بعد أن نجحتُ أخيرًا في التخلّص من لاندشير، اتّجهتُ نحو المشاركة في حفل الشاي.
"ألن تغيّري ثيابكِ بشيء آخر؟"
سألتني الخادمة فبريز، التي عادت بعد أن طردت لاندسير، بهدوء وثبات في نبرتها.
"لم تتّسخ ملابسي، فلمَ أغيّرها مجددًا؟"
نظرتُ إلى ما أرتديه: قميص أبيض بسيط دون زخرفة تُذكر، وتنورة سوداء مزيّنة بخيوط ذهبية خفيفة.
بالطبع، لديّ ثياب أكثر فخامة من هذه، لكنّني، بما أنّني أقضي معظم يومي في العمل، أصرّ على ارتداء ما هو مريح وعملي.
"المدعوّات إلى حفل الشاي هذا هما الآنستان أرونيا ودولتشي وبروشيل."
"وماذا في ذلك؟"
"إنهنّ آنسات نبيلات بارزات في الأوساط الاجتماعية مؤخرًا. إن ذهبتِ بمظهر متواضع كهذا، قد يُنظر إليكِ بازدراء."
قالت فبريز ذلك دون أن يتغيّر تعبير وجهها قيد أنملة. لكنّني كنتُ أعلم جيدًا أنها لا تعني ما تقول بجدية، لأنها...
[آه... آنستي حقًا جميلة بما يكفي لتهدم هذا العالم... لو أنها ترتدي فستان الياقوت الأزرق الذي اشترته لها السيّدة الكبرى آخر مرة... لكنتُ حفظتُ تلك الذكرى كنزًا في قلبي أعيش به مدى الحياة...]
كانت من أشدّ المخلصين لي حتى النخاع.
"فبريز."
ابتسمتُ ابتسامة مشرقة وناديتُ اسم خادمتي العزيزة.
"أنا من عائلة دوق كايرون. من يجرؤ على احتقاري بعد سماع اسمي إلا إن كان مجنونًا؟"
بمعنى آخر، لا يوجد في هذا الإمبراطورية من يتجرّأ على سماع اسمي ثم يتطاول بجهل ووقاحة. "...المشكلة أنّ الذين يعرفونني ليسوا كثيرين.'
هل لأنني قضيتُ السنوات الأخيرة منغلقة داخل المنزل؟ مؤخرًا، كلما خرجتُ، كان بعض العامّة لا يتعرّفون عليّ ويتمادون في الوقاحة.
ربما، كما قالت فبريز، إن ارتديتُ ملابس بهذا الشكل البسيط، قد يُظنّ بي شخصٌ ما أنني من العامة...
'لكن، ما دمتُ سأخرج لوقت قصير، فما الذي قد يحدث؟'
بهذا الفكر، كبحتُ قلقًا بدأ يتسرّب إليّ.
"...حسنًا، لقد كنتُ قصيرة التفكير."
انحنت فبريز قليلًا معتذرة باختصار.
وفي الوقت ذاته، رنّ في أذنيّ صوت قلبها يتردّد:
[بكاء... يا لآنستي الصغيرة! تلك الطموحات! تلك الثقة! مذهلة بحق! أشعر أنني سأقع في غرامها! يجب أن أعود للبيت فورًا وأضيف هذا إلى <مقتطفات الآنسة سكايلرا>!]
...فبريز، ما الذي تكتبينه بالضبط؟
لم أستطع سوى رسم ابتسامة متصلبة بعد أن سمعتُ أفكارها الداخلية.
لكن فبريز، التي لا تعلم أنني أسمع ما في قلبها، حافظت على وجهها الخالي من التعبير كالمعتاد.
سرتُ مع فبريز نحو البوابة الرئيسية، حيث كانت عربة الأجرة الخاصة بي جاهزة.
كنتُ أستخدم هذه العربة للذهاب إلى اللقاءات الودية غير الرسمية.
كانت عربة عادية، من تلك التي قد يستقلها العامة: لا ستائر حريرية، ولا شعار عائلة الدوق، ولا أي زينة تشير إلى أنها لنبيلة.
إن سأل أحدهم لمَ تركب ابنة دوق ثمينة مثلي عربة بهذا الشكل، فالجواب بسيط:
لأن ذلك أقل إزعاجًا.
المجتمع النبيل ضيّق جدًا.
لذا لم أكن أرغب في أن يعرف الجميع من أزور وأين أذهب، فذلك سيثير الشائعات غير الضرورية بلا شك.
"آنستي!"
استقبلني سائقي الخاص، تيسف، بانحناءة مهذبة.
"هل وجهتنا إلى منزل ماركيز غارنيت، يا آنسة؟"
"نعم، أرجو أن نصل قبل الثانية ظهرًا."
"حسنًا، سأقود بأمان لنصل في الموعد!"
ردّ تيسف بنشاط وصعد إلى مقعد السائق بسرعة.
مع صيحة "هيا!" بدأت عجلات العربة تدور بحماسة.
"هاا..."
جلستُ أسند ذقني وأغمض عينيّ، مطلقة تنهيدة خفيفة. كان شعور التعب يثقل جفنيّ كما لو أن حبات رمل تتناثر فوقهما.
أدركت فبريز ذلك بسرعة، فأنزلت ستائر نافذة العربة لتحجب الضوء.
"هل تشعرين بوعكة، يا آنسة؟"
"لا شيء يُذكر، فقط تعبتُ من التعامل مع لاندشير."
"أأطلب من فرسان الإمبراطورية إصدار أمر بمنعه من الاقتراب؟"
"لا داعي، قد يتأذى أحدهم."
"فرسان الإمبراطورية ماهرون، سيتصرفون بحيث لا يُصاب السيد لاندشير."
"ليس هذا ما قصدته."
فتحتُ عينيّ قليلًا ونظرتُ إلى فبريز بنظرة جانبية.
"ماذا لو لم يصب لاندشير، بل الفرسان هم من يتأذون؟"
"آه... فهمتُ."
أومأت فبريز برأسها ببطء، مدركة أخيرًا.
كنتُ جادة.
كما قد تكونين لاحظتِ، لاندشير لديه قوة سحرية هائلة، لكنه، للأسف، ليس لديه أي حكمة.
ولسوء الحظ، كان لاندشير، صديق طفولتي، يتعلّق بي تعلّقًا مفرطًا ويهجم نحوي دون تفكير.
لذا كنتُ أعاني يوميًا.
فكّرتُ ذات مرة بجدية في قطع علاقتي به نهائيًا، لكنني سرعان ما تراجعتُ.
في هذه الإمبراطورية، أنا الوحيدة المقربة من لاندشير باستثناء عائلته.
ماذا لو تخلّيتُ عنه؟
من يدري أيّة حماقات قد يرتكبها تلك الروح الطفولية؟
السحر يتأثر بالعواطف.
وإن فشل ساحر عظيم كلاندشير، الذي يولد مرة كل ألف عام، في التحكم بمشاعره وانفجر غضبه، فقد تنهار هذه الإمبراطورية.
والده، دوق سولي، يعرف ذلك جيدًا، لذا جاءني بنفسه وتوسّل إليّ:
'سكايلرا، أرجوكِ، لا تتخلّي عن ابني.'
لم أستطع رفض توسّل دوق سولي وهو ينحني أمامي.
فضلاً عن ذلك، لم أكن أريد أن أرى سحر لاندشير يخرج عن السيطرة ويورّطنا في خطر.
لذلك، لم أمنعه يومًا من الاقتراب مني، رغم أنني أعامله ببرود منذ الصغر وحتى الآن.
'يُفترض أنه في مثل عمري، لكنه يتصرف كطفل حقًا.'
كنتُ أفكّر في ذلك وأنا مغمضة العينين، عندما دوّى فجأة صراخ حاد:
"آه، آآآه!"
"هيييينغ!"
صراخ السائق تيسف وصهيل الحصان اخترقا أذنيّ.
توقفت العربة فجأة مع صوت احتكاك عنيف، وانتقلت رجّة العجلات إليّ مباشرة.
"آه!"
فقدتُ توازني للحظة وسقطتُ على جانبي.
"آه، آنستي!"
سمعتُ صوت فبريز المذعور لأول مرة منذ زمن.
"آنستي، هل أنتِ بخير؟"
صرخ تيسف من الخارج، وهو يهدّئ الحصان المذعور ويفتح باب العربة بسرعة.
"أنا... بخير. ما الذي حدث؟"
سألتُ وأنا أنهض بمساعدة فبريز.
"الأمر..."
بدأ تيسف يجيب، لكنه لم يتمكّن من إكمال جملته.
فمن خلفه، دوّى صوت صراخ مدوٍّ:
"يا هذا! كيف تقود عربتك بهذا الشكل؟"
ما هذا؟
عبستُ وفتحتُ النافذة الصغيرة المؤدية إلى مقعد السائق لأرى ما يحدث.
كانت هناك عربة ضخمة تقف أمام عربتي، مزيّنة بستائر فاخرة وأعلام حريرية تشير بوضوح إلى أنها لنبلاء.
لكن الشعار المثبت عليها كان غريبًا، لم أره من قبل قط.
من أي عائلة نبيلة هذه العربة؟
'لكن، دعنا نضع ذلك جانبًا الآن.'
نظرتُ إلى موقع عربتي مقارنة بالعربة الأخرى.
كانت عربتي تسير على الجانب الأيمن من الطريق الكبير، بينما توقفت العربة الأخرى بجوارها مباشرة، منحرفة قليلاً كما لو حاولت التجاوز بقوة فاصطدمت بحركتنا.
شعرتُ بارتفاع ضغط دمي فجأة.
أليس من المنطقي أن تدع العربة التي تسير أولاً تمرّ؟ أو على الأقل أن تُعطي إشارة بجرس أو ما شابه!
كان الخطأ واضحًا للعيان من جانب تلك العربة.
غضبتُ ونزلتُ من العربة لأواجه سائقهم.
"أنت المخطئ هنا، فلمَ تصرخ في سائقي؟"
"ومن أنتِ؟"
استدار السائق الآخر نحوي بنبرة عصبية.
وفي تلك اللحظة، سمعتُ صوت قلبه:
[ما هذه الفتاة؟ كيف تتجرأ على التدخل في حديث الرجال بوقاحة؟]
شعرتُ بعينيه تجولان عليّ كأنهما تفتّشانني، فتجاهلتُ تلك النظرة المزعجة وبدأتُ أواجهه بندّية:
"عربتي كانت تسير على الجانب الأيمن. أليس من المنطقي أن تدعها تمرّ أولاً إن كنتَ عاقلاً؟"
"يا هذه!"
صرخ السائق الآخر بغضب:
"اسمعي جيدًا! يبدو أنكِ لا تعرفين شيئًا عن قيادة العربات، فما الذي تعرفينه حتى تتفوهي بهذا؟"
في تلك اللحظة، صرخ فبريز وتيسف خلفي معًا:
"يا هذا، كلامك تجاوز الحد!"
"كيف تتجرأ على الوقاحة مع آنستي!"
"كلاكما."
التفتُ إلى فبريز وتيسف، اللذين كانا على وشك الانقضاض على السائق، وقلتُ بهدوء:
"اهدآ."
"لكن، آنستي...!"
"اهدآ."
نظرتُ إليهما بابتسامة لطيفة.
"كما قلتُ."
"...حسنًا."
امتثلا لأمري أخيرًا وأطرقا رأسيهما بهدوء.
ثم دوّى صوت قلب السائق الآخر في أذنيّ:
[ما هذا، آنسة؟ هه، يبدو أنها ابنة تاجر ثري أو شيء من هذا القبيل؟ مجرد عامية في النهاية...]
'ما هذا؟ يكتب رواية رديئة في ذهنه؟'
عبستُ قليلاً.
لم أتوقع أن ينتهي بي الأمر هكذا فقط لأنني ارتديتُ ثيابًا بسيطة.
نظرتُ إلى السائق بنظرة حادة، لكنه وضع ذراعيه على صدره وأشار إليّ بذقنه:
"ماذا؟ هل لديكِ شيء تقولينه؟ إن كان الأمر كذلك، تعالي إلى عائلة الفيكونت أرتيسينا واشتكي هناك."
عائلة الفيكونت أرتيسينا؟
ما هذه العائلة الغريبة التي لم أسمع بها من قبل؟ سائق في خدمة فيكونت تافه ولا يعرفني؟
فقدتُ الكلام للحظة من هول الدهشة ونظرتُ إليه.
لكنه بدا وكأنه يظن أنني صمتّ من الخوف أو الحيرة.
نظر إليّ مرة أخرى ثم بصق على الأرض وقال:
"تبًا، لقد بدأتُ فترة ما بعد الظهر بسوء حظ بسبب فتاة تافهة تبحث عن المشاكل. هيا، أخرجوا عربتكم بسرعة."
بعد أن أفرغ ما في جعبته، بدا أنه شعر براحة لحظية.
لكن تلك الراحة لم تدم أكثر من ثلاث ثوانٍ.
لأنني، بعد ثلاث ثوانٍ بالضبط، فتحتُ فمي لأردّ.
— ترجمة إسراء