الفصل الخامس: اختبار القوة
توقفت الحافلة بهدوء، مصدرةً هسيسًا خافتًا من المكابح.
نظر إيثان من النافذة، لتقع عيناه على المبنى الشاهق أمامهم. كان فرع قاعة التحالف القتالي ينتصب شامخًا، مبنيًا من المعدن الداكن والحجر المُدعَّم، وقد نُقشت على جدرانه رموز قتالية عريقة تمثل إرث القوة عبر الأجيال. بوابة ضخمة مقوَّسة شكَّلت المدخل، يقف أسفلها رجل طويل القامة ينتظرهم.
بدأ الطلاب بالنزول من الحافلة، وخفتت أحاديثهم تدريجيًا حين وقعت أنظارهم على الرجل. كان عريض الكتفين، منتصب القامة كالسيف، تشع من حضوره قوة هادئة وثقة لا تتزعزع—ملامح محارب خاض معارك لا تُحصى.
تقدَّم أرنولد بخطوات ثابتة، وقال بهدوءه المعتاد: "أيها الطلاب، هذا هو ريتشارد هيرفي. إنه أحد كبار الضباط التنفيذيين في فرع التحالف القتالي هذا—وهو أيضًا سيد قتالي. سيتولى الإشراف على اختباراتكم اليوم."
رفع إيثان حاجبه. سيد قتالي؟ مجرد وجوده هنا كان مثيرًا للإعجاب. لكن ما لفت انتباهه أكثر كان تصرف ريتشارد نفسه؛ إذ تغيَّرت نبرته قليلًا حين التفت إلى أرنولد، واستقام ظهره أكثر، وفي عينيه ومضة احترام حقيقية، احترام لا يمكن تزييفه. لماذا يتصرف معه بهذه الطريقة؟ تساءل إيثان. أرنولد لا يبدو كمَن تجاوز مرتبة المحارب... إلا إذا كان يخفي قوته الحقيقية.
هز رأسه ليطرد الفكرة مؤقتًا، وتبع المجموعة إلى داخل القاعة.
القاعة الرئيسية كانت واسعة مهيبة، تُنيرها مصابيح بيضاء ناعمة ينعكس ضوؤها على الأرضية السوداء اللامعة. أعلام التحالف القتالي تزيِّن الجدران العالية، وكل شعارٍ يحكي عن القوة والوحدة والإرث. على الجانبين، كانت هناك غرف تدريب واختبار بجدران زجاجية تسمح بالمشاهدة من الخارج، ورائحة خفيفة من المعقم والحديد تعبق في الجو—رائحة مكانٍ صُنع للانضباط والقتال.
قادهم ريتشارد إلى غرفة جانبية كبيرة، تقف في صف واحد عشر آلات معدنية ضخمة، كل منها مزوَّد بوسادة سميكة للضرب وشاشة رقمية في الأعلى.
قال ريتشارد وهو يشير إليها: "هذا هو الاختبار الأول—اختبار القوة. ستتقدمون على شكل مجموعات من عشرة. المطلوب: توجيه لكمة واحدة إلى الآلة. من يتجاوز الحد المطلوب سينتقل إلى اختبار السرعة."
همهمة خافتة انتشرت بين الطلاب. كانوا جميعًا يعرفون المعيار— خمسمئة كيلوغرام من القوة ، وهو الحد الأدنى لدخول الأكاديميات القتالية المرموقة.
تقدمت الدفعة الأولى: ستة فتيان وأربع فتيات. أخذ كلٌّ منهم موقعه أمام الآلة، بعضهم بدأ بتمطيط ذراعيه، وآخرون هزوا معاصمهم. الجو في الغرفة ازداد توترًا.
قال ريتشارد: "ابدأوا."
رفع الطلاب قبضاتهم، ثبتوا أقدامهم، تنفسوا بعمق—ثم انطلقت اللكمات في آنٍ واحد.
بام!
دوَّت الأصوات كطلقات متتالية، وأخذت الشاشات تعرض الأرقام المتصاعدة.
الآلة 1: 400 كغ الآلة 2: 600 كغ الآلة 3: 500 كغ ... الآلة 10: 533 كغ
حين استقرت الأرقام، أومأ ريتشارد بإيجاز: "نجح ستة منكم."
أما الأربعة الباقون، فانخفضت رؤوسهم، وأحد الفتيات قبضت يديها وارتجفت. سنوات من التدريب بدت وكأنها تتبدد في لحظة.
تقدم أرنولد، صوته دافئ لكن حازم: "لا تدعوا الأمر يحبطكم. الفشل في دخول الأكاديميات المرموقة ليس نهاية الطريق. هناك جامعات من الدرجة الثانية، وهناك الجيش، وهناك طريق المحارب الحر. رحلتكم لم تنتهِ بعد. كثيرون سقطوا في البدايات، لكنهم نهضوا ليصلوا إلى القمة."
كلماته حملت ثقل التجربة، وكأنها صدى لمعارك كثيرة رآها بعينيه. ارتفعت رؤوس الفاشلين قليلًا، وبريق الإصرار عاد لأعينهم. أما الناجحون، فقد تبادلوا الابتسامات وصفقات الأيدي.
مرت دفعات أخرى—بعضها نجح نصفها، وبعضها أقل.
ثم جاءت دفعة مارك سيلفا.
عمَّ الصمت الغرفة فجأة.
دخل مارك بخطوات واثقة، كتفاه مشدودتان وذقنه مرفوع، لا أثر للتوتر على ملامحه. بدأ بضبط قفازيه ببطء، وكأنه يحرص أن يراه الجميع.
أطلق زفيرًا حادًا، اتخذ وضعية مثالية، ثم وجَّه لكمة قوية.
الشاشة بدأت بالأرقام: 100... 300... 600... 750 كغ .
شهقات الإعجاب ترددت في القاعة: "سبعمئة وخمسون!" "مذهل..." "عائلة سيلفا لا تخيب الظن أبدًا."
ابتسم مارك بثقة، وعيناه تبحثان عن شخص واحد—إيثان. لكن وجه إيثان ظل هادئًا، لا إعجاب ولا غيرة، فقط برود غامض.
وتحولت ابتسامة مارك إلى عبوس مكتوم: "سنرى يا حشرة... حين تفشل، ستندم على تحدي ظلي."
جاءت دفعة روز ورايان.
خطا رايان بخطوات مترددة نحو آلته، بينما مشت روز بثبات، كأنها فعلت ذلك ألف مرة.
"ابدأوا."
بام!
رايان: 433 كغ—أقل من المطلوب. أما شاشة روز فقد انطلقت بسرعة: 500... 700... 800 كغ .
ساد الذهول المكان، وحتى ريتشارد رفع حاجبيه، بينما أرنولد ابتسم بإعجاب. "800 وهي لم تُفعّل جيناتها بعد... نادر حتى في المدن العظمى." تمتم ريتشارد.
عادت روز إلى مكانها دون ابتسامة أو غرور.
أما رايان، فقد بدا محبطًا. تقدم منه إيثان وربّت على كتفه مبتسمًا: "لا تقلق. عندما أصبح ملك السماء، سأجعلك أحد جنرالاتي." ابتسم رايان: "أمرك يا مولاي." وضحك الاثنان معًا.
ثم جاء دور إيثان.
وقف أمام الآلة صامتًا. كان يعلم أن قوته الحقيقية تتجاوز 6000 كغ، لكن الحد الأقصى قبل تفعيل الجينات هو 1000 كغ. هل أكتفي بـ900 لتجنب الشبهات؟ فكر. ثم ابتسم في نفسه. لا... سأدعهم يرون.
رفع قبضته بلا وضعية قتالية، بلا استعداد يذكر.
الهمسات بدأت: "ماذا يفعل؟" "يظن أنه سيتجاوز 500 هكذا؟" "سيجلب العار لنفسه."
مارك كان على وشك الانفجار من الترقب.
ثم—
بوووم!
اهتزت الآلة، والأرقام قفزت: 300... 500... 700... 900... 1000 كغ .
تجمّد الجميع.
رايان فغر فاه، وروز اتسعت عيناها لأول مرة. مارك؟ اختفت ابتسامته، وحل محلها غضب لا يوصف.
تقدم ريتشارد بخطوات بطيئة، وعيناه تلمعان: "طالب إيثان... ما فعلته للتو استثنائي. حتى بعض المدن العظمى قد لا تجد مثلك." مد يده لمصافحته: "لديك مستقبل مشرق. سأراقبك عن قرب."
ضحك أرنولد بخفة: "ليس سيئًا يا فتى."
اكتفى إيثان بإيماءة هادئة، لكن داخله كان يغلي بفخر دافئ. لقد ترك بصمته—والآن لن يتجاهله أحد.
اكتمل الاختبار، ونجح سبعون طالبًا في عبور مرحلة القوة. صفق ريتشارد مرة لجذب الانتباه: "حسنًا. من اجتاز الاختبار—اتبعوني لاختبار السرعة."
أما الثلاثون الباقون، فعلى الرغم من خيبة الأمل، فقد تلألأت في أعينهم شرارة الإصرار.
وتحرك السبعون المختارون خلف ريتشارد، نحو التحدي التالي الذي ينتظرهم.