12 - حركة طال انتظارها - الجزء الثاني

صوت شوشرة المذياع الخاص بالسيارة مزعج، لكن ما ان تصل الى التردد المناسب ووضوح الصوت وسماع البرامج او الاخبار او الاغاني او أيا ما تريده من المذياع يغير شعور المستمع من الانزعاج الى الاستمتاع، كذلك التخطيط في الحياة فقد يعيش الانسان لحظات من الشوشرة والتخبط تجعله ينزعج مما يعيشه ويتضايق من واقعه، لكن ما ان يصل لما كان يطمح له وبمجرد يتذوق لحظة النجاح الاولى فإنه ينسى كل ذلك الانزعاج ويبدأ بالاستمتاع والارتياح لما أنجزه...

وفي هذه اللحظات ديميتروف يعيش لحظة التخبط والانزعاج جراء البحث عن خطة و طريقة ما من اجل أن يلتقي بالبروفيسورة مينيرفا آيزينبيرغ، لكنه حتى الان لم يجدها ...

تعيش البروفيسورة في شقة في الطابق العاشر في احدى المباني الخاضعة للحكومة، وتحت حراسة أمنية مشددة مكونة من أجهزة رقابية سمعية وبصرية بأعلى المواصفات، وكتيبة من الرجال المدربين عسكريا بشكل ممتاز، وكل هذه الحراسة على مدار الساعة ..

بالطبع لن تستغرب هذه الحراسة لأن البروفيسورة تعتبر شاهد مهم لقضية مهمة لقضية نيكولاس ديميتروف، العالم المضطرب عقليا والذي انقلب على بلده وصنف كإرهابي، وصورته هي الرقم واحد للمطلوبين للحكومة، البروفيسورة مينيرفا قد كانت زوجته من قبل أن يطلقها، وسبب كونها شاهدة بدل أن تكون شريكته في الجرم كونها هي من بلغت عنه وعن الخطط التي كان ينوي فعلها .. بمعنى آخر هي من كانت تحمل الخنجر المسموم، أو هذا ما يعرفه الناس فقط لأن هناك قصة مخفية خلف كل هذا ستذكر فيما بعد .

سيارة مركونة على جانب الطريق يداخلها رجلين، السائق كان المحقق بيزيتش ويجلس بجانبه ديميتروف، يقومان بمراقبة مبنى فاخر وبالتحديد هو المبنى التي تسكن فيه البروفيسورة مينيرفا، يحاولان ايجاد ثغرة لعلها تسمح لهم بالتسلسلل لمقابلتها لكن الامر مستحيل، وبعد ان شعرا باليأس قررا أن يعودا الى الشقة ليفكرا بشئ آخر .

انها الساعة الثامنة وخمسون دقيقة مساء، ديميتروف وبيزيتش جالسان بشكل متقابل وكلاهما تعلو وجوههما ملامح متهجمة، غارقان في التفكير، وكان التلفاز يشتغل على قناة أخبارية، وكان البرنامج الذي يبث مباشرة يستضيف محللين سياسيين وبعض الاشخاص الاخرين، وموضوع الحلقة كان يتحدث عن أحداث اقتحام مركز الشرطة من قبل مجهولين، وأثناء الحوار تحدث أحدهم بكلام جعل ديميتروف يركز فيه :

- ...... وكما نعلم أن نيكولاس ديميتروف كانت لديه أفكار عن مشاريع اسلحة دمار وهذا ما جعل الحكومة تقرر أن تحد من نشاطاته وجعل الامر تحت رقابتها، لكنهم أخطأوا حين استهانوا به.

- هل تعتقد أن هناك شئ مرتبط بالامر؟

- كانت هناك شائعات تقول ان الدكتور نيكولاس كان يطور مشروع يقوم بعمل تجارب على البشر مما يعزز قدراتهم، وقد أطلق عليه عدة مسميات ومنها مشروع الجندي الخارق والجنود المثاليون وغيرها من المسميات المشابهة.

- صحيح صحيح، لكن هناك شائعات أخرى قالت أنه يطور أسلحة بيولوجية مدمرة..

- أيا كان ما يطوره فلقد كان سلاح فتاك، وهو رفض أن تكون الدولة هي التي تراقب تجاربه ومشاريعه، أفعاله هي التي جعلته مصنف كالرقم واحد للمطلوبين.

- حسب كلامك أنه لو سلم مشاريعه للدولة فإنها موافقة بالقيام على تجارب بشرية، كيف تفسر الأمر؟

- لا لا، لم أقصد أن الدولة موفقة على التجارب البشرية، بل كنت أقصد المشاريع الأخرى والتي ترتبط بالجانب العسكري للدولة.

- إذن ماذا عن زوجنه السابقة، قيل أنها كانت تساعده في أبحاثه أيضا؟

- البروفيسورة مينيرفا كانت تساعده، لكن ما ان اكتشفت نواياه حتى لجأت للسلطات والتبليغ عنه، وبهذا أخذت حق حماية الشهود فلا أحد يعلم ماذا يمكن أن يحصل اذا وقعت في قبضة ذلك المتوحش.

وبينما كان الحوار يستمر وديميتروف وبيزيتش يتابعانه بإهتمام فجأة كان هناك اضطراب بين الحضور في هذا البرنامج، كانت وجوههم مرتعبة ومتفاجئة بنفس الوقت، وفجأة رجل غريب يظهر أمام الكاميرا وجلس بجانبهم على كرسي فارغ، واضعا قدمه اليمنى على اليسرى ونزع قبعته السوداء ووضعها على الطاولة، وبإبتسامة ثقة ونظرات لامعة قال لهم بصوته الرجولي المهيب: أكملوا أكملوا، لا تجعلوا حضوري المتأخر عنكم يوقفكم عن حواركم الشيق.

ووسط نظرات الرعب التي كانت تسيطر على جميع من في طاقم الاستديو التابع للقناة وطبعا نظرات الاستغراب من المشاهدين لهذا البرنامج في كل البلاد ومن ضمنهم ديميتروف وبيزيتش والتي كانت صدمة قوية بالنسبة لهم، فهم يشاهدون شيئا لم يكن متوقعا أبدا انهم يشاهدون المطلوب رقم واحد ببث مباشر، انه الدكتور نيكولاس ديميتروف !!

وسط ذلك الجو الصادم كانت الانفاس تثقل والعرق يتصبب من جبهات جميع من في الاستوديو، وفي نفس الوقت أطرافهم متجمدة من البرد، ظهور نيكولاس لم يكن متوقعا، وهو لم يأتي وحيدا، فلقد كان الجلاد عند الكواليس يحمل سلاحه موجها به على طاقم العمل كتهديد، المخرج حاول أن يقطع البث على كل حال، لكن لم يفلح الامر ..

ابتسامة لزجة ارتسمت على وجه نيكولاس، ثم قال بنبرة شخص واثق: لا فائدة من قطع البث، فأنا أريد جميع من في هذه البلاد أن يراه.

فرقع بأصابعه لتكون هذه إشارة للهكر لي شينج ليقوم بعملية اختراق لجميع المحطات الخاصة بالبلاد، سواء كانت مرئية او سمعية لتقوم بعرض هذا البث المباشر، وبالفعل جميع القنوات وجميع شاشات العرض الموجودة في البلاد قد تم تحويلها لتعرض هذا البرنامج، ووجه نيكولاس يتوسط هذه الشاشات والجميع أصبح يراه، ثم بدأ بالكلام:

مرحبا ايتها البلاد العفنة، اسمي الدكتور نيكولاس ديميتروف .. المطلوب الارهابي رقم واحد لهذه البلاد، والتي صنفتني كذلك لأنني أردت أن احميها اصلا، والاشخاص الذين قرروا أن يجعلوني ارهابيا هارب من العدالة أصبحوا في نظر الجميع أبطال العدالة التي هزمت سيد الشر والشيطان ذو الثلاثة قرون، ودحره من أجل ان يعيش الشعب في سعادة ...

هل انتم سعداء أنكم فعلتم ذلك؟

لا يهم لأن الأمر كان مؤقتا فقط .... خلال هذه اللحظة ستسقط البلاد كلها في فوضى، ستنقطع الكهرباء في كل البلاد وستتوقف الاعمال، سيعم الشغب شوارع المدن بسب انقطاع الخدمات المرورية، اسواق الاسهم والبورصة سيتم ايقافها والعبث بها مما يؤثر سلبا على المستثمرين واصحاب رؤوس الاموال، سيتم تعطيل الاتصالات تماما، سوف أغرق هذه البلاد في الفوضى بشكل تام، مما سيؤدي لظهور الجرائم بنسبة عالية، سأدمر ما تم بناءه خلال السنوات في لحظة وبفقرعة اصابعي فقط، سيتم ضغط الزر لتبدأ مراسم الدمار والفوضى ..

يقوم بفرقعة أصابعه مرة أخرى وماهي الا لحظات وبدأت الاشياء التي قالها بالحدوث تدريجيا، كل هذا من عمل المخترق الشاب لي شينج – يا له من عبقري – .

ثم أتبع نيكولاس كلامه: لطالما حلمت بهذه اللحظة دائما منذ أن صرت هاربا من العدالة في نظر الجميع .. لقد عشت حياة نزيهة في الماضي محاولا وضع بصمة جميلة في هذا العالم، لكن الحسد أعمى من كان حولي وبدأوا بالحفر من تحت أقدامي حتى سقطت في حفرتهم، ولكنهم لم يعلموا أنه في هذه اللحظة كانوا يقفون على أرض من الرمال المتحركة أصلا، سوف أجعل جميع من ساهم في سقوطي يتذوقون قليلا من ألم السقوط الذي واجهته.

وتحت ظل صمت جميع من في الاستوديو، ونظرات الخوف والترقب تكسوا ملامحهم، يوجه نيكولاس نظراته الحادة الى الرجال الذين كانوا ضيوفا في البرنامج، ثم قال: تتحدثون عني طيلة هذه السنوات وكأنكم تعرفونني، يا لكم من مجموعة حمقى متملقين ...

أكثر نوع من الاشخاص الذين أكرههم هم انتم يا من تترقبون أخبارا تنتشر بسرعة بسبب الترندات العالية، سواء كانت في مواقع الشبكة العنكبوتية او الصحف او برامج القنوات الفضائية، من ثم تبدأون بالتحليل والتحدث كما لو أنكم تعرفون كل شئ، بينما كلامكم مجرد هراء يقوله مجموعة من الفاشلين في حياتهم أثناء غرقهم في المسكرات، يا له من شعور سئ يراودني حينما أنظر أو أسمع أو اقرأ لأحد هؤلاء الحثالة، ولا سيما حينما يكون موضوع الحديث هو أنا وعائلتي أيضا ..

تريد أن تعرف ماذا يمكن للمتوحش الذي وصفته أن يفعل بالبروفيسورة مينيرفا ؟!

أخرج نيكولاس مسدسا من جيب سترته وبدأ يطلق النار على رؤوس اولئك الرجال واحدا تلو الآخر حتى انتهى منهم، وقد كان هذا المنظر يبث مباشرة لكل من يشاهده، عرض مرعب كان بداية لأحداث مأساوية قادمة في المستقبل القريب ..

وبعد أن انتهى من قتل الضيوف، اقترب من الكاميرا حتى أصبح وجهه يتوسطها، ثم قال: أعدكم أني سوف أغرق الجميع بدماءهم.

غادر نيكولاس الاستوديو وبرفقته الجلاد الاسود راسما على محياه ابتسامة خبيثة توحي بالنصر.

في غرفة بيزيتش وتحت ظل الاجواء الثقيلة المخيمة على المكان بسبب ما شاهداه بيزيتش وديميتروف قبل لحظات على الهواء مباشرة، انه شئ لا يحدث الا نادرا بل من المستحيل حدوثه اصلا، الا ان نيكولاس فعلها وعلى امام الملأ دون ان يرمش له طرف، بثقة عالية ودون تردد جعل من نفسه عدو الجميع والجميع عدوه .

2020/06/22 · 187 مشاهدة · 1292 كلمة
ykh_1997
نادي الروايات - 2024