مر الآن 2 سنوات.
لم تتغير حياتي كثيرا.
أتمرن على مهارات السيف في الصباح، وعند تفرغي ظهرا أستكشف الأماكن المجاورة أو أتدرب على تقنيات السحر عند الشجرة الكبيرة أعلى التل.
أسخر ريحًا لزيادة سرعة السيف، وأسخّر موجة صدمية لتحريك جسدي بالاتجاه المعاكس، وأسخر الرمال المتحركة لعرقلة خطوات العدو...
قد يظن البعض أن مهارات السيف لا تتطور باستخدام الحيل الرخيصة، لكني لا أوافقهم الرأي.
ثمة طريقتان كي تصبح بارعا في ألعاب القتال.
الأولى أن تستخدم الوسائل التي تجعل الضعيف يتغلب على القوي،
والثانية أن تطورّ قدراتك بالتدريب.
حاليا أفكر بالطريقة الثانية، فهدفي هو أن أتغلب على باول.
باول قوي جدًا، رغم أنه غير ناضج كأب لكنه يظل سيافًا بارعًا.
إذا وضعت كامل مجهودي في الطريقة الثانية لتدريب جسدي، فسأحقق مرادي عاجلاً أم آجلاً.
أنا الآن في السادسة من عمري، لكن بعد عشر سنوات، سيبلغ سني 12 عامًا وسيكون عمر باول 45 عاما، وبعد خمس سنوات أخرى، سأبلغ 21 عامًا وباول في الأربعين من عمره.
لكن لا طعم للانتصار إن سلكت هذا الطريق.
إذا غلبت خصمي بعد انقضاء فترة ريعانه، فسيبرر خسارته لكبر سنه.
لذة النصر تكون في هزيمة الخصم وهو في ريعان الشباب.
عمر باول الآن هو 25 عامًا. أي ما زال جسده في أفضل أحواله رغم تقاعده من العمل،
لهذا آمل أن أنتصر عليه مرة واحدة على الأقل في غضون خمس سنوات، وسيكون ذلك في مهارات السيف لو أمكن وإذا لم أستطع فسأدعمها بتعويذات سحرية وأخوض معه قتالاً مباشرًا.
وبينما أنا غارق في التفكير، أتدرب وأنا أتخيل باول أمامي.
إذا ذهبت إلى الشجرة الكبيرة أعلى التل فمن المحتمل أن أجد سيلف.
” آسف، هل انتظرت طويلاً؟“
” لا، لقد وصلت للتو.“
بعد أن تبادلنا أطراف الحديث كما يفعل الأزواج عندما يتلاقان، بدأنا باللعب معًا.
في البداية، كان يأتينا ذاك الوغد سومار مع رفاقه الأشقياء لمضايقتنا، وأحيانا يأتونا برفقة أولاد كبار لكنني كنت لهم بالمرصاد.
وفي كل مرة تأتي أم سومار إلى بيتنا وتشتكي.
استغربت في البداية لكني عرفت السبب.
في الحقيقة، أم سومار معجبة بباول وكانت تستغل عراك الأطفال كعذر لرؤية باول.
عذر ساذج.
أعتقد أن سومار منزعج جدا من إحضاره بعد كل عراك ولا أظنه يتظاهر بإصاباته، فهذا محرج له أيضا.
على كل، تصديت لهم خمس مرات.
حتى توقفوا ذات يوم ولم يعترضوا طريقنا، اكتفوا فقط بمراقبتنا من بعيد.
يبدو أنهم استسلموا للأمر الواقع وقرروا تجاهلنا.
وهكذا انحلت المشكلة وأصبحت منطقة الشجرة الكبيرة تابعة لنا.
بدأت أعلم سيلف السحر أثناء لعبنا.
سيتمكن من الدفاع عن نفسه إذا استطاع التحكم بالسحر.
في البداية، لم يقدر سيلف على تسخير السحر المبتدئ سوى 5 أو 2 مرات قبل أن تنقطع أنفاسه.
لكن في غضون عام واحد، زاد مخزونه السحري بشكل كبير وأصبح بإمكانه تسخير السحر لنصف يوم دون عائق.
” هناك حد لمخزون الطاقة.“
كلامي صحيح نوعا ما، لكنه لا ينطبق على التعويذات السحرية.
سيلف بارع في سحر الماء والريح لكنه ضعيف جدا في سحر النار، حاله ميؤوس منها في سحر النار.
لماذا؟ هل يعود السبب لكونه من عرق الجان؟
لا.
تعلمت من دروس روكسي عن )النظام المتخصص( و)النظام الضعيف(، وطبقا لما أعرفه فلكل شخص نظام متخصص وآخر ضعيف.
سألته ذات مرة: ”سيلف، هل تخاف من النار؟“
أجابني بالنفي ولكن عندما أراني راحة يده لاحظت بها حرق فظيع.
أخبرني أنه عندما كان في الثالثة من عمره مسك قضيب حديد ساخن موضوع في موقد النار دون أن ينتبه والداه.
” لكني لست خائفا من النار الآن.“
قد يخالف عقله الباطن ما جاء على لسانه، وقد يكون لهذه الحادثة أثر على نظامه الضعيف.
إذا أخذنا عرق الأقزام على سبيل المثال، فالنظام الضعيف لغالبيتهم هو عنصر الماء.
فالأقزام يعيشون عادة في المناطق الجبلية ومعتادين على عنصر الأرض منذ نعومة أظفارهم، علاوة على أنهم تعلموا الحدادة من آبائهم وحرفتهم هي استخراج الصخور المعدنية، لذا هم معتادين على عنصري النار والأرض، أما ضعفهم تجاه عنصر الماء فالسبب يعود لموطنهم الجبلي الذي يتعرض كثيرا للفيضانات والسيول المطرية أو انفجار الينابيع الساخنة.
أعتقد أن هذا التفسير منطقي، أكثر من كونها مسألة أعراق.
بالمناسبة، ليس عندي نظام ضعيف.
ربما لأني عشت حياة رغدة.
عموما لا حاجة لعنصر النار لتسخير رياح دافئة أو مياه ساخنة.
لكن تعليم سيلف هذه المبادئ أمر متعب لذا سأكتفي بتعليمه سحر النار. لا ضرر من تعلم كيفية تسخير النار على أية حال وأيضا يمكنك التخلص من السلمونيلا بتسخين الطعام جيدا فلا أحد يريد أن يتسمم ويموت.
إذا استخدمت السحر المبتدئ لعلاج التسمم، فيمكنك علاج معظم أنواع السموم.
سيلف يستمر بالتدريب ولا يتذمر أبدا رغم أنه يواجه صعوبة في ذلك. هو من أراد التعلم.
آههه، سيلف يبدو جميلا حقا وهو يعقد حاجبيه عندما يستخدم عصاتي )التي أعطتني إياها روكسي( وكتاب
السحر )الذي أخذته من منزلي( .
أغواني منظره هذا وأنا ذكر، لا بد أنه سيكون ذو شعبية كبيرة في المستقبل.
}قلب الأب قلب غيور{. *اقتباس من مانجا Totsugeki! Pappara-tai *
صاح صوت بداخل رأسي. وهززت رأسي.
لا، لا. لا فائدة من الغيرة، بالعكس هذا من حسن حظي.
استراتيجية الصيد مع الوسامى.
إذا كان سيلف هو الشاب الوسيم فأنا مرافقه العادي وهكذا سيكون لي نصيب من الفتيات، هع هع هع.
” رودي، كيف تقرأ هذا؟“
يشير سيلف باصبعه إلى الكتاب المفتوح وهو يرمقني بنظراته.
تلك الرمقات قوية جدا، النجدة. إنها تشجع رغبتي بحضنه وتقبيله.
قاوم!
” إنه ]الانهيار الثلجي[ .“
” ماذا تعني؟“
” هو عبارة عن تجمعات ثلجية على منحدر ما وعندما يزيد الحمل على هذا المنحدر فإنها تنهار. في الشتاء تسقط الثلوج من فوق سقف المنزل، صحيح؟ الأمر مشابه تماما لذلك ولكن على مستوى كبير جدا.“
” هكذا إذن… مذهل. هل رأيته من قبل؟“
” الانهيار الثلجي؟ طبعا… لا.“
لقد رأيته فقط على التلفاز.
جعلت سيلف يدرس كتاب السحر، هكذا يمكنني تعليمه القراءة وكتابة الرسائل أيضا. دراسة اللغة لا تضر أبدا.
لا أعرف كم تبلغ نسبة الأمية في هذا العالم ولكن بلا شك لن تصل إلى مستوى اليابان في معدل محو الأمية الذي يكاد يبلغ 111 ٪.
حسب علمي لا توجد تعويذة سحر تجعل الناس يفهمون الكلمات في هذا العالم. ارتفاع نسبة الأمية يزيد من أهمية اكتشاف تعويذة كهذه.
” لقد فعلتها!!“
صاح سيلف مبتهجا.
لقد نجح بتسخير السحر المتوسط ]عمود الجليد[ . إنه عبارة عن عمود جليدي نابت من الأرض ويلمع تحت أشعة الشمس.
” هممم، لقد أصبحت معتادا عليه الآن.“
” نعم!! …. لكن هذا الكتاب لا يحتوي على ما استخدمه رودي؟“
أمال سيلف رأسه وهو يسألني.
” همم؟“
تذكرت وهو يشرح لي التعويذة التي استخدمتها. إنه يقصد الماء الدافئ الذي غسلته به بعد حادثة التنمر.
قلبت صفحات كتاب السحر وأشرت إلى نقطتين.
” إنها مكتوبة هنا. شلال الماء وأذرع الحرارة.“
” ……؟“
” استخدمهما معا.“
” ……؟“
ما زال يميل رأسه.
” كيف تسخرهما معا في آن واحد؟“
تباً. أخبرته عفويا ونسيت أن الكتاب لم يذكر كيف تسخر ترنيمتين في وقت واحد…… لا يمكنني أن ألوم باول على عفويته بعد الآن.
بدأت أستخدم الترنيم الصامت لتسخير التعويذتين السحريتين في الوقت ذاته.
اتسعت عينا سيلف.
الترنيم صامت يصنف كمهارة عالية المستوى في هذا العالم ،ناهيك أن روكسي لم تستطع القيام به.
سمعت أن هناك معلم واحد فقط في جامعة السحر يمكنه استخدام الترنيم الصامت.
لا ينبغي أن أعلم الترنيم الصامت للآخرين، لكن لا مانع من تعليم سحر روكسي المزدوج.
الحصول على نتائج مماثلة يؤديّ الغرض وليس بالأمر الصعب أيضا.
” علمني.“
” أعلمك ماذا؟“
” تلك الحركة التي لا تستدعي قول الكلمات.“
لكن سيلف لا يريد سلوك الطريق السهل.
من البديهي أن تسخير تعويذتين سحريتين مختلفتين في نفس الوقت أفضل من تسخير تعويذة واحدة.
همم… حسنا، إذا عجزت عن تعليمه فسيختار السحر المزدوج بنفسه في نهاية المطاف.
” هممم، حسنا. استخدم الشعور ذاته الذي يعتريك وأنت تسخر التعويذة السحرية، اجمع الطاقة في جسدك وانقلها نحو أطراف أصابعك وحاول أن تسخر التعويذة بالترنيم حتى تحفظ هذا الشعور، ومن ثم استجمع الطاقة وتذكر شعور التعويذة التي تنوي تسخيرها وأطلقها من يدك .جرب هذه الطريقة. ابدأ برصاصة الماء.“
هل فهم شرحي؟
لا أستطيع تبسيط الشرح أكثر من هذا.
أغلق سيلف عينيه وهو يتمتم ويعصر جسده وكأنه يؤدي رقصة غريبة.
القيام بشيء مبني على الشعور أمرٌ صعب.
الترنيم الصامت يتم في العقل وهذا يعني أن لكل شخص طريقته الخاصة للقيام به.
لطالما شعرت أن التأسيس هو أهم شيء لذلك جعلت سيلف يسخر السحر بالترنيم المنطوق طوال العام.
طبعا يصعب على المرء استخدام الترنيم الصامت كلما زاد استخدامه للترنيم المنطوق، الأمر أشبه باستخدام يدك اليسرى للقيام بالأشياء بدلا من يدك اليمنى. التغيير المفاجئ أمر صعب جدا. ” نجحت! فعلتها يا رودي!!“
لكن لم يجر الأمر كما كنت أتوقع.
صاح سيلف بسعادة وهو يطلق رصاصات الماء.
لعل السبب هو استخدامه للترنيم المنطوق لمدة عام واحد فقط.
الأمر شبيه بإزالة عجلات التدريب من الدراجة.
يا ترى أهي فطنة الصغار أم موهبة سيلف الفطرية؟
” جيد. حسنا إذن، استخدم الترنيم الصامت لتطبيق كل ما تعلمته في السحر.“
” حاضر!“
على كل حال، من السهل علي تعليمه ما دام يعرف كيف يستخدم الترنيم الصامت. سأجعله يقلد ما أفعله.
” همم؟“
تساقط المطر فجأة.
رفعت رأسي ورأيت السماء ملبدة بالغيوم السوداء.
ثم بدأ المطر يهطل بغزارة.
في العادة، أراقب تقلبات الجو وأحرص على العودة إلى المنزل قبل هطول المطر، لكن ألهاني تمكن سيلف من الترنيم الصامت.
” يا إلهي… إنها تمطر بشدة.“
” رودي، بما أنك تصنع المطر، ألا تستطيع إيقافه؟“
” فات الأوان، لقد تبللت ملابسنا. ولا تنسى أن نمو المحاصيل يعتمد على مياه الأمطار، لذا لن أتحكم بالطقس ما لم يتذمر أحدهم من سوء الأحوال الجوية.“
ركضنا باتجاه منزلي ونحن نتكلم.
منزل سيلف بعيد جدا.