لم يحرك ديميتروف ساكنا بل ظل محدقا في التلفاز فاتحا فمه في صدمة، واطرافه ترتعد من هول ما رآه، كسر بيزيتش هذا الجو الملئ بالصمت بصراخه قائلا: يجب ان نتحرك بسرعة، لابد وانه يستهدف البروفيسورة مينيرفا ويجب ان نصل اليها قبله، سوف نستغل الفوضى العارمة لعلنا نستطيع ان ناخذها معنا ... هل تستطيع استخدام البنادق؟
لم يجب ديميتروف للحظة، وقام بصفع خديه من أجل التركيز من ثم أجابه: نعم استطيع لنذهب بسرعة.
توجه بيزيتش نحو خزانته وفتح صندوق كان قد كساه الغبار وبداخله مجموعة من البنادق مع الذخيرة، أخذ ثلاث، وأعطى ديميتروف احداهم مع ذخيرته وخرجوا من الشقة وركبوا في السيارة الخاصة ببيزيتش وانطلقوا مسرعين الى مكان مسكن البروفيسورة مينيرفا .
كلاهما متورتران غاضبان وخائفان في نفس الوقت، لكن الحيرة كانت تخيم على ديميتروف، هو لم يخطط لكل هذا، بل أنه لم يرد هذا وانما فقط يريد انقاذ ابنته، ولكن ما يحصل الان هي ازمة شديدة نزلت على هذه البلاد وعلى هذا العالم الموازي الذي وصل اليه ..
شد قبضته على البندقية وعض على شفتيه وقطب حاجبيه وقال في نفسه: تبا، لقد اصبحت جزءا من فوضى هذا العالم .. ما الذي علي فعله؟
ومازال يتكلم مع نفسه حتى قاطعه بيزيتش قائلا: لا اعلم مالذي تفكر به ولكن من ملامح وجهك فإنك تعتقد أنك مسؤول على ذلك، دعني اخبرك أن ما يحصل حاليا هي نتيجه أفعال متتالية سببت هذه النتائج وليس لك دخل في هذا، سواء كانت قصة العوالم الموازية التي تقول عنها حقيقة ام كذب فهذا لا يغير أن ما يحصل هو بسبب القدر، كل شئ مكتوب ومقدر لذا كل ما علينا فعله هو أن نتعايش مع ذلك !!
أجابه ديميتروف بعد ابتسامة استهزاء من كلامه: اذن انت لا تصدق حكايتي حتى بعد كل هذا، يا لك من متحجر العقل !!
قلت أن كل شئ مقدر، ولكني استطيع ان اغير ما حصل، استطيع ان اغير قدري لهذا قمت بالسفر عبر الزمن لكي أقوم بتعديل أخطائي وانقاذ أعز ما أملك ..
رد عليه بيزيتش بنبرته الباردة المعتادة: لن تستطيع انقاذ أعز ما قد ملكت لأنه أصبح من الماضي كما تعلم، لا يمكنك انقاذ أحد من الموت أبدا، والاخطاء التي ارتكبتها لن تتغير، كل ما عليك فعله هو الاستفادة مما حصل والاستمرار بالمضي قدما، فما حدث قد حدث.
يبتسم ديميتروف ابتسامة ساخرة ويقول: لو كان الامر كما قلته لما سعى الانسان بالبحث عن شئ يعيده للماضي، الجميع يستمر بقول عبارة (ما حدث قد حدث) ولكنها فقط عبارة يستندون عليها عند الاستسلام فقط، سأغير الماضي والحاضر والمستقبل الخاص بي مهما كلفني الامر.
نفث بيزيتش ثم قال: القدر شئ لا يستطيع الانسان من فهم كيفية حدوثه لأنه ليست قوة يمكن للبشر أن يفهمها، أما كلامك هذا لا يحصل الا في القصص الخيالية فقط والتي تظهر أشياء لا يمكن حصولها على الواقع، كل ما يحدث قد قدر له، أنت لا تعيش الماضي ولا تستطيع أن تغيره ولا يمكنك معرفة المستقبل ولا الوصول الى المستقبل المراد اليه، أنت تعيش الحاضر فقط، حاضرك الذي تعيش حياته يوم بيوم، وعندما تمر الايام تصبح من الماضي، والاشياء التي عملتها تعطي نتائج أنت ستعيشها أيضا، ولكن هذه النتائج لا يعلم بمكنونها الا اذا وصلت اليها، هكذا يسير العالم.
صمت ديميتروف لبرهة، ثم قال بنبرة المشمئز : تتحدث وكأنك عالم وانت لا تفقه شيئا.
أجابه بيزيتش بنبرته الباردة: قد لا تتقبل كلامي ولكن ستدرك أنك تعيش حاضرك فقط وليس ماضيك لتغير مستقبلك.
شعر ديميتروف بالضيق وأراد ان يغير الموضوع فقال: لايهم الآن، ما يجب علينا التركيز فيه هو ان نصل الى البروفيسورة مينيرفا قبل نسختي في هذا العالم.
وانطلق بيزيتش عبر طرق مختصرة كي يتجنب الزحام الحاصل بسبب الفوضى التي تحدث بعد أفعال نيكولاس التي بثت لجميع أنحاء البلاد، واثناء ذلك كان ديميتروف يفكر فيتحدث مع نفسه: ان كان كلام بيزيتش على حق فهذا يعني انني كنت مخطئ بفرضية الرفض، أي ان كل ما يحصل هو المسار الاصلي للزمن ووجودي اصبح طبيعيا في هذا المسار، ممكن أن يكون الامر أشبه بشخصية ثانوية في فيلم لا تؤثر بالاحداث الاساسية لسيناريو القصة، لكن هذا مستحيل لأن ذلك الشخص من البعد الفراغي قال أن العالم يرفضني بسبب انني لا انتمي اليه وهذا الامر يصبح منطقيا اذا أضفت كوني كنت أتعرض للقتل في كل مرة واعود لنقطة الصفر، هل هذه المرة أصبح الامر مختلفا لأني تماشيت مع الامر وتجنبت الرفض لدرجة أن العالم اعتبرني شخصا انتمي اليه؟!، ان كان الامر كذلك فكيف بإمكاني تغيير ما يحدث؟، لا أعتقد انني صرت جزءا من هذا العالم، لأنه لابد من وجود نيكولاس ديميتروف واحد فقط..
لم أعد أفهم ما يحصل لكنني الآن سأتعايش مع الوضع حتى اجد الفرصة المثالية لصنع الاضطراب الذي سيعيد كل شئ الى ما كان عليه، وقبل أن يتسبب نيكولاس ديميتروف الخاص بهذا العالم بموت ماشا ....
توقف نيكولاس فجأة عن التفكير وعيناه متسعتان وقد شهق بصوت مرتفع لدرجة انه أخاف بيزيتش وجعله يرتبك ويتوقف عن القيادة وصرخ في وجهه: ما بك هل هناك شئ ؟
ابتسم نيكولاس ابتسامة خبيثة وتبعتها ضحكة وهو واضعا كفه الايمن على جبهته، وبيزيتش ينظر اليه باستغراب ويتساْل: هل جننت يا هذا؟
أجابه ديميتروف بنبرة واثقة: لقد اصبح الامر واضحا الآن، الاضطراب الكبير يكمن في قتل نيكولاس ديميتروف هذا العالم قبل أن يتسبب بموت ابنته، وبما أن مصير الشخصيات في العوالم المتوازية يتطابق تقريبا فإنني سأغير الماضي، نيكولاس ديميتروف سوف يموت جراء ما فعله من أخطاء ولن تتحمل عائلته مسؤولية أفعاله، صحيح صحيح هذا ما يجب القيام به.
بيزيتش كان ينظر باستغراب لديميتروف وهو يتحدث كالمجنون ولم يفهم ما كان يقوله لكنه انتبه لعبارة واحدة وهي قتل نيكولاس ديميتروف، ولهذا سأل بعد أن استأنف القيادة: انا لا اعلم ما حصل معك ولا اريد ان اعرف، لكنك قلت ان الاضطراب يكمن في قتل نيكولاس ديميتروف، كيف ذلك ؟
- في كل مرة كنت أنا من اموت ولا شئ يتغير، لهذا أنا متاكد انه اذا تم قتل نيكولاس ديميتروف الخاص بعالمكم من قبل شخص لا ينتمي لهذا العالم سيكون الوضع مختلف، وخصوصا اذا كان الشخص هو انا النسخة الاخرى من عالم اخر، بمعنى آخر نيكولاس ديميتروف القادم من عالم آخر يقوم بقتل نيكولاس ديميتروف الخاص بهذا العالم .......
- هرا ، لا يمكنك قتله بل مستحيل عليك قتله، يجب التركيز في الوصول للبروفيسورة قبلهم.
صمت الاثنان وتابع بيزيتش قيادة السيارة وظل يقول في نفسه: يبدو انني تورطت في شئ خطير، هذا الشخص لا يجب الوثوق به بشكل كامل لابد وأنه يعاني من شئ ما.
بينما الآخر كان يقول في نفسه: سوف أستغل بيزيتش قدر الامكان، في النهاية هو لا يصدق ما اقول، ولكنه يريد ان يقبض على المطلوب الاول في عالمه لكي يسترد ماء وجهه.
كلاهما متوجهان لنفس المكان لكن اهدافهما ستتصادم في المستقبل، ديميتروف يريد تحقيق رغبته في تغيير ماضيه غير مهتم بتبعات ما يحصل للآخرين، بينما بيزيتش يريد أن يقبض على المجرم الذي حطم مسيرته المهنية راغبا في استعادة مجده السابق في عالم التحقيق والعدالة، رغبات أنانية ستتصادم في المستقبل، أحداث مأساوية لأحدهما او كلاهما، لا احد يعلم بما سيحصل في المستقبل.