ألقى كيكيمورا نظرة أخيرة على القرية وهو واقف فوق تلة عالية بعيدة عنها.

الدخان الأسود الصاعد من بيته المشتعل والأشخاص المجتمعين حوله ممزوجا مع المطر جعل المنظر من الأعلى كلوحة فنية حزينة رسمها رسام كئيب بألوان غامقة.

لم يستطع كيكيمورا مقاومة المنظر وبدأت الدموع تنهمر من عينيه دون أن يصدر أي صوت أو تعبير يدل على أنه يبكي.

مسح كيكيمورا دموعه، فهو قد قرر على أنه سيصبح شخصا آخر مختلف عن السابق.

حمل حقيبته التي ملأها بمؤونة كافية لنجاته في البرية لمدة طويلة، وتوجه صوب غابة مظلمة.

سميت تلك الغابة ب "غابة الأرواح" فهي مشهورة عند الأطفال الصغار بل حتى الكبار يصدقون الحكايات التي تدور عن تلك الغابة.

فهي تحيط بالقرية من جميع الجهات إلا طريق ترابي يستعمله المسافرون والتجار للتنقل للخارج والداخل كونه الطريق الوحيد الآمن المؤدي للخارج.

تقول الأساطير والحكايات المتداولة على أن الغابة مسكونة من طرف أرواح الشياطين وأرواح البشر مجتمعة، وكل شخص يدخل إليها لن يخرج سالما إلا من استعمل الطريق الترابي.

وتقول أيضا بعض الحكايات على أن مجموعة تتكون من أكثر من 100مغامر أرادوا استكشاف الغابة فدخلوا إليها، لكن بعد مرور شهر ماتوا جميعا إلا شخص واحد خرج زاحفا منها، لكنه توفي بعدها بدقائق بسبب الجروح القاتلة التي تعرض لها.

كثرة الحكايات والأساطير عن غابة الأرواح جعلت منها كيان مرعب لن يجرء أي شخص بكامل قواه العقلية الدخول إليها، إلا من يبحث عن الموت.

في المقابل كيكيمورا لم يعر أي اهتمام لأي من تلك الأساطير، فبما أنه زيف موته ، لم يرد أن يسلك الطريق الترابي لذا لم يكن له أي خيار سوى الدخول إلى الغابة.

كلما تعمق كيكيمورا داخل الغابة كلما أصبحت الرؤية صعبة، فالظلام الممزوج مع الضباب جعل من الرؤية شبه منعدمة. كما أن علو الأشجار وحجمها منع المطر المنهمر بغزارة من الدخول، مما جعل الجو داخل الغابة كما لو أنه منعزل عن العالم.

بعد عدة ساعات تعب كيكيمورا من المشي، فقرر أن يستريح حتى الصباح بما أنه ابتعد عن القرية بعدة كيلومترات، كما أنه لم يعرف كم يبلغ حجم الغابة وكم سيستغرق من الوقت حتى يخرج منها.

صعد على غصن شجرة عالي فاستلقى عليه ثم نام متكئا على يديه.

مشاعر كيكمورا كانت مختلطة وغير مستقرة، مما جعلت منه خطيرا في المستقبل فربما سيصبح شخصا مختلفا عما هو الآن.

لم يتعدى عمر كيكمورا التسع سنوات، وقاس عدة مصائب منذ أن ولد، فوالده حمله ذنب موت زوجته كما أن سكان القرية حاولوا قتله مرارا وتكرارا لكنهم توقفوا عن ذلك بعد مرور بضع سنوات لكنهم لم يمحوا مشاعر الكراهية من قلبهم كونه لعنة مهددة للقرية .

فأي مصيبة تصيب القرية، وأي مرض، وأي فقر أصاب عائلة ما ففي نظر القرويين سببه هو كيكيمورا.

بسبب كل ذلك أصبح كيكيمورا كقنبلة موقوتة، لو لم يكن ضعيفا لقام بإبادة القرية ومحوها من الخريطة.

فجأة استيقظ كيكيمورا من نومه إثر صوت صراخ فتاة صغيرة.

"النجدة ..........."

"ساعدوني........"

"آآآآه................."

بدون حتى أن يفكر قفز كيكيمورا من مكانه مسرعا إلى مكان الصوت تاركا خلفه محفظته.

خيط كيكيمورا الطريق من اليمين إلى اليسار، من شجرة إلى شجرة، ومع صعوبة الرؤية، مرشده الوحيد هو الصوت، ومن شدة هرعه سقط عدة مرات، لكنه يقف دائما متجها نحو مكان الصوت دون أن يبالي بالنتائج فهمه الوحيد هو إنقاذ الفتاة.

حين اقترب من الصوت الذي أصبح يسمع بشكل واضح، زاد من سرعته. فجأة لمح كيكيمورا ظل شخص في الضباب، الذي بدا كأنه جالس على الأرض.

هرع نحو الظل بعد أن استنتج أنه مصدر الصوت. فوجد فتاة صغيرة جالسة واضعة يديها حول أذنيها كأنها تحاول ألا تسمع أي صوت وصارخة طالبة المساعدة.

كانت الفتاة ترتدي رداء أبيض ملطخ بالدم وشعرها الأسود ينسدل من رأسها إلى ظهرها، وقدميها متسختان بالتراب الممزوج بالدماء الناتج عن جريها على الأرض حافية القدمين.

"هل أنتي بخير؟"

سألها كيكيمورا صارخا وهو يقترب منها.

قفزت الفتاة من مكانها خائفة كأنها رأت شبحا ما.

"م--من أنت؟"

الفتاة حقا في حالة مزرية فحتى صوت كيكيمورا الذي يبدو أنه في نفس عمرها قد أخافها حتى الموت.

"ل—لقد جئت إلى هنا بعدما سمعت صراخ فتاة". أجابها كيكيمورا مرتبكا.

"أبتعد عني، هل أنت وحش؟ نعم لا بد أنك وحش متنكر في شكل فتى صغير ليأكلني، لا لابد أنك تريد أن تربطني في كهفك تم تقسمني لأجزاء صغيرة بعدها، نعم فشعرك الأسود الطويل يدل على ذلك، لابد أن شعرك هذا ناتج عن أكلك لعدة أطفال..."

كيكيمورا بصوت يصعب سمعه: "خيال هذه الفتاة خصب حقا......"

تم أكمل قائلا:

"لا لا أنا لست وحش، أنا فقط طفل في التاسعة، شعري طويل لأنني لم أقطعه منذ أن ولدت"

الفتاة صارخة: "كاذب !! ل-لما لم تقطعه؟ فهو يغطي عينيك كلها، أنت بالفعل وحش، فقط لو لم أدخل إلى هذه الغابة الملعونة لما إلتقيت بوحش مثلك، كما أن مذاقي سيء ولست سمينة كفاية لسد جوعك لذا ابحث عن فتاة أخرى."

فعلا فكيكيمورا لم يقص شعره منذ أن ولد، مما جعله يغطي عينيه وظهره كالفتاة، وضعف بنية جسده وملابسه الرثة جعلت منه يبدو كالوحش في نظر الفتاة.

بدأت علامات الغضب تظهر على وجه كيكيمورا فإنتقاذ فتاة لشعره لهو أمر مخزي.

"أنت حقا مزعجة، حسنا إذا كنتي لا تحتاجي لمساعدتي فأنا ذاهب الآن" تم إلتفت عائدا لمكان نومه.

فجأة أحس بنية قتل قوية جعلته يرتعش من مكانه.

لو كان شيء يجيده كيكيمورا لكان هو الشعور بالخطر، فموهبة كيكيمورا الوحيدة هي الغريزة فهو يستطيع تحديد مكان أي شخص من أمتار كما أنه يشعر بالخطر مهما كان صغيرا.

أمسك كيكيمورا بيد الفتاة وجرها من مكانها ثم حملها حول ذراعيه وبدأ بالجري مسرعا.

"أتركني ماذا تفع----" ثم توقفت عن الصراخ عندما رأت تعابير كيكيمورا الجادة الممزوجة بالخوف.

همس كيكيمورا بصوت يصعب سمعه: "ششش... هناك وحش ما يتربص بنا، لا تتحركي حتى نبتعد".

ثم بدأ بالجري بسرعة كبيرة.

فجأة، قدم كبيرة بحجم يفوق كيكيمورا بأضعاف آتية من يمينه بسرعة فائقة يصعب تفاديها.

لكن بما أن كيكيمورا أحس بها من قبل، علم بأنها قادمة باتجاهه، لكن موهبته لا تساعده، فهو يعتبر أضعف من الضعفاء، فربما الفتاة التي يحملها أقوى منه بأشواط.

بالرغم بمعرفته أنه لن يستطيع تفادي الضربة إلا أنه قام برمي الفتاة أمامه بسرعة.

"بوووووم"

ضربت القدم جسد كيكيمورا جاعلة منه يطير متجها نحو شجرة ضخمة. فاصطدم بها بقوة كافية لتحطيم جسده لأشلاء.

صرخت الفتاة بعد أن رماها كيكيمورا بقوة جاعلة منها تتدحرج في الأرض. فهي حتى لم تدرك ما وقع بكونه حدث بسرعة فائقة.

"آآآآخ، لما رميتني؟ هل تريد المو----؟" لكنها توقفت عن تدمرها عندما رأت كيكيمورا ملقي قربة شجرة مليء بالدماء.

"م—ماذا حدث؟؟؟"

لكن الصدمة لم تكن بمثل حجم رؤيتها لوحش ضخم يتجه نحوها.

كانت شدة ضخامة الوحش مخيفة بحق فهي فاقت حجمهما بمرات عديدة، فلو رآه حتى أقوى المحاربين لهرب من شدة رعبه.

مخالبه تعدت الأمتار، وأسنانه الحادة ممزوجة باللعاب، وشعر أسود غطى جميع جسده، وعيناه التي ألقت نية قتل قوية جعلت من المنظر أكثر رعبا.

"وااااااااااااااااه...........".

صرخت الفتاة من هول المنظر.

لكن بدون فائدة فحتى لو سمعهم شخص ما فلن يتجرأ على مواجهة هذا الوحش المخيف.

اقترب الوحش ببطء من الفتاة كأنه يتعمد إخافتها، وملامح الاستمتاع ظاهرة بوضوح في وجهه المثير للرعب.

بالنسبة للفتاة فهي لا تستطيع التوقف عن الارتعاش من شدة خوفها.

فجأة حجر صغير ضرب ظهر الوحش ليلتفت بعدها.

ثم صرخ كيكيمورا وهو يقف بصعوبة بصوت ممزوج بالألم والخوف معا: "أنا لم أنتهي بعد".

الفصل الرابع انتهى

2017/06/02 · 739 مشاهدة · 1132 كلمة
Alae_Essaki
نادي الروايات - 2024