بعد أن كبحت غضبي بصعوبة، أمرت لاندشير بإعادة كل شيء إلى أصله.

تراجع لاندشير، وهو يتنهد بحزن، عن تعويذة السيطرة العقلية التي ألقاها على السيدات البريئات، ثم أحرق الدعوة المزيفة بنارٍ خفيفة، وعاد إلى هيئته الأصلية كرجل.

"سكايلرا، أنا حزين..."

جلس لاندشير في زاوية الغرفة متكورًا على نفسه، يعانق ركبتيه بعينين تثيران الشفقة.

كان مشهدًا يوقظ التعاطف في النفوس.

ولم أكن أمزح.

انظر إلى تلك العينين الزرقاوين البراقتين، كأن الدموع ستتساقط منهما في أي لحظة!

وكيف لهذه الرموش الطويلة المنحنية كالهلال أن ترتعشا بهذا الشكل الرقيق؟

إنسان عادي لو رأى عيني لاندشير المغرورقتين بالدموع لهرع على الفور ليواسيه ويهدئ من روعه.

لكنني، بعد أن عانيت من لاندشير منذ الطفولة، لم أعد تلك الـ"إنسانة العادية".

لم أستسلم أبدًا لمظهره المثير للشفقة هذا.

لذا، قلت:

"حقًا؟ إذن لا تحزن."

كلماتي كانت حادة كقطعة مقص تقص حبلًا مطاطيًا مشدودًا بقوة.

"لكن..."

نظر إليّ لاندشير بعينين رطبتين متلألئتين.

"أنا... أشعر بالألم لأنكِ توبخينني، سكايلرا..."

"إذن لا تفعل ما يستحق التوبيخ."

"وأشعر بالوحدة لأنكِ لم تعودي تقضين معي وقتًا كافيًا مؤخرًا..."

"إن شعرت بالوحدة، فتسلَّ بهذا واعتبره أنا."

أمسكت ورقة كنت أستخدمها للتدريب، عجنتها بعشوائية، ورميتها إليه.

"هذا أنتِ، سكايلرا...؟"

تمتم لاندشير وهو يمسك بكرة الورق المجعدة كيفما اتفق.

"نعم، اعتبرها أنا، والآن ارجع إلى منزلك."

"حسنًا..."

حدّق لاندشير في كرة الورق بعينين ثقيلتين، كأن روحه تهدأ أخيرًا.

"أخيرًا هدأ هذا الفتى."

تنفست الصعداء في داخلي.

حسنًا، الآن بعد أن زال العائق، حان وقت معالجة الأعمال الرسمية المتراكمة بهدوء...

ألقيت نظرة خاطفة على المكتب، حيث تراكمت أكوام سميكة من الأوراق في مجال رؤيتي.

قد يبدو الأمر مرعبًا، لكن المذهل أن كل هذه الأوراق يجب أن تُنجز اليوم.

إن سألتني لماذا تتولى دوقة مثلي هذا الكم الهائل من المهام الرسمية، فالجواب يكمن في والديّ.

والدي هو دوق كايرون، رب عائلة كايرون، إحدى أعرق العائلات النبيلة في الإمبراطورية.

وأنا، سكايلرا كايرون، الابنة الوحيدة المدللة لدوق ودوقة كايرون.

يشتهر دوق ودوقة كايرون في الإمبراطورية بأنهما ثنائي مثالي، يتمتعان بعلاقة وثيقة لدرجة تبدو مفرطة.

قد يعترض البعض قائلًا: "وما الخطأ في أن يكون الزوجان متعلقين ببعضهما؟"

لكن المشكلة أن والديّ كانا متعلقين ببعضهما بشكل مبالغ فيه.

عادةً، بعد عشرين عامًا من الزواج، يبدأ الملل يتسلل بين الزوجين، أو ربما يقعان في فخ الروتين.

لكن هذا لم يحدث مع والديّ أبدًا.

— آه، يا زوجتي الحلوة كقطعة سكر! ما زلتِ اليوم مشعة بجمالك الأخاذ! يا ملاكي الذي سرق قلبي!

— آه، لا أدري، لا أدري! أنا أسيرتك، يا سيدي الدوق! سأظل محبوسة في أحضانك مدى الحياة!

بهذه العبارات المثيرة للحرج، يمضي دوق ودوقة كايرون أيامهما وسط رذاذ بتلات الورود المتطايرة.

كانا كقطبي مغناطيس، الجنوبي والشمالي، لا ينفصلان أبدًا، عاشقان لا يمكن فصلهما إلا بالقوة.

حتى إن بعض الخدم في منزل الدوق بدأوا يتداولون شائعات عن أن الدوق والدوقة كائن واحد بجسدين.

وهكذا، ما إن بلغتُ سن الرشد قانونيًا حتى سارع والداي بتسليمي سلطة إدارة العائلة.

— سكايلرا، أنتِ الآن بالغة، ويمكنكِ حكم العائلة بنفسك، أليس كذلك؟ والدكِ يثق بكِ يا ابنتي!

— أمكِ و أباكِ سيمضيان الآن في شهر عسل ثانٍ. ستدعمين حبنا، أليس كذلك؟

بهذه الكلمات، تخلّى والداي عن كل المهام الرسمية دون تردد، كأن الأمر حلم.

وهكذا أصبحت، دون سابق إنذار، وكيلة دوق كايرون.

كيف يبدو شعور أن أصبح الشخصية الأقوى في عائلة الدوق؟

بالطبع مثير! متجدد دائمًا! رائع!

صحيح أن ضغط العمل كان يرهقني أحيانًا، لكن ما أكسبه كان أكثر مما أفقده.

الخدم والخادمات ينحنون لي باحترام كلما مررت في أروقة قصر كايرون!

امتياز خاص يتيح لي دخول القصر الإمبراطوري دون إشعار مسبق!

جرأة تسمح لي برفض عروض الزواج من الخطاب الصاخبين بقول "لا أريد" بكل بساطة!

أنا، سكايلرا كايرون، أقف الآن على قمة أعظم سلطة في حياتي.

ولن أسمح لصديق طفولتي لاندشير بأن يدمر كل هذا.

بالمناسبة...

'لاندشير... لماذا أصبح هادئًا هكذا؟'

هل أغضبته حقًا بإعطائه كرة الورق ليلعب بها؟

ألن يكون قد عاد إلى منزله متأثرًا؟

"..."

وضعت قلم الحبر جانبًا بهدوء، ثم رفعت رأسي ببطء.

عندها رأيت لاندشير مجددًا جالسًا في زاوية الغرفة.

كانت كرة الورق التي عجنتها تطفو أمامه في الهواء.

بل، للدقة، لم تكن كرة ورق بعد الآن، بل شيء كان كذلك في السابق.

تحولت الكرة التي عجنتها بعشوائية إلى حبة صغيرة بحجم حبة الحمص.

"ما هذا؟"

يبدو أن لاندشير ضغطها بقوته السحرية.

"لاندشير، ماذا تفعل؟"

نهضت من مكاني واقتربت منه ببطء.

"انظري إلى هذا."

أمسك لاندشير بالشيء الطافي في الهواء وقدمه لي.

على كفي، ظهرت حبة لامعة تشبه الرخام الناعم.

"ما الذي فعلته بالورقة بحق خالق السماء؟"

"حولتها إلى ماسة."

"ماذا؟"

"استخدمت الكيمياء السحرية لتحويل كرة الورق إلى ماسة."

يا إلهي...

فقدت الكلام وأنا أنظر إلى الماسة (التي كانت ذات يوم كرة ورق) في كفي.

بدت لامعة وشفافة، ماسة حقيقية بلا شك.

كنت أعلم أن لاندشير ساحر عظيم قد لا يظهر مثله إلا مرة كل ألف عام، لكن أن يحول ورقة إلى ماسة أمام عيني مباشرة...

حتى أنا، صديقة طفولته، لم أستطع إلا أن أندهش.

"أليست جميلة؟"

سألني لاندشير بهدوء وابتسامة رقيقة.

"نعم."

"تشبهكِ، سكايلرا."

"في عينيك أنا هذه الحبة الصغيرة غير الحية؟"

"لا، أعني أنها جميلة مثلكِ."

ابتسم لاندشير بعينين متورّدتين.

"سكايلرا، أنتِ جميلة."

عندما رأيت ابتسامته المنتشرة كلوحة مائية هادئة، شعرت بتأثر مفاجئ.

جميلة...

بالطبع، سمعت كلمة "جميلة" كثيرًا في حياتي.

في حفلات الشاي أو السهرات الاجتماعية التي أظهر فيها أحيانًا لأثبت أنني على قيد الحياة، كان الجميع يمدحون مظهري.

لكن تلك كانت مجاملات اجتماعية متبادلة لا أكثر.

لم يكن هناك من يقولها كما فعل لاندشير، ببساطة وعفوية كنسيم الربيع.

وكان هذا ما أعجبني.

لأن لاندشير كان دائمًا صادقًا معي.

"حسنًا، استمتعت بعرض الكيمياء السحرية المرتجل، والآن حان وقت عودتك إلى منزلك. يجب أن أذهب إلى حفل الشاي."

تذمرت بحدة وأعدت الماسة إلى لاندشير.

لم أرد أن يعرف أنني تأثرت قليلًا.

مستحيل.

لا أدري إن كان يعلم بما شعرت به أم لا، لكنه اكتفى بابتسامة هادئة.

"انظري جيدًا."

أمسك لاندشير بالماسة التي أعدتها إليه وأغلق يده عليها بقوة.

في تلك اللحظة، بدأت موجة من الطاقة السحرية تتردد.

وفي اللحظة التالية...

"تفضلي."

كان في يد لاندشير خاتم ماسي فضي.

لقد صنع خاتمًا بالسحر في لمح البصر مجددًا.

"سكايلرا، يدكِ."

ركع لاندشير على ركبة واحدة ومد يده نحو يدي اليسرى.

كجنية مسحورة بضوء القمر، مددت يدي إليه دون وعي.

لا أعرف لماذا فعلت ذلك. فقط شعرت، وأنا أنظر إلى وجهه، أن عليّ فعل ذلك.

"سكايلرا."

أمسك لاندشير يدي اليسرى بلطف، ونظر إليّ بابتسامة عينيه الرقيقة.

ما إن سحرتني نظرته حتى شعرت بقشعريرة تسري في ظهري.

"ما الذي يحدث لك فجأة؟"

"ليس فجأة."

ابتسم لاندشير بخفة.

"أنا أحبكِ. والآن، يكفي أن تحبينني أنتِ."

"ماذا يكفي؟"

"سكايلرا، إن لم تكوني مشغولة، ألن تحبيني؟"

مد لاندشير إليّ الخاتم الماسي (الذي كان ذات يوم كرة ورق) بلطف.

امرأة عادية لو تلقت اعترافًا من رجل وسيم مثل لاندشير لأومأت برأسها عشر مرات ورقصت رقصة القبول.

لكن، كما أشرت سابقًا، أنا لست "امرأة عادية".

لذا...

"لا أريد."

أجبت بحزم وشددت على حبل الجرس بقوة.

دق الجرس!

"رفضتِ؟ عرض زواجي؟"

"نعم."

"واو، لقد تم رفض عرض زواجي للمرة الـ316..."

"كنت تعد ذلك أيضًا؟ ارجع إلى منزلك الآن!"

دق الجرس مجددًا بقوة أكبر!

شعرت بالحرج فشددت على الحبل أكثر. بعد قليل، دخلت الخادمة فبريز إلى الغرفة.

"هل ناديتني يا آنستي؟"

التفت إليها وأشرت إلى لاندشير الجالس في الزاوية.

"السيد لاندشير سيعود إلى منزله الآن. رافقيه إلى الخارج."

"اتبعني من فضلك، سيد لاندشير."

حاولت فبريز أن تقود لاندشير إلى الخارج.

لكنه حدّق فيها بنظرة باردة.

"لا تقتربي."

"قال إنه لن يذهب."

نظرت فبريز إليّ بهدوء، وفي تلك اللحظة سمعت أفكارها في أذني.

[ هذا الوغد اللعين من عائلة سولي يزعج سيدتي مجددًا! لولا أنه صديق طفولتها لكنت ضربت...]

لا! لا حاجة لضربه، فبريز!

رفعت يديّ بسرعة مذعورة من أفكارها.

"ا-المرافقة ملغاة، فقط اطرديه من فضلك."

أومأت فبريز برأسها وسارت نحو لاندشير بخطى ثابتة.

كانت الخادمة الأكثر ثقة لدي، لا تبتسم حتى لو رأت وجه لاندشير الوسيم.

عندما رأى لاندشير فبريز تقترب منه بلا تعبير، صرخ:

"سكايلرا! لا تتخلي عني!"

"أتخلى عنك؟ لم تكن ملكي يومًا حتى يتحقق معنى التخلي."

"قاسية جدًا! أنا صديق طفولتكِ!"

"هل تعتقد أن صديق الطفولة لقب نبيل؟"

"معنى صديق الطفولة في لغة الزهور هو الزوج!"

"من قال إنك زوجي؟ ولتذهب لغة الزهور إلى الجحيم."

كتفت ذراعيّ ونظرت إليه بسخرية دون أن أرمش.

وهكذا، طردته فبريز أخيرًا من الغرفة.

— ترجمة إسراء

2025/04/13 · 9 مشاهدة · 1305 كلمة
نادي الروايات - 2025