إعادة تنظيم
يتكون الملجأ حاليًا من ثلاثة أقسام، وهذا لن يكون كافيًا أبدًا لنمو الناجين، بل سيكون عائقًا. وحتى أن تنظيم الأقسام الثلاثة لم يكن جيدًا، حيث يحتاجون إلى إعادة تنظيم.
رغم كل ذلك، فأكبر مشكلة تواجه فيكتور هي عدد الناجين في الملجأ. ليس أنهم كُثر، بل قليلون، مما سيجعل عملية إعادة التنظيم بطيئة، وحتى أن هناك أقسامًا لن تجد أشخاصًا للعمل بها. لذا، وحتى يزداد عددهم، فقد خطط لبناء الأقسام بترتيب، من الأهم إلى الأقل أهمية.
أولًا، يجب إعادة تنظيم الأقسام الموجودة بالفعل. يمكن تحسين السكنات المبنية في فصول الطلبة السابقة لتتسع نفس المساحة لضعف الأعداد.
ثم الورشة، والتي تتكون من الورش المختلفة والمخزن، يجب فصلها لإدارة الموارد بشكل أفضل، وأيضًا استغلالها بكفاءة أكبر.
أخيرًا، هناك القسم العسكري، الذي استحوذ على ملعب كرة السلة بالكامل ونصف ساحة المدرسة، وهذا كثير جدًا، فالملعب وحده يكفي للناجين الحاليين بعد بعض التعديلات.
ركض إدوارد بسرعة بين الممرات نحو مكتب فيكتور، فعندما ذهب إلى مسكنه، صُدم بزوجته تخبره أن ابنته ذهبت إلى فيكتور لشكره وطلب الزواج منه!
كوالدها، كان يعلم إلى أي درجة يمكن أن تكون لوسييل جريئة ومزعجة، لذا عندما تذكر الجانب الوحشي من فيكتور، كاد قلبه يسقط من الخوف.
ركض بسرعة دون أن يهتم حتى بالحراس الذين قاموا بتحيته أثناء التجول بالممرات، وكل ما كان يفكر فيه هو: لماذا لم تقم زوجته بمنع الطفلة؟ تمنى فقط أن يكون فيكتور قد أمر الحراس بطردها، أو على الأقل قام بربطها في مكان ما طالما لم يؤذها.
أخيرًا، فتح إدوارد باب المكتب بسرعة، وما رآه في الداخل أصابه بصدمة جمدته في مكانه. لم يكن هذا حتى ضمن أكثر تخيلاته جموحًا.
كان فيكتور يجلس على المكتب ويكتب على المستندات والخريطة الهندسية، بينما لوسييل؟ كانت تجلس على حجَرَة بأدب ورزانة، تراقب ما يفعله وتسأله أحيانًا بفضول، ويديها مشغولتان بمداعبة الحراشف في طرف ذيله.
لم يعلم إدوارد حتى ماذا يشاهد أمام عينيه، شعر أن حسه السليم ينهار. كيف لطفلة شقية كابنته أن تقوم بترويض كارثة حية كما لُقِّبَ سيدها؟
"الأطفال كوالديهم، أليس كذلك؟ لماذا لم تطرق الباب قبل الدخول؟" قال فيكتور بهدوء، لكن بانزعاج واضح، وكلماته جعلت إدوارد يرتعش عند إدراك المحتوى بين السطور. كان فيكتور بالفعل في قمة غضبه، والسبب؟ يجلس على حجرة بالفعل.
"أبي! لقد نجحت، أبي! لقد وعدني فيكتور بأن أكون زوجته عندما أكبر، لذا أنا خطيبته من الآن فصاعدًا!"، بمجرد ملاحظتها لوالدها، صرخت لوسييل بحماس، وكانت كلماتها كفيلة بجعل إدوارد شاحبًا، خصوصًا عند رؤية عيون فيكتور القاتلة عليه من خلف ابنته.
أخيرًا، بعد اعتذارات متواصلة، استطاع إدوارد أخذ لوسييل والهروب من فيكتور، وكان يشك أنه لو بقيت ابنته أكثر، لكان فيكتور قد ربطه بعمود بين الثلوج كعقاب على عدم تربية ابنته جيدًا.
"زوجييي، لا تتركني أرجوك، أحب مداعبة الفرو الناعم بذيلك، سأكون هادئـ-"، صرخت لوسييل وهي تبكي بينما سحبها إدوارد بغضب متزايد مع كل كلمة كانت تقولها.
بعد إغلاق الباب، تنهد فيكتور براحة من ابتعاد الإزعاج، بينما ألقى نظرة سريعة على ذيله بسبب الكلمات الغريبة عن الفرو.
تجمد فيكتور في مكانه، ولم تكن نظرته السريعة سريعة مطلقًا، بل أمسك بذيله وسحبه نحو وجهه بقوة، ونظرته كانت شديدة التركيز على الفرو الذي بدأ ينمو بين الفواصل بين حراشفه.
وعندما بحث في السجلات الجينية لحمضه النووي كمشروع مختبري، لم يجد أي جين مسؤول عن ظهور الفرو على ذيله.
كان مرتبكًا وخائفًا من هذا التغير الغريب، فهذا يعني أن هناك شيئًا لا يستطيع التحكم به يقوم بتغيير جسده دون إدراكه.
كانت بنيته معقدة بما فيه الكفاية، وأي تغير خاطئ، مهما كان صغيرًا، قد يكون كافيًا لانهيارها بالكامل.
مع نفس عميق، بل ثلاثة، استطاع أخيرًا تهدئة نفسه. في الواقع لم يكن هناك فائدة، لذا اضطر إلى قمع جانبه المراهق بالكامل، مما فصله عن مشاعره، وبالتالي هدأ.
ثم بدأ في تحليل بيانات كل ما دخل وخرج من جسده منذ أن استيقظ وحتى الآن لمعرفة سبب التحور الجيني الذي حدث له.
بعد جمع كل البيانات وتحليلها، كانت هناك فرضية متوافقة مع ما يحدث له بنسبة 97.3%.
رغم أن أساس بنيته الحيوية بشري، إلا أنه مع التعديلات التي أُجريت عليه في المختبر قبل ولادته، أصبحت بنيته متفوقة بالكامل، مثل الفرق بين ويندوز إكس بي وويندوز 15؛ الأول ستبصق عليه ولن تنظر إليه، أما الآخر، فقد كان موجودًا في جميع الحواسيب قبل الكارثة وكان نظامًا خارقًا، ورغم الفرق الهائل كان الاثنين ويندوز.
كانت كالتالي، وهي أن جسده شاذ كفاية عن أجساد البشر العادية ليتوافق مع الفيروس أفضل حتى من النباتات، لدرجة أن التطور للتكيف لم ينتظر ليظهر في أطفاله، بل ظهر به مباشرة.
"هذا جيد، كدت للحظة أشك في مدى تفوقي. إذاً، فقد استطعت إخضاعه بالفعل"، قال فيكتور براحة وهو يحصل على بيانات عن الفيروس في جسده من جهازه المناعي.
يبدو أن الفيروس المسكين لم يستطع المقاومة ليوم واحدة داخل جسد فيكتور منذ حادثة الدب قبل أن يصبح ضحية أخرى يتم التلاعب بها.
بالفعل، أصبح الفيروس أداة داخل جسد فيكتور تهدف إلى تسريع تطوره للتكيف مع البيئة من حوله بشكل أفضل.
لقد أصبح التطور بالنسبة له أشبه بارتداء ملابس ثقيلة في الشتاء وملابس خفيفة في الصيف.
بالنسبة لذيله، فهو أفضل دليل على ما يحدث. كان ذيله طويلًا ورفيعًا، ويتكون في الغالب من عضلات سميكة، مما يقلل من الأوعية الدموية.
أيضًا، كان ذيله مغطى بالحراشف وليس الجلد العازل للحرارة، ونتيجة لكل ذلك، فقد كانت نقطة ضعف ذيله هي البرودة.
لذا، في بيئة متجمدة كتلك، يبدو أن ذيله قد تكيف بإنماء فراء يغطيه. حتى إن الفيروس اهتم بالعامل الجمالي؛ فرغم أن الفراء الرمادي ما زال خفيفًا، إلا أنه وفقًا للبيانات سيتطور ليجعل ذيله مشابهًا لذيل ذئب شتوي أنيق.
ابتسم فيكتور براحة وبدأ بإكمال عمله بسعادة بعد إدراكه لحصوله على عضو جديد في جسده، وهو الفيروس المسكين الذي تم استعباده كالثعلب الخاص به.
***
بعد إعطاء خريطة المساكن الجديدة لخمسة رجال وعشر نساء لإعادة تصميم المساكن قبل الليل، ذهب فيكتور مع باقي الرجال والنساء وحتى كبار السن لإعادة تصميم الورشة.
كان هدفه هو فصلها إلى ثلاثة أقسام: مخزن لتخذين الموارد الخاصة بالملجأ، ورشة إنتاج الأدوات ذات التصميمات المعلومة ليصبح الإنتاج أسرع وأكثر كفاءة، وأخيرًا مختبر لتصميم الأدوات الجديدة أو تطوير القديمة.
ترك الأقسام الثلاثة مختلطة في قسم واحد كما فعل ديفيد كان يجعل قلب فيكتور ينزف من الموارد الضائعة وقلة الكفاءة لذا كانت الورشة أهم قسم يجب تعديله.
بدأ الجميع بالعمل حسب مخططات فيكتور الجديدة، وحتى أن فيكتور كان يعمل معهم، مما زاد من ولائهم وأعطاهم دفعة إضافية من النشاط.
رغم قيام فيكتور بذلك، فلم يكن هناك داعٍ حقًا، فخطته السابقة لإخضاعهم، حيث أظهر وجه شيطان ووجه ملاك، كانت كفيلة بجعل الملجأ بالكامل خاتمًا في إصبعه.
ومهما كان الاتجاه الذي أشار إليه، سيتبعونه، حتى لو كان نحو السماء، سيبنون برجًا لصعودها. لقد قبلوا دورهم كعبيد بفرحة.
أخيرًا، قبل الليل بقليل، اكتملت الأقسام الثلاثة، وقد احتلت غرفة التخزين بالمدرسة مع بعض الغرف الأخرى التي تم هدم جدرانها أو أجزاء منها لوصل الأقسام ببعضها.
وقد أعطى فيكتور كبار السن الأربعة أعلى سلطة هناك، ووضعهم مسؤولين عن المختبرات للابتكار مع ترك العديد من والصفات المختلفة بالنجارة والحدادة وغيرها من الاعمال اليدوية.
بعد الانتهاء من العمل، وعندما استعد الجميع للرحيل، قام فيكتور بالتصفيق ليحصل على انتباههم جميعًا، ثم أشار إلى ثلاث نساء بالغـات بابتسامة هادئة، ولسبب ما، بدا أن الناجين شعروا بالقلق، ثم قال فيكتور دون اهتمام بقلقهم الذي سيختفي: "لقد عملتم بجد جميعًا، ويمكن القول إن هذه أول خطوة لنا نحو مستقبل مشرق أخيرًا، لذا فإن مناسبة كهذه تحتاج إلى احتفال. قوموا بجمع الجميع إلى الساحة، بينما ستأتي هؤلاء النساء معي للتجهيز لحفل الشواء الذي سنقيمه".
لم يكن هناك داعٍ للحذر، فقد كان هذا قديسهم المنقذ، مخلصهم من اليأس والمعاناة بعد كل شيء، لذا كيف له أن يمتلك أفكارًا فاسدة كأخذ نسائهم هكذا؟
هلل الناجون بفرح، وركضوا جميعًا للاستعداد، بينما ذهب فيكتور والنساء إلى المخزن لجلب الحطب، ولحوم الوحوش، والخضروات، والتوابل التي جلبها معه من الغابة أثناء قدومه. وعندها، تحت عمود النار في منتصف ساحة المدرسة، بدأ الحفل.
"لماذا لم تطلب مساعدتي، زوجي؟ سأشعر بالغيرة إذا جعلت نساءً أخريات يعملن معك"، ارتعشت عين فيكتور بينما تجمدت النساء الثلاث، وهن ينظرن بذهول إلى الطفلة الصغيرة التي تحدق به بغضب. يبدو أن لوسييل بدأت جولة أخرى من استفزاز فيكتور.
"ألم أقل إنكِ تحتاجين إلى أن تصبحي أكبر؟ خذي هذا واعملي بجد إذا أردتِ دعوتي بزوجك"، قال فيكتور بهدوء رغم العبوس على وجهه، بينما يعطي صحنًا من المشويات إلى لوسييل.
بالفعل أخذت الطعام بفرح وأومأت له بإدراك قبل أن تركض إلى الأطفال الآخرين، مما جعله يتنهد براحة بعد التخلص منها دون عناء.
"انسوا كل ما سمعتموه"، قال فيكتور للنساء الثلاث المذهولات، مما جعلهن يومئن له بسرعة، بينما ركض الأطفال الآخرون، الذين اكتسبوا الجرأة بفضل لوسييل، ليطلبوا المزيد من الطعام من فيكتور. وعلى عكس ديفيد، لم يبخل عليهم بل أعطاهم كما يرغبون.
بالطبع، لم يفعل هذا بدافع الكرم أو طيبة القلب، بل لثلاثة أسباب رئيسية.
أولًا، كان الطعام كثيرًا وكانوا يحتفلون، لذا لا سبب ليكون بخيلًا.
ثانيًا، سيحصل على نقاط إضافية من التفضيل من الناجين عند رؤيتهم كرمه مع أطفالهم، وكان هذا واضحًا من نظرات النساء الثلاث إليه.
أخيرًا، كلما نما الأطفال بشكل صحي، زادت قدرتهم على العمل أكثر عند البلوغ. لقد كان يستثمر فيهم، ولم يكن الاستثمار يقتصر على المال فقط.
نظر فيكتور إلى إحدى النساء الثلاث، وهي الأكبر سنًا، إذ كانت في الخمسينات من عمرها، ورغم ذلك، بدت وكأنها في الثلاثينيات فقط. ولولا البيئة الصعبة والأعمال المرهقة، لكانت لتبدو في العشرينيات مع جمال خلاب.
لكن فيكتور لم يهتم بكل ذلك، بل قال بهدوء: "سيدة لونا، من الآن فصاعدًا، ستكونين أنتِ والسيدتان مسؤولات عن طبخ الطعام كما علمتكن، مرتين كل يوم للناجين في الملجأ. سيكون هذا عملكن، حسنًا؟".
"لي الشرف أن أعمل كما أمرت، سيدي"، قالت لونا، وتبعتها السيدتان الأخريان، بينما كانت تمسك بإحكام دفتر ملاحظات دونت فيه كل الوصفات المختلفة التي شرحها لهن فيكتور.
ولم يعد شوي الفئران والقطط دون حتى ملح، أو تناول الطعام المعلب منتهي الصلاحية، طعامهم الرئيسي من الآن فصاعدًا.
"زوج-ممم"، لم تستطع لوسييل التي أتت إكمال كلماتها عندما وضع فيكتور ذيله في فمها لإسكاتها، بينما أشار للنساء الثلاث بأنهن يستطعن المغادرة والاحتفال مع الباقين.
"هل تحتاج لأي مساعدة، زوجي؟"، قالت لوسييل لفيكتور بعد أن أزالت الذيل من فمها، والذي بدأ يصبح فرويًا بالفعل، وقامت باحتضان الذيل، مما أزعج فيكتور.
لكن عندما نظر إلى إدوارد، الذي يحتفل ويرقص مع زوجته بشكل حميم دون اهتمام بابنته المزعجة كباقي الأزواج تحت النار، توعّد فيكتور له، بينما بدأ التخطيط للاستعداد لموجة جديدة من الأطفال في غضون حوالي تسعة أشهر، ويبدو أن الليلة ستكون صاخبة.