تقدم الجنود نحوي واحدا تلو الاخر ، لم يشكّل عددهم فرقا سوى ان الامر يستغرق مني نفَسا واحدا لقتل احدهم او نفسين ان كان مدججا بدروع ثقيلة ، فبعد كل شيء من أنا :
كنت المحارب الذي خضت تدريبا شاقا وسط تضاريس و مناخ صعب منذ ان كنت في الخامسة عشر من عمري ، اتذكر ذلك جيدا منذ اليوم الذي ٱعلنت فيه الحرب غادرت و عائلتي نحو المعسكرات الرومانية الرئيسية بعد انضمامنا الى قوات القيصر ، السفن المرصفة حول الموانئ و الأراضي التي تعج بأصحاب الدروع البرونزية المبهرجة و كم كنت احتقرهم بعد مهاجمتهم لنا مباغتة و استغلال ضعف المعدات العسكرية التي لدينا لم يكونوا بتلك البراعة فقط دروعهم ما تحميهم ،
حين رست السفينة كان يمرقنا الجميع بنظرات استحقار حتى اني سمعت كلمة تكرر بينهم ، بربر ، لم اكن اعلم ما تعنيه الكلمة حينها و لم القي بالا لهم ، فيما بعد اكتشفت انها وصف للقبائل التي تعيش بطرق بدائية قديمة و همجية دون ادنى تنظيم كما يلقبون القبائل غربا بالغجر ، لقد اعتبرونا هكذا كما لو كان يمكنني فعل شيء لهم في ذلك الوقت مجرد صغير يلهو و يستمتع بالحياة الجميلة و لكنهم سلبوا مني ذلك فتبددت كل المشاعر و اصبحت حقدا .
رغم ذلك لقد انبهرت حقا بما فعلوه بهذا المكان الذي علمت في ما بعّد ان اسمه " نيابوليس " ، لقد ملئت المخازن عن آخرها و تحولت المدينة التي زرتها بالماضي الي حصن عظيم بالكاد عرفتها ، دخلنا الحصن و أشاروا لوالدي الى مكان اقامتنا و طلبوا منا الراحة تلك الليلة .
(م. نيابوليس هي مدينة اغريقية لم يعد لها وجود اثر زلزال نتج عنه غرقها ، و تقع تحديدا في البلاد التونسية ولاية نابل )
صباحا ، قدم عدة فرسان الى مسكننا و قاموا بطلب والدي الذي باشر مهامه كقائد فرقة متخصصة بالاستطلاع و الاغتيال ، والدتي و اختي يجتمعان مع النساء اللواتي في البلدة يتعلمن الفسيفساء تارة و النسيج اخرى و يغادرن باكرا الى المنزل لتدبير شؤونه . اما انا فقد طلبت تعلم القتال ،
لم يثنني رفض عائلتي عن ذلك فقد سبق و ان قررت و حين شهد أبي اصراري دعمني قائلا اني لم اعد طفلا و يمكنني الاختيار ، لذا توجهت الى حيث يتدرب المجندون الجدد من ابناء أرضنا ،
طلب مني جنرال الفرقة حمل سيف خشبي و التلويح به الف مرة ثم انتقل الى التدريب الجسدي كالركض حاملا حقائب الاثقال المكونة من جلود الحيوانات و بها صخور حول الساحة المخصصة للتدريب ، و قتال الاسود لتحسين ردة الفعل لمدة ساعة يوميا ، جعل برنامج التدريب الجهنمي السابق الكثير ينسحبون دون اكمال اليوم حتى لكني استمررت لأكثر من شهر ، و في احد اليالي كنت استعد لمغادرة التمرين و سمعت المتدربين يتحدثون حول ان جنرالا قد حلّ ضيفا هنا و قد كان يشاهد مجموعتنا المكونة من 7 أشخاص و بينما نحن هكذا دخل فجأة رجل لم تضهر ملامحه فقد كان يرتدي ملابس سوداء يتوشح رداءا رماديا و يرتدي قناعا بسيطا يضهر فقط عينيه .
أشار بيده الى ثلاثة متدربين و قال :
" أنت و انتما ستكونان تحت امرتي من اليوم فصاعدا "
ثم استدار نحوي وقال " انت ستكون قائد هذه الفرقة ، غذا سنرحل للتدريب ، هدفنا ان تكونوا جنود نخبة و لن تعودوا بربرا " . ثم استدار للخروج .
لم يتمكن احد المتدربين من فهم مقصده من جنود النخبة فسأل :
" سيدي ، نخبة ماذا " .
التفت برأسه قليلا ناظرا له بعين واحدة و اجابه :
" نخبة القتلة ".