الفصل 179: التدرّب على سحر الفضاء

كان عيد ميلاد إيثان غدًا، وقد رتّب الإمبراطور له حفلة كبرى ستفوق في عظمتها احتفالات أعياد ميلاد طلاب السنة الثالثة.

فبعد غدٍ سيرحل إيثان إلى أكاديمية السحرة، كما أنّ مسابقة اختيار ولي العهد باتت وشيكة.

لذلك رأى كاديس دي رايزيل أنّ أنسب وقت للإعلان عن كل ذلك هو في عيد ميلاد إيثان السادس، فيكون أكثر جدوى.

وبينما غصّ القصر بأجواء الفرح والاستعدادات، غاب صاحب المناسبة عن الأنظار. كان قد قصد البحيرة داخل القصر الملكي.

تلك البحيرة من أحبّ الأماكن إلى قلبه، إذ كانت مياهها الهادئة تزرع في نفسه الطمأنينة. غير أنّه لم يأتِ اليوم ليستمتع بالهدوء، بل ليتدرّب. فالطلسم الذي أراد تجربته لا يمكن ممارسته في قاعة التدريب.

كان طلسمًا مركّبًا ابتكره بنفسه، يجمع بين تحكّمِه بالـ"مانا" وسحر الفضاء.

فكرته كانت بسيطة وخطيرة في آن: يطلق شعاعًا من البلازما المتولدة من البرق عبر إصبعه، وهو طلسم مدمّر تعلّمه في السنوات الثلاث الماضية. غير أنّ هذا الشعاع لا يُصيب إلا ما يراه أمامه، وقد يتفاداه العدو. فلا جدوى من قوته إن لم يصب الهدف.

هنا يأتي دور سحر الفضاء. بفتح بوابتين، إحداهما أمامه والأخرى خلف العدو، يطلق الشعاع فلا يراه الخصم إلا بعد فوات الأوان.

كان قد قضى ليالي طويلة يتدرّب على سحر البوابات حتى نجح أخيرًا بالأمس. واليوم لم يعد يطيق صبرًا ليجرّب فكرته.

البحيرة قطرها كيلومان. كبيرة بما يكفي.

أنشأ إيثان بوابة صغيرة أمام إصبعه، وأخرى عند الضفة البعيدة حيث كان يطفو قرع يابس.

بدأ يجمع الـ"مانا" من لبّه إلى إصبعه. ومنذ سنوات وهو يكتشف مدى تفوّق هذا اللب، إذ بدا له بلا قاع، يخزن المانا بلا حد. أمضى ثلاث سنوات يملؤه بلا توقف، حتى صار لا يعرف هو نفسه حجم ما ادّخره.

تجمّعت طاقة البرق المكثّف عند طرف إصبعه، ثم — بوم!

انطلق الشعاع، اختفى في البوابة وخرج من الأخرى، فحطّم القرع على الفور.

"نعم، نعم... هاهاهاها!"

انفجر إيثان ضاحكًا، وقد نجح اختباره أخيرًا. أدرك أنّه قادر على دمج سحر البوابات مع سحر البرق، بل ومع عناصر أخرى، وأنّ أمامه خططًا لا حصر لها بهذا المزيج.

وما إن التفت خلفه، حتى أبصر والدته مقبلة باسمة.

سألته تينا: "ما الذي أبهجك يا بني؟"

ابتسم إيثان: "لقد أتقنتُ سحر الفضاء يا أمّي."

تجمّدت ملامحها دهشة. فليس في القصر ولا في المكتبة الملكية كتاب عن سحر الفضاء، ولا في المملكة ساحرٌ من هذا العنصر. فكيف أتقنه ابنها؟ أيمكن أنّه ابتكره بنفسه؟ مستحيل... أم أنّه عبقري إلى هذا الحد؟

سألته: "أي نوع من سحر الفضاء يا ولدي، إن سمحت؟"

رفع إيثان يده، ففتح بوابتين، واحدة أمامه وأخرى قبالة ثمرة معلّقة في شجرة. مدّ يده في البوابة، فخرجت من الأخرى، وقطف الثمرة وقدّمها إلى أمّه.

بيد مرتجفة تناولتها تينا، وما زالت مبهوتة. لقد صُعقت. كانت تظن أنّه ربما يتعلّم هذا السحر النادر في أرقى أكاديميات القارة يومًا، لكنه ابتكر طلسمًا بنفسه قبل أن يبلغ السابعة.

ثم قال لها بحماس: "أما ترينه رائعًا يا أمي؟"

اندفعت تينا تعانقه: "أنت أعظم عبقري وُلد في العائلة الملكية منذ تأسيسها، تضاهي جدّنا الأول. لكن يا بني، أنصحك ألا تخبر أحدًا بهذا بعد. سأفاتح والدك أولًا، أتفقنا؟"

أومأ إيثان: "مفهوم يا أمّي."

ابتسمت قائلة: "إذن عد بعد تدريبك، سأعدّ لك طعامك المفضل بيدي."

فردّ بحبور: "حسنًا أمّي."

غادرت وهي تدندن، وقد أغرقها الفخر. لطالما فاجأهما ابنهما بموهبته، لكن هذه المرّة تخطّى كل الحدود، إذ أوجد طلسمًا جديدًا من عنصر الفضاء ذاته.

أمّا هو، فبعد أن ابتعدت والدته، مدّ يديه نحو البحيرة. في كل إصبع ظهرت بوابة صغيرة، عشرة في المجموع. وفي البعيد تفتّحت عشرون بوابة أخرى.

فعاد يُطلِق شعاع البلازما، فانطلقت عشرة أشعة من أصابعه وخرجت من البوابات البعيدة لتصيب أهدافًا متفرقة.

لكن هذا كان البداية فقط. واصل التدريب طويلًا ليُنشئ مزيدًا من البوابات ويربطها بأصابعه العشرة. وبعد يوم كامل من التمرّن، بلغ خمسين بوابة متصلة بأصابعه، واثقًا أنّه قادر على المزيد مستقبلًا.

وحين أنهى تمرينه، همّ بالعودة إلى القصر، حيث ينتظره طعامه المفضل، ثم سيتابع التدريب على سيفه.

فقد اعتاد أن يسير تدريب السحر وتدريب الفروسية جنبًا إلى جنب. لكن ملكته الثالثة، ملكة ترويض الوحوش، ما تزال عاطلة؛ إذ لم يعرف بعد من أين يحصل على وحش، وحتى لو وجد، فلن يقدر على أسره الآن.

لذلك عليه أن يزداد قوّة أولًا، حتى يحين يوم يتمكن فيه من السيطرة على وحشه الخاص.

2025/09/03 · 125 مشاهدة · 670 كلمة
Abdesselam
نادي الروايات - 2025