الفصل 172: تعلّم تعويذته الأولى
جلس إيثان متربعًا وأغمض عينيه.
كان والده يرشده ببطء من خلفه:
"تنفّس بهدوء… حاول أن تركّز. لا تفكر في أي شيء آخر."
ما إن أغلق إيثان عينيه حتى رأى جزيئات بيضاء تملأ المكان من حوله. وحاول أن يمسكها. وفجأة تنشّط نواته عديمة اللون وبدأت تمتصّ المانا كما لو كانت ثقبًا أسود.
وما إن دخلت تلك الجزيئات البيضاء إلى جسده حتى تحولت إلى اللون البنفسجي، لون عنصر البرق. أما عنصري المكان والزمان فليسا لهما لون، على عكس العناصر الأساسية.
على الفور بدأت كل جزيئات المانا البنفسجية تتدفّق إلى داخل النواة التي أخذت هي الأخرى تكتسي بالبنفسجي.
لكن ما لم يكن إيثان يعلمه هو أن كاديس إينترامـا دي رايزل ، أقوى "آرتش ماجوس" وإمبراطور لوكيدونيا، قد بدأ يتصبّب عرقًا.
فالمنظر أمامه لم يكن طبيعيًا أبدًا. لقد جاء ليُرشد ابنه لسبعة أيام على الأقل، إذ هو نفسه احتاج إلى عشرة أيام ليتمكن من رؤية الجزيئات والسيطرة عليها داخل جسده. كان يتوقع أن يحتاج ابنه سبعة أيام على الأقل، حتى لو كان عبقريًا.
لكن إيثان فعل ذلك فورًا، في اللحظة التي أغمض فيها عينيه!
رأى كاديس المانا تتدفّق داخل ابنه بجنون. فأوقفه بسرعة واضعًا يده على كتفه.
فتح إيثان عينيه متفاجئًا: "أبي، ما الذي حدث؟"
أجابه كاديس: "لا شيء يا بُني. لقد أحسنت. لكن لا تدع الغرور يتسلّل إليك. فقد رأيت عباقرة يفعلون هذا أسرع منك."
كان يتحدث هراءً ليُخدع ابنه الصغير. فلا يوجد أحد أسرع من ذلك.
لكن إيثان صدّق كلام والده: "حسنًا أبي، لن أصبح مغرورًا."
أومأ كاديس برضا: "جيد. الآن دعني أعلّمك أبسط تعويذة… كرة المانا ."
في هذه التعويذة عليك أن تتعلم كيف تتحكم بالمانا وتشكّل كرة بين يديك. يمكن لهذه الكرة أن تكون سلاحًا قاتلاً، وستساعدك على إتقان التحكم بالمانا.
تلألأت عينا إيثان من الحماس: "أرجوك أبي، علّمني إياها!"
كان يتحوّل إلى مهووس بالسحر.
أخرج كاديس مخطوطًا: "هذا هو المخطط الخاص بالتعويذة. يجب أن تحفظه وتُمرّر المانا داخل جسدك وفقه. لا تتسرّع. إن تمكنت من إتقانه خلال سبعة أيام، سأمنحك هدية."
ابتسم وهو يناول المخطوط لابنه. أخذه إيثان بوجه جاد، عازمًا على بذل قصارى جهده.
وما إن نظر إلى المخطط حتى حفظه على الفور. فهو في النهاية روح إيثان هانت، صاحب الفهم اللامحدود . ومن الطبيعي أن تكون ذاكرته وقدرته على الاستيعاب خارقة، حتى لو لم يمتلك تلك الموهبة بعد.
أغمض عينيه وبدأ يُمرّر المانا وفق المخطط. كان الأمر بالنسبة له سهلاً كالتنفس.
وفجأة بدأت كرة بنفسجية تتشكل بين يديه.
كان كاديس يستعد ليشرح له الطريقة الأسهل للحفظ، لكن ما رآه بعدها أصابه بالذهول. تجمّد في مكانه.
لقد كان يعلم أن ابنه مميز، لكن لم يتخيّل قط أنه وحش بهذا المستوى. إنه في فئة أخرى تمامًا. لقد حطّم بالفعل بعض الأرقام القياسية في اللحظة التي خطا فيها أول خطوة على طريق السحر.
بسرعة أنشأ كاديس حاجزًا داخل غرفة التدريب، فلا يجب أن يرى أحد هذا. فلو علمت إمبراطورية أخرى أو أي من الأعراق بهذا، فقد يشعل الأمر حربًا.
فتح إيثان عينيه بقلق: "أبي… أظنني فقدت السيطرة على التعويذة. ماذا أفعل؟"
"هاه؟" كاد كاديس أن يسأله، لكن عندها رأى كرة البرق البنفسجية تكبر وتكبر حتى وصلت لحجم إنسان بالغ، وما زالت تتمدّد.
كان جوهر إيثان يمتصّ المانا ويُغذيها باستمرار، وهو أمر لم يرد في المخطوط، ولهذا فقد السيطرة.
صرخ كاديس: "أطلقها فورًا!"
"لكن أبي، قد تُدمّر غرفة التدريب وقد تؤذيك أيضًا!" قال إيثان وهو في قمة الذعر.
"أنا آرتش ماجوس، هل نسيت؟ فقط أطلقها. أعدك لن يحدث شيء."
"حسنًا أبي… سأطلقها."
وبوووم! انطلقت كرة المانا الهائلة، بقطر ثمانية أقدام، من يديه نحو والده.
لكن ما إن اقتربت حتى رفع كاديس إصبعه و… اختفت الكرة تمامًا.
اتسعت عينا إيثان بدهشة: "واو! أبي… أنت مذهل!" قال وهو يقفز من الفرح.
امتلأ قلبه إعجابًا بوالده. ولم يعرف كاديس لماذا، لكنه شعر بفخرٍ عظيم في تلك اللحظة، حتى وهو أعظم آرتش ماجوس، لمجرد أن ابنه الصغير امتدحه. بل شعر بقليل من الغرور من مديح ابنه "الوحش".
ثم تمالك نفسه وقال بجدية: "حسنًا، انتهى تدريبك لليوم. لا تخبر أحدًا بما فعلت. ولا تستخدم هذه التعويذة في أي مكان. تعال غدًا صباحًا إلى غرفة التدريب. يمكنك الذهاب الآن."
واختفى كاديس من الغرفة.
لكن إيثان لم يغادر فورًا. ظلّ يفكّر فيما حدث اليوم: لماذا فقد السيطرة على الكرة؟
وسرعان ما وجد الجواب. إنه جوهره. فهو يمتصّ المانا أسرع مما يستطيع التحكم به. إذن عليه أن يتعلم ضبط مدخل المانا و مخرجها .
كان متحمسًا بشدة للغد. لكنه احترم كلام والده وغادر بعد أن غيّر ثيابه. قرّر أن يقضي الليلة في قراءة كتب عن السحر في المكتبة.
أما كاديس فقد ذهب إلى غرفة النوم مع ترينا. كانت ترتدي ثوب النوم وتجلس أمام المرآة تمشّط شعرها، تبدو كجنية سماوية.
سألته بابتسامة: "جلالتك، كيف كان ابننا اليوم؟"
ابتسم كاديس: "ترينا، لقد أهديتني العالم. لا أجد ما يكفي من الكلمات لأشكرك. سأمنحك أمنية واحدة، قولي ما تشتهين."
تفاجأت ترينا من هذا الإطراء المفرط، لم تكن مستعدة له. وقالت بخجل: "سلامتك هي أعظم أمنية عندي، جلالتك. أرجوك اعتنِ بنفسك، حتى وأنت تحكم الإمبراطورية، فهذا هو طلبي."
شعر كاديس بدفء يملأ صدره. ثم ضمها برفق وأطفأ نور الغرفة.