بعد فترة من وقت وقوع الهجوم وتحديدا في إحدى الاحياء الفقيرة وبداخل احد المقاهي وكان التلفاز يعرض أحد البرامج الاخبارية والذي يتحدث فيه احد المحللين، وكان الموضوع عن نيكولاس ديميتروف والارهاب الذي يخطط أن يصنعه، ومن خلال حديثهم تطرق الرجل الى ذكر شخصية معينة وتعتبر عالمة بيولوجية وقد وصفها أنها أكثر شخص يعرف نيكولاس، وقد تعرف أيضا عن مكانه وخططه، ومن خلال حديثه طالب السلطات ان يفتحوا تحقيقا بشأنها، وعندما سأله المذيع عن اسمها ذكر اسم ( مينيرفا آيزينبرغ ) .

استرعى هذا الاسم انتباه أحد الزبائن وقد كا على كرسيه يحتسي كوبا من القهوة السوداء غارقا في تفكيره، الا أن هذا الاسم جعله يقطع حبل أفكاره ويتابع بقية الحوار بين المذيع وذلك المحلل..

وقد كان حوارهم الآتي :

- - مينيرفا آيزينبرغ، أليست هي طليقة الدكتور نيكولاس ديميتروف ؟

- - أجل هي كذلك .

- - وكيف تريد من السلطات ان يحققوا بشأنها وهي في الاصل تحت بند اطلاق السراح المشروط وكذلك تحت الرقابة؟، حتى أن لها حدود لا تتجاوزها أبدا .

- - انت على حق، اطلاق السراح المشروط كان مقابل ان تكشف معلومات عن تمرد ديميتروف وتجاربه الخبيثة والتي هي ضد حقوق الانسان، لكن ماذا لو كانت تخفي امورا اخرى؟، فكما ترى الهجوم تم بواسطة رجل واحد فقط .. فكر قليلا يارجل !

- - قد تكون على حق يا سيدي، لهذا نطالب السلطات الاخذ برأي السيد دانيال رووز وبدأ التحقيق مع البروفسورة مينيرفا آيزينبيرغ ...

وكان للحوار بقية لكن الرجل أخذ ما يريده منها وقد جعل ايجاد مينيرفا آيزينبيرغ خطوته الثانية نحو تدمير هذا العالم .

جالسا بين الحضور يحتسي كوبا من القهوة بينما يستمع الى حوار عن الموضوع الاكثر ذكرا في الساحة الاعلامية، وبعد ان اثاره اسم قاله ذلك الرجل على التلفاز بدأت الافكار والخطط تتراكم في عقله، وكلها تبحث عن اجابة واحدة، الوصول الى مينيرفا آيزنبيرغ طليقة نيكولاس في هذا العالم، وهي نسخة زوجته المتوفاة ايضا في عالمه، وفجأة قام عن كرسيه بعد ان وضع نقوده على الطاولة مقابل كوب القهوة التي شربها وخرج من المقهى، وقد كان في مشيته ثقة للمكان الذي يريد الذهاب اليه .

المحقق السابق ليام بيزيتش، يبدو أن الحظ قد اكتفى منه ليبحث عن شخص آخر ليبتسم له .. فبعد مسيرة مهنية رائعة ومثمرة في مجال التحقيق الجنائي مدتها عشر سنوات، اختتمت آخر ثلاث سنوات منها فبمطاردة شبح خائن هرب بعد أن اعلن معاداته للدولة، وعندما ظهر خيط الامل الذي ظن انه من خلاله سيمسك به، كان في الحقيقة بئر سحيق سقط فيه وغرق هو وانجازاته معا، ليتناسى القوم خيرا أبيض قام به خلال مسيرة عقد كامل من عمره .. لكنه أبى الاستسلام والخضوع لليأس وقرر أن يبحث عن الحقيقة بنفسه وبشكل منفرد مستعينا بمعارفه الذين لا زالوا يكنون له الاحترام لما قدمه في سبيل العدالة .

في شقة متواضعة في احد المباني وتحديدا في تلك الغرفة التي تتوسطها طاولة عليها حاسوب وبعض الملفات المبعثرة و الاوراق المتناثرة في أنحاء الغرفة، كان بيزيتش يقف على شرفتها يتأمل الناس والحياة التي تدب في المدينة، ممسكا سيجارته بيسراه، يحاول أن يجمع شتات أفكاره ومعلوماته التي جمعها خلال مدة الثلاثة أشهر بعد الحادثة الشنيعة، فجأة يسمع صوت الباب يطرق، يطفئ سيجارته وبخطوات متكاسلة يتجه ناحية مكتبه، يفتح أحد الادراج ويأخذ مسدسه، انها عادة قديمة لرجل حذر مثله، وما زال الباب يطرق، يقف أمام بابه وينظر من خلال الفتحة لعله يتعرف على الطارق، الا أنه كان شخصا يرتدي قبعة ومعطف أسود ولم تكن زاوية الرؤية تسمح له بملاحظة وجه الطارق، بل الاصح ان الطارق كان يقف بوضعية معينة لا تسمح للناظر من فتحة الباب برؤية وجه، ارتاب بيزيتش من هذا الامر وقبل أن يفتح قال: من الطارق؟

أجابه: أريد أن استفسر عن البروفيسورة مينيرفا آيزيبيرغ ، أيها المحقق !!

ازداد ارتياب بيزيتش، ان هذا الشخص يتحدث كما لو أنه يعرفه، وما زاد ارتيابه أكثر سؤاله عن شخص خطير ولا يجب أي أحد السؤال عنه، قرر أن يفتح الباب بعد أن جهز مسدسه لمواجهة أي شئ قد يحصل ..

فتح الباب بطريقة سريعة وأشهر مسدسه في وجه الطارق وقال بصوت حازم: لا تتحرك.

كان الرد مفاجئا جدا بالنسبة لبيزيتش، فالرجل مألوف جدا بل أنه عرفه، تلك الابتسامة التي تثير استفزازه يعرفها، لم تكن ابتسامة مميزة ابدا بل انها لا تدل على شئ بشكل واضح، مجرد رجل يظهر عليه آثار التعب والحزن ممتزجة بابتسامة وكأنه يقول ( ليس بعد )، انه نفس الرجل الذي اعتقله على أساس انه الهارب ديميتروف، لقد مرت ثلاثة أشهر منذ الحادثة، وقد قضى جل وقته يبحث عنه أو عن دليل لكنه كان قد اختفى، وآخر شخص قد يتوقعه أن يطرق بابه أن يكون هو ..

أجابه ديميتروف بهدوء: اعتقد أنه على كلانا ان ننزل اسلحتنا ونحظى ببعض الحديث المثير للاهتمام، أليس كذلك؟!

كان نيكولاس قد استعد جيدا، فلقد كان يعرف أن رجلا مثل بيزيتش لن يسر برؤيته فجأة ودون سابق انذار، لهذا كان قد أشهر مسدسه هو ايضا قبل أن يفتح بيزيتش له الباب بشكل يختلف عن وضعية بيزيتش الاعتيادية في اشهار السلاح، كان يمسكه بيمناه بشكل يوازي خصره موجها نحو جسد بيزيتش ..

لم يكن أمام بيزيتش خيار آخر ولكن قبل أن يخفض المسدس قال له بصوته الذي يجلب القشعريرة: ماذا تريد؟

أجابه ديميتروف بنبرة حازمة: نتحدث، سأخبرك بما تريده أيضا.

أطال بيزيتش النظر في عيني ديميتروف لبرهة، ثم أخفض مسدسه وكذلك فعل ديميتروف ودعاه للدخول لشقته، جلس ديميتروف على الاريكة وجلس بيزيتش على كرسي مقابل له وظل كلا منهما يحدق في الآخر حتى كسر بيزيتش الصمت بقوله: هل نتحدث عن البروفيسورة آينزبيرغ أم ماذا؟

- - قبل الخوض فيها، ألا تريد أن تعرف البداية ؟

- - هات ما عندك اذن

- - حسنا، اسمي الدكتور نيكولاس ديميتروف، عالم فيزيائي من بعد زمني آخر يختلف نسبيا عن هذا البعد، أما نيكولاس ديميتروف الذي تبحث عنه فهو النسخة الخاصة بهذا البعد الزمني .. هذا كي نوضح سوء الفهم الذي حصل!!

- - مازلت مصرا على هذا الهراء ؟!

- - سوف أقنعك بهذا الهراء، قبل تسع سنوات ماتت ابنتي في حادثة بسبب خطأ ارتكبته، لهذا قضيت تسع سنوات ابحث وابحث وابحث عن طريقة للعودة للماضي وانقاذها، واخيرا وجدتها وبدأت بالتجارب، وخلال آخر ثلاث سنوات وصلت للنتيجة المرجوة، ولكن الامر لم يكن كما خططت له، فكرتي هي بنقل ذكرياتي المستقبلية الى عقلي في الماضي لكي اتجنب الوقوع في الخطأ، وبالتالي اتجنب الحادثة وانقذ ابنتي، وهذا لم يحصل لأنني انتقلت أنا بالكامل الى بعد زمني مختلف أو بالاحرى، تجربتي أدت الى وجود اضطراب في نسيج الزمكان، وبالتالي وجود ابعاد زمنية فرعية من البعد الاصلي، وفي كل زمن أصل اليه يكون هناك شئ يسمى الرفض، وهذا يشبه ما يحصل في جسد الانسان اذا دخله جسم غريب يقوم بمحاربته ورفضه، وهذا الرفض يؤدي الى قتلي، ولكن ليس بالمعنى الحرفي، وانما في كل مرة ارفض فيها من قبل بعد آخر أعود الى نقطة البداية، الى وقت بدء التجربة، وتتكرر الاحداث، وانتقل ويتم رفضي مرارا وتكرارا، كنت أدور في حلقة مفرغة حتى بدأت اعي الامر واكتشفت أن الطريقة الوحيدة لكي ترجع الامور الى نصابها هي بالتغلب على الرفض ...

ظل بيزيتش يحدق بنظرات سخرية وتعجب فقاطعه: هل أنت مخبول ؟

ابتسم نيكولاس وأتبع كلامه قائلا: الهجوم الذي حصل على المركز هودليل قاطع على كلامي، لقد كنت في هذا البعد من قبل، ولكن بسبب أنني واجهت الرفض نتج عن ذلك اضطراب، وبهذا تغيرت بعض التفاصيل عن التي حصلت بالفعل، الا وهي طريقة الهجوم، أخبرتك في المركز ان الهجوم سيتم من قبل قناص، لكن ما حصل شئ مختلف وهو هجوم بسلاح ثقيل، وبسبب التغير في التفصيل أصبح هناك تغير في النتائج، وهذه النتائج تتمثل بنجاة ثلاثة من رجالك، حيث أنه لم ينجو أحد من قبل، حتى أنني عندما حاولت الهرب حاصرني نيكولاس الخاص بعالمكم وقد تم الاطلاق علي من قبل أبنت...

لم يستطع نيكولاس اكمال حديثه، فلقد تذكر نظرات الفتاة التي اطلقت عليه النار، وحتى ان كانت هي النسخة الخاصة في هذا العالم فهي تظل ابنته أيضا، تقنيا نيكولاس العالم الاساسي ونيكولاس العوالم الفرعية حتى وعي نيكولاس في البعد الفراغي هم شحص واحد والامر ينطبق على ابنته ايضا !!

استغرب بيزيتش سبب توقف الكلام في منتصفه ولكنه طلب منه أن يكمل، وهكذا أردف نيكولاس حديثه: المهم في الأمر أنه يجب علي التغلب على الرفض والقيام باضطراب آخر لتعود الامور الى نصابها.

- - وكيف ذلك ؟

- - هل تعرف أن الالكترون اذا تم تقسيمه من خلال تعريضه لإشعاع فوتون الى قسمين؟

- - ...........

- - وبافتراض انه تم دمجهما مرة أخرى فإن ذلك يؤدي الى تدميره، لأنه عندما ينقسم الالكترون الى اثنين يكون احدهما يدور باتجاه عقارب الساعة، بينما يحصل العكس للآخر، وعندما يتم دمجهما يتدمر.

- -تحدث بلغة واضحة.

- - ما يحصل معي يشبه هذا الامر أصلا، الاضطراب الذي احدثته يشبه أشعة الفوتون المسلطة على الالكترون، وهذا أدى الى نشوء بعد موازي، وفي كل مرة اعيد التجربة تنشأ أبعاد أخرى ولهذا .....

كان وجه نيكولاس يوحي وكأنه كان يجهل شيئا ثم أدركه لهذا ظل صامتا لثوان، وقد قاطع هذا الصمت مرة أخرى المفتش السابق بيزيتش بقوله: ماذا دهاك؟

أجابه نيكولاس وعيناه تلمعان بالثقة والحزم: لهذا يجب أن أزور البروفيسورة آيزينبيرغ.

- - ولماذا؟

- - لأنها طليقة نيكولاس ديميتروف في هذا العالم، وهي نسخة زوجتي المتوفاة في عالمي.

- - نسخة زوجتك المتوفاة؟، اتعتقد انك تستطيع خداعي من خلال اختلاق قصة الابعاد المتوازية وهراء الانتقالات البعدية هذه ؟

يقف بيزيتش وقد أخذ مسدسه واشهره في وجه ديميتروف، ومن ثم أكمل كلامه: لماذا لا يكون الامر ببساطة ان العالم المجرم المجنون نيكولاس ديميتروف الذي اخترع هو وزوجته المضطربة عقليا طريقة لصنع الجنود الخارقون والقيام بتجارب شنيعة للوصول لأهدافهم، يريدان أن يلتقيا معا بعد أن زيفت حقيقة طلاقهما، وان البروفسورة مينيرفا ما زالت زوجتك، وانك فعلت هذا لحمايتها والان، بعد ان اشتدت مطاردتك وليس لك مكان تذهب اليه اخترعت هذه القصة المجنونة، اليس هذا السيناريو يمكن تصديقه أكثر ؟

ظل ديميتروف محدقا لعيني بيزيتش لبرهة، ثم قال: قصتك مجنونة أكثر من قصتي يا رجل!!

انزل بيزتش مسدسه وهو يزفر بشكل طويل، ومن ثم عاود الجلوس على كرسيه وقال: حسنا اذن، سوف أسايرك في قصتك، لذا ماذا تنوي أن تفعله من الان، ولماذا قررت فجأة أن تخبرني بكل هذا اصلا ؟"

ابتسم ديميتروف ابتسامة المنتصر وقال: لكي اصنع أكبر خدعة في التاريخ أحتاج الى مساعد مناسب ومؤثر لهذه الخدعة، بمعنى اخر انت شخص اصلي من هذا العالم، بينما انا دخيل، ولكي استطيع التاثير في هذا العالم بشكل أكبر دون أن اتعرض للرفض احتاج الى شخص اصلي يقوم بأشياء اريدها، باختصار سأصنع اضطراب بشكل غير مباشر من خلالك وبهذا سأتجنب الرفض مالم يكون للرفض كلام آخر.

يمسح بزيتش على رأسه ويقول: اذا سأكون بيدق في يدك، حسنا وهل انت واثق مما تفعله ؟

يقف نيكولاس ويضع يديه في جيوب معطفه ويقول: منذ متى والعلماء واثقون من تجربتهم الاولى، أليسوا هم من يقوموا بالتجارب لكي يتعرفوا على النتائج؟!

يأخذ بزيتش نفس طويل ويتلوه زفير أطول، ويقول: يا لك من مقامر لعين، ومالذي ستفعله عندما تصل للبروفيسورة مينرفا ؟

- - قبل ذلك، يجب أن نزور شخصا ما أولا.

- - حسنا اذن، لنذهب.

2020/06/22 · 211 مشاهدة · 1736 كلمة
ykh_1997
نادي الروايات - 2024