خرج كلاهما من شقة بيزيتش نحو الوجهة التي يقصدها ديميتروف، وخلال مشيهما كان يتساءل بيزيتش عن سبب رغبة ديميتروف لزيارة مينيرفا، وقرر أن يسأله، وفي نفس الوقت يكون نقاشا يقضي به الوقت خلال المشي ..

- هل يمكنك أن تخبرني لماذا تود زيارة البروفيسورة مينيرفا؟

- السبب الذي أوصل الامور لهذا الحد هو انا منذ البداية، وكما قلت لك من قبل انني صنعت اضطرابا في النسيج الزمكاني ..

- اجل.

- لهذا استنتجت بطريقة ما، بما انني انا سبب الاضطراب فيجب ان اصنع اضطراب آخر بدرجة مساوية للاضراب الاول .

- وكيف استنتجت هذا ؟

- لنفترض أنك امام بركة من الماء وهذا الماء ساكن، في هذه الحالة هذا هو النسيج بوضعه الطبيعي، لنفترض أنك نقرت باصبعك على هذه البركة عندها تتكون تموجات مركزها هو المكان الذي نقرته، ولنقل أن هذا الاضطراب الاول الذي صنعته انا من خلال التجربة، لنفترض انك كررت عملية النقر تلك ولكن من جهات مختلفة من البركة، ستجد ان البركة لم تعد راكدة وساكنة مثلما كانت، بل اصبحت مضطربة بشكل أكبر، وهذا ما حدث خلال الفترة التي كنت اكرر التجربة في حلقة مفرغة دون ان ادرك انني اعيش الزمن بشكل متكرر.

- حسنا أكمل.

- عند تواجد اضطرابين اثنين عندها يكون هناك نوعين من التموجات، أحدها تتجه للأعلى ولنسميها موجة موجبة، والاخرى تتجه للاسفل ولنسميها موجة سالبة، فعدما تتلاقى الموجة الموجبة مع آخرى مثلها تندمج وتكون الموجة أعلى، وهذا ينتج عنه أنني لازلت اعيش في نفس العالم، وعندما تلتقي الموجة السالبة مع اخرى مثلها تنتج عنها موجبة اكثر سالبية، عندها يحصل الرفض واتعرض للقتل واعود لنقطة الصفر .

- ولماذا تريد ان تصنع اضطرابا آخر اذن ؟؟

- هذه المرة الاضطراب الذي اريده هو اضطرابا مدروس، حيث سيمحي كل الاضطرابات السابقة، علميا اذا التقت موجتان من نفس النوع واندمجتا تسمى موجة بناءة، أما اذا كانت الموجتان مختلفتان، أي انه احداهما موجبة والاخرى سالبة فإن الاضطراب يختفي وبهذا تسمى موجة هدامة ....

لهذا سأصنع اضطرابا قويا جدا في هذا العالم مما يؤدي الى عودة الامور الى نصابها كما كانت، والمفتاح لصنع هذا الاضطراب هو بالعبث في حياة نسختي في هذا العالم وتغيير بعض الاشياء التي يجب ان لا تتغير في الاصل.

- وما هذه الاشياء؟

تعمد ديميتروف ان يتجاهل سؤال بيزيتش عن ماهية هذه الاشياء التي قصدها، وغير الموضوع بقوله : لقد وصلنا.

انه المكان الذي استيقظ فيه اول مرة ... محل الساعات !!

دخل بيزيتش ومن بعده ديميتروف الى المحل، وقد قام ديميتروف بتحويل لائحة (الدخول)الى لائحة (مغلق) بطريقة سريعة، وانزل الستارة التي على زجاج الباب كي لا يلاحظ من في الخارج ما يحصل في الداخل، وبينما كان البائع منشغل مع بيزيتش الذي كان يشاهد انواع الساعات، كان ديميتروف قد اخرج مسدسه وجهز الكاتم فيه واشهر به نحو البائع، وقال: اياك ان تتحرك او تصرخ او تفعل أي شئ، ارفع يديك عاليا واخرج من مكانك وقف امامي بسرعة!

لم يكن للبائع حيلة سوى ان يفعل ما قيل له، وبيزيتش لم يفهم ما يحصل ولكن غريزة الشرطي كانت قد تفعلت واخرج سلاحه هو الاخر، لكن لم يعرف لمن يوجهه، فتارة يشهره في وجه البائع وتارة في وجه ديميتروف، ثم قال: ماذا تفعل ؟

- هذا الرجل يعمل جاسوسا لنيكولاس ديميتروف.

- ماذا؟

- انه صاحب الاتصال المجهول الذي تلقيته وأتيت بعدها للقبض علي.

كان البائع لوهلة خائفا متفاجئا مما حصل، لكن حينما قال ديميتروف كلامه بدأت نظراته تتغير وظل محدقا في وجه ديميتروف للحظات، ومن ثم وجه نظراته نحو بيزيتش، ثم قال: أنت ذلك الرجل من المرة الماضية، صحيح؟!

وفي ظل الصمت أردف البائع قائلا: أنت الشخص الذي يدعي انه نيكولاس ديميتروف، وانت هو المفتش السابق بيزيتش ... لماذا لست ميتا ايها المدعي المزيف ؟

وجه بيزيتش مسدسه نحو رأس البائع وسأله بنبرة غاضبة: كيف عرفت انه سيموت ؟

نظر البائع في عيني بيزيتش وبملامح باردة قال: ما باليد حيلة، انا اعترف انني اعمل لدى السيد ديميتروف، لكن لا فائدة ترجى من الامساك بي الان.

ضغط البائع على اسنانه وكأنه قضم شيئا ما، وفي لحظة بدأ يختنق ويغرغر وتلك الرغوة البيضاء تتدفق من فمه، ثواني وهو قد أغشي عليه وسقط جثة هامدة بين اقدام ديميتروف وبيزيتش، وفي صدمة منهما وتحديدا بيزيتش الذي لم يفهم ما يحصل تماما، وجه بصره المخيف نحو ديميتروف الذي كان يعض على شفتيه وعليه ابتسامة مجنونة، ثم قال: تبا، الرفض يماشي لعبتي.

أمسك بيزيتش من قميص ديميتروف بشدة ووضع فوهة المسدس على جبهته، وهو يقول بغضب: اعطني سببا واحدا يمنعني قتلك الان.

اجابه ديميتروف بشكل مباشر: في الحقيقة سأعطيك ثلاثة اسباب، الاول لأنك تبحث عن اجابات وهي عندي، الثاني انت لا تملك كاتم لمسدسك لذا سيسمع صوت الاطلاق وبهذا ستتهم بجريمتي قتل، الثالث ان مسدسي موجه نحوك ايضا، أما السبب الاهم انت لن تقتلني لأنك لست الرفض، ولو كنت كذلك لما كنت واقفا اتحدث اليك الان.

يشد بيزيتش قبضته على قميص ديميتروف ومن ثم يفلته وهو يستشيط غضبا، ثم قال: لقد كانت اربعة.

- ماذا؟!

- قلت انك تمتلك ثلاثة اسباب لكنك اجبت بأربعة.

- حقا؟ لم انتبه على ذلك.

خرج كلاهما من محل الساعات بهدوء وكأن شيئا لم يكن، يبتعدان تدريجيا عن المكان، قال ديميتروف لبييزيتش: هل تعرف لماذا لم يتم رفضي بعد، لأنك انت من واجهت ذلك الرجل مما دفعه للانتحار، أي أنه كان رد الفعل الطبيعي في حالة تم الامساك به، صحيح أنني سبب الامساك به، لكن لو افترضنا انه هناك سبب آخر للامساك به لكان حصل نفس رد الفعل، بهذا ارى سبب اقوى للاستمرار فيما افعله الان، وبهذا فرضية مواجهة هذا العالم بطريقة غير مباشرة تحققت بشكل ايجابي.

- أكنت تجرب نظريتك للتأكد منها؟

- أجل.

- وماذا لو فشلت؟

- هي لم تفشل، لكن بافتراض انها فشلت فإنني سأتعرض للرفض.

- حسنا، كيف علمت انه جاسوس ؟

- في البداية شككت بالامر، صحيح أنني كنت انسى ما يحصل بعد ان يتم رفضي واعود لنقطة الصفر، لكن عندما وصلت لعالم الفراغ ذلك وشاهدت جميع التجارب التي خضتها فأنا اذكرها الان، او على الاقل اغلبها، وبما أنني اعيش في احد العوالم التي قد عشتها من قبل قررت ان اعيد ماحصل فيها ولكن بطريقة اخرى، زرت محل الساعات، وتوجهت لمنزل نيكولاس ديميتروف، وما هي الا لحظات حتى اتيت وقبضت علي، وبعد الهجوم على مركز الشرطة ظللت ابحث واراقب في شخصية البائع مما زادت شكوكي نحوه ....

- هذا يكفي، لا اريد سماع شيئا آخر.

كما تريد.

2020/06/22 · 179 مشاهدة · 995 كلمة
ykh_1997
نادي الروايات - 2024