الفصل 21: قتال القرد العملاق
كانت عينا ريموند تحملان نظرة يأس قاتمة. الجميع في ساحة المعركة كان مطروحًا أرضًا… باستثناء شخص واحد فقط.
كانوا محاصَرين من قِبل مئات الوحوش. وعلى مقربة منهم، يقف قرد اللهب العملاق بارتفاع خمسة أمتار، عيناه مشتعلة بالنار، وجسده يشع حرارة لا تُحتمل. كان إمبراطور هذه الجحافل من الوحوش، والوحوش من حوله تنتظر أوامره. كان ينظر إلى المقاتلين كما ينظر إلى مجموعة من النمل الضعيف.
وفجأة، قال لوكاس:
"أيها القائد… قبل أن نموت، أريدك أن تعرف أنك كنت أفضل قائد يمكن أن يحلم به أحد. إذا كان هناك حياة أخرى، فلنلتقِ هناك مجددًا. سأذهب أولًا… لا أستطيع أن أراك تموت أمامي."
كانت عيناه ثابتتين، مليئتين بالعزم. أراد أن يموت كمحارب حقيقي، وحتى لو مات، فسوف يسحب معه وحشًا أو اثنين على الأقل.
عند سماع كلمات لوكاس، احمرت عينا ريموند وبدأ صوته يختنق، ثم انفجر ضاحكًا بصوت عالٍ:
"أيها الإخوة، ما قلتموه صحيح تمامًا… لن تجدوا قائدًا أروع مني!"
هذه المرة لم يُخفِ غروره، بل تفاخر بكل ما أوتي من قوة.
توقف لوكاس، وكانت عيناه أيضًا تلمعان بالحزن، فقال ريموند:
"هيا بنا نقاتل… لنرِ هذا القرد ماذا تعني فرقة السيفين التوأم، هاههاها!"
اشتعلت قلوب الجميع بروح القتال، وبالرغم من يقينهم أنهم سيموتون اليوم، إلا أن الخوف لم يعد له أثر في أعينهم.
سمعهم بقية الفرق، فاشتعل دمهم أيضًا. صرخ إيريك:
"سمعتم ذلك؟! هل ستتركون أولئك الأوغاد من فرقة السيفين التوأم يأخذون كل المجد؟! هيا لنُرهم ما تصنعه فرقة أنياب السم!"
حتى القائدان الآخران تصرفا وكأن دماء الدجاج المحقونة في عروقهم، يصرخان في فرقهم بشراسة وكأنهم سيسبقون الآخرين في الظفر بالمجد.
أما إيثان، فوقف صامتًا وهو يفكر:
يا لهم من دراميين…
رفع بصره إلى الوحوش التي تحاصرهم: العشرات… لا، المئات، بانتظار الوليمة الكبرى. خنازير برية ذات أنياب متشققة، سحالي بجلود نارية، نمور معدنية بأسنان سيفية، ذئاب مقرنة، عناكب بعيون دموية… والقائمة تطول.
خطا إيثان للأمام دون كلمة. لم يتحرك كثيرًا، بل فتح حقيبته بهدوء، فانطلقت منها عشرة خناجر سوداء قاتمة تحلق في الهواء بصوت معدني حاد، متخفية بين ألوان الغروب… دون أن يلاحظ أحد.
نسمة خفيفة حرّكت الغبار… ثم بدأ المذبحة.
كومضات برق فضي، اختفت الخناجر لتظهر داخل جماجم الوحوش. واحد… اثنان… خمسة… اثنا عشر.
كانت الخناجر تتحرك وكأن لها عقلًا خاصًا، ترقص في ساحة المعركة، تقطع الرقاب، وتثقب العيون، وتمزق اللحم والدروع كما لو كانت من ورق.
المقاتلون المحاصرون، الذين كانوا قبل لحظات يشتعلون حماسًا، تجمدوا في أماكنهم.
شهقت فتاة:
"مـ… ماذا يحدث؟!"
صرخت صديقتها:
"انظري! الوحوش تسقط! إنها تموت!"
صرخ الوحوش واحدًا تلو الآخر، يسقطون إما مقطوعي الرأس أو مثقوبي الجمجمة. كانوا يلتفتون يمنة ويسرة بلا جدوى، عاجزين عن إدراك من يقتلهم.
حتى قرد اللهب العملاق بدا مرتبكًا، عيناه الحمراوان تبحثان في الأرجاء، يضرب صدره ويزأر في غضب، لكن لم يكن هناك أي أثر لعدوه.
المقاتلون لم يصدقوا ما يرون:
"من يفعل هذا؟!" "هل جاء منقذ؟!" "هناك شخص قوي… وسريع!" "لقد نجونا… أيًّا كنت، شكرًا لك!"
وبعضهم بدأ بالبكاء، إذ تحوّل الرعب إلى أمل فجأة.
أما إيثان، فظل واقفًا كجبل شاهق، يده في جيبه، يراقب بصمت. لم يكن يبحث عن التصفيق أو الاحترام… كان يفعل هذا لأنه أراد ذلك فقط.
في لحظات، تحولت ساحة المعركة إلى صمت تام، جميع الوحوش من الدرجة الدنيا وحتى المحاربين من المستوى التاسع سقطوا مضرجين بدمائهم. عادت الخناجر إلى حقيبته بهدوء.
لكن القتال لم ينتهِ.
زأر قرد اللهب غاضبًا، وركّز نظره على المقاتلين أمامه. كان ينوي اللعب بهم قليلًا قبل قتلهم، لكن الأمر تغيّر… ولم يجد عدوه، فاختار هؤلاء الأعداء الجاهزين أمامه.
في نفس الوقت، استعاد العشرون مقاتلًا شجاعتهم حين رأوا أن الوحش الوحيد المتبقي هو القرد. ارتفعت معنوياتهم:
"لنقتله وهو وحيد!"
اندفعوا نحوه بأسلحتهم، سيوفهم ومطارقهم تلمع، وطلقات البنادق تعانق السماء.
انهمرت الضربات على القرد، وانبعث الدخان من فرائه، وبدأ الدم يتسرب من ذراعيه… لكنه لم يسقط.
كان قويًا… قويًا جدًا.
طار أحد الرجال عائدًا للوراء وضلوعه محطمة، وفقد آخر ذراعه في فم الوحش، بينما انهار اثنان آخران بفعل الحرارة الهائلة المنبعثة من جلده الملتهب.
تنهد إيثان في قلبه:
يبدو أنني مضطر للتدخل.
قال بهدوء:
"يكفي."
أطلق قوته الروحية، وكأنها همسة، فسقط جميع المقاتلين في الميدان فاقدين الوعي. لكنهم هبطوا إلى الأرض برفق، دون خدش.
رفع بصره إلى القرد العملاق الذي كان يرمقه بغضب، ووضع يده على سيفه.
همس فروستمورن، وانسحب من غمده ببطء، لامعًا ببريق بارد وسط ألسنة اللهب.
زمجر القرد، وانفجرت النيران من جسده… وبدأ القتال الحقيقي.
اختفى إيثان.
ثم ظهر أمام الوحش، وسيفه يهوي بالفعل.
طاااق!
تناثرت الشرر مع التصادم، وانفجرت موجة صادمة حطمت النوافذ وشقت الأرض.
مرة تلو الأخرى، اصطدم الفولاذ بالنار، والقبضة بالقبضة.
تجنب إيثان الضربات بدقة، ولم يستخدم إلا قوة المحارب العظيم من المستوى الأول، مساويًا قوة القرد… لا أكثر ولا أقل.
كل ضربة من فروستمورن تركت جرحًا عميقًا يغلي بالبخار. زأر القرد ألمًا، وضرب الأرض بأمواج من اللهب، فتراجع إيثان وهو يترك أثرًا متوهجًا تحت قدميه.
ثم هجم مجددًا.
شِق!
اندفع خط من الدم من كتف القرد، ثم ركل إيثان الوحش في صدره، مطيحًا به عبر جدار منهار.
وقف القرد مترنحًا، الدم يتساقط من فمه، واندفع مجددًا. التقت قبضتاهما في الهواء… وانفجرت الأرض تحت أقدامهما.
ثم تجمّد كل شيء لحظة… قبل أن يسقط القرد على ركبتيه، بجرح واحد يمتد من كتفه إلى خصره. أخذ نفسًا أخيرًا… وسقط.
مات.
عم الصمت.
وقف إيثان في الهواء فوق جثة الوحش، فروستمورن تحت قدميه، ويداه خلف ظهره، يفيض بهيبة لا توصف تحت ضوء القمر.
التفت نحو المقاتلين النائمين، وأعاد السيف إلى غمده، ثم تمدد على الأرض بهدوء.
بعد عشر دقائق، استيقظ المقاتلون.
"مـ… ماذا حدث؟" "أين قرد اللهب؟" "إنه… إنه ميت…"
نظروا حولهم، فوجدوا الأرض متفحمة ومتشققة، وجثث الوحوش تملأ المكان كالمقبرة.
همس أحدهم:
"هل أنقذنا ذلك الخبير الخفي مرة أخرى؟" "من هو؟ ملاك؟ شبح؟ إله؟"
لكن… لم يكن أحد يعرف.