رافق ساتو بيار إلى داخل المنزل ، حيث تم تحويل إحدى الغرف إلى مختبر ضخم، جزء من المختبر كان مجهزا بأفضل أنواع الحواسيب و أجهزة الإتصال بالعالم الإفتراضي و الجزء الآخر بأحدث المعدات الطبية.

المزج بين العالم الإفتراضي و الطب الحديث منح ساتو شعورا غريبا، كان قد سمع عن أبحاث تجرى في هذا المجال لكنها لم تحقق نتائج ملموسة، لكن يبدوا أن السيد ويلكر وصل لنتيجة ما.

" ماذا عن والدها، السيد جون ويلكر؟ "

بالرغم من التجاهل المستمر لكل سؤال يطرحه ساتو، لكنه لم يستطع المقاومة، فالمفروض أن المخترع العظيم جون ويلكر قد إعتزل العالم بعد وفاة إبنته لكن حينها كان عجوزا قد تجاوز السبعين و بعد كل هذه السنين يصعب الجزم إذا كان لا يزال حيا.

تنهد بيار من قلة صبره ليجيب ساخرا و بنبرة متكبرة غير راغب في تضييع وقته مع هذا الجاهل

"أستطيع شرح كل شيء لك، لكنني بصراحة لا رغبة لي في سماع تنهدات و تأوهات الإستغراب و عدم التصديق، و تضييع الوقت في سماع كلام مثل هذا مستحيل، هذا عجيب....الخ.

و لذلك فقط قم بإرتداء الخوذة و استلقي هناك بهدوء"

لوح بيار بأسلوب متعجرف إلى السرير في الركن، بعد أن قام بربط الخوذة بالحاسوب

*تاب* *تاب* *تاب*

نقر بيار على لوحة المفاتيح لبعض الوقت قبل أن تتغير ملامحه، و تتجمع الدموع في عينيه و يبدأ في الإرتجاف

" لا ، لا ، لا.......لا يوجد أي بيانات هنا، لا شيء هنا مهمتنا فشلنا ، لقد ضاعت عشر سنوات هباءا ، لن أستطيع إرجاع ذكرياتك"

راح بيار يصرخ و هو ينتف شعره، فنزع ساتو الخوذة و هو عازم على ضرب مزدوج الشخصية هذا، فلم يعد يحتمل تقلباته المزاجية، بالرغم من أنه يكره المتكبرين لكن شخصية بيار المتكبرة أرحم بكثير من عديم الثقة الجبان الذي يصرخ الآن أمامه، لكنه تمالك نفسه و راح يهدئه

"فلتهدأ أيها العالم المجنون، قبل أن تعرف أنني قد فقدت الذاكرة ما الذي كنت تريد أن تفعله بالخوذة"

"آسف سيدي، أنا هادئ سيدي..... كنت أبحث عن ذكريات الآنسة الصغيرة التي أرسلها إليك........إليك.....إليك.....إليك"

" هل تعطل، أين زر إعادة التشغيل "

علق ساتو ساخرا على بيار الذي كان يردد نفس الكلمة كالببغاء، لكن يبدوا أنه اكتشف شيئا ما فقد اختفت الدموع من عينيه و استعاد ثقته بنفسه ليتحدث بلهجة متفاخرة و بهدوء و قد استبدل كلمة سيدي بالفتى

" أجبني يا فتى هل فقدت ذكرياتك بالكامل، أعني هل هناك فترة زمنية مسحت تماما من عقلك؟ "

بدى بيار و كأنه وصل لنتيجة مهمة، لذلك تجاهل ساتو نبرته المتكبرة و أجاب

" لا لم أنسى كل شيء، فقد الجزء المتعلق بجوهي مي ، لو لم يخبرني صديقي بأنني فقدت الذاكرة و تغيرت طباعي فبعد أن كنت عنيفا أصبحت اكثر هدوءا، لما اكتشفت الأمر"

" بالطبع لم تكن لتكتشف الأمر، عقلك قام بطمس الذكريات و مزجها كوسيلة دفاعية ، على الأغلب قد تسبب هذا في تغيير شخصيتك"

نظريا فإن أكبر جزء من شخصية يتشكل ما بين السادسة عشر و العشرين و إندماج ذاكرته مع ذاكرة جون مي غير من طباعك الحادة.

قفز بيار على الخوذة و وضعها على رأس ساتو ، و بعيون تملؤها الحماس راح يشرح بينما تلعب أصابعه على لوحة المفاتيح

"الذكريات التي كنا نبحث عنها لم تكن في الخوذة ، إنها في رأسك لقد تم مزجها مع ذاكرتك الأصلية ، سأقوم بفصلها فورا"

في اللحظة ذاتها وجد ساتو نفسه في العالم الإفتراضي ، واقفا على ضفة بحيرة

"أين أنا، هل هذه فرصة ثانية "

" ساتو، أين كنت لقد انتظرتك طويلا ، ما رأيك في شكلي"

" جو ميهو !! ، لا إنها جوهي مي"

تفاجأ ساتو بوجود زوجته الفتاة الثعلب أمامه لوهلة، قبل أن يدرك أنها ليست جوميهو التي يعرفها إنها صديقته جون مي، و قد إختارت شكل الفتاة الثعلب كأفاتار لها ( الأفاتار= الشخصية التي تظهر في اللعبة)

التفت لمصدر الصوت ليجد جو ميهو أو بالأحرى جون مي في لباس أبيض ناصع و هي تنظر إليه مبتسمة

' أهذه ذكرياتي، يبدوا أنني أعيش تجسيدا لذكرياتي المفقودة '

جون مي اقتربت منه ببطئ لتمسك بيده، و قد تغيرت النظرة التي كانت على وجهها إلى حزن عميق

" سعيدة بقدومك، فأنا بحاجتك أكثر من أي وقت مضى.........لقد توفي والدي "

صدم ساتو بالخبر، كان السيد جون ويلكر شخصية مشهورة فمن الغريب ألا يتم نشر خبر وفاته، جون مي التي قرأت ذلك في وجهه أضافت قائلة

" لقد أخفينا خبر وفاته عن الجميع، هناك الكثير على المحك خصوصا مع إقتراب موعد عمليتي الجراحية "

" لا تقلقي كل شيء سيكون بخير ، لقد أنهيت إجراءات السفر و أنا قادم لأكون بجانبك "

خرج الكلام من فم ساتو دون التفكير فيه، كانت تلك ذكرياته التي تتحدث و ليس هو ، قبل أن يدري اندمج وعيه بالكامل مع الذكريات.

ساتو تذكر كيف أنهما أبقيا علاقتهما سرا على الجميع، كيف أنها حالتها الصحية ساءت و أغمي عليها بين يديه ليكتشف أنها تعاني من ورم في الدماغ تذكر أيضا لحظة الوداع، و الخوذة التي أهدتها له كي يستمرا في اللقاء في العالم الإفتراضي.

كل تلك الذكريات بحلوها و مرها اندفعت إلى عقله مرة واحدة، المشاعر الفياضة التي اجتاحته في هذه اللحظة هي شيء لا يمكن وصفه و لا تخيله.

" تكون بجانبها، و ما فائدة ذلك هل أنت طبيب ؟"

إلتفت ساتو إلى المتحدث ليجد أمامه شخصية قابلها من قبل، إنه القنطور عاري الصدر و صاحب العضلات البارزة

" هلا توقفت عن التحديق بعضلاتي.............حسنا يمكنك التحديق قليلا بعد، انظر إلى أطفالي الثمانية هنا"

أخذ القنطور كعادته يتخذ وضعيات كمال الأجسام مبرزا جسده المنحوت بإمتياز، لترمقه جون مي بنظرة مستغربة

"أبي، ألم تجد أفضل من هذا الأفاتار لتجسيدك "

"أبي.......والدك، ألم تقولي أنه قد مات؟ "

كان وجه ساتو شاحبا، فظهور شبح والدها أمامه تسبب في جفاف الدم من عروقه

" والدي كان في غيبوبة طيلة الشهور الفائتة،أجهزة الإنعاش هي ما تبقي جسده حيا،لكن في النهاية كان علينا القيام بإجراءات الموت الرحيم"

عندما تفشل الأعضاء الداخلية عن العمل بمفردها، و تصبح أجهزة الإنعاش هي فقط السبب في بقاء المريض حيا، يطلب من عائلة المعني الموافقة على فصل الأجهزة و هذا ما يعرف بالموت الرحيم.

" بعد توقف القلب يفترض أن يعيش العقل البشري لدقائق إضافية، لكن في حالة والدي الدقائق تحولت إلى ساعات، و هو أمامك كما ترى"

" هذا لأني أمتلك عقلا إستثنائيا......ها ها ها ها "

في سابقة غير معهودة، عقل السيد جون ويلكر لا يزال يعمل حتى بعد أن توقف قلبه عن العمل، و لذلك بإمكانه الولوج إلى العالم الإفتراضي، و بهذه الطريقة الغريبة لا يزال حيا حتى بعد وفاته.

2018/10/30 · 773 مشاهدة · 1024 كلمة
magicien
نادي الروايات - 2024