الجزء الثانى

أبو سيلف رجل وسيم أيضًا.

أذنان طويلتان وبارزتان، شعره ذهبي لامع، جسده نحيل من دون عضلات.

شابٌ ورث السمات الجيدة من الجان والبشر.

إنه يقف فوق برج المراقبة ويشرف على الغابة حاملاً قوسًا في يده.

“ أبي، أحضرت صندوق الطعام…”

“ أوه، شكرا كالعادة، هل ضايقوك اليوم يا لوفي؟”

“ لا، ساعدني أحدهم.”

أشار إلي بعينيه، فألقيت على أبيه التحية.

إذن، لوفي هو كنيته؟ لوهلة شعرت أن أطرافه ستتمدد بأية لحظة . )إسقاطة على ونبيس( لو كان سيلف متفائلاً جدًا لما تعرض للتنمر.

“ تشرفنا، اسمي روديوس قريرات.”

“ قريرات… أأنت من عائلة باول؟”

“ نعم، إنه والدي.”

“ أوه، لقد سمعت عنك، أنت طفل مؤدب حقًا. المعذرة، أنا رولز، أعمل صيادًا في الغابة.”

ثم أخذ رولز يشرح لي عن هذا المكان.

أعد رجال القرية هذا البرج لمراقبة المسوخ السحرية القادمة من الغابة وأخذوا يتناوبون على استخدام برج المراقبة 23 ساعة في اليوم. وتعرفّ رولز على باول من خلال النوبات إذ صادف نوبة باول عدة مرات، وهكذا جاء ذكر الأبناء على لسانيهما.

“ مظهر سيلف يشابه أسلافنا بعض الشيء، أتمنى أن تصبحا صديقين.”

“ بالطبع، لن يتغير أسلوبي حتى لو كان سيلف من عشيرة السوبارد، أقسم بشرف أبي.”

أُعجب رولز بالرد.

“ أنت تعرف الشرف رغم حداثة سنك… كم أغبط باول لحصوله على ابن رائع مثلك.”

“ كون الشخص رائعًا في طفولته لا يعني أنه سيظل رائعًا عندما يكبر، ما زال الوقت مبكرا على الغبط، انتظر سيلف حتى يكبر.”

فتحت لسيلف مهرباً في الوقت ذاته.

“ هممم… أنت تمامًا كما وصفك أبوك.”

“ … ماذا قال أبي؟”

“ قال أنه يخسر ثقته بنفسه كأب كلما فتح معك نقاشًا.”

“ هكذا إذن، حسنًا، سأرتكب بعض الأخطاء من الآن فصاعدًا كي يوعظني.”

لاحظت طرف كمي تسُحب أثناء حديثنا، نظرت خلفي وإذا بسيلف مخفضًا رأسه ويسحب كمي.

هل حديث الكبار ممل جدًا بالنسبة للأطفال؟

“ سيد رولز، أيمكننا اللعب لبعض الوقت؟”

“ آه طبعًا، لكن لا تقتربا من الغابة.”

لا حاجة للتحذير من الغابة في كل مرة… لكن هذا التحذير غير كافٍ.

“ ثمة شجرة كبيرة رأيناها أعلى التل ونحن قادمان، سنلعب عندها وسأحضر سيلف قبل مغيب الشمس ،لكن إذا لم تصادفنا في طريق عودتك فمن المحتمل جدًا أننا وقعنا في مأزق، حينئذ ابحث عنا رجاءً.”

“ هـ… حسنًا.”

نحن في عالم ليس به هواتف نقالة.

في هذه الحالة لا يمكننا الاستغناء عن البدائل المهمة مثل التقارير والتواصل والنقاشات.

فإن وقع مكروه وهذا شيء حتمي لا مجال فيه، فمن الضروري أن نستعجل باتخاذ التدابير الصحيحة.

إذ لا يدري المرء ما يخبئ له القدر من أخطار حتى ولو كان الحرس الوطني في بلدك من أفضل ما يكون.

سرنا نحو الشجرة الكبيرة ونظرات رولز المذهولة تتبعنا.

“ حسنًا، ماذا سنلعب؟”

“ لـ-لا أعرف… لم ألعب مع ص-صديق من قبل…”

يبدو أن سيلف متردد بشأن موضوع ‘الصداقة‘، من الراجح أنه لم يحظ بصديق قط.

أمرٌ مؤسف. للعلم، ليس عندي أصدقاء أيضًا.

“ هممم، وأنا أيضا لم ألعب في الخارج حتى هذه اللحظة، ماذا تقترح؟”

أخذ سيلف يقلب يديه، ثم رفع رأسه لينظر إلي.

إنه بنفس طولي تقريبا لكنه أحنى جسده وهو يرفع رأسه تجاهي.

“ اممم، لماذا تستخدم )أنا( في كلامك أحيانا وتمتنع عن قولها في مواضع أخرى؟”

“ هاه؟ آه نعم، من لباقة الحديث أن تتكلم مع الشخص حسب مكانته. فمن اللازم أن تكون لبقًا في حديثك مع الكبار.”

“ لباقة الحديث؟”

“ مثل المفردات التي استخدمتها قبل قليل.”

“ هاه؟”

لا يبدو أنه فهمني، لكن لا بأس فاللباقة تستغرق وقتا حتى يتعلمها الشخص.

هكذا يغدو الشخص راشدًا.

“ علمني ما فعلته في البداية بدلاً من هذا.”

“ في البداية؟”

رمش سيلف واستخدم يديه ليشرح لي.

“ الماء الساخن الذي تدفق من يديك *وششش* وذاك الهواء الساخن *بفففف* ”

“ آه… تقصد ذاك.”

إنه يقصد السحر الذي سخرته عندما غسلت عنه الوحل.

“ أهو صعب؟”

“ هو صعب لكن بإمكان أي شخص فعله بالتدريب… على الأرجح.”

زيادة مخزون طاقتي الأخيرة كانت كبيرة جدًا لدرجة أني لا أعلم كم بلغت، بالإضافة لذلك، لا أدري كم هو المقدار المتوسط عند الناس هنا.

بالرغم من أنه يمكنني استخدام الترنيم الصامت في تسخير ماء دافي على الفور إلاّ أنه بمقدور أي شخص آخر أن يفعلها بالسحر المركب إذ يستخدم سحر النار لتسخين الماء، وبالتالي قد يحقق نتيجة لا بأس بها.

“ حسنًا، سنحظى بتمرين خاص بدءًا من اليوم!”

ولعبت مع سيلف حتى حلول الليل.

كان باول في مزاج سيئ عندما وصلت إلى المنزل.

الغضب واضح على وجهه، ويداه متكئتان على خصره وهو واقف في الشرفة.

همم، هل أخطأت بشيء؟ لا يوجد شيء يستحق الذكر سوى التحفة المقدسة )سروال روكسي( التي خبأتها بحذر، ولو اكتشفوها...

“ لقد عدت يا أبتاه.”

“ أتعلم لمَ أنا غاضب؟”

“ لا.”

سأتظاهر بالجهل، قد أجني على نفسي إن لم يُكتشف أمر السـ… التحفة المقدسة.

“ جاءتني السيدة آدا قبل قليل وأخبرتني أنك ضربت ابنها سومار.”

آدا؟ سومار؟ من يكونان؟

بدأت أفكر في هذين الاسمين إذ لم أسمع بهما من قبل.

أساسًا، كل ما فعلته في القرية هو تحية الآخرين.

ذكرت لهم اسمي وعرفوني بأسمائهم، هل كانت آدا من بينهم؟ ربما مرّ علي الاسم وربما لا… همم؟ لحظة.

“ أهذا بشأن اليوم؟”

“ نعم.”

قابلت اليوم سيلف ورولز والأشقياء الثلاثة.

مما يعني أن سومار هو أحد الأشقياء الثلاثة؟

“ لم أضربه، إنما قذفته بالطين.”

“ ألا تذكر ما علمتك إياه؟”

“ قوة الرجل ليست للمظاهر والتفاخر؟”

“ نعم.”

أوه فهمت.

أولئك الأشقياء قالوا أنهم سيخبرون الآخرين أني أصبحت حليف الشياطين.

لا أدري كم من الأكاذيب التي نسبوها لي، المهم أنهم اختلقوها لتشويه سمعتي.

“ لا أدري أية شائعات وصلت لمسامعك يا أبتي……”

“ لا!! إذا أخطأت، فعليك الاعتذار أولاً!”

وبخني بقسوة.

لا أعلم ما الذي سمعه عني ولا يبدو أنه يشك بما سمعه.

كم هذا مزعج. إذا أخبرته الآن أني تصديت لهم لمساعدة سيلف، فستبدو ككذبة مختلقة.

لذا من الأفضل أن أسرد الموقف من بدايته.

“ في الواقع، كنت أمضي في حال سبيلي…”

“ لا تختلق الأعذار!!”

بدأ صبر باول ينفد شيئًا فشيئا.

انس أمر الكذب، حتى الشرح لن يفيد.

لا أمانع لو اعتذرت أولاً، لكن هذا غير صحي لشخص باول.

ولا أريد أن يعامل أخي أو أختي بهذه المعاملة في المستقبل.

أسلوبه في التعليم غير سليم.

”…… “

“ ما الأمر، لماذا أنت ساكت؟”

“ لأنك ستوبخني مهما وضحت لك.”

“ ماذا قلت؟!”

حدق بي باول بغضب.

“ تغضب من طفل وتجبره على الاعتذار قبل سماعه، لكَم أحسدكم أيها الكبار على أساليبكم الأنانية والسهلة.”

“ رودي!!”

*طع*

ضربني بكفٍ على وجهي.

لقد صفعني.

لكني توقعت هذا، فالاستفزاز يؤدي للضرب لا محالة، بالطبع سيضربني.

لذا ثبت في مكاني. لم يضربني أحدٌ منذ عشرين عامًا…

لا، لقد أبرحوني ضربا عندما طردت من المنزل، أي قبل خمس سنوات.

“ أبتي، لقد فعلت ما بوسعي كي أكون ابنًا صالحًا ولم أخالف تعاليمك أبدًا وبذلت قصارى جهودي للوصول إلى ما أنا عليه الآن.”

“ وما علاقة هذا بموضوعنا؟”

باول لم يتوقع أن يضربني.

لا شك أنه حائر.

جيد، إنها فرصتي.

“ كلا، كل شيء متعلق بموضوع اليوم، لقد سعيت جاهدًا للحصول على ثقتك وراحة بالك، ورغم هذا لم تعطني فرصة لأشرح لك الأمر، إنما وثقت بشخص ٍ لم أقابله أبدًا في حياتي ثقةً عمياء، ومن ثم صرخت علي وضربتني.”

“ لكن ذلك الطفل سومار تأذى بالفعل…”

تأذى؟

أنا متأكدٌ أني لست الفاعل، هل آذى نفسه عمدًا؟ من المحتمل أنه تظاهر بالألم…

لكن لسوء حظه، الحق معي حتى لو تعثر وأُصيب صدقًا.

“ لن أعتذر حتى لو تأذى بسببي، فأنا لم أخالف تعاليمك، بل يمكنني وبكل فخر أن أقول أني الفاعل.”

“ …. مهلاً، ماذا حدث بالضبط؟”

أوه، وأخيرًا أصبحت مهتما؟ أنت من قرر عدم سماعي.

“ ألم ترفض سماع أعذاري؟”

أجبت سؤاله بسؤال فتألم باول، سأضغطه قليلا.

“ لا تقلق يا أبتاه، سأتصرف وكأني لم أشاهد ثلاثة أشخاص يضربون فتى مسكين، بل في الواقع قد أشاركهم لتصبح أربعة ضد واحد وأتفاخر بهذا في الأرجاء معلنًا أن إرهاب الضعفاء من تعاليم آل قريرات، وعندما أكبر سأغادر المنزل وأتخلى عن اسم قريرات للأبد. تجاهل ما حصل من إيذاء لفظي وبدني لذلك الفتى المسكين والسماح باستمراره يجعلني أخجل من تسمية نفسي فردًا من عائلة قريرات.”

صمت باول.

تقلب لون وجه من الأخضر للأحمر وكأنه في صراع نفسي.

هل هو غاضب؟ أم يحتاج لمزيد من الضغط؟

استسلم يا باول، فأنا أملك خبرة 21 + سنة في اختلاق الأعذار لمواقف خاسرة، سأستغل أتفه الثغرات في النقاش للوصول إلى التعادل.

ولا تنس إني على حق هنا.

ليست لديك أدنى فرصة في الفوز.

“ …… أنا آسف، والدك مخطئ، أخبرني بما حدث.”

أنزل باول رأسه.

هذا صحيح، المقاومة اليائسة ستجرح كلا الطرفين أكثر.

إذا أخطأت فعليك الاعتذار، هذا هو الصواب.

بدأت أشرح الحادثة بتفاصيلها بعد أن تحسن مزاجي.

سمعت أصواتاً بينما كنت أتسلق التل ورأيت ثلاثة أطفال في الحقل يقذفون الطين على فتى مسكين، فرميتهم بكرتين من الطين وتشاجرت معهم، ثم غادروا المكان بعد أن شتمونا، وفي النهاية، استخدمت السحر لإزالة الوسخ عن ذلك الفتى ولعبت معه.

هذا مختصر الشرح.

“ إذن لو كان ثمة حاجة للاعتذار، فعلى سومار أن يعتذر لسيلف أولاً، فمن السهل أن يلتئم جرح البدن بسرعة لكن الأمر لا ينطبق على جراح النفس.”

“ … أنت محق، إنها غلطة أبيك، أنا آسف.”

أرخى باول كتفيه باستسلام.

منظره ذكرني بما أخبرني إياه رولز اليوم.

)إنه يخسر ثقته بنفسه كأب كلما فتح معك نقاشًا( ربما كان باول يحاول تعليمي درسًا ليمارس دوره كأب.

على كل، لقد فشل هذه المرة.

“ لا حاجة للاعتذار، إذا شعرت أني قد ارتكبت خطأ فوبخني كيفما شئت، لكن أرجوك استمع لمبرراتي أولاً، حتى لو لم تكن بنظرك كافية أو بدت لك كأعذار واهية فلا تبخس حقي في الدفاع عن نفسي. أرجوك تقبل كلامي هذا بصدر رحب.”

“ حسنًا سأتذكر هذا، لكني أستبعد تمامًا أن ترتكب خط أً…”

“ إذن اعتبره درسًا تطبقه مع إخوتي المستقبليين.”

“ … تم.”

ظهرت على محيا باول معالم الخسارة وجلد الذات.

هل بالغت؟ سأُصعق لو كنت في محله وهزمني طفل ابن 5 أعوام.

هذا الشاب ما زال صغيرًا على لعب دور الأب.

“ بالمناسبة، كم عمرك يا أبتاه؟”

“ امم؟ 23 عامًا، لماذا؟”

“ فهمت.”

إذن كان عمره 11 سنة عند ولادتي؟

لا أعلم كم هو متوسط سن الزواج في هذا البلد لكن بما أنه يجابه المسوخ السحرية ويخوض الحروب ،فلهذا يعتبرون سن التاسعة عشر مناسب للزواج؟ شاب أصغر مني يتزوج إحداهن ويقلق بشأن تعليم ابنه…

بالله عليكم، كيف يخال لعاطل بائس تعيس مشرد في الرابعة والثلاثين من عمره أنه قد فاز مقارنة بهذا الشاب……

انسوا الأمر.

“ أبتاه، هل يمكنني إحضار سيلف للعب هنا في المرة القادمة؟”

“ هاه؟ آه، بالطبع.”

دخلت المنزل وأنا سعيدٌ بإجابته.

من الجيد أن باول غير عنصري مع الأعراق الشيطانية.

— منظور باول —

غضب ابني.

ابني الذي لم يعبر عن مشاعره أبدًا؛ يكمن بداخله غضب عارم الآن.

كيف آلت الأمور إلى هذا المآل؟

بدأت الحادثة عندما قدمت السيدة آدا إلى منزلنا ظهر اليوم وأحدثت ضجة كبيرة.

أحضرت معها طفلها سومار المعروف بشقاوته عند الآخرين وعيناه متورمتان.

من خبرتي كسياف، أدركت فورًا أنها آثار ضرب.

لم تكن السيدة آدا واضحة في كلامها إلاّ أني فهمت أن ابني قد ضرب سومار.

في الحقيقة، ارتحت عندما سمعت هذا.

لا بد أن رودي أراد الانضمام إلى جماعة سومار للعب.

ابني مختلف عن بقية الأطفال، فهو ساحر صغير السن برتبة قديس الماء.

لا شك أنه تفاخر بشيء وتطورّ الأمر إلى عراك بعد أن سخروا منه.

صحيح أن ابني ذكي وصريح، إلاّ أن به بعض الجوانب الطفولية.

لكن السيدة آدا أضخمت الموضوع رغم أنه مجرد شجار أطفال.

فبحكم خبرتي، لن تخلفّ هذه الكدمات أية ندوب.

سأوبخه قليلاً لا أكثر.

الأطفال يحبون العراك، لكن رودي أقوى من جميع أطفال القرية فهو قد تلمّذ على يدي ودربّ جسده منذ أن كان في سن الثالثة ناهيك طبعًا عن كونه تلميذ روكسي الساحرة الشابة برتبة قديس الماء.

لا بد أنه كان عراكًا من طرفٍ واحد.

لا بأس بحادثة اليوم، لكن إن جرفته العاطفة مجددا، فقد يؤذي أحدهم.

بالإضافة إلى أن رودي ذكي وبإمكانه الوصول إلى حل دون ضرب سومار.

يجب أن أعلمه أن المشاجرات سببها قصر النظر بالأمور، وأنه يجب عليه أن يفكر بعواقب الأمور قبل الخوض فيها.

يجب أن أكون حازمًا هنا.

لكن لم تجري الأمور كما كنت أتصورّ.

ابني لم ينوي الاعتذار قطعًا.

وعلاوة على ذلك، كان ينظر إلي بنظرة استحقار.

ربما اعتقد ابني أن أهم ما في القتال هي الأعداد، لكن عليه أن يدرك أنه إذا زادت قوة المرء، فيجب أن يكون واعياً لها.

بالإضافة إلى أنه أصاب أحدهم.

المهم سأجعله يعتذر، إنه ذكي حقًا، ربما لن يقبل بهذا الآن لكنه سيتوصل إلى الجواب بنفسه ذات يوم.

استعملت معه نبرة حادة في معاتبته، لكنه أجابني بتعليقات ساخرة.

استفزني وفقدت أعصابي؛ فضربته.

كنت أنوي تعليمه أن القوي يجب أن يكون واعياً لقوته وألاّ يلجأ للعنف مع الضعيف لكن هيهات.

كسرت القاعدة أولاً.

أخطأت.

لا أستطيع الاعتذار فأنا بحسبة مربي أجيال.

كيف أنهر أحدهم عن القيام بما فعلته للتو… ببساطة، لن يأخذ كلامي بعين الاعتبار.

باغتني ابني بكلامه بينما كنت مشتت التفكير.

أخذ يقول أنه لم يخطئ وأنه ينوي مغادرة المنزل إن استمر هذا الحال.

عندئذ، كدت أن أقول له “انقلع إذن” لكني تمالكت نفسي.

يجب أن أحافظ على رباطة جأشي في هذه اللحظة.

ففي الماضي لم أستحمل قوانين منزلي الصارمة وتوبيخات أبي الشديدة، وانتهى الأمر بالتشاجر معه ومن ثم غادرت المنزل.

لقد ورثت دم أبي وعناده، دم أبي الصارم.

وكذلك روديوس.

عناده خير دليل على أنه ابني.

في ذلك اليوم، عندما أمرني والدي بالمغادرة في الحال، لم أجد مخرجًا حينها فغادرت فعلاً.

وعلى نفس المنوال، سيغادر روديوس أيضًا.

ومع ذلك قال أنه سيغادر بعد أن يكبر، لكن إذا أمرته بالرحيل الآن فسيغادر من فوره.

نحن متشابهان في هذا الجانب.

سمعت أن والدي قد مرض بعد مغادرتي ومات، وسمعت أيضًا أنه كان نادما ندمًا شديدًا على شجار ذلك اليوم.

وبشأن حادثة اليوم، وضعت اللوم على نفسي.

لا، بشكل أدق، أنا نادمٌ أشد الندم.

فإذا قلت لروديوس ارحل، سيسمع كلامي ويرحل، وسأندم على هذا.

كلانا سيأكلنا الندم.

تحمّل. يجب أن أتعلم من هذه التجربة.

صحيح، ألم أحزم أمري حينها؟ ألم أقرر أني لن أصير مثل أبي؟

“ …… أنا آسف، والدك مخطئ، أخبرني بما حدث.”

اعتذرت طبعًا.

وتحسنت تعابير وجه روديوس أيضا، وأخذ يشرح الأمر بهدوء.

بناء على ما ذكره، رأى طفل رولز يتعرض للمضايقة فهبّ لنجدته.

لم ينشب بينهم عراك وضرب إطلاقًا، رمى الطين وحسب.

إذا كان ما يقوله صحيحًا فمن حق روديوس أن يفخر بما فعل، لكني تجاهلت سماعه وضربته عوضًا عن الثناء عليه.

آه، أتذكر الآن.

خضت تجارب مشابهة في صغري، حينها رفض أبي الاستماع إلي ووبخني فكان لا يشير إلاّ لمساوئي، كنت أستاء من ذلك في كل مرة.

يا لي من فاشل، وكنت أخبر نفسي أنه ينبغي لي تعليمه؟!

هاه…………

لم يلمني روديوس، بل حاول التخفيف عني في النهاية.

يا له من ابن عظيم.

أهو حقًا ابني…… لا، لم يكن ثمة عبقري واحد من بين جميع الأشخاص التي أقامت زينيث علاقة معهم.

هوه، هل نسلي جيد لهذه الدرجة….؟ بدأت أشعر بألم في بطني بدلاً من الإفصاح له عن فخري.

“ أبتاه، هل يمكنني إحضار سيلف للعب هنا في المرة القادمة؟”

“ هاه؟ آه، بالطبع.”

لكن يفترض بي أن أشعر بالسعادة لحصول ابني على أول صديق له.

2020/06/13 · 495 مشاهدة · 2385 كلمة
dark_king
نادي الروايات - 2025