الجزء الثانى

أراضٍ عشبية على مد البصر.

لا، بإمكان المرء أن يبصر خيال الجبال البعيدة.

منظر لن تراه في اليابان.

أشعر أني قرأت عن مكان مشابه في أحد الكتب كأراضي المغول الخضراء.

“ هذا المكان مناسب.”

اتجهت روكسي نحو شجرة وحيدة وربطت لجام الحصان بها.

ثم أنزلتني من ظهر الحصان.

تقابلنا وجهًا لوجه.

“ سأسخر الآن سحرًا هجومياً برتبة قديس الماء يُدعى المزن الركامي. إنها تعويذة تصنع الصواعق والمطر الشديد.” “ حسنًا.”

“ حاول تقليد ما سأفعله.”

تسخير سحر برتبة قديس الماء.

إذن هذا هو محتوى الاختبار النهائي.

روكسي تهمّ بتنفيذ أقوى تعويذة عندها.

إن تمكنت من تعلمها فهذا يعني أنه لا يوجد شيء لتعلمني إياه روكسي.

“ سأعرض لك التعويذة لمدة دقيقة واحدة فقط ثم ألغيها… إذا تمكنت من إبقاء المطر ساعة كاملة فأنت ناجح.”

“ أجئنا إلى هذا المكان المنعزل لأنها تعويذة سرية؟”

“ لا، التعويذة قد تسبب الأذى للناس أو تدُمر محاصيلهم.”

أوه.

أبوسعها إنزال مطر مدمر كالكوارث الطبيعية؟ هذا مذهل.

“ سأبدأ الآن.”

رفعت روكسي يديها نحو السماء.

“ يا روح الماء العظيمة في السماء، يا سليل إمبراطور البرق!

اسمع ندائي وهب لنا من لدنك بركة وأظهر لهذا الكيان الوضيع قوتك!

اضرب بمطرقتك الإلهية سندان الفزع وأنزل الودق من الركام!

املأ الأرض بالماء! أغرقها بالأمطار! أهلكها وطهرها من الدنس!

『 الركام المزني 』 ”

إنها تتلو كل كلمة على مهل.

استغرقت أكثر من دقيقة لإكمال تلاوة الترنيمة.

انقلب لون كل شيء للسواد فجأة عند اكتمالها.

وفي ثوان معدودة… هطل مطر غزير من السماء.

أحاطتنا عواصف هوجاء بينما شحنات البرق تسري في السحب السوداء.

ووسط صوت هطول الأمطار الغزيرة، أخذت السحب ترعد إثر سريان الصواعق البنفسجية فيها.

ازدادت قوة الشحنات الكهربائية رويدا رويدا.

وتضخمت معها شرارات البرق وكأنها تزداد قوة.

….. وضربت الأرض.

*رعد*!!

سقطت الصاعقة على الشجرة.

ضج الطنين أذنيّ وداخت عيناي من الدوران.

كاد أن يغمى عليّ.

“ ويحي!!”

هذا ما تقوله روكسي إذا ارتكبت غلطة.

اختفت السحب في لحظة.

وتوقفت الأمطار والصواعق.

“ يا إلهي……”

شحب وجه روكسي وهي تركض تجاه الشجرة.

عندما نظرت باتجاهها وجدت الحصان مصروعًا على الأرض والدخان يتصاعد منه.

وضعت روكسي يدها على الحصان وبدأت الترنيم.

“ يا أم الآلهة الرحيمة، اشفي جراح عبدك المصاب، وامنحيه جسدًا معافى. 『 برء الشفاء 』 ”

سخرت روكسي سحر شفاء من المستوى المتوسط بارتباك، وبعدها بفترة نهض الحصان.

يبدو أنه لم يمت من فوره.

سحر الشفاء المتوسط لا يعيد الأموات للحياة.

أصيب الحصان بالهلع، أما روكسي فتنفست الصعداء.

“ فو فو فو…… كان ذلك وشيكًا.”

هذا الحصان هو حصان عائلتي الوحيد.

يواظب باول على العناية به دائمًا، وعندما يمتطيه في جولاته الخارجية تملأ السعادة وجه باول… هذا الحصان رفيق باول القديم رغم أنه ليس من نسل أصيل.

يمكنكم القول أن حبه للحصان أدنى من حبه لزينيث بقليل، أيّ أن الحصان عزيزٌ عليه.

بالطبع، روكسي التي عاشت معنا لعامين تعلم هذا.

وأعلم أنها تفاجأت ذات مرة عندما رأت باول نائمًا وهو على ظهر الحصان.

“ أرجوك، ابق الأمر سرًا.”

طلبت مني روكسي ذلك بصوت جهش.

إنها خرقاء بعض الشيء.

لكني أعلم أنها فتاة مجتهدة، وأدرك أيضًا أنها تسهر الليالي لتحضير دروسي.

كما أنها لا تحب أن يقلل أحد من شأنها لصغر سنها، ودائمًا ما تحاول تقديم نفسها بوقار.

معلمتي ظريفة.

لو لم يكن فارق العمر بيننا كبير، لطلبت يدها للزواج.

“ لا تقلقي، لن أخبر أبي.”

“ أووو… أرجوك.”

ليتني كنت في نفس عمرها.

“ أوووو….”

هزت روكسي رأسها وصفعت خديها واعتلى وجهها تعبير جاد وكأنها لم توشك على البكاء قبل لحظات.

“ إذن فلتجربها الآن، سأعتني بأمر كلاجف.”

فزع الحصان وصار يتحينّ الفرصة للهرب، فتمسكت به روكسي بشدة واللجام بيدها.

بغض النظر عن مقدرتها بتقييد الحصان إلاّ أنه قد هدأ، ثبتت روكسي في مكانها ورتلّت ترنيمة ما.

أحاطت بهما جدران صخرية بلمح البصر وتكونت قلعة صخرية.

إنه سحر الأرض المتقدم، قلعة الأرض.

أعتقد أنهما بمأمن الآن حتى لو انهلتّ عليهما الصواعق.

حسنٌ، حان الوقت.

سأفرد عضلاتي وأُبهر روكسي.

أعتقد أن التعويذة كانت…..

“ يا روح الماء العظيمة في السماء، يا سليل إمبراطور البرق!

اسمع ندائي وهب لنا من لدنك بركة وأظهر لهذا الكيان الوضيع قوتك!

اضرب بمطرقتك الإلهية سندان الفزع وأنزل الودق من الركام!

املأ الأرض بالماء! أغرقها بالأمطار! أهلكها وطهرها من الدنس!

『 الركام المزني 』 ”

لفظت الترنيمة كاملة.

بدأت السحب بالتجمع.

في ذات الوقت، استوعبت ماهية المزن الركامي.

في منتصف طبقة الستراتوسفير الجوية، تتكاثف السحب بتقلبات هوائية خارقة فتتشكل السحب المطرية ،أفترض أنه شيء من هذا القبيل.

ستتبدد السحب إذا توقفت عن إضافة الطاقة أثناء تشكيلها.

)لا تهتم بالطاقة، من المتعب أن ترفع يديك ساعة كاملة…( لا، لحظة.

ينبغي على الساحر أن يكون مبدعًا.

أيجب حقًا أن نحافظ على وضعية ’طلب المساعدة من سكان الأرض’ لمدة ساعة كاملة؟ )إسقاطة على

دراغون بول زد(

صحيح، إنه اختبار.

الأمر لا يتعلق بالثبات على ذات الوضعية، إنما يتعلق بتسخير السحر المركب بعد صنع السحب للمحافظة عليها.

كاد يغيب عن بالي أنه ينبغي عليّ تطويع كل ما تعلمته حتى هذه اللحظة.

“ عليّ التفكير، لقد رأيت ذات مرة على التلفاز عملية تشكل السحب…..”

بعض السحب التي صنعتها روكسي قبل قليل ما زالت موجودة.

أعتقد ثمة علاقة بين تكوين السحب وتصاعد بخار الماء.

فعند تسخين الجزء السفلي من طبقة الهواء، ينتج تيار هواء متصاعد يحمل بخار الماء أو شيء كهذا.

وبعدها يجب أن أخفض درجة حرارة الجزء العلوي بسرعة…

استنزفت نصف طاقتي محاولاً القيام بهذا.

لكن بما أني اتبعت هذه الطريقة، فيفترض أن تبقى السحب لأكثر من ساعة.

اعتراني شعور بالرضا وأنا أحدق بالعاصفة المطرية، ثم دخلت قلعة روكسي.

كانت روكسي تجلس في زاوية مظلمة ويداها متمسكتان بلجام الحصان.

أومأت برأسها عندما رأتني.

“ ستختفي القلعة بعد ساعة، أوقف السحر قبلها.”

“ حاضر.”

“ لا تقلق، كلاجف بخير.”

“ حاضر.”

“ كف عن قول حاضر. عليك التحكم بالسحب بجدية لمدة ساعة.”

هاه؟

“ أعليّ التحكم بها؟”

“ هاه؟ أقلت شيئًا غريباً؟”

“ أهناك حاجة للتحكم بها؟”

“ بالطبع، سحر قديس الماء يظل سحرًا، ستتبدد الريح إن لم تحافظ عليها بالطاقة.”

“ لكني سخرتها بطريقة تمنعها من التبدد….؟”

“ هاه؟ ماذا…..؟!”

خرجت روكسي من القلعة ركضًا بعد أن فطنت شيئًا.

وفي نفس اللحظة، بدأت جدران القلعة بالانهيار.

مهلاً، ألن تستمري بالتحكم بها؟ ستدفنين الحصان حي ا.

“ اثبتي اثبتي.”

سيطرت على الجدران بسرعة وخرجت من القلعة.

كانت روكسي تنظر إلى السماء بصمت.

“ … هكذا إذن، الإعصار يرفع السحاب…!!”

امتلأت السماء بالسحب المتزايدة التي صنعتها.

أظن أنني أحسنت العمل.

شاهدت في الماضي برنامجا تلفازيا علميا يشرح عملية تكونّ الأعاصير الضخمة.

ومع ذلك لا أتذكر محتواه بالتفصيل.

اعتمدت على حدسي ويبدو أني أحسنت صنعها.

“ أنت ناجح يا رودي.”

“ ماذا؟ لكن لم تمض ساعة؟”

“ لا حاجة للانتظار، القيام بكل هذا كافٍ. لكن، أتستطيع إيقافها؟”

“ أجل، أحتاج لبعض الوقت.”

أخفضت درجة حرارة الجزء السفلي من الإعصار وزدت درجة حرارة الجزء العلوي، ثم صنعت تيارًا هوائيا نازلاً تجاه الأرض، وفي الأخير سخرت سحر الهواء لتبديد السحب.

تبللت ثيابنا بالكامل جراّء هذا الاختبار.

“ تهانينا، أنت الآن برتبة قديس الماء.”

قالتها الفتاة الجميلة الواقفة أمامي وقطرات الماء تتساقط من خصلات شعرها بابتسامة نادرًا ما تراها على محياها.


وأخيرًا حقق هذا الإنسان عديم الإنجاز شيئًا في حياته.

خالجني شعور غريب.

أعرف هذا الشعور.

إنه شعور الإنجاز.

أخيرًا وفي هذه اللحظة،

أشعر أنني خطوت خطوتي الأولى في هذا العالم.

في اليوم التالي، روكسي؛ التي لم تتغير بتاتاً في السنتين الماضيتين، حزمت أمتعتها ووقفت أمام البوابة.

وأبواي لم تتغير ملامحهما أيضًا منذ مجيء روكسي.

أنا الوحيد الذي تغيرت إذ ازداد طولي قليلاً.

“ روكسي، لا بأس إن أردتِ البقاء في منزلنا، ثمة العديد من الأطعمة التي لم أطبخها لك…”

“ صحيح. حتى لو انتهى دورك كمعلمة، فقد قدمتِ لنا الكثير في السنة الماضية، سيرحب بك أهل القرية بالتأكيد.”

حاول والداي إقناع روكسي بالبقاء.

أصبحت العلاقة بين والديّ وروكسي مقربة مع مرور الأيام.

لا عجب، فهي متفرغة من الظهر حتى المساء.

لو فعلت شيئًا كل يوم، لحظيت بفرص تواصل عديدة.

بخلاف بطل لعبة، إذ عليه القيام بالكثير وإلاّ بقي سجله على حاله.

“ لا. أنا متشكرة لما قلتماه ولكن هذه التجربة جعلتني أدرك نقطة ضعفي. سأجوب العالم لفترة وأصقل مهارتي في السحر.” يبدو أنها أصيبت بصدمة بعد أن بلغت نفس مرتبتها في السحر.

أفصحت لي ذات مرة كم أنها تكره أن يتفوق التلميذ على معلمه.

“ هكذا إذن، لا أدري ماذا أقول. أقدم لك اعتذاري، يبدو أن ابننا جعلك تفقدين ثقتك.”

باول الأخرق، ما الذي تقوله بحق السماء؟!

“ كلا، لقد تعلمت من هذه التجربة أن لا أغتر بنفسي. أنا حقًا ممتنة.”

“ لكِ الحق أن تفخري بنفسك، فأنتِ قادرة على تسخير سحر قديس الماء.”

“ حتى لو لم تستخدميه، يمكنك تسخير سحر أقوى بالابتكار.”

ابتسمت روكسي بمرارة وهي تمسح على رأسي.

“ رودي، لا أستطيع تعليمك بمستواي الحالي حتى لو بذلت قصارى جهدي.”

“ هذا غير صحيح، لقد علمتيني الكثير.”

“ كلامك يسعدني… أوه، صحيح.”

بحثت روكسي في معطفها وأخرجت تميمة مربوطة بشريط.

“ ما هذه…؟”

“ إنها قلادة حماية ميقوردية، إن اعترضك شيطان وضايقك، أره القلادة واذكر اسمي، ربما يحسن تعامله معك… ربما.”

“ سأعتني بها جيدًا.”

“ إنه محض احتمال، لا تعتمد عليها كلي ا.”

ابتسمت روكسي ابتسامة أخيرة وغادرت.

انهالت الدموع من عيني لا إراديًا.

لقد منحتني الكثير.

المعرفة، الخبرة، الأسلوب… لو لم أقابلها، لبقيت على حالي أقرأ كتب السحر بفهم ناقص.

والأهم من هذا كله، لقد أخرجتني.

اصطحبتني معها إلى العالم الخارجي.

هذا يكفي.

روكسي أخرجتني من المنزل.

هذا الحدث يعني لي الكثير.

جاءت روكسي إلى قريتنا قبل عامين وهي لا تعرف كيف تتواصل جيدًا مع الآخرين.

فالشياطين عادة لا يلقون معاملة محترمة من سكان الريف.

من أخرجني للعالم ليس باول أو زينيث، إنما روكسي وهذا وحده له أثر عظيم في نفسي.

كل ما فعلته هو اصطحابي معها خارج القرية.

مجرد فكرة مغادرة المنزل كانت كابوسًا يقض مضجعي.

لكنها عالجتني.

بمجرد عبورنا القرية، تحرر قلبي من قيوده السوداء.

لم يكن في نيتها أن تجعلني إنساناً أفضل.

ومع ذلك خلصتني من شبح الماضي.

عبرت البوابة يوم أمس عند عودتنا.

إنها مجرد أرض، أرض عادية.

لم أرتعش.

وأخيرًا تمكنت من الخروج.

فعلتَْ شيئًا لم يستطع أحدا سواها فعله.

حتى والديّ وإخوتي عجزوا عن ذلك في حياتي السابقة.

أما هي فقد فعلتها.

عزمت على منحي الشجاعة والثقة دون أن توبخني.

لم تفعلها عن عمد.

أتفهم هذا.

لقد فعلتها من أجل نفسها.

أدرك هذا.

لكني ما زلت أحترمها.

أحترم هذه الفتاة الصغيرة.

أقسمت في قلبي وأنا أشاهدها تغادر، سأحترمها مهما حييت.

تمسكت بالقلادة والعصا التي أعطتني إياهما روكسي.

وبكل المعارف العديدة التي علمتني إياها.

ثم تذكرت فجأة.

السروال الداخلي غير المغسول الذي سرقته من روكسي ما زال في غرفتي.

أنا آسف.

2020/06/13 · 501 مشاهدة · 1661 كلمة
dark_king
نادي الروايات - 2025