبوك بلطف؟”

“ … نعم، أحياناً يكون مخيفًا عندما يغضب، لكنه لن يغضب مني إذا طعت كلامه.”

“ حسنًا، ماذا عن أمك؟”

“ إنها لطيفة جدًا.”

غريب، تستطيع أن تعرف من نبرة صوته أن والديه يحبانه كثيرًا وأنه ابنهما الحقيقي لا ابن زنا.

لا، لا يمكنني التوصل لنتيجة ما لم أرهما رأي العين.

“ حسنٌ، هيا بنا.”

“ … إلى أين؟”

“ سأتبعك.”

سأتمكن من مقابلة والديه إذا تبعت هذا الغلام.

هذا بديهي.

“ …… ل-لماذا تريد أن تتبعني؟”

“ بص حضرتك، قد يعود أولئك الأشقياء فمن الأفضل أن تدعني أوصلك إلى منزلك، هل أنت عائد إليه الآن؟ أم أنك تأخذ السلة إلى مكان آخر؟”

“ أنا أحضر الطعام… لأبي…”

أبوه نصف جان؟

دائمًا ما يُذكر في الكتب الروائية أن عرق الجان يعيشون لفترات طويلة ومعزولين ويعاملون الأعراق الأخرى بتغطرس.

كما أنهم ماهرون في رمي السهام والسحر، خصوصًا سحرا الماء والهواء. ولهم آذان طويلة حقيقية.

بناءً على كلام روكسي، الوصف صحيح لكنهم ليسوا بعرق منغلق تمامًا.

هل الجمال صفة من صفات الجان؟ أم أن جمال الجان من صنع خيال اليابانيين؟ لكن أجسادهم في الألعاب الغربية نحيلة ولا يمكنك القول أنها جميلة.

ثمة اختلاف ثقافات بين البلدان.

ومع ذلك، بمجرد النظر إلى هذا الغلام ستعرف فورً ا أن والديه آيةٌ في الجمال.

“ عذرًا… ولكن لماذا تريد حمايتي؟”

تلعثم الغلام في سؤالي بطريقة تزيد من رغبتي في حمايته.

“ لأن والدي يقول نصرة الضعفاء واجبة.”

“ لكن… سينبذك الآخرون.”

هذا صحيح.

إذا وقفت مع الشخص المستضعف فسينقلب الدور عليك… إنها قصة شائعة.

“ إذن ما رأيك أن تلعب معي؟ من اليوم فصاعدا، نحن أصدقاء.”

“ ماذا؟!”

هيا بنا لنكون فريقًا. نعم.

انتقال سلسلة التنمر تحصل عادة بعد أن يخون الطرف المُساعَد منقذه،

حيث يُفترض على المُساعَد أن يتحلى بالمسؤولية ويرد الجميل للمنقِذ.

أما ظروف هذا الغلام مختلفة ،فهناك مبرر عميق وراء المضايقات، وأشك أنه سيخونني وينضم إلى صف المتنمرين.

“ هل أنت مشغول بأعمال منزلية؟”

“ لـ-لا.”

أردت سماع رأيه، لكنه أومأ بإحراج.

ردة فعله عجيبة.

سوف يفتن قلوب العذارى بلا شك.

هممم.

خطرت لي فكرة جيدة.

وجهه الجميل سيجعله مشهورًا جدًا عند الفتيات، وبما أنني مرافقه، ستتوجه الأنظار نحوي وأحصل على البقايا.

بغض النظر عن كون وجهي عاديا، إن تكافتنا نحن الشابان، فسنظهر بمظهر جذاب.

هكذا سأصبح هدف الفتيات اللواتي لا يملكن الثقة بأنفسهن.

عمومًا، أنا أفضلهن على الفتيات الواثقات.

جرت العادة أن تصاحب الجميلة صديقات قبيحات ليسطع جمالها، أما أنا فالعكس.

إنها خطة ناجحة.

“ صحيح، لم تخبرني باسمك، أنا روديوس.”

“ سيلـ..فـ…——“

همس بصوت خافت، لم أتمكن من سماع الجزء الأخير من اسمه.

إذن، سيلف؟

“ اسمٌ رائع، إنه مثل نسيم الريح.”

احمرتّ وجنتا سيلف وأومأ برأسه

2020/06/13 · 521 مشاهدة · 2607 كلمة
dark_king
نادي الروايات - 2025